لقاءات متواصلة بين الأمير بندر وأولمرت

تعويل إسرائيلي على (حكمة) السعودية!

خالد شبكشي

قّلة من المراقبين خارج الولايات المتحدة والشرق الاوسط على وجه التحديد تملك معلومات كافية عن دور المعهد اليهودي للأمن القومي The Jewish Institute for National Security المعروف بـ (جينسا). فهذا المعهد يعمل كمنتدى اسرائيل المفتوح على المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة، ولا يقل من حيث أهميته ونفوذه عن لجنة الشؤون العامة الأميركية الاسرائيلية (إيباك) من حيث دورها في تنضيج مناخات سياسية ملائمة لصناعة قرارات متناغمة مع التوجهات الاسرائيلية. وقد لعبت جينسا دوراً كبيراً في دفع الادارة الاميركية لاحتلال العراق، وهي تدافع الآن عن العمل العسكري ضد الدول التي تعتبرها إسرائيل تهديداً لها، بما في ذلك سوريا وإيران.

الى أي مدى يمضي التحالف؟

وكان يضم مجلس المستشارين في جينسا كلاً من نائب الرئيس ديك تشيني، وجون بولتون، ودوغلاس فيث قبل دخولهم إدارة بوش. ولا يزال في عضوية هذا المجلس محافظون جدد بارزون مثل ريتشارد بيرل، ومايكل ليدين، وستيفن براين، وجوشوا مورافتشيك، ومدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق جيمس وولسي.

وفيما يبدو فإن هذا المعهد بات يضطلع بمهمة أخرى، ذات طبيعة سياسية أمنية، فقد التقى بعض أعضائه بمسؤولين سعوديين من الدرجة الثانية في الولايات المتحدة بالتوازي مع سلسلة لقاءات أخرى على متسويات عليا بين أمراء في العائلة المالكة (مثل الامير بندر بن سلطان) ورئيس الموساد داغان ورئيس الحكومة الاسرائيلية إيهود أولمرت.

وقد ذكرت مصادر دبلوماسية إسرائيلية بأن لقاءً جرى بين رئيس مجلس الأمن الوطني الامير بندر بن سلطان ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت في عمان في منتصف يناير الماضي، بحضور الملك عبد الله الثاني ودار اللقاء حول تحضيرات لمرحلة الحرب ضد إيران. وذكر مصدر دبلوماسي إسرائيلي بأن زيارات متواصلة تجري بين الاسرائيليين والسعوديين في كل من واشنطن وعمان، وأن السعوديين يشجّعون الاسرائيليين على تشكيل قوة ضغط على ادارة الرئيس الأميركي من أجل توجيه ضربة عسكرية الى ايران. ونقلت المصادر بأن السعوديين كانوا يقولون لنا لا تترددوا في قرار الحرب، وقدّموا لنا ضمانات بتغطية جزء من تكاليف الحرب من أجل ازالة مصدر التهديد المشترك المتمثل في ايران. وقد أبدى المصدر الاسرائيلي استغرابه من حماسة الأمير بندر التي تفوق حماسة الاسرائيليين في المضي في قرار الحرب ضد ايران، وأنه يكرّس لقاءاته بالاسرائيليين وبفريق ديك تشيني من أجل الإسراع بتنفيذ قرار الحرب الذي شارك في صنعه مع فريق من المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين.

في هذا السياق، يبدو أن معهد جينسا قد حصل على معلومات كافية من الأمير بندر في تصوّر العلاقة مع السعودية، وهو، أي المعهد، يوفّر تحليلاً موجّهاً لطبيعة العلاقة بين الجانبين الاسرائيلي والسعودي، كما لا يخفي الهواجس التي يرى المعهد بأنها جدّية في النظر الى النهج السياسي السعودي، الذي ينطوي على غموض وتعقيدات غير قابلة للتنبوء.

وقد نشرت جينسا مؤخراً مقالة بعنوان (حكمة العربية السعودية) جاء فيه:

لم يعد سراً أن إسرائيل والعربية السعودية كان لديهما إتصالات بما يخص قلقهما المتبادل حول إيران. ولم يعد سراً بأن الولايات المتحدة تريد من السعوديين المساعدة بإستقرار العراق وبذل الجهد ضد إيران وسوريا وحماس. إلا أن الحد الذي ستميل إليه العربية السعودية في مساعدتها سيكون لدواعي سعودية ـ وليس لدواعي أميركية وإسرائيلية، مع ملاحظة بأن السعوديين لم يقولوا بأن حرب حماس ـ فتح تخدم مصالح إسرائيل او المصالح الكافرة، إنما قالوا بأنها (تؤذي) المصالح الاسلامية والعربية، أي المصالح السعودية.

فالخدعة الآن قد تكون بعدم تسكين مخاوفهم قبل الأوان، وبالتأكيد عدم الدفع مقدماً مقابل خدمات لم تقدم بعد والتي قد لا تقدم. ليس هذا وقت إعلان قربنا من العرب (المعتدلين) الذي هم بالحقيقة غير معتدلين على الإطلاق. ليس هذا الوقت بالنسبة للولايات المتحدة لإعلان تصميمها الدفاع عن المملكة، التي تقوم بتمويل الإرهاب الاسلامي السني، بما في ذلك القاعدة وكذلك المدارس والمساجد الوهابية في بلادنا. ليس هذا وقت إعادة درس (الخطة السعودية) لحل المشكلة الفلسطينية ـ الاسرائيلية التي قد يود الاسرائيليون حلها لأسبابهم الخاصة.

هذا أمر صعب (حقاً حقاً) لكل من أميركا وإسرائيل، اللتان لديهما إستعداد للإرتماء في أحضان حلفائنا ـ أو حلفائنا المحتملين ـ أو البلدان التي هي غير حليفة لنا بالتأكيد، لكن لديها هواجس فردية مشابهة والتي قد تقوم ببعض الأشياء لإراحتنا لأسبابهم الخاصة. إن إرتماء كهذا هو بمثابة قبلة الموت. (ففي استطلاع فلسطيني جديد، مثلاً، قال أكثر من 50 بالمئة من الفلسطينيين بأن التصريحات الأميركية والاسرائيلية بدعم أبو مازن (يقلل) ثقة الشعب بسياسات هذا الأخير. وقال 30 بالمئة فقط أن ذلك زاد من ثقتهم به).

أن السعوديين قلقون، ويجب أن يكونوا كذلك. أما أنهم سيجعلون الولايات المتحدة واسرائيل سعيدتين، فإنهم لن يتمادوا بذلك حتى لا يقضوا على حكمة العربية السعودية المتزايدة.

الصفحة السابقة