نايف بعد تفجيرات عمّان

العودة المنتظرة للعنف الوهابي الى داخل المملكة

نايف وشماعة العقيدة السمحة

منذ أكثر من عام، والحديث يتواصل عن احتمال تصاعد العنف في المملكة في حال جرى التضييق أو إخماد العنف السلفي في العراق والذي يقوده بدون منازع مصعب الزرقاوي. ذلك أن تجربة المملكة والعرب جميعاً مع العائدين من أفغانستان تفتح باب الإحتمال هذا على أوسع نطاق، وتجعله أقرب الى الوقوع، بل أن احتمالات وقوعة شبه مؤكدة.

والمملكة التي تعدّ صحفها ضحاياها في العراق، وتتكاثر فيها بيوتات العزاء لقتلاها في العراق بشكل شبه يومي.. المملكة ـ وحسب إحصاءات وزارة الداخلية ـ تتوقع أن نحو ثلاثة آلاف مواطن سعودي قد عبروا الحدود الى العراق، أكثرهم قد دخل الأخيرة عبر الحدود السورية، وهي الحدود الأكثر تسامحاً في تسريب المسلحين الى الداخل العراقي من أجل تنفيذ العمليات العسكرية ـ الإنتحارية بشكل خاص؛ حيث قدّرت مساهمة السعوديين في العمليات الإنتحارية بين 67% ـ 75% من مجمل العمليات الإنتحارية.

الأمير نايف وزير الداخلية في حديث صحافي له يوم 11/11/2005، تشجّع على الحديث ـ ربما بفعل تفجيرات عمّان ـ فيما يتعلق بالمواطنين السعوديين الذي يشكلون النسبة الأهم من بين كل العرب المساهمين في القتال داخل العراق. وقد حاول الأمير أن يلقي باللائمة على الدول المجاورة للعراق عربية وإسلامية ـ في إشارة الى سوريا وإيران ـ بأنها تفتح أبوابها أمام السعوديين للدخول الى العراق؛ متناسياً أن سعوديين كثيرين عبروا حدود بلادهم الطويلة الى العراق؛ ومتناسياً أيضاً أن مصنع العنف لا يكمن في بلد أكبر من السعودية نفسها؛ وأن اللائمة ليست على من سمح للمقاتلين السلفيين السعوديين بدخول العراق بقدر من (صنّع) الفكر والرجال الذين يقاتلون، وهذا امتياز سعودي خالص لا ينافس السعوديين فيه أحد. ولعل هذا ما حدا بكونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية ـ الطلب من السعودية بذل الجهد أكثر لتطويق الإرهاب؛ خاصة وأن السعوديين ـ المسؤولين ـ يعلمون بأن افواه النقد تجاههم مغلقة من الجانب العراقي، انسجاماً مع الأجندة الأميركية، وإلاّ فإن مساهمة السعودية في العنف العراقي مالاً ورجالاً لا تضاهيها المساهمة السورية او الإيرانية.

إن مطالبة نايف السوريين دون أن يسميهم بقوله: (اضبطوا حدودكم)، يردّ عليه بسهولة بالقول: (إضبطوا شبابكم، واضبطوا مشايخكم صنّاع فكر التكفير والعنف، واضبطوا الأموال التي تجمع تحت سمع وبصر الدولة لتنتقل الى الزرقاوي، واضبطوا الفتاوى التي يخرج بها علينا وعاظ سلاطينكم والتي تجيز القتل والعنف وتدفع بالشباب الى الهلاك).

