رسالة الى عبد الله بن بجاد ومشاري الذايدي

حين يكون التخوين مبنيّاً على مخالفة الموقف الرسمي

د. صفا الصالح

المنطقة الوحيدة التي سارت فيها مظاهرات التأييد للإنتفاضة الفلسطينية، ضد رغبة الموقف الحكومي هي المنطقة الشرقية، ذات الأغلبية الشيعية، التي استمرت فيها المظاهرات أياماً وليال، في المساء وفي الليل، وشارك فيها النساء والرجال والأطفال.

والمنطقة الوحيدة التي سيّرت مظاهرات التأييد للمقاومة الإسلامية في لبنان، في مصادمة صريحة للموقف السعودي الرسمي، هي ذات المنطقة.

في الأولى، لم تكن هناك حجّة طائفية، وفي الثانية أرجع المسؤولون وكتّاب السلطة تلك المظاهرات الى الولاء لطهران، أو الولاء للمذهب، وعدّوا التظاهرات منقصة وطنيّة، تؤكد اتهامات الطائفيين الوهابيين. هذه المقالة كتبتها الدكتورة صفا الصالح، تمثل وجهة نظر المعارضين للموقف السعودي الرسمي من القضيتين اللبنانية والفلسطينية.

أسوأ ما يمكن ان تفرزه هذه الأزمة المستعرة في لبنان، والعراق، أن تتحول إلى (فتنة)، وأن تقسم العالم الى سماطين، وأن تحدث إنقساماً داخلياً في بنية المجتمعات المتأثرة بها.

والأكثر سوءً، أن يتم استغلالها، لتسويق مواقف، أو التحريض الداخلي، والأكثر بشاعة أن نفقد وسط هذا الهرج صوت العقل، بحيث يقلب لنا أصدقاء وحلفاء وأخوة ورفاق وطن ظهر المجن: عليكم أن تختاروا.. إما الوقوف على التل، لنيل السلامة، أو تدسوا رؤوسكم ورؤوس أطفالكم في التراب وتبلعوا غصصكم، أو سنحمل على رؤوسكم سيوف التخوين.

ما كتبه عبد الله بجاد، ومشاري الذايدي، وهما من الكتاب اللامعين، بشأن الموقف الشيعي السعودي من الحرب في لبنان، والتهديد المبطن بأن أحداً يراقب السلوك والموقف وسيجري تصنيف الشيعة المعترضين على تدمير لبنان، أو المتعاطفين مع حق الشعب في المقاومة، أو حتى المؤيدين لحزب الله، هؤلاء جميعاً يبشرهم مشاري وبجاد بأنهم سيحشرون في قفص الإتهام، بتهمة الخيانة العظمى والانحياز ضد موقف بلدانهم.

قال بجاد: (وكان الواجب على عقلائها - أي الطائفة الشيعية السعودية - ألا تغرّهم اللحظة فيندفعوا لتأييد حزب الله دون مراعاة مواقف بلدانهم السياسية المعلنة، وهو ما قد يؤثر على الثقة بهم بعد انتهاء الأزمة، وقد يؤثر سلباً على حقوقهم). مثل هذا الكلام ردده أيضاً مشاري، وكانت له أصداء في كتابات آخرين.

مظاهرات تأييد المقاومة في لبنان في القطيف بالسعودية

الموقف الرسمي المعلن، هو حصن المواطنة الصالحة!، حسناً أي المواقف؟ هل الموقف الأول الذي ندّد بحزب الله دون أن يلتفت الى اسرائيل، أم الموقف الثاني الذي صّعد اللغة وبدا كأنه إعلان حرب؟!

ثم، أين نحن؟ الشعب، أبناء التراب، من كل المواقف الرسمية، العقلانية والمتهورة؟!، أين نحن من الموقف المشارك في الصمت العربي على ما يجري في فلسطين، وغيابنا في العراق، وتضييع سمعتنا في العالم، أين نحن من المواقف التي صنعت لنا طالبان، وفرخت لنا فروخ الصحوة، وضخت أموال بترولنا في أجهزة دينية تكرس التخلف وتميع دور العقل؟

أين موقفنا نحن الشعب، من الإنفاق المالي اللامسؤول، ومن ضياع الهوية الوطنية، ومن تشتيت قيمة العلم، ومن تراخي هيبة الدولة، ومن تفشي فحولة القبيلة على حساب الوطن؟ أين نحن من كل أشكال الفساد الاداري والسياسي وتضييع الحقوق، وإسقاط قيمة الانسان وكرامته وحقه في التعبير؟

وعن أي موقف رسمي يتحدثون؟ هل الموقف الذي ناصر صدام حسين، واعتبر انتقاده خيانة، ثم تبين لنا انه وحش كاسر، دمر ثلاثة بلدان عربية والتهم دون رحمة 100 مليار من ثروتنا؟ أم هو الموقف الذي جعلنا نمضي في سياسة أمريكا الى الأبد دون حتى ان نقول لها: أين حق الصحبة؟!

متى كان الموقف الرسمي صالحاً لأن يدافع عنه أصحابه؟ ومتى استشارنا هذا الموقف؟ متى أصبح الموقف الرسمي وطنياً؟ بمعنى أن يمثل مصالح غالبية أبناء الوطن؟

حق التعبير.. الذي كفلته كل الشرائع السماوية والأرضية، بل وحتى شريعة الصحراء، هو ما يستكثره أبناء جلدتنا علينا، فلا حق لنا أن نغرد خارج السرب، ولا حقّ لنا أن نقول رأياً لا ينسجم وقناعاتهم.. علينا، ربما لأننا (أقلية) أو لأننا (مجرد شيعة) أن نبلع السكين ولا نجهر بمعزوفة لا يحبونها.

