تقييم لستة أشهر من عهد عبدالله

ملك مناضل أم لاعب خاسر؟

الحديث عن الملك السعودي الجديد عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ذو شجون.

إصلاحي على كِبَرْ!

فهو ـ بخلاف إخوته السديريين الحاكمين ـ لم يتلوّث ـ كما يقال ـ بفساد القابضين على الدولة مثلهم، كونه لم يكن إلا مجرد لاعب كومبارس في السياسة السعودية طيلة عقدين ونصف تقريباً؛ إذ أنه لم يمسك بناصية القرار إلا مؤخراً وبحجم محدود، حيث أُضيف الى الطاقم المدير للدولة بعيد إصابة الملك فهد بالجلطة في 1996، ثم بدأ يمارس شيئاً من صناعة القرار بالتدريج الى أن توّج ملكاً بعيد وفاة فهد الذي كان بحق مستحوذاً على مفاصل قرارات الدولة السياسية والأمنية والإقتصادية، وقد أدّى مرضه الى تقاسم المتبقين من اللاعبين السياسيين دوره على مضض.

الفساد الذي ارتبط بالحرس الوطني وصفقاته تعتبر لا شيء بالقياس الى الفساد غير المسبوق في التاريخ فيما يتعلق بالصفقات المهولة التي أبرمها الأمير سلطان، ولي العهد الحالي، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام!

وحتى في سلوكه الشخصي، كان الملك عبد الله من الملتزمين بالحكمة القائلة: إذا ابتليتم فاستتروا؛ ولذا لم تُثر حوله إشاعات الفساد والإفساد المزكمة للأنوف كتلك التي ارتبطت بالخصوص بالملك فهد وسلطان. فهذا الأخير كان ولا يزال من أفسد الأمراء رغم أنه ذرف على الثمانين عاماً، وهو من أكذبهم أيضاً، وأقلّهم التصاقاً بالمظاهر الدينية، وأكثرهم نهباً للأموال ومصادرتها من أصحابها، وقد ارتبط بمغامرات مجنونة لا تضاهيها مغامرات نسمع عنها في التاريخ القديم والحديث، وبينها مغامرات لها علاقة بالمضيفات في الخطوط السعودية، وقد استعمل العنف والإعتقال لأشخاص ربما لازالوا حتى اليوم في قعر السجون منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً. وقد تحدث السفراء الأجانب والعرب والمسلمون، وبينهم مقربون من سلطان، عن حجم فساد هذا الأخير، وقلّة حيائه في استعراض تلك المغامرات وتلك الفحوله الزائفة أمامهم. وكان الملك خالد، وهو أقرب الملوك السعوديين الى الدين والتسامح، شديد النقد لسلطان، وكان يتحدث موبخاً إياه بشكل علني، بل كان يحذّر الوزراء ومن يقابلونه منه. بل كان الملك خالد، يحذر من ألاعيبه وتضليله، فإذا ما وجده ذات مرة يصلي في حالة نادرة، يشير الى الآخرين بأن لا ينخدعوا بتقواه؛ وإذا ما وجد سلطان يتحدث الى أحد بكلام معسول اقترب الملك خالد منهما وقال للآخر بأن لا يصدقه وأن يحذره، فوراء الكلام المعسول مصيبة يخفيها ضدّه!

أما فهد، فكان شبيهاً بسلطان الى حدّ كبير، وكان له تخصص في لعب القمار، ولعلنا نذكر ما كتبت عنه الصحافة وكيف أنه خسر نحو عشرة ملايين دولار في ليلة واحدة في احد كازينوهات القمار في مونت كارلو، وقد أطلقت عليه الصحافة لقب (البلاي بوي) وكان هو الآخر متحللاً من القيود، معتدياً على الأعراض، وهناك اليوم عوائل سعودية تعيش في الخارج منذ عقود كانت قد فرّت بدينها وعرضها من انحطاطه؛ وفوق هذا كان فهد بذيء اللسان، يقذف بذاءته حتى في المحافل العامة وأمام مسمع من الجميع؛ وكان مراوغاً مخادعاً في تصرفاته وأفعاله، نهاباً للمال وللأراضي، مهووساً ببناء القصور الكثيرة في بقاع مختلفة من العالم لم يزرها حتى مات وقد استحوذت عليها زوجته أم عبد العزيز، الجوهرة بنت ابراهيم. ومعروف عن فهد أنه والى الثمانينيات الميلادية كان يلعب القمار حتى داخل المملكة، لا من أجل الكسب، بل تبذيراً للمال وسفهاً. بل أنه كان مدمناً على الحشيش، لم يشف منه إلا في بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي؛ وزيادة على ذلك كان فهد مهووساً بالجنس، ومن أكثر الملوك السعوديين صلافة في منازعة الحق، وأكثرهم ميلاً للتحلل، وكان جريئاً على الحق، لا يعرف الصلاة ولا الصيام، وإذا ما حشرته الظروف صلّى مع الآخرين، أو غادر المكان؛ وهو أول ملك يظهر على صفحات الجرائد وهو يشرب الخمر مع كارتر، وأولهم من وضع صليباً على صدره كوسام قدمته له الملكة البريطانية.