تكرار التجربة الأفغانية

ولأول مرة يعبّر نايف فيها عن خشيته من تكرار السيناريو الأفغاني، الذي ولّد عائدوه فروعاً عديدة في معظم البلاد العربية ـ وبينها السعودية ـ لتنظيم القاعدة. يقول نايف حول إمكانية تكرار السيناريو: (إن هذا متوقع ومأخوذ فى الحسبان ونحن نحرص على متابعة هذا الامر ونعمل على الاتصال بالسلطات العراقية والدول التي لها قوات في العراق مثل الولايات المتحدة وبريطانيا لتسليمنا السعوديين الذين يتم القبض عليهم كي نستطيع أن نصحح أوضاعهم، فمسألة أن تتحول تنظيمات في العراق على غرار ما حدث في أفغانستان هو أمر وارد، ونحن نأخذه في الاعتبار، ونحرص ايضا على قلة خروج السعوديين إلا من تحايل).

وأضاف: (لا أحد يستطيع منع أحد أن يخرج بطريق غير مشروع، لكن هناك بعض الأشخاص الذين يسافرون الى دولة سواء كانت عربية أو اسلامية ومن هناك يذهبون إلى العراق. هذا احتمال قائم ومصدر خشية ولا بد ان يلقى الاهتمام اللازم، ونحن نبذل جهودا مع كل الجهات ومع كل الدول التى لها وجود فى العراق والدول المجاورة له مثل ايران وتركيا وسورية والاردن. وان شاء الله سوف نستطيع أن نتعامل مع هذه الامور التعامل الفاعل والايجابي الذي يمنع تكرار ما حصل في أفغانستان).

الأمير نايف لا يستطيع منع سفر المسلحين الى الخارج لينضموا الى الزرقاوي، ولكنه يستطيع منع الإصلاحيين من السفر، فهؤلاء مسالمون ويعملون في العلن، وأولئك عنفيون ويعملون في السرّ. قد يبدو هذا صحيحاً، فالمنع الكامل صعب، ولكنه يستطيع أن يخفف من الأعداد الذاهبة الى هناك. لكن السؤال: لماذا لا يستطيع نايف، وهو المقرب جداً من الفئات السلفية، وأحد أهم الأعمدة في الدولة دعماً للتيار السلفي بكل صنوفه، لماذا لم يستطع إقناع مشايخه ودعاته ومروجي العنف بينه من (إغلاق أفواههم) المحرّضة على الذهاب الى العراق؟ ولماذا لم يحاسب الداعين الى نقل المعركة الى العراق بدل القيام بتفجيرات في السعودية، كما قال أكثر من شخصية وبينهم رئيس مجلس القضاء الأعلى؟ ولماذا سمح للفتاوى العلنية بالجهاد في العراق ـ وبمسوح طائفية ظاهرة ـ لعشرات المشايخ والدعاة الوهابيين؟ ولماذا لم يستطع نايف من تخفيف الخطاب العنفي للوهابيين، بل قام بدلاً من ذلك بتعزيز موقع ذلك الخطاب في الإعلام وخاصة في التلفزيون، وبقي على حاله تقريباً في المناهج الدراسية، كما يشهد بذلك الجميع؟

تفجيرات عمّان: العدوى الى الرياض

لقد أشار العديد من الكتاب الغربيين، بأن المملكة تريد أن تنقل فشلها وأخطاءها وعنف دعاتها الى الخارج العراقي، لكي يصبح العراق بنظرهم مستنقعاً للقوات الأميركية. السعوديون يريدون من التفجيريين الوهابيين الذهاب الى ساحة الجهاد الحقيقية برأيهم في العراق، وليس مواجهة آل سعود في دولتهم الإسلامية المزعومة. وهذا ما قام به بعض الدعاة من خلال إقناعهم لقادة العنف بالتوجه الى العراق، وقد كان منظّر هذه الدعوة، سفر الحوالي وأمثاله.

للسعودية مصلحة في أن تقذف بدعاة العنف ضدها الى الخارج ليتحولوا الى شظايا على يد غيرها. والسعودية الى الآن لم تجرؤ على استخدام القبضة الحديدية ـ فعلاً لا قولاً ـ ضد القاعدة في الداخل بامتداداتها الفكرية والأيديولوجية؛ لأن ذلك يضع آل سعود في مواجهة الوهابية وجهاً لوجه، حتى من يعتقد بأنه معتدل بينهم؛ لأن من شأن هكذا مواجهة أن تفصل آل سعود عن محيطهم الإجتماعي النجدي المتعاطف مع القاعدة ومع الإنتحاريين.

