بندر في موسكو لشرح الرؤية السعودية تجاه ملف ايران النووي

لاءتان سعوديتان: لا للنووي الإيراني ولا للحرب الأميركية!

لاءتان سعوديتان: لا للنووي الإيراني ولا للحرب الأميركية!

بندر وسيرغي لافروف

هذا أمرٌ معقول ويمكن تفهمه.

فلا زالت إيران تعتبر في أقل التقادير (منافساً) في النفوذ الجيواستراتيجي في الخليج العربي. وحصولها على سلاح نووي يخلّ بموازين القوى بشكل كبير لصالح ايران، خاصة في غياب العراق.

وهذا متفهم أيضاً من جهة أن العقيدة العسكرية للسعودية تتعامل مع إيران على أنها العدو الاستراتيجي الأول، وليس اسرائيل التي تتشارك معها في التحالف مع الغرب خاصة الولايات المتحدة.

والأمر متفهم من زاوية ثالثة نظراً لاختلاف الأيديولوجيا بين البلدين، حيث تعير المملكة (ايديولوجيتها) السلفية دوراً كبيراً في رسم سياستها الخارجية، خاصة وأن هذه الأيديولوجية تجد نفسها نقيضاً للتشيّع أكثر مما تجده نقيضاً للصهيونية، فالاخيرة عقيدة دينية ـ سياسية من خارج الإطار الإسلامي، وفي الحالة الإيرانية المسألة مختلفة، ولطالما عبّر السعوديون ـ قادة سياسيين او وهابيين ـ بأن المسلم الذي لا ينضبط بأحكام الإسلام ـ حسب رؤيتهم السلفية ـ وسواء كانوا شيعة أم سنة فهم أسوأ من المشركين والكفار، صريحي المخالفة للإسلام.

وهو متفهم من زاوية رابعة، وهي أن المملكة اضافة الى أنها تنظر الى مكافحة التشيّع كعقيدة سياسية على مستوى كوني، فإنها في الوقت نفسه تضم بين جنباتها عدداً من الشيعة تصل التقديرات الى تمثيلهم نحو 10% من مجمل سكان المملكة. والحكومة السعودية تخشى أن يتمدد النفوذ الايراني الى المملكة إما عبر مواطنيها أو تتمدد المشاكل من الخارج الشيعي اليهم. والحكومة السعودية تعيش ما يشبه الهوس فيما يتعلق بالقلق من الخارج بمبالغتها في دور الأيديولوجيا (مثلما تنظر هي الى أيديولوجيتها السلفية).

هذا كلّه يتعلق بـ (احتمالات) وجود قدرة لإيران على تصنيع سلاحها النووي، الذي لا تستطيع الحكومة السعودية أن تجاريه، نظراً لافتقارها الشديد للإمكانات العلمية، ونظراً لعدم استعدادها ـ في حال توفر تلك الإمكانات والسعي لتحصيلها ـ للدخول في مواجهة مع حلفائها الغربيين.

ومن هنا فإن المشروع النووي الإيراني بمختلف احتمالاته السلمية والعسكرية، يثير قلقاً لدى السعودية أكثر من قلقها إزاء امتلاك اسرائيل الفعلي للسلاح النووي. ومع أن المشروع الإيراني، فيما يبدو، قد أُعدّ كوسيلة دفاعية استراتيجية، لحماية النظام من تهديدات مشابهة لما حدث لنظام صدام حسين، وليس لمجرد الإعتراف بأهمية ايران الإستراتيجية في منطقة الخليج.. وبالرغم من أن المشروع الإيراني، على الأقل حسبما يصرح الإيرانيون أنفسهم، قد وضع في مواجهة احتمالات هجمات أميركية ـ غربية ـ اسرائيلية، وهي احتمالات تتكثف من خلال التهديدات الصريحة والمباشرة عبر التصريحات وغيرها، فإن الرأي السعودي، بل الخليجي بشكل عام قائم على قاعدتين أساسيتين:

الأولى/ رفض أي مشروع نووي ايراني، سلمي أم عسكري.

الثانية/ رفض أي حرب أميركية جديدة في الخليج (أي ضد ايران).

القاعدة الأولى أوضحنا متبنياتها ودوافعها، في حال كان المشروع الإيراني يميل الى الاستخدام العسكري.

اما في حال كان المشروع سلمياً، فإن الموقف السعودي والخليجي، لا يؤيده، لأن أي مشروع نووي إيراني ولأي غرض كان، يضيف قوة هائلة للدولة الإيرانية، صناعياً وعلمياً وتكنولوجياً، بالنظر الى حقيقة أن هناك مئات الصناعات التي تترتب على المشروع السلمي لانتاج الطاقة النووية عبر تخصيب اليورانيوم. لذا لم يكن عبثاً مثلاً، أن الغرب كان يصرّ على أن توقف إيران (أبحاثها) النووية لمدة (عشرين عاماً قادمة)!

