الذيل السعودي الذي يهز الكلب الأميركي

بندر بن سلطان.. سمسار دولي!

أربعة تقارير غربية وإسرائيلية حول تضخّم دور بندر بن سلطان بدعم أميركي وإسرئيلي

اعداد: محمد قستي

مايزال الأمين العام لمجلس الأمن الوطني الامير بندر في دائرة الضوء، وسيبقى كذلك طالما أن الدور الذي يلعبه في ملفات المنطقة والعالم مثير للفضول والجدل. وبالرغم من أن بندر يحاول ألا يكون موضع اختبار ومراقبة من قبل وسائل الاعلام المحلية، فإن الرجل بات في صميم إهتمام الصحافة الغربية التي باتت تنظر اليه بقدر كبير من الريبة كونه يمارس دوراً يفوق موقعه. هو في لبنان، كما هو في فلسطين والعراق والملف النووي الايراني، كما كان في أميركا اللاتينية (نيكاراغوا بوجه التحديد) وأزمة طائرة لوكربي وقضية طائرة التجسس الاميركية في الصين.. وهو الآن يلعب دوراً أيضاً على مستوى إقليمي، فقد وصفته الصحافة الاسرائيلية بأنه صلة الوصل بين الدولة العبرية وجيرانها. وهذا يكشف عن أن الامير بندر يحب لعب دور متميز، ويرى بأن قدراته تؤهله كي يتبوأ موقعاً كسمسار دولي.

بندر وبوش: هل هو وزير خارجيته؟.

الشهر الماضي حفل بتقارير حول الأمير المثير للجدل، نخصّ منها أربع تقارير. أولها نشرته صحيفة (واشنطن بوست) في 19/2/2007، للكاتب جاكسون دايل بعنوان (هل يستطيع صانع الصفقة السعودي إنقاذ بوش؟)، والثاني نشرته مجلة التايم في عددها الصادر في 25/2/2007 بقلم سكوت ماكلويد. هناك تقرير آخر من صحيفة اسرائيلية هي هآرتس نشرته في 2/3/2007 عن العزيز بندر!، الذي لا يبدو أن دوره يقتصر على الادارة الأميركية، بل أصبح يعمل كصلة وصل بين الدولة العبرية وجيرانها، خاصة السعودية، وكان عنوان التقرير: (الأمير السعودي بندر صلة وصل إسرائيل بجيرانها). وأخيراً هناك تقرير لصحيفة اسرائيلية اخرى هي أيديعوت أحرنوت نشرته في 4/3/2007، يشير الى أن بندر قد أيّد وسعى لتعديل المبادرة العربية لتلغي حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، مع إلزام الدول العربية بتوطين الفلسطينيين لديها.


(1) هل ينقذ بندر بوش؟

جاكسون دايل

على مدار عشرين عاماً، إنساب ومهّد الأمير بندر بن سلطان طريقه الى واشنطن، كسفير للسعودية. وفق رؤيته، التي تمت المبالغة بها لإثارة فضول الصحافيين، كان لديه على مدى جيل تقريباً، يد في أكثر المبادرات الأميركية الرئيسية في الشرق الأوسط. وخلال رئاسة جورج دبليو. بوش، على سبيل المثال، توسّط في تقارب الولايات المتحدة مع ليبيا واطّلع على خطط غزو العراق قبل شهرين من الحرب.

وبعد برهة من عودته لبلاده في صيف 2005، كان لدى بندر موقع ضئيل الشأن. وقد تنبأ البعض بأنه لم يكن مفضّلاً من قبل حاكم المملكة، عبد الله، بالرغم من تعيينه كمستشار للأمن القومي. ولكنه عاد الآن: ومنذ بداية السنة الجديدة، فإن الامير بدأ بصورة مفاجئة يتحرك ويقايض في الشرق الأوسط.

في الشهر الماضي (يناير)، عقد بندر ثلاث لقاءات مع رئيس مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني، آخرها كان بالرياض. والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين مرتين الأولى في موسكو والأخرى في الرياض، للحديث حول شؤون الشرق الاوسط، وإدارة محادثات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادات حماس، وطار الى واشنطن بهدوء من أجل إطلاع الرئيس على هذه النشاطات. وقد ساهم في صفقة الاتفاق الفلسطيني في (فبراير الماضي) حول حكومة الوحدة وكذلك التفاهم السعودي ـ الايراني من أجل تبريد الصراع السياسي في لبنان. وكان يتحدث مع المسؤولين الكبار في الحكومتين الايرانية والاميركية حول ما إذا كان هناك مخرج للمراوحة حول الاسلحة النووية الايرانية.