إذن لا مانع عند آل سعود بأن يخرج المسلحون الوهابيون الى العراق، ومن يعود حيّاً أو سالماً تتولاه الأجهزة الأمنيّة، بالإعتقال، وإعادة التنشئة فيطلق سراحه من السجن، مواطناً صالحاً حسب المواصفات الوهابية. فلتترك إذن للقوات الأميركية القيام بالأعمال القذرة بالنيابة عن آل سعود، وليذهب دعاة الجهاد الى الجحيم العراقي، بدلاً من صناعة جحيم في السعودية نفسها. وإلا ما معنى أن ينتقل قادة ومنظرو التنظيم ـ فرع السعودية الى العراق ويقتلون؟ وما معنى أن يروج (وسطيو الوهابية!) وتقليديوها للجهاد في العراق دون السعودية؟ ولماذا لم يقم أحد من القاعدة باغتيال أمير أو وزير أو مسؤول، وتركز الضرب الدموي على المواطنين والأجانب؟ هل هناك تواطؤ؟ ربما! وهذا ما توصل إليه المحللون الأمنيون الغربيون (انظر العدد الماضي من الحجاز).

الإختلاف بين سيناريو أفغانستان وسيناريو العراق، بنظر السعودية، هو أن السيناريو العراقي لم يحظ بدعم رسمي علني، وبالتالي فإن المنخرطين فيه هم أقل من المنخرطين في السيناريو الأفغاني. ولعل الحكومة السعودية تأمل بأن يتم قتل معظم السعوديين المغادرين الى العراق، ومن ثمّ فإن من سيتبقى سيكون أقلّ عدداً وبالتالي أقلّ خطراً. وهنا في السيناريو العراقي، لدى الحكومة الحجّة في الإعتقال والقمع، لأنها لم تساند رسمياً القتال في العراق، فيما حجّتها بشأن الأفغان العرب ضعيفة، ولطالما ووجهت الحكومة بتساؤل: لماذا تعتقلون العائدين من أفغانستان، وهم صناعتكم الدينية والسياسية، فهم ما خرجوا إلا بتحريض مباشر وعلني منكم ومن مؤسستكم الدينية؟!

العنف في عمّان هل يُستنسخ في الرياض

في موضوع متصل، يبدو أن تفجيرات عمّان الأخيرة قد أثارت الرعب في المملكة؛ ذلك لما شهدناه من استنساخ العنف الزرقاوي في المملكة (مثل حزّ الرؤوس)، ولحالة التناغم بين تيارات القاعدة في المملكة والعراق (رسائل الزرقاوي الى قادة القاعدة في السعودية والرد عليها) وتسمية العمليات العنفية في المملكة بأسماء عراقية. ولأن المسؤولين الأمنيين في المملكة، قد نفخوا صدورهم زهواً بالقضاء على معظم رؤوس القاعدة، وأفشلوا خططهم في تدمير مؤسسات الحكومة؛ فإن الإحتمال المتكرر دائماً هو استهداف المواقع السهلة. ومن أهم المواقع السهلة ـ كما تحكي التجربة الأردنية ـ الفنادق.

