صحوة (مؤتمر مكة): دعاية خاوية للنظام السعودي

لماذا لا يحاربون التطرّف الوهابي السعودي؟

الشيخ عبدالله فدعق: المنع من التدريس في منزله!

تبدو السياسة الخارجية السعودية فاعلة هذه الأيام؛ أو هي بدأت بالتحرك والفاعلية من جديد بعد سبات دام سنوات طويلة استمرت منذ حرب غزو الكويت وحتى الآن.

قد تكون المرحلة مجرد صحوة مؤقتة أملتها ظروف ما بعد موت الملك فهد.

وقد تكون الصحوة الجديدة مجرد مصادفة لوقوع بعض الأعمال في فترة محدودة.

وقد يكون الملك الجديد بصدد إعادة الحيوية للعلاقات السعودية الخارجية كجزء من تهيئة بلاده للدور الجديد الذي يجب أن تضطلع به وفق متطلبات السياسة الأميركية، وبالخصوص فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ومحاولة تلمّس الدور القادم الذي يجب ان تلعبه، حماية لذاتها من الغول الأميركي، ولكن عبر إرضائه.

وقد تكون للطفرة النفطية (التي سببتها الزيادة الهائلة لإيرادات النفط وأسعاره) دور في إعادة الحيوية للسياسة السعودية التي تعتمد في الأساس على ما تقدمه المملكة من أموال وهبات وهدايا وشراء ضمائر. تلك السياسة التي أصابها العطب بعيد حرب الخليج، فأصبحت المملكة في مواجهة مع الأقربين والأبعدين الذين تخلوا عنها لأن سياسة الدفوعات المالية توقفت أو بالأصح تقلصت بسبب المشاكل الداخلية التي أفرزها وضع اقتصادي غير مريح بسبب تراجع إيرادات النفط وتغطية تكاليف الحرب على العراق وما بعدها.

ولربما يكون السبب كل هذا.

وسواء كانت السعودية تعيش صحوة في سياستها الخارجية مؤقتة أو دائمة بدوام الإيرادات النفطية العالية، فإن من الثابت فيما يتعلق بعدد غير قليل من المدعوين لحضور (مؤتمر مكة) الإسلامي الأخير، أن الحكومة السعودية حشدت الكثيرين عبر دفع أموال هائلة لإغراء الحضور وبينهم رؤساء دول؛ حتى أن أحد المراقبين العارفين بدواخل الأمور علق على ذلك بالقول أن بعض الرؤساء الأفارقة لم يحضروا إلا بعد أن تعهد السعوديون دفع بعض المبالغ (الشخصية) لهم، وتراوح التفاوض بين مليون الى مليوني دولار لكل رئيس وفد! فياله من ثمن بخس!

الخيخة وخطبة المليون خطأ في المؤتمر

سياسة البترودولار بدأت تعمل بزخم أكبر من السابق، ولما تصل الى كامل طاقتها بعد.

المهم أن المملكة وخلال الشهرين الماضيين دفعت باتجاه أمرين، كلاهما يتصل في النهاية بالإستراتيجية الأميركية، أولهما موضوع العراق، فبعد التعليق الساخن لسعود الفيصل، وزير الخارجية، حول الدور الإيراني في العراق، بدا ذاك وكأنه يمهد الطريق لدور سعودي أو لنقل لمبادرة سعودية انتظرها الكثيرون، وتتلخص في نقطة حاسمة: القبول بالوضع العراقي كما هو، بحيث يتم الإعتراف بالنظام الجديد المنتخب شعبياً، وبحيث تفك العزلة عنه، وتحارب القوى المسلحة أياً كانت حجتها. ينبغي القول هنا، أن قناعة الدول العربية عامة بنهاية العهد البائد لم تتأكد إلا مؤخراً، وكان رهانها على زعزعة الوضع أكثر من استقراره، ولكن بسبب عدم توقف العملية السياسية، إضافة الى الضغوط الأميركية التي واجهت أهم الدول العربية وبالخصوص سوريا ومصر والسعودية، اضطرّ الجميع الى الإنحناء. وقد تجسد ذلك في مبادرة الجامعة العربية، التي انطلقت في الأساس من العاصمة السعودية وبدفع وترحيب منها.

فالسعوديون في الأساس ـ وهذا عنصر قوتهم الذي فقدوه منذ 15 عاماً ـ هو أنهم يعملون على حشد الحكومات العربية خلفهم، وقيادتها باتجاه الأهداف التي تتناغم مع الإدارة الأميركية. في هذه المرة، لم يقم السعوديون بالدور منفردين، بل جعلوا من بوابة الجامعة العربية الوسيلة لتحقيق قرار جماعي عربي (طالما أراده الأميركيون) إيجابي باتجاه العراق، فالمملكة لم تذهب وحدها وبنفسها، بل ومعها الآخرون. مع هذا لا يمكن القول بأن قرار الجامعة العربية كان خاطئاً، وإن كان العراقيون يعتبون لتأخره.