المفاعل النووي الإيراني في بوشهر

ولكن ما هي المبررات؟

الغربيون لا يحتاجون الى مبررات. (عضلات) الأميركيين هي المبرر، سواء خرقت ايران بنود معاهدة منع الانتشار للسلاح النووي أم لم تفعل (وحتى الآن لا أحد يقول أنها خرقت)! كل ما في الأمر، يقول الغربيون، أن هناك خشية من أن ايران ستخرق في المستقبل، وأن النظام في ايران غير موثوق به.

أما مبرر السعودية ودول الخليج، التي تتناغم سياساتها مع الولايات المتحدة، فقائمة على حجتين: أحدهما غربية المصنع اي مستوحاة من الغرب، وهي القول بأنه رغم أن ايران وحسب معاهدة منع انتشار السلاح النووي يحق لها (تخصيب اليورانيوم) لأغراض سلمية، إلا أن إيران (لا تحتاج) الى الطاقة النووية، لأنها تمتلك من الناحية الفعلية (الآن) الغاز والنفط. والحجة الأخرى لها صدى أقوى، وتعتمد على الخوف (المشروع) من أن تكون المفاعلات النووية الإيرانية (بالرغم من أنها لم تبدأ حتى الآن بانتاج الطاقة الكهربائية ، بما فيها مفاعل بوشهر الذي بُني في عهد الشاه ، والذي لم يلق معارضة لا من الغرب ولا من دول الخليج) غير محكمة البناء والإدارة، الأمر الذي قد يؤدي الى (تسرب نووي) يهدد القاطنين على الضفة الأخرى من الخليج العربي، كما حدث مع (تشرنوبل).

والواضح أن ايران المشغولة بصراعها السياسي مع الغرب، لم تلتفت الى تطمين الدول المجاورة في الخليج، وبينها السعودية بما فيه الكفاية، فالقضية المستحكمة هي بينها وبين الدول الغربية اضافة الى روسيا والصين. ولذا اكتفى المسؤولون الإيرانيون بالتصريحات المطمئنة، وهي بكل الأحوال لم تكن كافية لبعث الإطمئنان في نفوس تحمل إرثاً تاريخياً من القلق المشروع وغير المشروع من إيران كدولة مؤدلجة. يوم اعلان نجاح تخصيب اليورانيوم، أي يوم 11/4، كان علي لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في زيارة للرياض، التقى خلالها بالملك السعودي والمسؤولين الآخرين بغية تطمينهم. وفي العموم كانت زيارات المسؤولين الإيرانيين قليلة الى دول الخليج والى السعودية التي شهدت علاقاتها تحسناً مع طهران عدا في السنة الأخيرة بسبب النفوذ الإيراني في العراق. وقد سبق لوزير الخارجية الإيراني ان زار بعض دول الخليج في مارس الماضي بغية تهدئة مخاوفها، ولكن دونما جدوى كثيرة.

السعودية وقلق الحرب على إيران

اين يكمن قلق دول الخليج الحقيقي؟

بنظر دول الخليج، فإن الأسوأ من امتلاك ايران التقنية النووية (حتى بشكلها السلمي) هو قيام حرب أميركية غربية جديدة ضد ايران.

لماذا؟

يدرك السعوديون، كما معظم دول العالم، أن أميركا لا تستطيع أن تشعل حرباً أخرى ضد طهران وتطيح بالنظام فيها، طالما هي حائصة في المستنقع العراقي، ولكنها تستطيع القيام بأمرين: السماح لاسرائيل بان تهاجم المنشآت النووية الإيرانية، أو أن تقوم هي بشن هجمات مباشرة على نحو (200) منشأة اقتصادية ونووية ايرانية. ليست هذه هي المشكلة، فطالما أن النظام الإيراني قادر على الرد فهو يرد بشتى الوسائل، وقد جرّب الغرب ودول الخليج، المدى الذي يمكن لإيران الوصول اليه. فهي قد مارست تلغيم الخليج، وعرف حرب الناقلات، ولديها صواريخ تضرب بعيداً، وتستطيع نظرياً اغلاق مضيق هرمز، كما تستطيع أيضاً أن تغيّر الوضع العراقي الى أسوأ مما هو عليه الآن، حيث يمكن أن تكون القوات الأميركية العالقة في العراق صيداً ثميناً للإيرانيين ولحلفائهم في العراق. وزيادة على هذا، فإن إيران قد تشعل الجبهة اللبنانية الجنوبية، وقد ترسل صواريخها الى اسرائيل، وقد تقوم بحملة اغتيالات في كل مكان تصل اليه يدها أو يد أجهزة استخباراتها. وقد تعمد الى توتير الوضع في أفغانستان اضافة الى الخليج. فضلاً عن أن مهاجمة ايران، وبعد ان اهتدت الى طريق التكنولوجيا النووية، سيؤدي الى تسريعها في صناعة القنبلة النووية، ويبدو أن الإيرانيين قادرين على اختزال الزمن الى أقصر ما يمكن (سنة أو سنتين، حسب بعض الآراء الإستراتيجية).

