الاصلاح مشروطاً

جـدليـّة الأمـن والديمقـراطيـة

في النظرة الى العلاقة الحميمية بين الامن والديمقراطية تتفاوت زوايا النظرة، فبينما تنظر العائلة المالكة الى الأمن كضمانة وصمام أمان حيال أي تخلخل في السلطة وتفتتها، أي كقوة كابحة لأي محاولة اقتطاع جزء من السلطة فضلاً عن الاطاحة بها، وفي الوقت نفسه مانعة للتنازل ديمقراطياً، حيث أن التجارب السابقة تفيد بأن التحركات الشعبية المطلبية تنتعش مع إرتخاء الوضع الامني واضطرابه، فيما تخمد مع استتباب الأمن ورسوخه، فإن الادارة الاميركية تنظر الى ضرورة العمل على إشاعة الديمقراطية في أوضاع أمنية مستتبة، حيث أن الامن وحده الكفيل بتحول ديمقراطي هادىء لا ينطوي على مخاطر زوال السلطة او اختطافها من قبل القوى المتشددة. بالنسبة للتيار الاصلاحي يبدو الأمر أشد وضوحاً ودقة من حيث علاقة الاوضاع الامنية إضطراباً واستتباباً بالديمقراطية وجوداً وعدما، حيث يرجع التيار الاصلاحي، بحسب فحوى سلسلة العرائض التي تقدم بها الى القيادة السياسية، اختلال الوضع الامني وتصاعد أعمال العنف بسبب غياب هامش من الديمقراطية يسمح للتباينات الداخلية بالتعبير عن نفسها عن طريق وسائل سلمية وعلنية، وهذا الغياب مسؤول عن لجوء بعض الجماعات الى النشاطات السرية والمسلّحة.

ثمة توصيات مبدئية لصنّاع السياسة الاميركيين تتضمن: تطوير خطة محكمة في حال وقوع حدث كارثي في السعودية، يترافق مع تغطية الاحتياجات الامنية والعسكرية السعودية وهكذا مقترحات لمجلس التعاون الخليجي، وتشجيع تحسين وتحديث رئاسة الاستخبارات العامة، وجهاز المباحث بما في ذلك أقسام البحث والاستخبارات البشرية والتفكير الاستراتيجي، وحث الحكومة على التفاعل مع الجهود الدولية في مجال حقوق الانسان والعمال بحسب المعايير الدولية، واختبار وتحليل نفوذ العلماء والمؤسسات الدينية في السعودية، وهكذا حثها على تطور الاصلاح والدمقرطة في البلدان المجاورة، ومراقبة تأثير السعودية على الوضع الامني في العراق، وتشجيع الحكومة السعودية في جهودها لزيادة المشاركة الشعبية والشفافية الادارية.

إستراتيجية الامن

تبقى السعودية قوة سياسية واقتصادية رئيسية في المنطقة وعلى مستوى الشرق الاوسط، وأن دخلها من النفط أمدّها بقدرة مالية عالية في ترسيخ نفوذها القوي في هذه المنطقة وبخاصة في الدول العربية النامية والفقيرة والتي تعتمد على المساعدات السعودية. وأكثر من ذلك، فإن نفوذها الاسلامي كان واضحاً على الاقل خلال العقدين الماضيين في العالم الاسلامي، في الوقت الذي تحتفظ بروابط استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، لعدة عقود.

ظلت الحكومة السعودية تتمسك بإلحاح على أن الخيار الامني وإستعمال القوة بصورة فارطة وحده الكفيل بالقضاء على العنف وضبط النظام، وقد تبين لاحقاً بأن الخيار الأمني يقصر عن القضاء على منابع العنف ومصادره. إن تصريحات لولي العهد الامير سلطان ووزير الداخلية الامير نايف في الاونة الاخيرة تلفت الى تعديل في الرؤية الرسمية حيث باتت العائلة المالكة تميل الى تبني رؤية التيار الاصلاحي في محاربة العنف، عن طريق إمتصاص مصادر التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي واستعمال خيار الاصلاح الفكري واشاعة ثقافة دينية متسامحة كفيلة بالقضاء على مبررات التطرف ومصادر التوتر الامني.