لقد كان مؤتمر القاهرة إحدى وسائل السعودية لترضية الحليف الأميركي، وقد سعت لإقناع السنة العرب بالإنخراط في العملية السياسية، وقد تهيأت الظروف هذه المرة أكثر من غيرها، خاصة وأن السعوديين غير أثيرين لدى السنة العرب عموماً، ولكن الضغط الأميركي متعدد الإتجاهات على الدول العربية المجاورة ومصر، إضافة الى ضغوطها العسكرية العنيفة في الداخل العراقي، زحزحت بعض القناعات، فخرج مؤتمر القاهرة بقرارات إيجابية أهمها على الإطلاق قرار جدولة الإنسحاب العسكري الأميركي والأجنبي من العراق، وهو قرار لا بدّ أن يفعّل بصورة أو بأخرى على يد الحكومة العراقية التي ستفرزها انتخابات هذا الشهر.

مؤتمر مكة الطارئ

سلطان يمثل السعودية

ما الذي جعل عقد قمة للمؤتمر الإسلامي طارئاً؟

ما الذي حدث حتى يجتمع القادة هذه المرة في مكة؟

وما هي القرارات الطارئة التي صدرت عنه؟

بل ما هو الهدف السعودي بعيد المدى من التحرك السعودي؟

لنبدأ من الأخير.

بشكل مختصر يمكن القول بأن هدف المؤتمر لا يعدو ـ كما سنرى ـ حشد الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وكذلك إظهار تبنّي المؤتمر لاحترام قواعد حقوق الإنسان. وكلا الأمرين يمثلان عمق السياسة الأميركية الخارجية. بالطبع لا أحد ضد مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان! كيف يكون ذلك والمواطن العربي والمسلم قد جُرد من كرامته على يد المؤتمرين أنفسهم، وفي مقدمتهم آل سعود. إن ما جرى في المؤتمر مجرد تبني الشكل والإطار دون الجوهر، ليقوم السعوديون بعد ذلك ببيع المواقف للأميركيين وليقال بعدئذ أن المملكة تحارب الإرهاب وتساعد الولايات المتحدة في سياساتها.

في افتتاحية المؤتمر، أشار الملك السعودي عبدالله الى نهي الإسلام لعبودية الإنسان وتعزيزه مبادئ المساواة والحق والعدل، كما أشار الى أنه دين لم ينتشر بحد السيف، وأنه دين تنوير وتسامح وعدل. وتباكى عبد الله على الحضارة المجيدة التي وهنت وكيف ان (فكر العقول المجرمة عاث مفسدا في الأرض)، فتحولت الأمة الى (كيانات مستضعفة). كان يجدر بالملك بدل أن يلقي الخطب العصماء مع (مليون خطأ نحوي) أن يلتفت الى شعبه الذي استعبدته عائلته وأن يحقق المساواة والعدل بين الشعب وأن يرسي التنوير والتسامح بدلاً من دعم الوهابية المتطرفة والعنيفة والإقصائية والدموية. نحن نعلم ونؤمن بأن الإسلام دين تسامح وعدل ومساواة، ولكننا نعلم أن آل سعود لا يمثلون الإسلام، وما يهمنا على أرض الواقع ليس ما هي صورة الإسلام الحقيقية، فالصغير والكبير يعرفها، ولكن المهم، كيف يتصرف الحكام، الذين ابتليت امتنا بهم، والذين لا شغل لهم إلا التباكي الكاذب، فيذكرون الإسلام ومحاسنه، ويفعلون نقيضه.

وحين يقول الملك السعودي: (إن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء كما يزعم المارقون بضلالهم فالغلو والتطرف والتكفير لا يمكن له أن ينبت في أرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية). فإنه يتناسى حقيقة أن آل سعود ووهابيتهم قد انتشرت بالعنف والدم والمذابح التي أقاموها في كل اصقاع الجزيرة العربية، ويتناسى أن وحدة سعوديتهم لم تتم إلا بسفك الدماء، وأنه إذا كان صحيحاً أن الغلو والتطرف والتكفير لا ينبت في أرض متسامحة، فإنه مطالب آنئذ بأن يعترف بأن مملكة (أبيه) مفرخة لعدم التسامح والتكفير والإرهاب والتطرف كما قال ذلك كاتب سعودي (قينان الغامدي).

