خشية الحرب الأهلية وعودة العنف

'سور صين' سعودي لعزل العراق!

تحت عنوان (السعوديون يبنون سوراً بطول 550 ميلاً لاغلاق العراق) كتب هاري دي كويتيفيل، مراسل صحيفة ديلي تلغراف في الشرق الاوسط في الاول من أكتوبر بأن الأمن في العراق قد انهار بصورة درامتيكية فيما طلبت السعودية بناء سوراً بطول 550 ميلاً بتقينة عالية من أجل صد الجار الشمالي المضطرب.

هذا المشروع الضخم لبناء هذا السياج العازل سيزوّد بكاميرات للمراقبة الليلية بالأشعة فوق البنفسجية وبأسلاك مدفونة لتحسس تحركات المتسللين ومئات الآلاف من الأسلاك الشائكة والذي سيحيط بحدود صحراوية كبيرة ومعزولة بين البلدين.

وأن السياج سيبنى بالرغم من مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية التي أنفقتها المملكة السعودية في السنتين الماضيتين من أجل تكثيف الدوريات على حدودها مع العراق، حيث يقول المسؤولون السعوديون بأن الأزمة في العراق الآن هي من الخطورة بمكان بما يملي درءها بصورة عملية.

ونقلت الصحيفة عن نواف عبيد، مدير مشروع تقييم الامن الوطني السعودي، وهو معهد يقدّم نصائح للحكومة في مجال الشؤون الأمنية، بان الرقابة قد بدأت بصورة فعلية خلال الثماني عشر شهراً الماضية، ولكن الشعور العام في السعودية هو أن العراق في طريقه للفوضى فيما تنعدم احتمالية الاستقرار، ولذلك فإن الأمر الأشد إلحاحاً في الوقت الراهن هو أن تحمي الحدود بصورة عملية.

يعتبر السياج العازل، بحسب الصحيفة، مؤشراً طازجاً على أن الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الاوسط قد استقالوا من مهمة دهورة العنف والانقسام المحتمل للعراق، حيث ذكرت وكالة الاستخبارات الاميركية في نهاية سبتمبر بأن النزاع المستمر سيحرّض على الارهاب الدولي. وقد توصل تقرير أعدته 16 وكالة إستخبارية تحت عنوان تقديرات الاستخبارات الوطنية الى أن حرب العراق قد أصبح السبب المشهور للمتطرفين الاسلاميين وكانت ـ أي الحرب ـ تحفّز المساندين للحركة الجهادية العالمية.

بالنسبة للسعودية، التي أُتهم مواطنوها بلعب دور رئيسي كمحاربين أجانب في التمرد داخل العراق، فإن التدهور في حدودها الشمالية هو كابوس أمني.

المسؤولون السعودية قلقون بما يدعى بالحركة الارتدادية، حيث يعيد المقاتلون السعوديون في العراق الجهاد الى شوارع الرياض وجدة. ولكن القلق الأكبر ينبع من أن الحرب الاهلية في العراق ستبعث موجة من اللاجئين جنوباً، وتحريك الاقلية الشيعية السعودية في الشرق المنتج للنفط.

ففي حال تشظي العراق، سيتجه كثير من الناس نحو الجنوب ولذلك يجب الاستعداد لذلك. وقد كانت الخطط السعودية لسنوات عديدة من أجل تحسين الامن على الحدود مع العراق جزءاً من مشروع بري وبحري ووجوي بكلفة ملايين الدولارات من أجل حماية حدود البلاد كافة، وهو المشروع المعروف بـ (ميكسا)، أو وزارة المملكة العربية السعودية الداخلية. ويطمح هذا البرنامج لتطويق البلاد بمئات من الاجهزة الرقابية، وقواعد الاستطلاع على الشواطىء، وشبكة من الاتصالات، والدرويات بواسطة طائرات استطلاع.