هل يستطيع بندر تأمين مخرج للولايات المتحدة من أزماتها المتعددة التي تورّطت فيها في الشرق الاوسط؟ ربما لا، ولكن الصديق القديم لواشنطن قد يكون واحداً من أحسن الرهانات التي تذهب اليها إدارة واشنطن المتباينة في هذه اللحظة. فقد حشرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بنفسها في زاوية، برفضها الحديث مع سوريا وايران وقاطعت الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس.

ونتيجة ذلك، هناك القليل الذي تستطيع الولايات المتحدة فعله من الناحية الدبلوماسية من أجل تبديد النزاعات في لبنان والاراضي الفلسطينية، دع عنك العراق. فقد حاولت رايس دعوة مصر، مع اسقاطها المفاجىء للالحاح السابق للادارة بأن حكومتها الاستبدادية (تقود الطريق) بدمقرطة الشرق الأوسط. ولكن مصر لم تكن قادرة على القيام بذلك: فقد حاولت ولكن فشلت في مسعاها بعزل سوريا عن تحالفها مع إيران، وحاولت وفشلت في الحصول على تنازلات من حماس.

في زيارته الاخيرة الى واشنطن قدّم بندر تقريراً زاهراً حول زياراته. فحول ايران، وبعد أن طمأن أصدقاءه الاميركيين، أخذ على حين غرة باستعراضات القوة المؤخرة للرئيس بوش في المنطقة، وبفشل ادارته بالسقوط عقب الانتخابات الجزئية في الكونغرس وبتمرير قرار الامم المتحدة بفرض عقوبات على طهران بسبب فشلها في وقف برنامجها النووي. الملالي، حسب قوله، قلقون بشأن النزاع الشيعي ـ السني المنبعث من العراق الى المنطقة، وحول تصاعد النزاع مع الولايات المتحدة، وأنهم كانوا مهتمين باحتوائهما.

وكان بندر ولاريجاني قد عملا سوياً لوقف بداية نزاع الشوارع بين حركة حزب الله الشيعي اللبناني والاحزاب السنية والمسيحية المتحالفة مع الغرب قبل عدة أسابيع. ولكن لدى السعوديين خطط أكبر: فقد أبلغ بندر واشنطن بأنه يأمل في إحداث شق بين إيران وسوريا.. على عكس المناورة التي جرّبتها مصر. وسيلة ذلك ستكون بصفقة بين السعودية وايران حول تسوية الموضوع اللبناني والتي تشمل الموافقة على المحكمة الدولية لمحاكمة المسؤولين عن مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وهذا سيكون سمّاً للرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان في حكم المؤكّد تقريباً وراء الجريمة.

دوران بندر بعيداً عن الأنظار يجعل مغرياً التفكير بأن بإمكانه إنجاز تقريباً أي شيء. من السهل أيضاً تناسي بأنه يعمل من أجل مصالح السعودية، وليست مصالح الولايات المتحدة. فالنتيجة قد تكون محبطة. لدى الرئيس بوش إشارة منبّهة لذلك حين قام بندر بالتوسط في (اتفاق مكة) بين القيادات الفلسطينية عباس وخالد مشعل من حركة حماس.

سياسة إدارة بوش كانت تقوم على تقوية عباس على حساب حماس، فالاتفاق أضعف هذه المقاربة وقوّضت خطة رايس بالبدء بتطوير (أفق سياسي) في لقاء مع عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت (في التاسع عشر من فبراير). وقد سعت واشنطن من أجل فرض خطوط حمراء بخصوص محادثات مكة: يجب على حماس، حسب قوله، أن تجبر على قبول المطالب الدولية بإدانة العنف والاعتراف باسرائيل، وأن لا يقود رئيس وزرائها، اسماعيل هنية، الحكومة الفلسطينية الجديدة. وقد تجاهل بندر كليهما. هذا لا يعني بأن الصديق القديم لعائلة بوش ليس مرحّباً به في البيت الأبيض. فالصفقة الفلسطينية كانت ثانوية بالنسبة لبندر، وأن هدفه الرئيسي هو تبديد التهديدات المتعددة التي تفرضها إيران. واذا كان بإمكانه العثور على طريق للقيام بدور الوسيط في صفقة لوقف البرنامج النووي الايراني، واطلاق صفارة بدء الحوار الاستراتيجي بين طهران وواشنطن، فإنه يكون قد حقق بذلك أكبر أنجاز.