إن الإرهاب والتطرف المحلي ومعظم التطرف في العالم الإسلامي جاء من مملكة آل سعود ومن وهابيتهم، ومن يقول بغير هذا فهو جاهل أو متجاهل. ومن يريد التأكد فليقرأ كتب الغلاة والتطرف والعنف، فسيجد حينها أنها كتب طبعت وألفت في السعودية أو مولت منها. وإن لم يقتنع فلينظر الى أي مكان في العالم فيه عنف يقوم به مسلمون، وسيجد أن يداً سعودية هناك تموله أو سعوديين يشاركون فيه.

أما إلقاء التبعة على مجمع الفقه ليصنع المعجزات فهذا كلام تافه. كان الاولى بالملك الجديد أن يشير الى أن في بلاده عنف وإرهاب وأنها مصنع لهما؛ لا أن يزعم هو وإخوته بأن بلاده ضحايا للإرهاب.

الوهابية أساس التطرف والعنف

الدول العربية التي أرادت استخدام المتطرفين السلفيين ـ الوهابيين لتحقيق أغراضها كما فعلت السعودية، ارتد عليها التطرف ليعيث فيها الفساد اليوم. ولعل ما يجري في سوريا والأردن وغيرها دليل ساطع على ذلك.

كان الأجدر بالملك الجديد أن يصلح مناهج تعليم بلاده وإعلامها ومؤسستها الوهابية الرسمية قبل أن يدعو الى اصلاح تعليم الاخرين، وكأن المشكلة عامة، وليست خاصة بفكر وهابي متطرف، وبعقلية بدوية تتحكم في دولة تمشي مشي السلحفاة في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، وبسياسات تعضد مسيرة التطرف عبر تأكيد الواحدية الوهابية وتقويتها فتعيث الدمار في كل شيء: في المناهج التعليمية، وفي التراث المادي والآثار الإسلامية، وفي محاكمة الكتاب والصحافيين، وفي التغاضي عن تعديات رجال المذهب الوهابي ومؤسساته، وفي منع الحريات المذهبية غير الوهابية، وعبر إطلاق إعلام الدولة ليكون في خدمة رؤى الإنغلاق والتطرف كما هو جار اليوم تحت سمع وبصر العالم.

الوحدة، التسامح، بناء الحضارة، الشخصية المسلمة المتسامحة، التشاور، رفض الإنغلاق والعزلة واستعداء الآخر، التفاعل مع الإنسانية، انتشار الوسطية، القضاء على العوز والفقر، تنمية مسلمة شاملة، القضاء على الظلم والقهر، وغيرها من عبارات باهتة وردت في خطاب الملك عبد الله.. وحين يقرأها المواطن، لن يجد من جهة التطبيق إلا ما يعاكسها.

لقد كان المؤتمر مظاهرة إعلامية، لا تثبت صلابة الوضع الداخلي السعودي، بقدر ما تثبت القدرة المالية للحكومة السعودية على الدفع والدعاية. أما على أرض الواقع، فبالنسبة لنا، نرى تغول الوهابية أكثر من الماضي، ونرى تعديات الوهابيين على المواطنين في الشارع والجامعة وفي الصحيفة والمدرسة وفي العمل. ونرى الإستبداد السياسي في أشده ولا يوجد في الأفق أية إصلاح (الغريب ان عبد الله لم يشر الى الإصلاح السياسي أبداً لأنه ليس على الأجندة السعودية) فكيف ستتم إذن مسألة احترام حقوق الإنسان، وكيف تكون هناك تنمية بدون محاسبة وشفافية، وكيف يُقضى على القهر والظلم وحرية التعبير ممنوعة، وكيف تقوم مساهمة في تنمية لا تشمل السياسة، وكيف يشارك المواطن فيها في ظل حظر أدواتها؟

كيف يقضى على التطرف، والحكومة لا تدعم إلا فريقاً وهابياً، وتيسر له كل تعدياته وغبائه؟ كيف تقضي على التكفير والوهابية تصول وتجول مكفرة كل من يخالفها؟ وكيف تخلق عقولاً منفتحة على العالم وال سعود ووهابيتهم لا يقبلون بالإنفتاح على الاخر الداخلي، ويضيق عليه حتى في منزله؟

لقد صدر مؤخراً أمر رسمي، ربما وقعه الخيخة/ الملك، يمنع على العلماء الحجازيين حتى من تدريس فقههم الشافعي داخل منازلهم، بعد أن حرموا منذ عقود من التدريس في المسجد الحرام، وسلموا مشايخ الوهابية النجديين كراسي التعليم!

