تأجيل زيارة الملك الى واشنطن

الإرهاب في العراق عائقاً

تأجّلت الزيارة المقررة للملك عبد الله الى واشنطن في أبريل الماضي دون أن تشرح أية جهة أسباب ذلك، ولكن ما تسرب لاحقاً يلفت الى أن رئيس مجلس القضاء الاعلى الشيخ صالح اللحيدان الذي ورد إسمه في مايو من العام الماضي في وسائل الاعلام الاميركية كأحد المشجّعين على الارهاب في الولايات المتحدة والعراق كان أحد الاسباب وراء تأجيل الزيارة. ولربما إختارت الصحافة الاميركية قضية اللحيدان للضغط على الادارة الاميركية من أجل إفشال الزيارة، حيث أبلغت إدارة بوش الملك عبد الله بأن الوقت غير مناسب لاجراء الزيارة بسبب دعوى قضائية رفعت ضد اللحيدان تزامنت مع إستئناف كبريات الصحف الاميركية حملة انتقادات ضد السعودية في دعم الارهاب. وبالرغم من تصريحات عديدة صدرت عن اللحيدان ينفي فيها تلك الاتهامات بجانب استنكاره المتكرر لحوادث الحادي عشر من سبتمبر، الا أن التسجيل الصوتي للشيخ اللحيدان أثار حفيظة الاميركيين الذين باتوا يعتقدون بأن ثمة خطاباً سعودياً مزدوجاً حيال موضوع الارهاب، حيث يتم إستنكار العمليات الارهابية في العلن بينما يتم تمجيدها في السر. لقد تكرر استعمال الشريط المتضمن لتصريحات اللحيدان مرة ثانية، فمنذ زيارة عبد الله في مايو من العام الماضي الى واشنطن والتي سبقتها حملة متعلقة بضلوع مسؤولين كبار في الحكومة السعودية في مجال دعم العمليات الارهابية ضد القوات الاميركية في العراق، أعيدت إثارة القضية مرة ثانية في الشهر الماضي في ظل استعدادات لزيارة الملك عبد الله الى واشنطن منذ توليه العرش.

الوهابيون مصدر الدم الأساسي في العراق

وبالرغم من محاولات الملك عبد الله تقليص دور المشايخ المتطرفين وملاحقة المنابع الايديولوجية للارهاب الا أن ثمة أدلة متواترة تلفت الى أن الساحة المحلية مازالت مشبّعة بكتابات تحريضية تشجّع على العنف والكراهية. فقد كشفت صحيفة الوطن السعودية في الثاني من مايو عن كتب تباع في المكتبات العامة في بريدة، شمال الرياض، تحرّض الشباب على الجهاد والخروج لقتال (الكفار) وتقدّم وصفات تفصيلية في كيفية إعداد وتصميم الاحزمة الناسفة لنيل الشهادة. وذكرت الصحيفة بأن الكتب المعروضة تشتمل على فتاوى بأسلوب يستثير عواطف الشباب, وتطالبهم بأن ينالوا المكارم والفضائل التي لايحول بينهم وبينها سوى الموت, وأخرى تشجع العمليات (الاستشهادية) وتحللها مع شرح طرقها وأسبابها, وفتاوى تجيز ارتداء المسلم حزاماً ناسفاً والدخول بين (الكفار) وتفجير نفسه واعتبار ذلك من ضروب الجهاد المشروع والشهادة.

وتضيف الصحيفة بأنها تمكنت خلال جولة في تلك المكتبات من العثور على كتاب بعنوان (مستند الأجناد في آلات الجهاد, ومختصر في فضل الجهاد), وهو كتاب صادر عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية عام 1983 وطبع في دار الحرية ببغداد, ويتناول حروب التحرير والفتوحات وتشكيلات الجيوش والتخطيط العسكري والأسلحة والمعدات والتجهيزات وأنواعها وأقسامها وصناعتها وتأمين كل ما يحتاجه الأجناد من أجل تعبئتهم للقتال ووجوب الجهاد وفضله. وجمع الكتاب مخطوطين فريدين هما (مستند الأجناد في آلات الجهاد) و(مختصر في فضل الجهاد) يمتلكهما قسم المخطوطات في المؤسسة العامة للآثار والتراث العراقية.