(2) أميركي الثقافة ويحب برجر ماكدونالد

سكوت ماكلويد

الأمير بندر بن سلطان يحب الثقافة الأميركية، فهو مدمن البرجر من ماكدونالد من بين أشياء أخرى، ولذلك فهو يقدّر تماثل كرة البيسبول مع معاناة إدارة بوش بخسارة الرابطة في الشرق الاوسط، فقد استدعت بندر للتخفيف من وطأة التأرجح. قد لا يكون من المبالغة القول إن الأمير السعودي يتمتع بتأثير على تحديد إتجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مماثل لتأثير كوندوليزا رايس.

بندر ورامسفيلد: رحيل الصقور من البيتين الأبيض والأسود!

بعد نجاح السعوديين في إصلاح الضرر الدبلوماسي الذي أصاب علاقاتهم مع أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر، فإن إدارة بوش بدأت في الاتكاء على الملك عبدالله ليلعب دورا أكثر فعالية في دعم السياسات الأميركية بالشرق الأوسط. فقد قبل السعوديون هذه المهمة بحماسة، إن لم تكن زيادة أنشطتهم المؤيدة لأميركا هي فكرتهم في المقام الأول.

فقد غادر بندر واشنطن بعد 22 عاما من عمله كسفير هناك ليصبح مستشار الأمن القومي للملك عبدالله بن عبدالعزيز، بالنظر الى خبرة بندر الواسعة، وهو منصب يجعله وزير خارجية ممتاز فعلياً. في واقع الأمر، بعد مغادرته واشنطن، فإن بندر سيعود للقاءات غير معلنة في البيت الأبيض، وهو سلوك كما يقول الدبلوماسيون، أزعج خليفته كسفير، الأمير تركي الفيصل، وعجّل في استقالته المفاجئة.

إنه من الصعب تبين دور بندر بدقة في الاستراتيجية السياسية المنقسمة للمملكة وصياغاتها، لكنه كان في مقدمة سياسة خارجية سعودية استباقية غير عادية. ففي خط مقاطعة بوش الدبلوماسية للرئيس السوري الاسد بخصوص اغتيال الحريري، فإن الرياض قد جمّدت بصورة مؤثرة العلاقات مع دمشق. ومن الواضح وكجزء من جهود بوش لدعم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت بعد كارثة إسرائيل في حرب الصيف الماضي مع حزب الله، فإن بندر التقى بصورة سرية بأولمرت في سبتمبر الماضي والتي أفضت الى لقاء سعودي ـ إسرائيلي عالي المستوى خلال الستين عاماً من تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.

فمنذ بداية العام 2007، عقد بندر ثلاث لقاءات مع نظيره الايراني علي لاريجاني من أجل تبريد التوترات الخطيرة التي تتعلق بحزب الله، وحماس، حلفاء إيران في لبنان وسوريا، وتخفيض التوترات السنية الشيعية المنتشرة في العراق والمنطقة بصورة عامة. فمن بين الاشياء التي تجعل بندر وسيطاً لا غنى عنه بالنسبة لبوش هو أنه يمكنه الحديث مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين وحماس وحزب الله، على عكس وزيرة خارجيته، المقيّدة بالسياسة الأميركية ما يمنعها من فعل ذلك.

يتمتع بندر بسجل مهني غير عادي كسفير في واشنطن، وبموجبها لعب دوراً رئيسياً في عديد من أزمات العالم، وكان يعمل كمبعوث للعواصم الأوروبية وموسكو. فقد بنى طيفاً غير عادي من العلاقات مع وسطاء سلطة واشنطن، ويعتبر بوش وتشيني كأصدقاء شخصيين. وقد اكتسب بندر هذه السمعة من خلال تقديمه العون حين يمكن واشنطن استعماله. فقد لعب على سبيل المثال في التفاوض لإنهاء الخلاف حول لوكربي التي أدت لإعلان القذافي تخليه عن الأسلحة النووية والإرهاب، ما يعتبر أحد النجاحات القليلة لبوش في الشرق الأوسط.

