مراهنة إسرائيلية على انقسام عربي وإسلامي

الإتصالات السعودية الإسرائيلية مستمرة ومكثّفة

حسن الدبّاغ

في إطار المساعي لتعميق الانقسام داخل العالم العربي والاسلامي، تتصيّد وسائل الاعلام الاسرائيلية الأخبار التي تندرج في هذا السياق، حيث تبادر الى نشر مثل تلك الاخبار، في إطار دفع الأمور في المنطقة الى مرحلة المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وايران بدعم من حكومات عربية مصنّفة أميركياً بالمعتدلة. ونحن اذ نعرض هنا ما تكتبه الصحافة الاسرائيلية نلفت الى أنها تعكس الرغبة الاسرائيلية أكبر مما تعكسه الحقيقة الموضوعية، بالرغم من أن ذلك لا يلغي وجود حقائق قابلة للتوظيف في تحليلات تخدم تلك الرغبة.

متنافسان لا يختلفان بشأن الإسرائيلي

نبدأ مما كشفت عنه صحيفة (معاريف) الإسرائيلية عن تشكيل تحالف استخباري عربي (معتدل) لصد (الخطر الإيراني والثورة الشيعية)، حيث ذكرت الصحيفة في عددها الصادر في السابع والعشرين من فبراير أن هذا المحور يرتكز على دول (الرباعية العربية)، وهي مصر والسعودية والأردن والإمارات، إضافة الى دول إسلامية أُخرى، بعضها خارج المنطقة، مثل اندونيسيا.

ونقلت الصحيفة عن مصادر غربية قولها أن مستشاري الأمن الوطني ورؤساء أجهزة الاستخبارات في دول الرباعية العربية أنشأوا، قبل أشهر، (محفلاً دائماً ينعقد كل أُسبوعين لتنسيق الأعمال في هذا الموضوع)، وآخر مرة عُقد فيها هذا المحفل كان، بحسب الصحيفة، في الرابع والعشرين من فبراير الماضي في العاصمة الأردنية، عمان. وحضر الجلسة عن السعودية رئيس مجلس الأمن الوطني، الأمير بندر بن سلطان، وعن الطرف الفلسطيني مندوبان رفيعا المستوى هما، الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان، المرشح، بحسب الصحيفة، لمنصب مستشار الامن الوطني في الحكومة الفلسطينية الجديدة.

وأكّدت (معاريف) أن إتصالات هذا المحفل تتم بتعاون وثيق مع الأميركيين، مشيرة إلى أن إسرائيل تقيم بدورها علاقات استخبارية مع قسم من دول هذا المحور.

وأوردت الصحيفة تقريراً، قالت إنه يتم تداوله في الغرب، يفيد بأن شعوراً متزايداً بالخوف من إيران يسود داخل أوساط دول الحلف السُني المعتدل، يوازيه انفتاح متزايد أيضاً نحو الغرب وإزاء كل ما يتعلق بالتسوية بين اسرائيل والفلسطينيين.

وأشارت الصحيفة أيضاً الى أنه، في مقابل ذلك، يتعزز المحور الإيراني ـ السوري ـ الروسي في الشرق الأوسط، وأن آخر التقديرات الاستخبارية تتناول إمكان استئناف الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو.

وأوضحت الصحيفة أن (المؤشرات تدل على أن هذه الحرب باتت هنا: فالروس يعودون الى الشرق الأوسط عبر دمشق وطهران، يُسلحون الدول الكفاحية، ويعارضون نصب صواريخ أميركية في أوروبا، ويبنون مفاعلاً نووياً في ايران ومعنيون باستئناف حياتهم كما كانت في السابق في المنطقة).

وأضافت الصحيفة إن (جدلاً يدور بين مختلف أجهزة الاستخبارات في شأن ما إذا كان بالإمكان انتزاع سورية من هذه الورطة عبر المفاوضات، أم ينبغي مواصلة الضغط عليها بالقوة). وأوضحت أن (الفوارق في هذا الشأن تبدو واضحة بين شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد، إلا أن المفتاح لا يزال في كل الأحوال في واشنطن، غير المستعدة لأن تسمع، في المرحلة الحالية، عن مفاوضات مع سورية).

وأعادت الصحيفة الإشارة الى ما نشرته في وقت سابق عن عرض الملك الأردني مبادرة شخصية للتفاوض في شأن التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين برعايته وتوجيهه، تؤدي الى الحد من تعزيز مكانة (حماس) والدفع باتجاه انتخابات فلسطينية مبكرة يتم خلالها عرض مسودة اتفاق التسوية الدائمة مع اسرائيل على الشعب الفلسيطيني، على امل ان تنحّي النتائج حركة (حماس) عملياً عن الحكم. ووعد الملك الاردني، في المقابل، بأن يعمل شخصياً على إقامة علاقات دبلوماسية بين اسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة. لكن اتفاق مكة بين (حماس) وابو مازن عرقل في هذه المرحلة مساعي الملك الاردني.

ورأت الصحيفة أن (هدف السعوديين من المبادرة الى اتفاق مكة هو محاولتهم دق اسفين بين الفلسطينيين والنفوذ الايراني ـ السوري، لكن نتائجها خيبت أملهم هم أيضاً، مثلما حصل مع باقي العالم العربي المعتدل).

