السعودية غير مهيأة لتبني أيّ مشروع وحدوي

الحرب الطائفية في العراق.. هل هي منتج سعودي؟

أستعير هنا عنوان مقالة الأستاذ فهمي هويدي حول ما تلفظ به البابا بشأن الإسلام: (إطفاء الحرائق واجب.. ولكن عدم إشعالها أوجب). أستعير هذا العنوان، لأقدّمه نصيحة الى الحكومة السعودية، مع أنها لا تحبّ النصح على صفحات الجرائد، ولا عبر وسائل الإعلام، ولا في خطب الجمعة أو غيرها من الوسائل، اللهم إلا أن تكون النصيحة على انفراد وشخصية، وهذا غير متأتّى، وغير عملي في الأصل!

لقد ظهر من بيانات مجلس الوزراء السعودي، ومن تصريحات بعض المسؤولين السعوديين، كان آخرهم الأمير نايف وزير الداخلية، أن هناك حرصاً (مصطنعاً) في الخطاب الرسمي السعودي فيما يتعلق بالحروب الطائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية، والتحذير منها ومن امتداداتها القادمة من العراق وغيره (الباكستان مثلاً).

هذا الحرص المفتعل، قد يكون إشارة تخوّف جدّي بالنسبة لـ(بعض) المسؤولين السعوديين، وهو نابع من احتمالية وصول النار الطائفية الى البيت السعودي نفسه، بشكل يجعل الحكومة غير قادرة على ضبط الإنفلات وردود الفعل، وما يترتّب عليه من تداعيات سياسية محلية، ومن (استدعاء) للمعونة الخارجية، التي قد تفتح الباب مجدداً للنقاش حول مسألة (تقسيم السعودية) على أُسس طائفية ومناطقية.

لكن الحرص السعودي، والذي لم يثبت حتى الآن صدقيته، وقد يثبت في الفترة القادمة عبر خطوات فعلية وعمليّة، كان غائباً حين كانت النار الطائفية تضرب في الأماكن البعيدة: الباكستان بشكل خاص، وقد كان وراءها دائماً مخزون من الفكر السعودي الوهابي المتطرف، وجماعات مدعومة من قبل السعوديين تقوم بأعمال عنف طائفي تحت مسميات مختلفة. ولقد كان المال السعودي، والنفس الطائفي شديد الحدّة الذي توفره الأدبيات الوهابية الزاد الذي تقتات عليه الجماعات السلفية في معظم بلدان العالم، وقد أشار أكثر من داعية إسلامي الى أن (جماعات السعودية) تشعل الفتن في كل منطقة تصل اليها في صفوف السنّة فضلاً عن الشيعة، مثلما لاحظ ذلك الدكتور محمد سعيد البوطي.

صحيح أن السعودية لم تخترع الخلافات المذهبية من أساسها، ولكن الأكثر صحة وصدقاً، أنها هي من ينبش الركام، ويمزّق الأمة، ويوزّع الكتب الصفراء والفتاوى المتهورة التي تقول بقتل المختلف، وهي التي تؤسس الجماعات المتطرفة وتدعمها بالمال ولاتزال. وما نشهده من صراع في الباكستان على سبيل المثال، وبشكل درامي ومتكرر طيلة العقدين الماضيين على الأقل، يدرك أن النفوذ الديني الوهابي السعودي، والمال السعودي، والجماعات المقربة من الفكر الديني والمؤسسة الدينية السعودية، أنها كلّها تشير الى أن السعودية زرعت فتناً طائفية في داخل المملكة وخارجها، وتحتاج الى وقت طويل لكي يتم السيطرة على مفاعيل تفجرها.

وأوجب واجبات الحكومة السعودية ـ إن كانت صادقة فعلاً ـ فيما تدعية بشأن الحروب المذهبية، فإن عليها أن تضبط ثقافة التكفير للآخرين، وجواز قتلهم، وأن تضبط العناصر المنفلتة التي قد تشعل بداية حرب أهلية محلية في السعودية، مثلما أشعلت نفس الحرب في العراق المجاور. على الحكومة السعودية أن تنفتح على كل الأفكار والتوجهات المخالفة لتوجهها العقدي، وأن تنقي تراث الوهابية النافر بكل القيح الطائفي، وكذا المناهج الدينية. ويفترض أن تمارس الحكومة دوراً معتدلاً تجاه كل الشرائح المذهبية في المملكة شرقاً وغرباً وجنوباً، وأن تشركها في ماكنة السلطة وأجهزتها، فهذا هو السبيل الصحيح للدمج الوطني الذي يستطيع وحده أن يقف أمام أية مشاريع طائفية محلية أو خارجية.

واذا كانت الحكومة السعودية صادقة في مسعاها، فعليها أن تساهم في إخماد الحرائق التي أشعلتها لا أن تضيف عليها كما هو الحال في العراق والباكستان، وحديثاً ـ والى حد ما ـ لبنان، وقبل ذلك أن تتوقف عن إشعال تلك الحرائق في الأساس.

حينها يمكن أن نصدقها، وهي حتى الآن لا مشروع لديها في هذا الإتجاه أصلاً، ولا يبدو أن السعودية في الأساس مهيئة لتزعم (مشروع وحدوي) يدفع غائلة العنف والشرّ عن المملكة قبل غيرها.

الصفحة السابقة