المشروع الإيراني النووي في نطنز

الحل الآخر، هو سياسة الحصار الاقتصادي، وهي سياسة متبعة منذ 27 عاماً هي عمر النظام الحالي الذي ورث الشاه. ولكن لكي يكون الحصار ناجعاً، فلا بدّ من مصادرة الأرصدة (وقد سحب الإيرانيون أكثرها من بنوك الغرب كما تفيد بعض التصريحات) ولا بد من أن يشترك الأوروبيون في الحصار، وكذا الصينيون والروس، وهذا غير محتمل، على الأقل بالنسبة للبلدين الأخيرين. العقوبات الذكية او الحصار الذكي قد يشمل النفط، وفي هذه الحالة، فإن اسواق النفط ستشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعاره، حتى وإن لم تعمد ايران الى تعويق تصدير النفط الخليجي.

هنا مربط الفرس. فدول الخليج تخشى أن تكون هي المستهدفة من (رد الفعل) الإيراني، حتى وإن لم تقحم نفسها مع السياسة الأميركية، بل حتى لو عارضتها. فعلى الأرجح ستعمد ايران الى إرسال صواريخها للمنشآت النفطية الخليجية عامة (من باب صديق عدوي عدوي)، وستبذل جهداً كبيراً في تلغيم الخليج، وإذا أمكنها الأمر فستغرق بعض ناقلاتها أو ناقلات غيرها في مضيق هرمز، وهنا ستحلّ كارثة على العالم بأجمعه.

السعوديون واعون لما يمكن أن تترتب عليه المواجهة الأميركية ـ الإيرانية، وبالرغم من أن النظام الإيراني ليس أثيراً لديهم ـ كما هو واضح ـ إلا أنهم لا يتمنون وقوع هذه المواجهة. وقد افادت الأنباء عن لقاءات ايرانية سعودية (كشف عنها الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي في واشنطن) غرضها منع انهيار المباحثات بين ايران ومعارضيها الغربيين بشأن ملفها النووي، حتى لا تصل الأمور الى المواجهة التي سيتضرر منها الجميع (ايران والغرب والخليجيون بل والعالم).

وقد دخل على خط التهدئة، الأمير بندر بن سلطان، رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي، فغادر الى موسكو والتقى بوزير الخارجية الروسي لحثّه على الوقوف أمام واشنطن لئلا تتخذ موقفاً متهوّراً يشعل منطقة الخليج ويأتي بكوارث على مواطنيه. وهذا موقف استراتيجي سعودي، هدفه الدفاع عن النفس قبل الدفاع عن ايران أو مشروعها النووي، وعليها في المقابل أن تدفع ثمناً لموسكو ـ إزاء موقفها ـ حين يزور وزير الخارجية الروسي الرياض في الشهر القادم.

أما وقد أعلنت ايران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم، فإن المسألة قد حُسمت بأحد اتجاهين:

- العمل العسكري المباشر من قبل اميركا او اسرائيل او كليهما. وقد عرفنا تبعات الأمر. ومن المحتمل أن تفرط العنجهية الأميركية في تقديرات قواها الذاتية فتقوم بعمل عسكري ضد ايران.

ـ وإما احتواء الموقف الإيراني بطريقة سلمية، عبر إقرار حقها في التخصيب للأغراض المدنية، على أن تكون هناك رقابة مكثّفة ومباشرة من وكالة الطاقة ومن دول غربية، وحتى من دول الجوار الخليجي إن أرادت، أو كان بإمكانها إمكانات المراقبة.

ومع ان هناك من يعتقد بأن باب الشرّ قد فُتح، وأن المواجهة العسكرية حتمية.. الا ان الخيار الثاني هو الأقرب الى التحقّق، مع مزيج من قرار يقضي بمعاقبة ايران اقتصاديا أو حصارها، ولكن ضمن حدّ أدنى لا يؤثر على المعادلة، بل يحفظ ماء الوجه لأميركا والغرب، وبحيث لا تتأثر إيران منه كثيراً، فيدفعها الى التصعيد ورفض الرقابة وتوسيع رقعة المواجهة لتمتد من العراق الى الخليج الى لبنان وأفغانستان.

أما السعودية ودول الخليج، فهي في داخلها تشعر بواجب الإحترام للإرادة الإيرانية التي استطاعت تحقيق مبتغاها، ولكنها في الوقت نفسه تشعر ببعض القلق وربما الأسى من أن طرفاً غير أثير أو منافس قد سبقها الى فعل لا تستطيع هي ولا كل الدول العربية القيام بمثله.

الصفحة السابقة