وفي هذا السياق، قالت الصحيفة إن وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي لفني وضعت كل السفراء الاسرائيليين في العالم في صورة الوضع ودعتهم الى الكف عن استخدام تعبير إتفاق مكة واستخدام تعبير آخر بديل، مثل الاتفاق الفلسطيني الداخلي بهدف الكف عن ربط اسم مكة بالاتفاق. كما أشارت (معاريف) إلى ان تصاعد نفوذ (حماس) في المناطق الفلسطينية يمثّل قلقاً اضافياً لدول المحور السني، والامر نفسه بخصوص تحول رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، خالد مشعل، الى جهة وطنية فلسطينية أساسية، مع ما قد يترتب على ذلك من تهديد للانظمة المعتدلة.

في سياق مماثل، كتبت باربرا سلافين في صحيفة (يو إس أيه توداي) في الثاني عشر من فبراير الماضي بأن الدول العربية، بقيادة السعودية، يقدّمون أقصى عروضهم لليهود الاسرائيليين والاميركيين في محاولة لكبح النفوذ الايراني المتصاعد، واحتواء العنف في العراق ولبنان والدفع من اجل حل فلسطيني. وأثارت سلافين سؤالاً بهذا الصدد في الفرصة الأخيرة: هل ستنجح هذه الجهود؟

وتجيب عن ذلك بالقول أن التدابير المعبّرة عالية المستوى ترافقت مع دور قيادي للسعودي بتمرير صفقة حكومة ائتلاف فلسطينية.

في يناير الماضي، حضر الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي المستقيل في الولايات المتحدة، حفل استقبال في واشنطن برعاية المنظمات اليهودية الأميركية. وقد استضاف الحفل دبلوماسياً في وزارة الخارجية تم تعيينه لمحاربة السامية.

وكان ظهور الدبلوماسي السعودي (الأمير تركي الفيصل) غير مسبوق، حسب ويليام داروف، مدير مكتب واشنطن للتجمعات اليهودية المتحدة (The United Jewish Communities)، الذي نظّم الحفل.

لقد بدأت السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة اتصالات مع اسرائيل والجمعات اليهودية المؤيّدة لاسرائيل في الولايات المتحدة. وقد حظي التقارب بمباركة الادارة الاميركية: فقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بأن الدول الخليجية الست ومصر والاردن واسرائيل هي تحالف جديد من المعتدلين لمعارضة المتطرفين المدعومين من ايران وسوريا. وقالت بأن إتفاقية السلام الاسرائيلية ـ الفلسطينية ستضعف (الميليشيات) مثل حماس وحزب الله.

وقد تكثّفت الاتصالات كجزء من استراتيجية تهدف الى كبح المتطرفين وحشد زخم لصفقة السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، كما يقول جمال خاشقجي، معاون الامير تركي الفيصل.

وقد ذكرت جوديث كيبر، خبيرة في شؤون الشرق الاوسط في مجلس العلاقات الخارجية، بأن (ما يقلق الدول العربية المؤيّدة للولايات المتحدة هو في الواقع أن إيران تقوم بتصميم الاجندة السياسية في المنطقة).

الاتصالات بين السعودية وعرب الخليج بالاسرائيليين واليهود الاميركيين تعود الى أكثر من عقد ولكنها لم تكن علنية. وقد تعاملت البلدان العربية مع اسرائيل باعتبارها (أجنبية) منذ حصولها على الاستقلال في العام 1948(!!). وقد حظرت البلدان العربية السفر الى اسرائيل، وكذلك الاستثمار هناك والروابط التجارية مع الدولة اليهودية والتي ينظر اليها بكونها (الكيان الصهيوني).

وهناك ثلاث من أصل 21 دولة عربية تعترف بإسرائيل وهي: مصر، والاردن، وموريتانيا. وبحسب خطة السلام التي طرحتها السعودية سنة 2002 تعرض علاقات دبلوماسية مع الثماني عشر دولة عربية في حال انسحبت اسرائيل الى حدود العام 1967، بمعنى التخلي عن الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وتسليم الارض للدولة الفلسطينية الجدولة.

ومن بين الاتصالات العربية ـ اليهودية التي جرت مؤخراً:

ـ التقى مستشار الأمن القومي السعودية بندر بن سلطان بصورة سرية مع رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت في الأردن في سبتمبر الماضي، بحسب دانيال آيالون، السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن. إنه اللقاء السعودي ـ الاسرائيلي الأعلى مستوى بحسب علمه.

ـ دعت الامارات العربية المتحدة وفداً من مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسية. والمؤتمر، المؤلف من مجموعة 51 عضواً، هو داعم قوي لاسرائيل.

ـ زار نائب رئيس الوزراء شيمون بيريز أمير قطر في آواخر يناير بعد مشاركته في مناظرة مع الطلاب العرب هناك. وهي أول زيارة على أعلى مستوى مع دولة خليجية منذ 1996، حيث زار بيريز قطر كرئيس وزراء.

الصفحة السابقة