وينتهج المؤلف أسلوباً علمياً خاصاً في تقسيم هذين الكتابين بعد أن استقصى المعلومات وجمعها ورتبها في أبواب وفصول وأنواع وأصناف وجهات, وذلك بحسب ارتباط المعلومات ببعضها كأصول وفروع, ونسقها وعرضها بأسلوب سهل واضح المعنى مع احتفاظه بالعمق والشمول والإحاطة الكافية بكل جوانب المادة التي تناولها.

ووضع المؤلف الكتاب الأول (مستند الأجناد في آلات الجهاد) في 30 باباً بدأها بذكر السلاطين وأمراء الجيوش ومكانتهم وما عليه في تهيئة الأجناد وآلات الجهاد, ثم ذكر النفقة وتجهيز المجاهدين وفضلهم وخدمتهم والبذل لهم ومنزلة الشهداء، كما ذكر كيفية الخروج للجهاد ونزول الجند وتقسيم الجيوش وتنظيمها والتعبئة للقتال والطلائع المقاتلة والبيات والغارات وغيرها.

أما في الكتاب الثاني (مختصر في فضل الجهاد)، فجعله المؤلف في 5 أبواب, وأكّد في الأول والثاني منها ما تناوله في مستند الأجناد, ولكن بتركيز أكثر حين تناول الحديث عن السلطان وما عليه من أمور تجاه الأمة وما على الأمة تجاه السلطان وكيفية اتخاذ الأجناد وإعدادهم للقتال وآلات الحرب.

أما الأبواب الثلاثة الأخيرة فتناول فيها مواضيع لم يتطرق إليها في مستند الأجناد وهي الأحكام الشرعية المتعلقة بنتائج الجهاد والتي يمكن أن تسمى بأحكام الحرب, كالغنائم التي يحصل عليها الأجناد وتقسيمها في ما بينهم وبين عامة الناس وما يوضع على الأراضي سواء المفتوحة منها عنوة أو صلحاً أو التي أسلم عليها أهلها من الفيء والخراج وكيفية توزيعها وصرفها وبيت المال وحقوقه وجهاته وأوجه الصرف منه وكيفية إستقطاع الأراضي واستغلالها واسترجاع ما لم يستغل منها.

نشير الى أن هذا الكتاب ليس هو مادة استثنائية في المجال الثقافي الديني المشبّع بأفكار وفتاوى تحريضية، فمازالت الادبيات السلفية تواصل نشر تعاليم جهادية تنطوي على دعوات غير مباشرة للعنف والكراهية والخصومة مع الآخر، المسلم وغير المسلم.

من جهة ثانية، نشرت صحيفة الحياة في عددها الصادر في الثاني من مايو خبر القاء القبض على معلّم يجنّد الشباب للقتال ضمن (جماعات عراقية). وذكرت الصحيفة بأن الأجهزة الأمنية في سكاكا ألقت القبض على معلم تربية إسلامية بتهمة تحريض الشباب وتجنيدهم للقتال في دول مجاورة. وأوضح مصدر أمني مطلع لـ «الحياة»، أن عملية القبض تمت من دون أي مقاومة، مؤكداً ارتباط المشتبه به بجماعات عراقية متشددة، تعمل على تهريب الشبان إلى الأراضي العراقية، لاستخدامهم في مقاومة قوات التحالف. وأضاف المصدر بأن المقبوض عليه متورط بعلاقات مشبوهة مع الجماعات المتشددة.

من الجدير بالذكر أن السفارة السعودية في سيدني بإستراليا أبلغت الطلبة المبتعثين في الثامن من مايو بأن يأخذوا الحيطة من جماعات دينية متطرفة تسعى لاقناعهم بقطع دراستهم في الجامعات الاسترالية والتوجه للجهاد في العراق، ويأتي بلاغ السفارة بعد شكوى تقدم بها بعض الطلبة إزاء كثرة الحديث بين الطلاب المبتعثين حول الجهاد في العراق ووجود أعضاء سعوديين في الجماعات الدينية المتطرفة في سيدني يختلطون مع طلاب البعثات الذين يرتادون المساجد والمراكز الاسلامية، ويسعون الى إقناعهم بعدم جدوى الدراسة في مقابل نصرة دين الحق والمجاهدين في العراق!!