أما الملك الحالي عبدالله، فلم يتظاهر بالفسق، ولم يأخذ معشار ما يسرقه أخوته، ولم يكن نهاباً وهاباً كسلطان، بل اتهم بالبخل؛ لكنه في ذات الوقت أكثر ميلاً لعامة المواطنين، وأكثرهم عاطفة تجاه ما يعترضهم من مشاكل، لذا لم ترج حوله شائعات كتلك التي أزكمت أنوف القريبين والبعيدين والتي يمارسها فهد وسلطان وحتى نايف وسلمان. كان بعيداً عن السلطة فعلياً وإن كان ولياً للعهد إسمياً.

سلطان: الأكثر فساداً وإجراما

وحين اقتربت ساعة رحيل فهد، تصاعدت آمال المواطنين العاديين، وربما بعض الإصلاحيين الذين قال لهم عبدالله بأن (رؤيتكم مشروعي)، في أن يكون عهد عبدالله عهد خير للشعب، واعتقد بعض المثقفين العرب والقوميون منهم بشكل خاص، أن عبد الله (الملك البدوي العروبي القادم من الصحراء) سيحدث تغييراً في السياسة العربية، وسيكون أكثر مقاومة للنفوذ الأميركي والغربي، وأنه سيتخذ سياسات راديكالية في مواجهة اسرائيل، وغير ذلك.

حين وصل عبدالله الى الحكم تصاعدت الآمال عن احتمالات تغيير قريبة في الدولة ومسارها. وكان جناح الملك الجديد يبشرون الجمهور: انتظروا سترون التغيير! التغيير يحتاج الى وقت! الملك الجديد إصلاحي وسيقلب الموازين عما قريب! ادعموا الملك عبدالله حتى يتمكن من تحقيق الإصلاح المنشود!

البعض أعطى الملك الجديد فرصة ثلاثة أشهر لترتيب أوراقه، اعتبرها فرصة اختبار لنواياه ومواقفه. والبعض الاخر، قال بأن السياسة السعودية تسير ببطء السلحفاة، وبالتالي فهو يحتاج الى وقت أطول، الى ستة أشهر على الأقل؛ وقال آخرون بأن السنة الأولى من حكم الملك عبدالله إن لم تشهد تغييراً جوهرياً فإنها لن تغيّر من واقع الحال شيئاً وسيكون حكمه امتداداً لحكم سلفه دون تغيير جوهري.

خطأ المعطيات

مضى نحو ستة أشهر على وصول الملك عبدالله الى كرسي الزعامة؛ وقبل قراءة منجزاته خلال هذه الفترة، فإن من الضروري التأكيد على حقيقة أن الآمال المعلقة على الملك لا تتسم بالواقعية، وهذه جملة الأسباب:

أولاً ـ لا توجد سوابق في ممارسة الأمير عبد الله تشير الى أنه كان في يوم ما يميل الى الإصلاح أو أنه رجل إصلاح؛ المؤشر الوحيد هو ما قاله للإصلاحيين حين التقاهم بعيد تسليمه وثيقة (الرؤية) وهو كلام سياسي يدخل في إطار الصراع الداخلي بين الأمراء، حيث أراد عبدالله وقد كان حينها ولياً للعهد، ان يستلّ لنفسه بعض الصلاحيات من إخوانه السديريين عبر ممارسة ضغط عليهم ومساومتهم بورقة الإصلاحيين. ولهذا انتهت اللعبة بعد فترة وجيزة، واعتقل الإصلاحيون، وقد اتخذ القرار فيما يبدو جمعياً بين الرؤوس الثلاثة: عبدالله وسلطان ونايف؛ مع أن هناك من يقول بأن عبدالله لم يكن راضياً بقرار اعتقالهم؛ وإذا كان هذا صحيحاً فلمَ لمْ ينبس ببنت شفة ويدافع عنهم ويطالب بإطلاق سراحهم؟ لكن للبعض رأي آخر، حيث يقولون بأن قرار الإعتقال جاء من نايف وبدعم من سلطان وبدون مشاورة عبدالله، وأن الأخير أمر بإطلاق سراحهم ولكن نايف لم يستجب. وحين تزود عبدالله بصلاحيات الملك (إذ أصبح ملكاً) أمر نايف بإطلاق سراحهم في الحال، بعد مشاورة سلطان، وهو ما حدث بالفعل.

