يتجاهل الفكر المتطرف

برنامج المناصحة يوفّر وظائف وزيجات للجهاديين

محمد شمس

تثير معالجة الحكومة السعودية لموضوع التطرف الديني/ الوهّابي أسئلة محلية وأجنبية حول ما إذا كانت تلك المعالجة قادرة على استئصال العنف في المملكة والذي لم يتوقف منذ سنوات. البعض في المملكة يسمي المعالجة بأنها (ناعمة) تستهدف (استعادة) السلفيين الناشزين الى العائلة المالكة وكسب ولائهم مجدداً. والبعض الآخر اعتبرها سياسة (خرقاء) كونها لا تعالج سوى الظاهر من المشكلة، التي هي في أصلها ذات جذور ثقافية انتجها التفسير الوهابي المتشدد للدين. ومع ان الحكومة السعودية استطاعت الحدّ من العنف، إلا أنه لم يختف وما يلبث أن ينفجر بين الفينة والأخرى، فضلاً عن أن العنف الوهابي/ السلفي انتقل الى دول عربية عديدة، مثل المغرب والجزائر، بل وانتقل الى أوروبا، حيث أن خيوط العنف تقود دائماً الى سعوديين سلفيين، يروجون الفكر العنفي، ويمولونه.

الطريقة السعودية (الناعمة) هدفها أن لا تفقد العائلة المالكة ولاء قاعدتها النجدية الإجتماعية، فالإستئصال لقيادات العنف، والتي تتبع عوائل وقبائل معروفة بولائها لآل سعود يباعد الشقة بين الطرفين، لهذا فإن العائلة المالكة تستخدم العنف على الفئات الإجتماعية النجدية الضعيفة أكثر من تلك التي لها ارتباط قبلي قوي، وهي ـ أي العائلة ـ تسعى في نفس الوقت أن تقلل حجم البتر والقطع والعنف ضد جماعات العنف، حفاظاً على توازنات الولاءات العشائرية والمناطقية.

بالطبع فإن عدداً من الدول العربية منزعجة من العنف الوهابي المتطاير الى بلدانها، حتى دول الإتحاد الأوروبي أبدت انزعاجها من طريقة السعوديين في المعالجة، التي أصروا على أن تتضمّن تحوّلاً في مسار الفكر الوهابي نفسه. في المغرب مثلاً، تُمنع الكتب الوهابية ويجري التشدّد بشأن انتشارها، وقد حذت حذوهم مصر الى حدّ ما والجزائر وموريتانيا، وهناك موجٌ عربي متصاعد ضد الأفكار الوهابية القادمة من السعودية، كما ان هناك شكوى مريرة من قيادة سعوديين لحوادث عنف في المغرب العربي، ولهذا السبب ربما بدأت تلك الدول بإقرار الفيزا بالنسبة للمسافرين السعوديين، كما هي تونس، وهناك احتمال ان تحذو حذوها المغرب، بعد تكرار أحداث العنف.

جريدة الجارديان البريطانية نشرت في الثاني من أبريل مقالاً للكاتب إيان بلاك من الرياض، جاء فيه أن السعودية تزعم أنها انتصرت في (الحرب على الارهاب) الداخلي بمساعدة برنامج إعادة ـ تثقيف وتأهيل مئات من مقاتلي القاعدة التائبين الذين كانوا تحت قيادة أسامة بن لادن.

ويقول مسؤولون في الرياض بأنهم لحظوا نجاحاً يصل الى معدل 80 ـ 90 بالمئة في حملة مناهضة التطرف التي صمّمت لفطم المتشددين المعتقلين من قبل قوات الأمن من أيديولوجية (التكفير) التي تسمح بقتل نظرائهم المسلمين وتحفّز السعوديين على التورط في الجهاد في العراق وأفغانستان. وقد لقى نحو 140 عضواً من تنظيم القاعدة ـ الجزيرة العربية حتفهم في مواجهات مع قوات الأمن منذ الهجمات التي بدأت في مايو 2003. وقد خضع للبرنامج ألفان رجل، فيما أفرج عن 700 منهم، عاد منهم بعض الأفراد لممارسة أعمال عنفية، كما قال الناطق الأمني بإسم الحكومة الجنرال منصور بن تركي.