فقهاؤهم المتسمرون في سجن التاريخ، كما مثقفيهم وليبرالييهم، لا يمكنهم ان يتعايشوا مع التنوع والاختلاف، مهما كان مظللاً بالخيمة الاسلامية والوطنية، مجرد كونك تفترق في شكل الملبس وطريقة الأكل واشكال العبادة فأنت (آخر) لا حق لك ولا صورة ولا شكل. لاحظوا أن إسم القطيف كان تهمة في الإعلام الرسمي حتى قبل سنوات، والحديث عن الشيعة لا يمكن أن يكون في الإعلام السعودي إلا إذا اقترن بالشتيمة والتسقيط.

ذلك لأننا عجزنا عن تطبيق مفهوم دولة الأمة، التي تمثل جميع مكونات شعبها، ونجحنا في إقامة دولة القبيلة والطائفة والإقليم.

حق التعبير أيضاً، جعل كل الشعوب في العالم تخرج عن بكرة أبيها ضد مواقف بلدانها ورفضت الحرب على لبنان، حتى في تل أبيب وحيفا خرج الناس هناك، دون أن يبرز لهم من بين الجموع مشاري ذايدي او بجاد لكي يشهرا سيف التخوين والخروج عن الوطنية؟

عن أي وطن يتكلمون، وما هي إسهاماتهم في تكريس الهوية الوطنية ومنع استغلال مثل هذه الاحداث في ممارسة المزيد من التمييز؟

ماذا فعل مثقفونا المتحمسين وهم يشاهدون إخوتهم في الدين والوطن يتحول لحمهم الى شواء لذيذ لدى مجانين الفتوى، وشيوخ الانترنت، ويعلمون أن اخوتهم في الوطن منذ وعوا على هذا الكيان لم يرفع عنهم غطاء التمييز في الوظيفة والعمل والدراسة بل وحتى في العبادة.. هل نسي إخوتنا أننا لا زلنا نعامل بعقلية محاكم التفتيش، حتى ان أقل مطوّع لديه الصلاحية في تغيير أسمائنا وهوياتنا وملامحنا ويستطيع أصغر رتبة في الشرطة أن ينكل بأكبر أكابرنا دون حسيب أو رقيب؟!

من الذي أعطى عبد الله بجاد ومشاري الذايدي، الحق في توزيع أوسمة المواطنة، وشرف الإنتماء؟! من أعطاهما الضمان بأنهما في ملكوت المشهد الوطني، يمنحان هذا ويحرمان ذاك.. كيف يحق لأحد داخل النسيج الوطني، مناطقيا، إقليمياً، مذهبياً، أن يكون لديه حق الفيتو في تقييم الإنتماء الوطني؟، هذا الكلام بحد ذاته جريمة ينبغي ان يستغفر منها مرتكبوها.

لا أحد هنا يحمل دماء زرقاء، ولا أحد هنا يحمل داخله بدعة الأصول النقية، كلنا أبناء هذا التراب، وينبغي أن نتساوى في حقوقه وواجباته.. أما التمايز عن الموقف الرسمي فهو واقع!

نعم.. كل السعوديين يسمعون موقف بلدهم ولكنهم اذا لم يقتنعوا ساروا في المنحى الآخر.

هل توافق الحكومة على الارهاب في العراق؟ لماذا هناك 2000 من أبناء بلدنا يفجرون أنفسهم في المدنيين العراقيين؟ هل يعني أن السنة في السعودية ضد الوطن؟!

هل توافق السعودية على كل الحروب العبثية في الشيشان وأفغانستان وغزوة مانهاتن؟ هل يمكن أن نضع القبائل والمذاهب التي يعود لها هؤلاء الشباب تحت المجهر فننزع عنهم لباس الوطنية؟

خذ أيضاً الحال بالنسبة للاقتصاد والاستثمار.. والسياحة والسفر والاتصالات.. كل قرارات الحكومة ومواقفها لا أحد يلتزم بها. كل مهرب، وكل مثقف يدخل كتاباً، وكل شاعر، وكل مستثمر ورجل اعمال، وجامع تبرعات، وخطيب مسجد، كلهم خرجوا عن الموقف الرسمي.. هل تم عزلهم وعزل الفئات التي ينتمون لها في قفص الخيانة؟

لماذا اذن الشيعة؟

والحال ان الموقف الشيعي من الحرب على لبنان وتدميره أو تأييدهم لحزب الله، لا يختصون به دون غيرهم، الشارع العام في العالم العربي، وفي السعودية نفسها أصبح مؤيداً لحق المقاومة، لم إذن التمييز ضد الشيعة؟

هل يتعين على المثقفين الشيعة، وعلى الجمهور الشيعي، أن يتحول الى ببغاء، يردد ما يقوله بيان لم يعرف كاتبه من قارئه من ماليه؟! كيف نتحدث عن مجتمع مدني، ونحن نضطهد بعضنا لمجرد أنه أبى ان يكون ببغاء لبيان الحكومة؟!

كيف يتكاذب علينا المثقفون وهم يطبلون بأفكار لا ترى النور في واقعهم؟؟

كل الشعوب في العالم لديها الحق في ان تعبر عن رأيها مستقلة او مجتمعة، وأن تنأى بنفسها عن موقف بلدانها، إلا نحن.. حتى لا يرمينا مثقفو السلطة بالخيانة.

هل كانت مقالات بعض إخوتنا.. رسالة، يتعين علينا قراءتها والردّ عليها؟!

أرجو أن لا تكون سوى فضفضة فارغة في الهواء الطلق!

* عن موقع: www.rasid.com

الصفحة السابقة