السياسة الخارجية الجديدة

عادل الجبير سفيراً لدى واشنطن

ذكرت مجلة The Economist البريطانية أن الغموض الذي يحيط بالشؤون الداخلية السعودية يقف وراء حزمة التكهنات التي أثارتها استقالة الأمير تركي الفيصل من منصبه كسفير في واشنطن ولا سيما ما تردد عن توتر بينه وبين الأمير بندر بن سلطان، فيما نقلت صحيفة Washington Post الأميركية عن مسؤولين اميركيين توقعهم بتعيين عادل الجبير خلفاً لتركي.

وأشارت مجلة The Economist في عددها الصادر في العشرين من ديسمبر الأخير إلى أن بعض الأحاديث التي دارت عقب الاستقالة ركزت على ظهور مشاكل في التحالف السعودي الأميركي الحيوي، بينما اعتبر البعض الاستقالة مؤشراً على الصراع على السلطة بين أجنحة العائلة المالكة.

وذكر تقرير للمجلة في عددها الأخير أنه من الواضح بأن الأمير تركي لم يستقل من منصبه لقضاء مزيد من الوقت مع أسرته كما قال، وأن معظم الشائعات المتعلقة بهذه القضية تدور حول توتر العلاقات بين الأمير تركي والأمير بندر بن سلطان.

وأوضح التقرير بأن الأمير بندر دعا، من خلال منصبه كمستشار للأمن القومي السعودي، إلى سياسة خارجية سعودية أكثر قوة، كما يقال أنه قام بمبادرات مستقلة عن وزير الخارجية السعودي المسن، بما في ذلك زيارة حديثة غير معلن عنها إلى واشنطن حيث يُشاع أنه شجّع صقور إدارة بوش على مقاومة دعوات التعاون مع سورية وإيران.

في سياق مماثل، نقل تقرير لصحيفة The Washington Post في الحادي والعشرين من ديسمبر عن مسؤولين أميركيين أن السعودية أبلغت الخارجية الأميركية بأنها تنوي تعيين عادل الجبير سفيراً لها في واشنطن، مشيراً إلى أن الجبير أحد المستشارين للشؤون الخارجية المقربين من الملك السعودي عبدالله شكل وجهاً عاماً للمملكة الغنية بالنفط في الغرب، وكان في الواجهة للفصل بين العائلة الملكية السعودية والتطرف الإسلامي، و(غالباً ما اضطر إلى الدفاع عن إحدى أكثر الحكومات المستبدة في وجه الانتقاد القاسي).

واعتبرت الصحيفة أن التعيين المنتظر للجبير يمثل بروزاً سريعاً في الدبلوماسية السعودية لرجل عمل أخيراً كمساعد خاص للأمير بندر بن سلطان الذي هو اليوم مستشار الأمن القومي، لافتاً إلى أن التعيين الحساس جداً غُلِّف بالسرية، وأن الرسالة المطبوعة التي سُلمت إلى الخارجية الأميركية تركت فراغاً مكان إسم السفير المعين، والذي أضيف لاحقاً بخط اليد من قبل موفد سعودي قبل وقت قصير من تسليمها، حسب ما كشفت مصادر مطلعة طلبت عدم ذكر اسمها لأن الإعلان لم يتم بعد.

تسلّم عادل جبير منصب سفير السعودية في واشنطن يعتبره كثيرون انتصاراً للأمير بندر، ويعكس مدى نفوذه في السياسة الخارجية السعودية، وهذا يعني أيضاً انتصاراً للجناح المتشدد في العائلة المالكة لجهة تبني مواقف المحافظين الجديد في الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وهو ما يثير هلع الأجنحة الأخرى داخل العائلة المالكة إزاء ما يمكن أن يسفر عنه التحوّل في السياسة الخارجية السعودية من (المحافظة الى الراديكالية)، وانعكساتها على الداخل السعودي خاصة في ظل السياسة المنفلتة التي يتبعها بوش وفريقه حيال المنطقة.

عادل جبير المقرّب لسنوات طويلة من الأمير بندر من خلال عمله في الدائرة الاعلامية التابعة للسفارة السعودية في واشنطن، أتقن النهج الذي اتبعه بندر خلال وجوده في واشنطن كسفير من طراز خاص، وحظي بعلاقة وثيقة مع المسؤولين الاميركيين بما فيهم الرئيس بوش، الذي أزال الاعراف الدبلوماسية في علاقته معه. وقد نجح الجبير في إدارة حملة العلاقات العامة بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر بهدف إعادة ترميم صورة حكومته داخل الولايات المتحدة، وقد تولى الرد على الانتقادات العنيفة التي شنّها الاميركيون على السعودية واتهموها بأنها (وكر الارهاب)، فيما كان الجبير يعقد الندوات والمؤتمرات الصحافية ويدعو الاعلاميين الاميركيين للاستماع الى وجهة النظر السعودية، فيما يتصل بعلاقة العائلة المالكة والحكومة السعودية بشبكة تنظيم القاعدة وبالنشاطات الارهابية في الخارج، وكان الجبير يسوّق بلاده كضحية للأعمال الارهابية، شأنها شأن الولايات المتحدة والغرب عموماً. أكثر من ذلك، كان الجبير يرتق الفتوقات الواسعة في تصريحات الأمراء، وكان يعيد تفسيرها أو نفيها وأحياناً يزيد عليها قليلاً كيما تخرج مقبولة، وليست بالضرورة معقولة، كما فعل حين نفى تصريحاً للأمير نايف في حواره مع صحيفة السياسة الكويتية بأن الصهاينة هم وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مثبّتاً التهمة الأميركية بأن اسامة بن لادن هو وحده المسؤول. وقد ظهر الجبير عقب اجراء عملية فصل التوأمين العراقيين مترجماً للملك خلال لقاء مع صحافي بريطاني، وأبدى براعة فائقة في (تقويل) ما لم يقله الملك، الذي كان يتمتم بكلمات غير متماسكة وتفتقر الى الذوق والمعنى، فيما كان الجبير يصوغ تلك الكلمات المتناثرة في جمل شديدة الجاذبية بمعانٍ كبيرة. يضاف الى سجله في الدفاع عن العائلة المالكة دعوته لوفد من اليهود الأميركيين الاعضاء في الكونغرس الى السعودية من أجل احتواء (الغضبة اليهودية) إزاء تصريح الملك عبد الله بأن (أيادي صهيونية تقف خلف 95 بالمئة من الهجمات المسلّحة في المملكة)، ودفاعه في مؤتمر صحافي عن الأميرة هيفاء زوجة مستشار الأمن القومي الامير بندر وغيرها من المناسبات التي حفظها له طويلو العمر!

نشير فحسب الى أن لدى عادل الجبير حظوة عند الاسرائيليين، تماماً كما هي مكانة الامير بندر، فقد ذكرت صحيفة جيروزليم بوست الاسرائيلية بأن (عادل ظل ـ منذ بداية التسعينات ـ على اتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية بما فيها منظمة اللوبي الصهيوني الأمريكي ـ أيباك، وسبق أن التقى بيوسي بيلين حينما كان وزيراً في حكومة العمل الإسرائيلية)، وتضيف الجريدة بأن (الجبير هذا هو الذي أقنع الأمير عبد الله، بتوجيه دعوة لتوماس فريدمان وإفراده بلقاء خاص). وليس غريباً على من هذه شمائله أن يكون سفيراً وأن يحظى بدعم الاسياد والعبيد معاً!

الصفحة السابقة