لقد مُنع الشيخ الفدعق من التعليم الديني ـ وفق المذهب الشافعي ـ في منزله، ثم جرت اتصالات مع بطل القمع نايف وزير الداخلية سُمح له بعدها بالمواصلة، وما هي إلا فترة وجيزة حتى أمر ولي العهد، سلطان، بأن يُمنع من التدريس مجدداً، مع أن الرجل لا يتدخل في السياسة من قريب أو بعيد. إذا ما رفض تدريس المذهب الشافعي حتى في البيوت، فهل الوهابية وآل سعود مستعدون للإنفتاح على الاخر الشيعي داخل المملكة وخارجها؟ بل هل هم مستعدون للإنفتاح على الأديان الأخرى؟

وإذا كان الوهابيون غير قادرين على تحمّل اجتهاداً ضمن المدارس المذهبية الأربع داخل المملكة، فهل سيقبلون بها خارجها. وهل العقليات الوهابية أصلاً قابلة للإنفتاح؟! بل هل العقلية السعودية نفسها قابلة للإنفتاح ليس في أمور السياسة، بل في أمور دينية عادية جداً؟

بلاغ الطارئة والإستثنائية!

المؤتمر الختامي: لم يكن ختامه مسك

طارئة.. فما هو الطارئ.

إنه مكافحة الإرهاب!

ومنذ متى توقف الإرهاب، وهو الآن اضعف مما كان عليه قبل سنتين سواء داخل السعودية أو حتى خارجها؟!

الطارئ هو العقلية السعودية التي تحاول سياستها الخارجية أن تختلق لها عدوا جديداً لا بدّ أن يكون مشتركاً مع الحليف الأميركي!

أعلن في اختتام المؤتمر (8/12/2005) بيان سموه (بلاغ مكة) تماشياً مع الآية الكريمة هذا بلاغ للناس! لاضفاء صفة القدسية على اجتماع تافه قال أنه وضع (خطة عشرية) أي لعشر سنوات للقفز بالمؤتمرين ودولهم الى مراحل متقدمة من التعاون والوحدة ومكافحة التطرف وقالوا أنها تمثل تحديات الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين!

والحقيقة أن أهم تحد يواجه المسلمين، في السعودية وخارجها، هو تحد الإستبداد الذي يمثله معظم المؤتمرين وفي مقدمتهم آل سعود. لن تكون هناك فرصة للهدوء السياسي والتطور الحقيقي ما لم تكن هناك حلول لمشكلة المستبدين الذين اجتمعوا في مكة والذين ـ في معظمهم ـ كتموا أنفاس الأمة وأعاقوا تقدمها.

كل ما جاء في بيان المؤتمر هو (الدعوة) الى نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية، واشاعة صورة مشرقة للاسلام والمسلمين في العالم! فهؤلاء المستبدون الذين سوّدوا صحائفنا هم من يشيع الصورة الحسنة عن الإسلام وعنا نحن المبتلون بهم! وكأنهم لا يعلمون بأن صورتنا في العالم بائسة بما كسبت أيديهم هم!

وجاء في البيان الختامي أن (الإسلام هو دين الوسطية ويرفض الغلو والتطرف والانغلاق). وأكد على (أهمية التصدي للفكر المنحرف بكافة الوسائل المتاحة الى جانب تطوير المناهج الدراسية بما يرسخ القيم الاسلامية في مجالات التفاهم والتسامح والحوار والتعددية). كما شدد البيان على: (مكافحة التطرف المتستر بالدين والمذهب وعلى عدم تكفير اتباع المذاهب الاسلامية وتعميق الحوار بينها وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح، وندد بالجرأة على الفتوى ممن ليس اهلا لها). كما أدان البيان الارهاب بكل اشكاله وصوره، وشدد على (ضرورة تجريم الممارسات الارهابية كافة وكل اشكال دعمها وتمويلها والتحريض عليها). وزاد أن أمر بدراسة! إمكانية إنشاء (هيئة مستقلة دائمة لتعزيز حقوق الانسان في الدول الاعضاء وكذلك دراسة امكانية اعداد ميثاق اسلامي لحقوق الانسان).

هذا ما خرج به علينا المؤتمر الطارئ، كلام في كلام في كلام في حبر على ورق. أما الفعل فكل نظام ـ عدا من شذّ ـ يسرف في القهر والظلم وتكميم الأفواه، بالرغم من وجود منظمات حقوق انسان حكومية!، كما هو الحال في السعودية.. لقد انشأوها ليرتكبوا نقيض هدفها ولكن من وراء الخباء!

الصفحة السابقة