إغلاق المنتديات واعتقال الاصلاحيين

معالم عهد الملك غير الإصلاحي

رشيد أبو السمح - جدّة

لأربع عشرة سنة خلت كانت تجتمع مع نحو 150 أكاديمية سعودية في ديوانيات شهرية. وفي مسكن أحد أعضاء المجموعة في الرياض يتحدثون عن القضايا اليومية: مأزق المرأة السعودية، الانتخابات، المجتمع المدني، والعنف المحلي. ولكن الآن، تشعر الأكاديمية بالقلق من أن الحكومة قد تبدأ بخنق هذه الديوانية وغيرها، والنأي بعيداً عن إجراء إصلاحات جوهرية.

حلقات النقاش هذه، والتي كانت تنمو من حيث عددها في السنوات الأخيرة، هي من بين المنافذ الوحيدة للتعبير الجماعي في البلاد حيث أن التجمّعات العلنية والأحزاب السياسية محظورة.

تقول بأنها تلقت مكالمة مزعجة من مسؤول حكومي قبل أسابيع قليلة يطالبها بتسجيل مجموعتها لدى وزارة الداخلية أو مواجهة تدبير أمني ضد المجموعة. (إستمر المسؤول في الإتصال بي، ولكنني قلت بأنني لن أصدق ما كان يقوله ما لم يرسل لي شيئاً مكتوباً)، بحسب الأكاديمية، التي طلبت عدم ذكر إسمها خشية العقوبة.

وتقول (وفي الأخير، تم استدعاء زوجي لمقابلة مسؤول في إمارة الرياض الذي أخبره بأن قانوناً جديداً يدخل حيز التنفيذ وسيجبر حلقات النقاش في البيوت الخاصة والتي تستضيف متحدثين على التسجيل لدى وزارة الداخلية).

ليس على حلقات النقاش مجرد التسجيل لدى الحكومة فحسب، ولكن قد يكون على كل واحدة منها طلب إذن من الوزارة المختصة إستناداً الى الموضوع المراد مناقشته، بحسب هذه الأكاديمية.

وكما يبدو، فإن المملكة تبعث إشارات مختلطة للصالونات السعودية. وقد تم إبلاغ بعض المجموعات بوقف اللقاءات تماماً، فيما لم تتلق مجموعات أخرى أي إخطار بالتسجيل أو الانحلال. لم يتلق أحد ما أي أمر مكتوب.

ويقول متحدث بإسم وزارة الداخلية الذي نفى أن يكون على هؤلاء الأشخاص الذين يعقدون هذه اللقاءات في بيوت خاصة بأن عليهم التسجيل، ولكن (يجب على هذه المجموعات التسجيل لدى مراكز الشرطة المحلية، في حال عقدها لاجتماعات في بيوت مستأجرة).

وقال سامي عنقاوي، رئيس حلقة النقاش بإسم المكيّة، والتي تعقد في بيته يوم الثلاثاء من كل أسبوع، بأنه لم يطلب منه حتى الآن التسجيل أو وقف اللقاءات التي تجري في بيته. ولكن منتدى العين الثقافي في الأحساء، والذي يبلغ عمره 15 عاماً، ويناقش بصورة رئيسية الموضوعات الأدبية، قد تم إبلاغه بوقف الاجتماع في يناير 2007. ولكن ذلك لم يوقف المجموعة، التي تضم نحو ستين عضواً، من المشاركة في المعارض الفنية التي تنظّمها الحكومة السعودية. ويقول محمد النعيم، رئيس المجموعة ومدير مدرسة (لم يكن لدينا مذذاك أية لقاءات منتظمة. ولكن مجموعة صغيرة منا كانت تلتقي لإصدار كتاب حول القصائد المجّمعة والروايات القصيرة).

الخطوة البطيئة للاصلاح الجوهري

في أعقاب أول إنتخابات بلدية خلال أكثر من أربعين عام في فبراير 2005 واعتلاء ذي العقلية الاصلاحية الملك عبد الله في اغسطس 2005 وعفوه اللاحق عن ثلاثة من الاصلاحيين المعتقلين، فإن السعوديين شعروا بأن هناك بصيص أمل للإصلاح السياسي في البلاد.