وكما هو معلوم فقد أنفقت الحكومة مبالغ طائلة على تحديث القوات المسلحة، وقد تطلبت المصالح الاستراتيجية السعودية بناء قوة جوية مقتدرة بسبب الطوبغرافية الواسعة وغير القابلة للسكن والتوطّن. إن حلم ابن سعود في بناء قوة دفاعية الى جانب التحالف مع قوى خارجية قوية أنتجت قوة جوية وقوة دفاع جوي قادرة على فعل حازم تحت مختلف الظروف. ولكن رغم ذلك، فإن الجيش والقوات البحرية والجوية غير قادرة على التعامل مع الهجوم المباغت والقوي دون مساعدة خارجية. فقد تسببت حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات في إنخفاض مداخيلها وأنفقت ما يربو عن 55 مليار دولار في هذه الحرب، وقد كان لذلك إنعاكسات مباشرة على الوضع الامني الداخلي.

علاوة على ذلك، فإن الضغوطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المملكة قد تزامنت مع بروز ظاهرة التطرف الديني في الداخل بوصفها أحد مصادر التهديد الرئيسية للأمن، والتي ربما جاءت على خلاف التوقعات الرسمية بوجود أخطار خارجية تحدق بكيانية الدولة. لقد دخلت القوات المسلحة وأجهزة الامن الداخلية في الحرب على التطرف والعنف، ولكن بقي السؤال الجوهري قائماً: كيف يمكن للدولة أن تطوّر خطاباً مناهضاً لنزعة التطرف وميول التشدد دون الحاجة للجوء الى القوة المجردة؟.

قبل سلسلة الهجمات المسلّحة والانتحارية التي شهدتها المملكة منذ عام 2003 والتي ألهبت المشاعر داخل البلاد وخارجها، كان المراقبون يتنبأون بأن الاستعمال المفرط للقوة، والتعاون الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة في التدريب على الحرب على الارهاب سيضع حداً لنمو التطرف وسيقطع دابر جماعات العنف، ولكن هذا لم يحصل بدرجة حاسمة وقاطعة، والسبب في ذلك يعود بدرجة أساسية الى أن هذه الظاهرة لا تحل بمجرد الاصطدام مع الضالعين فيها، ولكن بمعرفة مصادر نشوئها وأسبابها ومناطق انتشارها والمنابع الايديولوجية التي تمدّها بالمسوغات والافكار التحريضية، أي بكلمات أخرى ممارسة عملية نقد لمكوّنات الايديولوجية الدينية وتالياً بدء عملية اصلاح شاملة وجوهرية في مجمل هياكل الدولة.

الإصلاح المتباطىء

إن الانتقاد المتكرر والشديد ضد الحكومة السعودية كونها أعدّت أجندة ضيقة وبطيئة للغاية في طريق التغيير. وكان التبرير الدارج حسب المصادر الرسمية الداخلية أن تركيبة الدولة والمجتمع مؤسسة على مبادىء دينية، الامر الذي يتطلب تحركاً حذراً في طريق الاصلاح والتغيير.

يعبّر النظام عن رؤية محدودة جداً في درجة الدمقراطية المتخيّلة بالقياس الى القوى الاجتماعية المختلفة في البلاد والتي تفضّل تقدّماً أسرع نحو الحريات. غالباً ما تنسب الدراسات حول السعودية المجتمع الى سلوكيات جد محافظة بالقياس الى مواطني الدول المجاورة، بل يبالغ البعض في تصوير المجتمع من جهة نزعة المحافظة السائدة فيه الى أنها أشد من الطبقة الحاكمة، وبالرغم من أن هذا الرأي قد يصدق على بعض المناطق من البلاد، وتحديداً في نجد، ولكن النخب الدينية والسياسية والمحافظة تضع هذه الرؤية في سياق مناصرة فكرة التغيير البطيء. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية تواجه مجادلات مناقضة لها اليوم بفعل تنامي الاتجاه الاصلاحي الشعبي في أغلب مناطق البلاد بما في ذلك المناطق الاشد محافظة. فكثير من الشباب يتطلعون اليوم الى المزيد من الاصلاحات والانفتاح بقدر أكبر من جيل آبائهم، وباتوا يمارسون نقداَ شديداً لازدواجية العائلة المالكة في مجال الحكم وهكذا الفساد المالي والاداري.

وتمثل البطالة عاملاً أساسياً من عوامل عدم الاستقرار الداخلي، حيث إرتبطت ظاهرة البطالة بظاهرة العنف وأشكال التمرد والجريمة في مستويات مختلفة. وكانت الحكومة قد أعلنت سياسة السعودة لقوة العمل بالرغم من أن الاعراف الاجتماعية لا تشجّع المواطنين على قبول بعض الوظائف.