يذكر بأن سؤالاً من العراق وجّه في الرابع من شهر ربيع الثاني الى عميد كلية الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية سابقاً الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان جاء فيه:(نحن في العراق أهل السنة والجماعة والملتزمين بمنهج سلف الأمة نعاني من المضايقات ما نعاني ونشكو أمرنا إلى الله ولكن يا شيخ لقلة أهل العلم عندنا فنجد الكثير من شبابنا مندفعين بنص أو بحديث دون النظر إلى نصوص أخرى وفهم سلف الأمة فتجده قد يقوم بالتفجير أو القتل)، وطالب السائل بتوضيح المنهج الذي يجب السير عليه في العراق، وهل يجوز يجوز قتل من وجود فيه ضرر على المسلمين من المسؤولين؟

فجاء في الجواب ما يلي: (اعلموا أن قتال الكفار والمعتدين على بلاد المسلمين وحرماتهم –أمر واجب ومتعين على القادرين من أهل ذلك البلد المحتل خاصة، ونظراً لقيمة الوطن في الإسلام أمر الله بقتال كل معتدٍ يريد إخراجنا منه وإفساد ديننا وأخلاقنا وامتصاص خيراتنا..وهذا القتال يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله وفي سبيل نصرة المظلومين المضطهدين وكسراً لشوكة الكافرين المعاندين، وإذا كان من قتل دون نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فهو شهيد، فإن هذه الأمور كلها توجد داخل الوطن فالمحاماة عنها محاماة عن الوطن والدفاع عن الوطن هو دفاع عنها، وحكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعدتها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم).

ثم يقول الدكتور الفنيسان (وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي –في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء في نفسه أو ماله أو عرضه فيجوز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة. وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باق إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين، وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم). ويضيف قائلاً (وإذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد –المواطن منهم والمقيم- عينا الدفاع عن ذلك البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عندهم عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو بأي حال). ويوضّح ذلك (فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين ـ فرادى كانوا أو جماعة ـ حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير).

ورد النفيسان على القائلين بوجوب وجود الامام وإذنه وقال (فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترطه، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام).

لقد بدا الموقف من الجهاد في العراق بخاصة والجهاد عموماً بشقيه الدفع والطلب مورد نقاش في الآونة الاخيرة، على خلفية ذهاب مجموعة من الشباب الى العراق للمشاركة في أعمال انتحارية وعنفية تفتقر في الغالب كما توحي عبارات السائل للدكتور النفيسان الى المستند الشرعي الرصين. فبينما اعتبرت فئة قليلة من العلماء أن المشاركة في عمليات العنف في العراق يندرج في باب الفتنة والوقوع فيها، يلحّ علماء آخرون على اعتبارها من أفضل الجهاد، حيث لايزال هؤلاء العلماء يتطلعون الى اندحار الاميركيين في العراق وعودة الوضع الى سابق عهده. وفيما يميل بعض العلماء السلفيين الى توجيه دعوات خفية الى الشباب بنقل جهادهم الى داخل العراق، تنبعث الاستنكارات بوتيرة عالية من قبل المراقبين حيال غياب أبناء أو مقربين من هؤلاء العلماء عن ساحات الوغى فيما يتحول الشباب الآخرون الى حطب في نار الفتنة.

وتواجه بعض أجنحة الحكم في السعودية انتقادات واسعة على المستوى المحلي والدولي حيال دورها الموارب في موضوع تشجيع العنف عن طريق دفع المتحمسين الى التورط في مسلسل العنف داخل العراق، وهو ما ترك تأثيراته على علاقة الدولة السعودية مع العراق أولاً ثم مع العالم الغربي الذي وإن صمت برهة من الزمن لغايات اقتصادية محددة فإنه يجد نفسه أمام تقارير وحقائق متواصلة حيال دور مشبوه لجماعات مرتبطة ببعض أجنحة الحكم في دوامة العنف في العراق.

الصفحة السابقة