وبشكل عام، لم يكن عبد الله في ذاته إصلاحياً بالمعنى المتعارف عليه؛ وهو الآن حين بلغ الثانية أو الثالثة والثمانين من العمر، لا يمكن أن يكون إلا محافظاً، بحكم العمر، وبحكم السيستم المحافظ في المملكة، ولذا فإن الآمال على قيام شخص مثله بتبني حركة اصلاحية رشيدة وهيكلية أمرٌ ضعيف، وإن كان غير مستحيل.

ثانياً ـ ويتعلق بحجم السلطات التي لعبدالله، فإذا كان لا يمتلك الصلاحيات الكافية لتحقيق برنامج إصلاحي حين كان ولياً للعهد، فإن هذا العذر ينتفي ـ من الناحية النظرية ـ حين اصبح ملكاً. بيد أن التوازنات السياسية لا تتماشى مع الحالمين بعهد إصلاحي جديد؛ فالملك يعمل ضمن (مؤسسة العائلة) الخاضعة لقيم خاصة بها، ومصالح تحكم اطرافها، ليس بينها بالطبع موضوع الإصلاحات، ولا يمكن تصور أن الملك الجديد يمكن أن يفرط بتلك المصالح الخاصة من أجل عيون الإصلاحيين والحالمين والطامحين لعهد جديد. خاصة وأن التوازنات الداخلية لا تسمح للملك الجديد بأن
نايف: ملك مقاطعة وزارة الداخلية
يقرر كل شيء، فهو من جهة (ملك ضعيف) يقف أمام عصبة منظمة لا تسمح له ـ إن أراد الإصلاح ـ أن يتخذه مفرداً؛ ثم إن الملك الجديد مجرد فرد في ماكنة ضخمة معادية لكل إصلاح؛ وتتحكم بالماكنة كل القوى النجدية العلمانية والدينية والعائلة المالكة والتي ترى في الإصلاح خطراً داهماً لها. في حين يقف عبدالله شبه وحيد، يحوطه مجموعة من المستشارين النجديين الضعفاء ايضاً، ولكن الملك يمتلك ورقة لا يمتلكها الآخرون، وهي قوة الشارع. فهذا الأخير يقف وراء عبدالله بقوة، وإن كانت قد بدت بالخفوت يوماً بعد آخر، كلما تلكّأ في الإصلاح والتغيير، والمتوقع أن يخسر تلك القوة والتعاطف الشعبيين في وقت ليس بعيداً.

ثالثاً ـ أما الحالمون العرب، فهم دوماً يعيشون حلمهم الجميل، وينتظرون المخلّص الفرد، لا المؤسسة. لا يدركون أن المشكلة تكمن في مؤسسة الحكم العربية كلها، والمملكة ليست استثناءً، كما تكمن في الثقافة السياسية الضعيفة، وغياب الحريات العامة. هذه العوامل هي التي تضعف العرب، وليس غياب الزعيم الأوحد، بل أن وجوده يختزل الجمهور ويضيع الحقوق ويبقي على الإستبداد، ولنا في تجارب العراق ومصر والجزائر والسعودية ما يكفي للتدليل على ذلك.

الملك عبدالله لم يكن ثورياً أبداً، يوم لم تكن بين يديه سلطة حقيقية، فلماذا يكون اليوم ثورياً والسلطة بيده؟ الثورية لا تجتمع مع السلطة في أغلب الأحيان. والثورية صعب التحقيق في وجود هيمنة لـ (المحافظة) على مفاصل السلطة. والثورية ـ أيضاً ـ لا تأتي على كِبَرْ، لرجال تجاوزوا العقد الثامن من العمر، وعاشوا طيلة حياتهم في ظل الأفكار المحافظة والنظام المحافظ. فضلاً عن أن الثورية والتغيير الراديكالي لا يأتي من داخل السيستم، خاصة إذا كان السيستم مهيمناً عليه من قبل عائلة مالكة.