ولكن المشروع المركزي الضخم، والذي تقدّر كلفته بحسب متعاقد دفاعي يعمل بصورة وثيقة مع الحكومة السعودية بنحو 13 مليار جنيه (نحو 25 مليار دولار) قد جعل حركته بالغة الصعوبة على الارض. ولكن المملكة الآن قررت بأنه لا يمكن أن تنتظر (ميكسا) من أجل درء تهديد العنف القادم من العراق. المتعاقدون المتنافسون على المشروع عليهم أن يعدوا بأنهم قادرون على إتمام عملية نصب السياج العازل بطول 550 ميلاً خلال عام واحد.

يقول أنتوني فورستر ـ بينيت، من شركة ويستمنستر الدولية البريطانية التي تنافس من أجل بناء السياج العازل، (كل شخص تتحدث اليه في السعودية يقول بأنه ـ أي السياج ـ ضروري للغاية الآن، ويقولون بأن هناك خطراً حقيقياً من الناس السيئين للغاية القادمين من العراق).

ذكر محللون بأنه حتى مع الأخذ بنظر الاعتبار التأخير والخلافات التي تصاحب عادة مثل هذه العقود العسكرية الباهضة التكاليف، فإن السياج العازل كان مقرراً أن ينتهي العمل به في بداية صيف العام 2008، وأن الكلفة الاجمالية المتوقع وصولها هي على الاقل 300 مليون جنيه استرليني.

حال الانتهاء من المشروع، فإنها ستفضي الى إحداث ثورة في الامن الحدودي، كون أفضل الاسلحة في محاربة الارهابيين هو مائة فريق من المراقبين الذين يحرسون الحدود.

خارجياً، ستكون عبارة عن عمل روتيني، بسياجين حديديين على طول 100 يارد، ممدّدة بسلك للتحسس، مركّز في هرم طولي. ولكن فعاليته ستعتمد على التداير المضادة الخفية والمعقدة بدرجة كبيرة. وتحت الرمال الملتهبة، سيتم دفن أسلاك حساسة مزوّدة بمنبه صامت لمراقبة المواقع في أوقات منتظمة على طول الحدود. وفي هذه المواقع، فإن برنامج التعرف على الوجوه سيلتقط صوراً من الكاميرات، والتي ستكون قادرة أيضاً على العمل خلال فترة المساء.

يقول السيد عبيد بأن (التكاليف لن تذهب فقط الى مجرد بناء السياج العازل ولكن لتجهيزه أيضاً). وخلف السياج العازل، فإن مراكز القيادة والسيطرة مزّودة بمدرجات ستوفّر قواعد للقوات تكون جاهزة لأي طارىء.

بالنسبة للسعودية، فإن الارهابيين واللاجئين من الحرب ليسوا وحدهم القادمين غير المرحّب بهم. يقول عبيد (لقد عانينا بقساوة من الهجرة غير الشرعية، وكذلك من تهريب المخدرات، والاسلحة وحتى المومسات.. لقد أصبحت قضية رئيسية).

تجدر الاشارة الى أن الحدود الفاصلة بين العراق والمملكة، تمثل ثاني أطول حدود بعد اليمن، حيث يبغ طول الحدود بينهما 814 كيلومتراً، وتمتد من منفذ «الرقعي» شرقاً إلى مدينة «طريف» غرباً، يوجد بها منفذ حدودي واحد، هو منفذ جديدة عرعر. وتتميز منطقة الحدود السعودية العراقية بامتداد صحراوي، لكثبان رملية زاحفة من الأراضي السعودية والعراقية، إلى جانب بعض التلال الصغيرة والهضبات المنخفضة والصخرية، كما تتميز المنطقة بخصائص تساعد المتسللين والمهربين على استخدام أساليب متنوعة للتضليل، ومن ذلك إنشاء ممرات سرية، كما تتميز المنطقة الصحراوية الحدودية بتحولها إلى بساط من العشب الأخضر في فصل الربيع.

الصفحة السابقة