وبحسب كتاب بوب وودوورد (الحجاب) فإن مستشار الأمن القومي للرئيس ريغان عمل مع بندر لارسال تمويل خفي يقدّر بالملايين الى الكونترا في نيكاراغوا. ويقول الكتاب بأن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في عهد ريغان جنّد بندر لمؤامراة في العام 1985 لاغتيال الزعيم الروحي لحزب الله الشيخ فضل الله، حيث أدى الانفجار الى مقتل 80 شخصاً رغم أنها أخطأت الهدف. يذكر (الحجاب) أيضاً بطلب من السي آي أيه، فإن بندر قدّم مليوني دولار من الأموال السعودية لمنع الشيوعيين من الوصول الى السلطة في إيطاليا.

السعوديون يريدون تقوية نفوذ واشنطن في المنطقة والحد من النفوذ الإيراني وتعزيز دورهم كمدافع عن القضايا الإسلامية، لكن هذا لا يمنع ظهور تساؤلات مثل (هل تتبادل السعودية والولايات المتحدة مصالح مشتركة؟ هل ستتفقان على الوسائل؟ من منهما سيؤثر في الآخر وهل سيكون هذا التأثير للأسوأ أم للأفضل؟ وهل ستمنع استشارات بندر بوش من الخوض في مغامرات جديدة في الشرق الأوسط أم هل سيمنح اضطراب إدارة بوش بصدد كيفية التقدم (في المنطقة) نفوذاً لبندر لا يستحقه وربما يؤدي لاتخاذ خطوات جريئة تندم عليها الإدارة الأميركية فيما بعد؟). وكما وصف وودورد علاقته بمدير السي آي أيه وليام كيسي قبل عشرين عاماً، فإن (بندر لحظ بأن الاميركيين بسطاء في تفكيرهم حول العالم، ولكن هنا الآن رجل بدون طموحات). ويضيف وودورد في مكان لاحق، بأن (بندر عرف كيف يجري محادثة، لم تكن تتم في السابق).

وعليه، هل بندر هو الذيل السعودي الذي يهز الكلب الأميركي؟، إن دور بندر في اتفاق مكة كان مثيراً للفضول، فقد أمضت كوندي رايس شهوراً سابقة من أجل ترتيب قمة بين أولمرت والرئيس محمود عباس من استئناف المفاوضات بخصوص التسوية النهائية بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد حظيت الخطوة بدعم قوي من قبل كثير من حلفاء الولايات المتحدة، وأبرزها الاردن. وعلى أية حال، فإن تشيني، صديق بندر، كان فاتراً إزاء الفكرة، وكان يقول الشيء القليل حول الخطوة. وقبل اسبوع من القمة، مهّدت السعودية، بمباركة إيرانية واضحة، لصفقة وحدة فلسطينية بين عباس وحماس. تلك الاتفاقية، التي وضعت حركة فتح عباس في نفس الحكومة كجماعة تنادي بتدمير اسرائيل، أخذت الريح من أشرعة رايس.


(3) بندر.. سمسار إسرائيلي

الشخصية الرئيسية وراء الدبلوماسية الشرق أوسطية هي الأمير بندر بن سلطان مستشار الأمن القومي السعودي، فهو الشخصية التي كانت وراء إتفاق مكة بين فتح وحماس، إضافة إلى نشاطه في تهدئة الفرقاء المتنازعين في لبنان، ومحاولته التوسط بين الحكومتين الإيرانية والأميركية. هناك الكثير من المؤشرات على أن الأمير بندر الذي كان ولمدة 22 عاماً سفيراً للمملكة في واشنطن هو وراء الخطوة الصامتة التي تقوم بها السعودية باتجاه إسرائيل منذ نهاية الحرب الثانية على لبنان، مُذكراً باللقاء الذي جمع بندر ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في الأردن في سبتمبر الماضي، وهو اللقاء السري الذي تم الإعلان عنه لاحقاً في إسرائيل.