هذه حقائق وليست بدعاً. وعبد الله ـ الملك السعودي ـ الذي زُعم أنه عروبي ولا يحب الأميركيين، هو اليوم من يقدّم إيرادات الدولة ويغير سياساتها الخارجية إرضاءً للأميركيين. لماذا؟ من أجل إبقاء السيستم المحافظ سليماً طالما يقف هو على رأسه. ولربما تأتي الأيام بأدلة أخرى تفيد بأن هذا الملك بالتحديد أكثر من سيتنازل للأميركيين من غيره من الملوك السابقين بمن فيهم الملك فهد الذي اشتهر بقربه لهم.

كانت هناك بعض الهواجس عند عدد من الغربيين من وصول عبدالله الى الحكم. كان ذلك في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. أما حين مارس الحكم بالنيابة عن فهد، فقد تبخرت تلك الأوهام؛ وبدا الملك عبد الله أكثر حرصاً على ديمومة العلاقة المتميزة بين المملكة وحلفائها الغربيات، وها هو يعقد الصفقات بعشرات المليارات، ويضخ المزيد من الإنتاج النفطي للسيطرة على أسعار النفط، ويقدم التنازلات في مجال مكافحة الإرهاب، وفي محاصرة النظم المعادية لأميركا، بشكل لم يكن معهوداً فيما سبق.

ماذا فعل عبدالله: الموجة النفطية

ستة أشهر مضت على وصوله الى الملك. فماذا فعل الملك؟

الملك الجديد جاء على (موجة نفطية) نتجت من زيادة الإنتاج وارتفاع أسعار النفط؛ وستكون لهذه الموجة دورها الأكبر في تحديد سياسات العائلة المالكة وتصرفاتها تجاه الملف الإصلاحي. الملك وأخوته يدركون أن ميزانية الدولة التي باتت تفيض بالاموال، قادرة على استرضاء المواطنين اقتصادياً وتأجيل مطالبهم السياسية. الإصلاح السياسي سيكون بعيداً، إذا ما نجح الملك وإخوته في تقليص حجم البطالة، وتحسين وضع الخدمات، وتوفير فرص جديدة للأجيال الجديدة، واسترضاء العامة عبر (سوق الأسهم)، وكذلك استرضاء الغرب بصفقات تسلح واستثمارات في الخزينة الأميركية ومشاريع هدفها إعادة الرأسمال النفطي الى دياره الغربية.

مداخيل النفط تقضي على الإصلاح!

يبدو أن التركيز سيكون على هذه المسائل: ارضاء الجمهور اقتصادياً، وتخفيف حدة الأزمة في العلاقات السعودية الأميركية والسعودية الغربية عبر فائض أموال البترول. ومن المحتمل جداً أن تشهد المملكة خفوتاً مريعاً في ميادين الإصلاح السياسي، في ظل (الطفرة النفطية الثانية)، اللهم إلا إذا: (1) حدث انكسار في سوق الأسهم السعودي، وهو أمر محتمل؛ (2) أو إذا ما حدث وأن عادت مجاميع العنف السعودية من العراق الى السعودية لتعمل من جديد على توتير الأوضاع الأمنية؛ (3) أو إذا ما حدث وأن قام سعوديون بأعمال عنف مريعة في دول غربية؛ (4) أو إذا ما سقط النظام السوري، فحينها سيأتي الدور على السعوديين وهو ما يدركونه جيداً اليوم، حيث محاولات السعودية ومصر لتأهيل النظام السوري من جديد.

في مجال تحسين الأوضاع المعاشية والخدمية، حيث يجري التركيز عليها اليوم، يبدو أن الملك عبدالله نجح بحدود ومن المتوقع أن ينجح في ذلك: فقد زاد الرواتب للموظفين بنسبة 15% بالمائة، وأحيا سنّة البعثات الدراسية بنحو 5000 بعثة سنوياً، استحوذت الولايات المتحدة على أكثرها؛ وقد خفف هذا من الضغط الشعبي على الدراسات الجامعية والعليا والتي كانت مبعث استياء شعبي عام. وهناك أموال مرصودة للعديد من المشاريع الخدمية، ودخول شركات خاصة ميدان السوق السعودية للأوراق المالية، والتي تعطي المواطن العادي فرصة الإستثمار المضمون والحصول على بعض الأموال (لكونه يحمل بطاقة مدنية سعوديةً فحسب)؛ ويحتمل أن تكون هناك خصخصة لبعض الشركات الحكومية بحيث تسترضي هذه الوسيلة نخباً تجارية واقتصادية إضافة الى الجمهور الفقير. ومع أن الفائض في المال كبير، لكنه لم ينعكس على القروض الحكومية الخدمية بشكل كبير، خاصة تلك المتعلقة بقروض المنازل، وإن تسارعت وتيرة تقديمها، لكنها متأخرة جداً وتستلزم سنوات طويلة قد تصل الى أكثر من 12 عاماً من الإنتظار.