خلفية الإصلاح

الإنتخابات البلدية مجمّدة

إن من أهم خصائص الفعل الاصلاحي الذي إضطلعت به جماعات المعارضة السعودية والعرائضيون الليبراليون أنه أرسى طريقة جديدة في إعادة بناء السلطة وفي المشاركة السياسية، مع المطالبة بالقليل من الاصلاحات فيما بقيت الاحلام الكبرى في الاصلاح مؤجّلة، ولكن الحكومة حقّقت القليل مما طالب به التيار الاصلاحي.

تتحدث الاصوات الداخلية عن الاصلاح السياسي، فيما ينادي بعضها بنموذج اسلامي ليبرالي الى حد ما، وان كانت هذه الاصوات غير واثقة من تأثيرات الاصلاح، فيما إذا كانت ستقلل أم تعلي من شأن أصوات دينية سلفية متشددة. إن ما يمنح التطرف الديني قوة ملفته هو كونه يأتي في سياق توترات أخرى داعمة له، ومن أبرزها تردي الاوضاع المعيشية والخدمات العامة والاوضاع الاقليمية المضطربة.

يعتقد المراقبون الاجانب بأن غياب العلمنة في السعودية، أو المساومة المقفلة على السلطة السياسية والايديولوجية الوهابية يمثّل جذر المشكلة ومصدر الكثير من التوترات الداخلية السياسية والامنية والاجتماعية. وبالرغم من أن الوهابية ليس أيديولوجية متماسكة ومتجانسة الا أنها تنطوي على أفكار عقدية تملي نمطاً من العلاقات الداخلية غير المتناغمة، أي بمعنى انها تملك قابلة التقسيم على أساس موالين وخصوم، او مع أو ضد، وإذ كانت تلك الايديولوجية قد تسببت في إحداث شروخات داخل المجتمع المنضوي تحت الدولة السعودية فإن هذه الايديولوجية قد تسببت لاحقاً في إلحاق أضرار فادحة بالدولة ذاتها، التي وفّرت شروط نشأتها واستمرارها وانتشارها، وهي ذات الايديولوجية التي تتحمل عبئاً كبيراً من مسؤولية اضطراب الاوضاع الامنية بالقدر الذي تمثله من عامل تعويق لعملية التحول الديمقراطي داخلياً. ومع ذلك، يلزم التشديد دائماً على أن مسألة التحالف المصيري بين العائلة المالكة والمذهب الوهابي، لا بكونه مجرد مصدر شرعية النظام ولكنه أيضاً كعامل توحيد اجتماعي في مركز السلطة نفسها، فالمجتمع الوهابي ـ إن صحت التسمية ـ تمثل حاضنة للسلطة وقاعدة لها ومصدر حماية أيضاً، سيما في حال عدم وجود بديل ايديولوجي يضاهي في قوته وتأثيره يدفع الدولة للمراهنة عليه، بالنظر أيضاً لما قامت به الدولة من عملية تقسيم داخلي وتعزيز للفوارق المجتمعية كاحد مصادر قوتها واستمرارها.

تدرك العائلة المالكة المخاطر التي تكمن في البنية العقدية للوهابية والخسائر الفادحة التي ألحقتها بالدولة على الاقل في العقدين الاخيرين، وإصرار أقطاب المذهب على تصدير فكرة الجهاد للخارج والتي خلقت مشكلات جمّه للعائلة المالكة في الداخل والخارج، ولربما يعود أكبر تخلخل أمني الى انفجار ظاهرة العنف على قاعدة دينية وهابية. في المقابل، هناك في العائلة المالكة وخارجها أيضاً من يرى بأن الوهابية تمثل حجر أساس في النظام السعودي وأنها تمثل جزءا من المساومة السياسية، وقد جرى استعمالها كفلسفة ووسيلة تعبئة للتحالف بين آل سعود وآل الشيخ لجهة تعريف الدولة، وقد ذهب البعض الى أن المذهب قد جرى تطويعه بمرور الوقت من كونه متطرفاً وقاسياً الى مرحلة يكون فيه متكيّفاً كما يظهر من فتاوى هيئة كبار العلماء لجهة شرعنة سياسات الحكام السعوديين، ودعوة القوات غير المسلمة للدفاع عن المملكة، حتى لا تواجه مصير جارتها الكويت.