نصف أميركي ونصف آخر صهيوني؟

منذ لقائهما الأخير، أثنى أولمرت وفي عدة مناسبات على مبادرة السلام السعودية التي ساهم فيها بندر بفعالية. ورغم اعتراض إسرائيل على اتفاق مكة، إلاّ أن أولمرت قرر أن يخفف من حدة الانتقادات، ووصف الاتفاق بأنه (اتفاق داخلي فلسطيني)، وذلك لأن الانتقاد الحاد بحسب أولمرت سيعتبر إهانة للسعودية وقد يؤدي إلى تبديل موقفها تجاه إيران. لقاء بندر بأولمرت لم يكن الاتصال الأول الذي يجريه الأمير السعودي بالمسؤولين الإسرائيليين، فبندر كانت لديه اتصالات مع إسرائيل منذ سنة 1990 على الأقل، وذلك استناداً إلى مسؤولين عسكريين واستخباراتيين رفيعي المستوى. وأضاف أن محادثات بندر مع الإسرائيليين تركّزت على موضوعين: مواجهة التهديدات الاستراتيجية من العراق خلال التسعينيات، ومن إيران اليوم، وتسريع عملية السلام بين إسرائيل وسورية والفلسطينيين.

بعد حرب الخليج سنة 1991، أطلق الأميركيون عملية سلام بدأت بقمة مدريد، شارك فيها السعوديون ولكن حضورهم كان ضعيفاً، فقد كانت المملكة متحفظة بشأن علاقاتها مع إسرائيل ولم تجعلها رسمية كما فعلت بعض دول الخليج المجاورة. وكان لبندر ارتباط مباشر بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن في زمن اتفاق أوسلو، وقد عقد محادثات غير رسمية مع السفير الإسرائيلي hctivonibaR ramatI، وخلال محادثات السلام التي أجراها إيهود باراك، أصبح دور الأمير شديد الأهمية على المسار السوري. في أواخر سنة 2000 تركزت الجهود على المسار الفلسطيني، فبعد فشل كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة، حاول بندر الضغط على ياسر عرفات لقبول مبادرة كلينتون.

يصف الأميركيون والإسرائيليون الذين التقوا بندر بأنه شخص يُضخّم الأمور، واقترحوا أن يتم التعامل مع ما يقوله بحذر، لكن كاتب سيرة حياة بندر الأميركي nospmiS mailliW يرى أنه يجب إعطاء جهود بندر الفرصة، وقال: (الشرق الأوسط بحاجة إلى مهارات بندر في جهود الوساطة والدبلوماسية). ويقدّم الكتاب تلميحات الى الطريقة التي أسس بها بندر روابط مع الاسرائليين. ففي ربيع 1990، هدّد صدام حسين بحرق نصف اسرائيل. وكان الملك فهد قلقاً حول احتمال اندلاع حرب إقليمية، فأوفد الأمير بندر الى بغداد، وقد أبلغه صدام بأنه لن يقوم بمهاجمة اسرائيل، فأسرع بندر الى نقل رسالة الى بوش وتلقي وعد إسرائيلي بأن تتعهد بعدم القيام بهجوم استباقي. في المقابل، قال بندر بأن صدام ربما استعمله لتأمين جانبه ضد أي هجوم والبدء باحتلال العراق للكويت في أغسطس 1990.

وفي الوقت نفسه، أعلن بأن السعودية حصلت على صواريخ صينية الصنع بر ـ بر. وبحسب الكتاب أيضاً، فإن بندر كان ناجحاً في طمأنة اسرائيل عبر اتصالاته الاميركية بأن الصورايخ لن توجّه اليها، ووفي المقابل تلقى وعوداً بأن اسرائيل لن تهاجم مطار تبوك، جنوب شرق إيلات. وفي أعقاب حرب الخليج في 1991، حيث شاركت السعودية الى جانب الولايات المتحدةن فإن الاميركيين شرعوا في عملية السلام التي بدأت بقمة مدريد. وشارك السعوديون ولكن بحضور ضئيل، محتفظين بروابط مع اسرائيل دون جعل هذه الروابط رسمية، كما هو شأن بعض جيرانهم الخليجيين.

وفي وقت اتفاقيات أوسلو، كان لدى بندر رابطة مباشرة مع السفارة الاسرائيلية في واشنطن، وأجرى محادثات غير رسمية مع السفير الاسرائيلي في واشنطن إيتامار رابينوفيتش. وخلال محادثات السلام في عهد إيهود باراك، فإن دور الامير كان بالغ الأهمية وأصبح منخرطاً في عدد من لحظات الأزمة. وحين وصلت المحادثات مع سوريا في قمة شيبردزتاون الى طريق مسدود أرسل باراك الوزير أمنون شاهاك، الذي كان عضواً في الوفد الاسرائيلي، لمقابلة بندر، ولكن لم تنجح. وقد ذكر بندر لاحقاً بأن الرئيس الاميركي بيل كلينتون طلب منه القيام بزيارة سرية الى الرئيس السوري حافظ الاسد لاقناع القيادة السورية بأن عليه حضور قمة (الفرصة الأخيرة) في جنيف. وقد وافق الاسد على الحضور، ولكن القمة فشلت والمفاوضات بين اسرائيل وسوريا قد تجمدت منذاك.