فقد رأى أبو سليمان، 33 عاماً، الخطأ في طريقه: (لقد تورّطت في الجهاد منذ أن كنت في العشرين من عمري)، يشرح ذلك باللغة الانجليزية، بلهجة أميركية اكتسبها خلال الأربع سنوات التي قضاها في معتقل غوانتنامو بعد إلقاء القبض عليه في تورا بورا أواخر 2001. ويقول المقاتل المقدّس الذي تحوّل الى محلل مالي (ابن لادن شخص هادىء ولكن باستطاعته أن يسحر الناس حين يتحدث. إن البقاء في السجن يمنحك وقتاً كافياً للتفكير. كانت لدي نوايا طيبة. وأريد أن أساعد المسلمين حول العالم، ولكنني أشعر بأنه قد تم إستعمالي لأغراض أخرى. وهذا البرنامج يعمل لصالح كثير من الناس).

ويخضع السجناء لبرنامج إجتماعي ونفسي، ويتم في دورات تستغرق 10 أسابيع، تساعد في توفير وظائف وحتى زيجات كجزء من الدعم الكثيف اللاحق والذي يشتمل على تقديم مساعدات نقدية لعوائلهم. ويرفض البعض المشاركة (ولكننا لا نجبرهم على ذلك) على حد قول الجنرال تركي.

ويواجه المعتقلون العريقون المحاكمات، ولكن ليس هناك حالات كبرى قد حصلت، وليس هناك كما يبدو عجلة من أجل البدء، يقول الدبلوماسيون، بالتركيز على حساسية القضية في هذا البلد المحافظ بشدة، بلد الـ 15 من أصل 19 خاطفاً في الحادي عشر من سبتمبر. فقد يتم فرض أحكام بالإعدام في بعض الحالات، بقطع رؤوس في وسط الرياض.

إن المقاربة الناعمة هذه تتعارض مع تقارير حول تعذيب الموقوفين الأمنيين كما هي موثقّة لدى منظمة هيومان رايتس وواتش. الموقف السعودي الرسمي من البرنامج لا يمكن التحقق من صحته بصورة مستقلة، ولكن تفاصيل كثيرة قد تأكدت من قبل دبلوماسيين غربيين، مع حرص الولايات المتحدة وبريطانيا للاشارة الى نجاحاته.

أبو خالد، (متخرّج) آخر، 25 عاماً، يعمل في الدفاع المدني بعد تراجعه خلال سنتين من فترة السجن خدمها بعد عودته من أفغانستان، يقول (أعترف بأنني إرتكبت خطاً. وأشعر بأنني نادم على ما فعلت). ويرى المستشار الوزاري الدكتور عبد الرحمن الهدلق، بأنه بالرغم من أن القاعدة قد هزمت في السعودية فإن (العمل العسكري) لا يمكن أن يكون الوسيلة الوحيدة، فإن (حرب الأفكار) يجب أن تعلن على المواقع الالكترونية التي تتخذ من أوروبا قاعدة لها، والتي تمجّد الجهاد والعنف ضد (غير المؤمنين).

علماء الدين السعوديون يبثون مطارحات قرآنية على شبكة الانترنت لتفنيد المزاعم حول الجهاد ولكن تبغض وجهات النظر القائلة بأن للوهابية صلة بالإرهاب. لقد تم إدخال البرامج تلك الى المدارس والمساجد لمقارعة الأفكار المتشددة، ولكن التحدي الآن هو تصدير المتشدّدين، كما يقول د. الهدلق، فالشباب، حسب قوله (يكذبون على عوائلهم ويقولون بأنهم ذاهبون الى مكة أو بيروت أو دبي ولكنهم يظهرون لاحقاً في العراق).

ومن أجل كل هذا التبجح بنجاح البرنامج، يعترف الشيخ محمد النجيمي الذي يعمل مع السجناء (نحصل بعض الأحيان على أسئلة لا نستطيع الاجابة عنها، من قبيل لماذا تركتمونا نذهب الى أفغانستان لمحاربة الروس، ولكن لا تدعونا نذهب الآن لمحاربة الأميركان؟).

ولكن الجواب واضح، كما يصرّ الجنرال تركي، المخلص للخط الرسمي: (في ذلك الوقت، سمحت الحكومة السعودية بذلك، وأصدر العلماء فتاوى تشجّع على ذلك. وأن الحكام في أفغانستان كانوا شيوعيين، وليسوا مسلمين كما هم اليوم).

الصفحة السابقة