وعلى أية حال، فإن الاتجاهات السلفية الجديدة تمكنّت من اختطاف الاضواء والتأثير لدى هيئة كبار العلماء، وأصبحت الرموز الجهادية أقدر على توجيه الشارع السلفي بقدرة كبيرة وفي الغالب ضد رغبة الحكومة، وهي إتجاهات برزت كظواهر مناوئة للغرب وبخاصية عدم التوافق والمساومة السياسية.

ويراهن كثيرون على أن الوهابية وحدها القادرة على شرعنة تحديث الدولة وربما دمقرطتها أيضاً، بشرط إستئصال التطرف واحتوائه داخل المملكة وخارجها، وهو رهان حالم، وقد يعود الى تأثير الحملة الدعائية المضادة التي قامت بها السعودية في الفترة الاخيرة، حيث أن الثابت في قراءة الوهابية أنها عارضت على الدوام أي فكرة إصلاحية مهما كان حجمها، وقد جرى إقحام علماء المذهب في حملات الدولة ضد الاصلاح ومقاومة التغيير، ويكفي أن برامج التحديث التي إعتمدتها الدولة منذ بداية السبعينيات عطّلت جانب التحديث السياسي والاجتماعي الامر الذي أحدث انفصاماً داخلياً في المجتمع والدولة بحيث عجزت منجزات الحداثة عن التعايش مع تصلّب التقاليد والاعراف الاجتماعية. بل يمكن القول أن هذا الانفصام والتناقض بين التحديث المنقوص وترسيخ القيم الاجتماعية القديمة هو المسؤول عن نشأة ظاهرة التطرف، التي جذبت الها أفراد ولدوا في هذه المرحلة وتشربوا خلالها أفكار التطرف ليشيعوها عبر وسائل اتصالية متطورة وفي نهاية المطاف الالتحام بالواقع بصورة دموية.

هناك ميل شديد لدى بعض أجنحة العائلة المالكة الى تبرئة المذهب الوهابي من الضلوع في العنف وهي محاولة لدفع اتهامات المشاركة بأي مستوى في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فقد أرجع الامير نايف وزير الداخلية نشوء ظاهرة التطرف والعنف المسلّح الى فكر جماعة الاخوان المسلمين في مصر، فيما عقد رابطة بين هجمات نيويورك وواشنطن وبين الصهيونية. وفي حقيقة الأمر، أن تلك محاولة من الامير نايف تأتي لزرع الانطباع بأن التطرف الديني بأشكاله المسّلحة هي (بضاعة مستوردة) من الخارج وليس نبتاً محلياً أصيلاً، وهذا يعني في الوقت نفسه أن مصادر الاضطراب الامني ليست بالضرورة محلية أيضاً. الجدير بالذكر، أن بيانات وزارة الداخلية في بداية الهجمات المسلّحة والمواجهات مع جماعات العنف كانت تسلّط الضوء على الأشخاص الضالعين من غير السعوديين، وكان الهدف من وراء ذلك واضحاً. ولكن مواقع الجماعات الجهادية السعودية وبياناتها على شبكة الانترنت كفيلة بإسقاط مصداقية البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية، والتقليل من شأنها.

في حقيقة الأمر، إن مستقبل الأمن في السعودية سيعتمد في السنوات القادمة على سلسلة برامج عملية كفيلة بامتصاص التوترات الامنية والسياسية والاجتماعية. قد تلعب الولايات المتحدة دوراً في هذا الصدد، ولكن بالتأكيد لن تصل الى ممارسة ذات الدور الذي لعبته في أفغانستان والعراق، ولكنها في الوقت ذاته لن تقطع أو تضعف كثيراً روابطها بالسعودية، التي تملك أوراق ضغط هامة: النفط، الوضع الامني في العراق، والسلام في الشرق الاوسط، وبالتالي فالادارة الاميركية لن تضع حليفها الاستراتيجي في موقع مستحيل، بحيث تمكّن قوى التشدد من فرض إجندتها في التغيير والاصلاح. ثمة رأي يسود في الاوساط السياسية الاميركية يفيد بأن إدارة الرئيس بوش باتت راضية عن أداء الحكومة السعودية في مجال الاصلاح التدريجي وأيضاً في مجال محاربة الارهاب. وكانت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس قد أشادت في زيارتها الاخيرة للبحرين في شهر نوفبر بمناسبة انعقاد منتدى المستقبل لدعم الاصلاحات في الشرق الاوسط بجهود السعودية في محاربة الارهاب. ولذلك فإن الولايات المتحدة تراهن على علاقة متميزة مع الملك عبد الله دون الاضرار بموقعه وسياسته في التغيير، وسيكون ذلك مبرراً، على الاقل، للادارة الاميركية من أجل إعادة توثيق روابطها مع المملكة.