صحيح أنه لا توجد بارات! ومنكرات في الفنادق ـ حسب التوصيفات السلفية ـ على النحو الموجود في عمّان، لكنها لا تخلو منها بمقاييسهم؛ فضلا عن أن حجّة القاعدة في تفجيرات عمّان قابلة للإستنساخ هي أيضاً: وجود جواسيس! قد يكونوا أمريكان وغربيين، وقد يكونوا علمانيين محليين! وقد يكونوا شخصيات رسمية تنتمي الى أنظمة كافرة! هذه الخشية دفعت أحد الصحافيين لسؤال وزير الداخلية عن الإجراءات الأمنية التي تتخذ في الفنادق عقب الحوادث الإرهابية في الأردن. هنا قال الأمير نايف: (قبل أن تقع الحوادث في الاردن هذه أشياء متوقعة ومأخوذة في الحسبان، ووزارة الداخلية تعمل مع كل الجهات المعنية سواء الحكومية أو الخاصة بوضع الإحترازات الأمنية الفنية والبشرية التي تمنع دخول محظورات الى أي مرفق من مستشفيات وفنادق أو مؤسسات، ولكن على الجميع أن يتعاونوا ويأخذوا عنصر الأمن والسلامة فى أي بناء يكون فى أولويات ما يؤخذ، فكل الأجهزة الأمنية تعمل لتحقيق هذا الأمر).

من الواضح أن وزير الداخلية يعلم بأن الإجراءات المتخذة غير كافية، وإن تشديدها ليشمل مئات بل آلاف المراكز والمباني أمرٌ صعب وربما يكون مستحيلاً، فضلاً عما تنتجه من آثار سلبيّة في تقييد حركة المواطنين، وجعل البلاد وكأنها غابة أمنيّة، الأمر الذي قد يُفسر بأن الوضع الأمني غير طبيعي وخطر وغير مستقر. في ذات الوقت، استبق الأمير نايف أي حادث يقع في المستقبل بأن حمّل (الجميع) المسؤولية بأن يتعاونوا، في حين أن المسألة تتعلق في معظمها بإجراءات الداخلية وليس أحداً آخر، حتى الحمايات الخاصة. وتفيد الأنباء أن عدداً غير قليل من رجال الأعمال المحليين والأجانب، بدأوا مبكراً بتأمين سكن خاص في فيلل وشقق مفروشة، بدل الإقامة في فنادق الخمس نجوم، خشية وقوع مكروه لهم، مع أن بعض الفنادق تحوي قدراً أوّليّاً من الإجراءات الأمنية، ولكنها غير محصّنة تجاه أشخاص يبحثون عن تفجير أنفسهم بأي صورة من الصور، على غرار ما حدث في الأردن.

وفي موضوع آخر، لا علاقة له بالأمن، ولكنه يثير السخرية، فإن وزير الداخلية نايف تحدث عن تعديلات إدارية للمناطق، في إطار الإصلاح العجيب في السعودية، خاصة فيما يتعلق بموضوع الإنتخابات البلدية التي ولدت فماتت. إذ لم يبرر نايف لماذا لم تنعقد المجالس البلدية حتى الآن رغم أن الإنتخابات قامت وانتهت بداية العام الميلادي؟ لماذا لم يتم تعيين النصف الآخر من الأعضاء؟ ولماذا لم تعقد أية اجتماعات حتى الآن لتسلّم المجالس البلدية مهامها؟ فهل كان على الناس أن ينتخبوا أشخاصاً ليجلسوا في بيوتهم؟ لقد رمى نايف مرة أخرى الكرة في ملعب أخيه الملك، وهناك من تحدث عن حزمة إصلاحات، في حين لا يوجد في المملكة إلا حزم قمع واستبداد، وإن آخر ما يفكر فيه الأمراء هو الإصلاح. حتى ما بدء به من نصف انتخابات بلدية لم يطبق حتى الآن. وهذه هي الديمقراطية والإصلاحات السعودية على أصولها. حتى متطلبات الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية والمراقبة للشأن القضائي والقانوني السعودي، لم يشأ نايف أن يلتزم بإصلاح وزارته وفق المعايير الدولية التي وقعت عليها الدولة؛ فهو يطبّل حول فكرة أن الأمن مهم! وأن العقيدة مأخوذة في الحسبان! وهذه من المصدّات التي يضعها الأمير بإزاء أي تغيير أو إصلاح أو تعديل أو تطوير حسبما يحب الأمير أن يسمي!

الصفحة السابقة