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تبدّلت الاجندة الأميركية، وأن القائد الفلسطيني (عرفات) الذي كان بندر يحاول احضاره الى واشنطن، قد تم تصنيفه في معسكر الشر في الحرب ضد الارهاب التي أعلن عنها الرئيس الحالي بوش. وفي مؤتمر جامعة أكلاهوما حول الشرق الوسط في 2002، وصف بندر حكومة اسرائيل بأنه (متعصّبة) واتهم بنيامين نتنياهو بأنه (متطرف وبوزن سياسي خفيف)، كما وجّه بندر اللوم الى نتنياهو بسبب التحريض الذي أدى الى قتل اسحاق رابين، الذي وصفه بـ (الحكيم والرجل الشجاع). كما دعا الأمير بندر الاسرائيليين الى تبني مبادرة السلام السعودية بدلاً من (العنف، والدمار والعقاب الجماعي لثلاثة ملايين فلسطيني).

وفي أواخر 2005، أعلنت السعودية بأن بندر قد أكمل مهمته كسفير الى واشنطن، وأنه سيعود ليضطلع بمنصب رئيس مجلس الأمن الوطني. وفي غضون الشهور القلائل الاولى من عودته الى العاصمة السعودية، الرياض، اختفى بندر عن الضوء الاعلامي وكان هناك توقعات عالية حول تضاؤل نفوذه. ولكنه عاد الى دائرة الضوء مجدداً من خلال جهوده للتوسط بين إيران والولايات المتحدة وفي اللقاءات مع رئيس الامن القومي الايراني علي لاريجاني.


(4) بندر يقترح توطين اللاجئين الفلسطينيين

وعلى صعيد المبادرة السعودية للسلام التي أعلنها الملك عبد الله في قمة بيروت 2002، والتي رفضتها اسرائيل ما لم تخضع لتعديلات جوهرية، تكشّفت مؤخراً تفاصيل جديدة حول دور الامير بندر في اجراء مفاوضات مكثّفة حول بند عودة اللاجئين الفلسطينيين. فقد ذكرت صحيفة إيديعوت أحرونوت في الرابع من مارس إن أمين المجلس الاعلى للأمن القومي بالسعودية الأمير بندر بن سلطان يعمل حاليا على تعديل البند المتعلق باللاجئين الفلسطينيين في مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت في العام 2002.

ويتركز التعديل الذي يسعى الأمير السعودي إلى إجرائه حول عودة اللاجئين إلى أراضي السلطة الفلسطينية أو البقاء في أماكن تواجدهم الحالية والحصول على تعويضات، بعضها بتمويل سعودي، وليس إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها في حرب العام 1948 داخل إسرائيل. ويهدف التغيير في هذا البند، الذي تم إبلاغ إسرائيل بالسعي لتعديله، إلى إزالة المعارضة للمبادرة. وذكرت الصحيفة أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمر بإجراء التعديل، بعدما أوضحت إسرائيل أنها لن ترد على مبادرة السلام، حتى يتم شطب حق العودة للاجئين.

وأجرى الأمير بندر وسفير السعودية في واشنطن عادل الجبير 'اتصالات سريةب مع الإدارة الأميركية بهدف التوصل إلى صيغة متفق عليها، بحسب ما أوردت الصحيفة.

وقد واجه التعديل السعودي على المبادرة رفضاً من حكومات عربية عدة وخصوصاً فيما يتعلق بعودة اللاجئين، الذي عبّر عنه عمرو موسى أمين الجامعة العربية أعلن في الثالث من مارس بأن لا تعديل على المبادرة العربية للسلام بحسب ما أعلن عنها في بيروت 2002، الأمر الذي دفع بوزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني الى اعلان رفض الدولة العبرية للمبادرة العربية للسلام.

الصفحة السابقة