هناك بلا شك داخل الولايات المتحدة وخارجها من يربط وبصورة متوازية بين مستقبل الامن والاستقرار في السعودية بمستقبل الاصلاح، وهناك من يرى بأن السعودية بدون إصلاحات ستنتهي الى دولة فاشلة، وهناك من يرى بأن السعودية قد تشكل راهناً بيئة متخاصمة مع الحرب على الارهاب، وهناك فئة ثالثة تقول بأن المواطنين السعوديين الذين يتمتعون بقدر معقول من الحريات هم أقدر على حفظ الامن والدفاع عن بلادهم ضد التطرف والعنف.

وكان عدد من الباحثين في الشؤون السعودية قد نفوا أن يكون هناك تعارض بين تحسين أداء القدرة الاستخبارية والامنية وبين اللبرلة، وأن تطور كليهما يجب أن يتم بحسب المعدلات المحلية وبحسب المواصفات المحلية أيضاً.

ماهو نوع الاصلاحات الديمقراطية؟ سؤال يتصل بالأمن بصورة غير مباشرة ولكنه يلامس جوهرها وهو في الوقت نفسه يلفت الى مسارات الاصلاح الرئيسية. فالدعوات للاصلاح من أعلى تمثل علامة فارقة بالنسبة لأنصار الديمقراطية في الشرق الاوسط. فهناك طيف واسع من الديمقراطيين ينظر الى تصدّع النخبة الحاكمة وانحسار نفوذها في المجال الحيوي للمجتمع يمثل وضعاً مثالياً مأمولاً لمعالجة التطرف. ومايربط بين هؤلاء جميعاً اعتقادهم المتأخر في الربط بين الفعل الداخلي المتزامن مع الضغط الخارجي، إذ أصبح الجميع على قناعة بأن الانظمة الشرق أوسطية قد أحاطت نفسها بأحزمة حماية حديدية وسلسلة من أجهزة القمع الامنية والعسكرية والاستخبارية، الامر الذي جعلها تتغوّل قبالة أية تحركات شعبية سلمية لا تملك غير الهتاف واطلاق نداءات الاستغاثة للحكام. ولذلك يميل كثير من أنصار الديمقراطية الى ترجيح العامل الخارجي في الضغط من أجل الاصلاح الديمقراطي الحقيقي، رغم عيوب وملابسات الخارج في إيصال التطلع الاصلاحي الى مديات مقبولة محلياً، خصوصاً في الدول المرتبطة بمصالح استراتيجية مع القوى الخارجية الضاغطة.

في المملكة، كما في قلة من دول الشرق الاوسط، يواجه التيار الاصلاحي تحدياً مزدوجاً من الدولة والقوى الدينية المحافظة التي تعزف عن بديل غير اسلامي للاصلاح أو حتى الاصلاح في هيكلية الدولة بما يفضي الى انحسار نفوذها الايديولوجي والاجتماعي، مع أن هذا التيار لم يطالب بحسب عرائضه المرفوعة الى القيادة السياسية بأكثر من اجراء اصلاحات سياسية غير متصادمة مع الدين ومعتقدات المجتمع. وفي الوسائل، يعتنق التيار الاصلاحي مبدأ المجتمع المدني الفاعل وينادي بإنشاء مؤسسات أهلية نشطة تمارس دور الرافعة للمجتمع والدولة وتمارس دور قنوات التعبير عن حاجات الناس وتطلعاتهم، أي التحول الى وسيط بين المجتمع والدولة من أجل إمتصاص التوترات الداخلية بكافة أشكالها والسماح للأفكار والمطالب للتعبير عن نفسها في الهواء الطلق دون قيد أو شرط، وهذا من شأنه توفير أرضية صالحة لبناء نظام أمني لا يتوسل بآليات صمّاء قد تتعامل مع الاجساد ولكنها لا تفني الافكار والمطالب والحاجات.

الصفحة السابقة