فسحة حريات التعبير لم تتغير بمجيء الملك عبد الله، تشهد على ذلك الصحافة المحلية، كما أن التعبير السياسي على شكل عرائض لازال ممنوعاً ويقع تحت طائلة الاعتقال والطرد من الوظيفة كما أعلنت ذلك الحكومة رسمياً عام 2004؛ وفضلاً عن ذلك فإن الإعتقالات لم تتوقف للناشطين السياسيين، وكذلك المنع من السفر والتعذيب والفصل من الوظيفة، وهي أمور تجري بمعزل عن إرادة الملك من عدمها، فوزارة الداخلية مجرد إقطاع لنايف وإبنه، لا يستطيع الملك التدخل في قراراتهما إلا في ظرف حرج للغاية؛ خاصة وأن هذا الفعل (تخصص سديري محض) يقوم به نايف وسلطان وسلمان، دون أن يرجع أحدهم الى الآخر؛ فكل يصدر أوامره واجبة التنفيذ!

الإصلاحات شبه السياسية توقفت، فلازال الأمراء يغنون على (ربع الإنتخابات) البلدية؛ وقد عين مؤخراً نصف أعضاء المجالس البلدية، ولا توجد حتى الآن نية للمزيد، كانتخابات المناطق، وانتخابات مجلس للشورى، فهذه مواضيع سُكت عنها، وسيبقى الحديث عنها محرماً الى أمد غير قصير. لكن فيما يتعلق بما يسمى (حقوق المرأة) أثير جدل حول مشاركتها في الحياة العامة في الجرائد المحلية وأندية الإنترنت، وقد انتخبت إحداهن في مجلس غرفة جدة التجارية، وأخرى في نقابة المهندسين!، واعتبر ذلك تطوراً مهماً عند البعض! فيما لازال الجدل قائماً حول إمكانية السماح للمرأة بسواقة السيارة!

المملكة تجد نفسها ملزمة الى حد كبير بحلحلة بعض المسائل الإجتماعية المثيرة كقضية المرأة على نحو يقنع الغرب بأن العائلة المالكة تعمل على تطوير موقعها الإجتماعي؛ وكذلك فيما يتعلق بقضية الأقليات الدينية على وجه التحديد: الشيعة في الشرقية والإسماعيلية في نجران ـ الجنوب.. وفي هذا الصعيد، لا يُلحظ تغيير كبير عن السياسة السابقة، عدا أن بعض الضغوط قد خُففت فيما يتعلق بالممارسات العبادية وما يلحقها من نشاطات اجتماعية وثقافية، في حين كان الضغط الخارجي والداخلي يلح على أمر الدمج السياسي، وليس مجرد فسحة التعبير عن (الذات المقهورة).

لكن يجب ملاحظة حقيقة أن الملك عبدالله لازال ضعيفاً، فقد كانت غايته الوصول الى كرسي الحكم كملك، وقد وصل، وبالتالي فإن رغبته الإصلاحية ـ إن وجدت ـ قد انخفض مؤشرها، واصطدمت بحائط سلطان ونايف، ولا ادلنا على ذلك أن الملك أصدر أمراً (بمنع تقبيل اليد) لأن فيه إهانة للمواطن، وقيل ان ذلك القرار كان موجهاً للأمير سلطان، لكن هذا الأخير لم يلتفت الى قرار الملك، ولازال يظهر في التلفزيون الرسمي في تحدّ سافر وجموع المواطنين والأمراء تقبل يديه!

وخلاصة القول، فإن الملك عبدالله لم يكن رجل إصلاح ولن يكون كذلك في المستقبل في أرجح الإحتمالات. وستدخل المملكة في عهده مرحلة (البيات الشتوي) اللهم إلا إذا تمّ تسخين الجبهة الداخلية عبر العنف الوهابي؛ وكذلك تسخين دول الجوار بتدخلات أميركية تقضي على أنظمة حكم كنظام الحكم السوري.

الصفحة السابقة