في واقع الأمر، كانت هناك إشارات حول بعض التغييرات الاجتماعية في شوارع الرياض. فبإمكان رؤية النساء بدون غطاء الشعر التقليدي، وأن حضور الشرطة الدينية في البلاد، التي تفرض النظام الاخلاقي الصارم للمملكة، أصبح أقل وضوحاً.

ولكن إعتقال تسعة من الاصلاحيين السعوديين في العاشر من فبراير 2007، بدّد الأمل الأخير لكثيرين كانوا يأملون في المزيد من الإصلاحات الجوهرية. ويرى كثيرون خطوة الحكومة لتنظيم الصالونات كمؤشر آخر على أن المملكة تتراجع بعيداً عن السماح لمزيد من الإنفتاح السياسي.

وقد جرت الاعتقالات بعد توقيع التسعة على عريضة الى الملك عبد الله تطالب بالإصلاح السياسي وتقسيم وزارة الداخلية. وإذا ما تم تطبيق ذلك، فإنها ستضعف بصورة جدية سلطات وزير الداخلية، الأمير نايف بن عبد العزيز الذي يعرف بأنه معارض بقوة للحركة الاصلاحية.

ويعلّق متروك الفالح، أحد الاصلاحيين الثلاثة المعتقلين الذين عفي عنهم من قبل الملك عبد الله في آواخر 2005 (التقت مجموعة منا مع الأمير نايف في يناير 2004 قبل اعتقالنا، وكان معارضاً بقوة استعمال مصطلح (إصلاح).

ويقول الفالح بأنه يعتقد بأن أحد الأسباب التي أدت الى اعتقال تسعة من الاصلاحيين كان بأن بعضهم على وشك إعلان تشكيل حزب سياسي، وهو ما تحذّر الحكومة مراراً بأنها لن تسمح به. ويقول (هذه الاعتقالات هي غطاء بالنسبة لوزارة الداخلية لقتل أي فعالية للمطالب الاصلاحية الديمقراطية).

وقد اتّهمت الحكومة أيضاً بعضاً من هؤلاء الاصلاحيين المعتقلين التسعة بإرسال الأموال الى (الإرهابيين) في العراق، وهي تهمة نفاها بشدة محامي المعتقلين باسم عالم وأقرباء سعود المختار، أحد الاصلاحيين المعتقلين.

السناتور الأميركي رون ويدن (نائب عن ولاية أوريجون)، عضو لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ، يقول بأنه لا يعتقد بأن الإصلاحيين كانوا يرسلون أموالاً للإرهابيين، مبلغاً وكالة يونايتد بريس إنترناشيونال في 26 مارس 2007 بأنه (بناء على الدليل الذي إطّلعت عليه، يظهر من المحتمل أن هؤلاء الرجال كانوا بالفعل ناشطين ديمقراطيين).

وقد منع الإصلاحيون المعتقلون التسعة التواصل مع محاميهم وعوائلهم، ويتم إحتجازهم في موقع سري دونما تهمة أو محامة في محكمة القانون.

مازال الأمل بالتغيير

وبالرغم من كل هذه الارتدادات، فإن الإصلاحيين، مثل الفالح والسيدة الأكاديمية، مازالوا متفائلين بأن الأمور ستتحسن تدريجياً في الخمس الى العشرات سنوات القادمة من الآن.

ويقول الفالح: (نتمنى بأن يواصل الملك عبد الله الإصلاح. لدينا بعض المشاكل مع بعض أفراد القيادة الرئيسية لدينا الذين يعارضون التغيير. لا نعتقد بأن الرأي العام السعودي والمؤسسة الدينية عقبات في طريق الإصلاح). ويضيف: (نريد قضاءً مستقلاً، ونظام للحريات العامة التي تكفل حرية التعبير، والمشاركة وتشكيل تنظيمات المجتمع المدني).

وتقول الأكاديمية بأن مجموعتها تخطط لطلب إذن لمواصلة العمل. (هذه رسائل مزعجة جداً نحصل عليها من قبلهم) وتتسائل الأكاديمية: (هل الحكومة جادّة حول الاصلاح أم لا؟.. ما رأيناه حتى الآن، كان إصلاحات شكلية فحسب).


* عن صحيفة كريستشيان ساينس مونيتور، في 11/4/2007، والمقال بعنوان: (السعوديون يتشبثون بمنفذ لحرية التعبير).

الصفحة السابقة