في لقاء مع جريدة الرياض

وزير الداخلية يكمل رواية الإنقلاب العسكري

حسن الدباغ

أجرت جريدة الرياض مقابلة مع وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز نشرتها في عددها الصادر بتاريخ 28 أبريل 2007. خصصت المقابلة لموضوع الإعتقالات الأخيرة والتساؤلات حول طبيعة ما جرى ونوعية الخلايا والمتورطين وغير ذلك.

الأمير نايف لم يقل شيئاً كثيراً، بحجة أن التحقيقات لم تستكمل، حتى المعلومات الأوليّة لم يدل بها.

لكنه على أية حال أشار في ثنايا حديثه الى مواضيع أخرى قد تكشف شيئاً من الغموض عن الإنقلاب الذي لا يريد أحدٌ من المسؤولين التطرّق اليه صراحة، وإنما يحومون حول (الحمى) دون (الوقوع) فيه!

ماذا يقول نايف في إجاباته حول تساؤلات الصحافة والناس؟

لم نقبض عليهم كلهم

حجم الخلايا كبير من الناحية العددية، 172 شخصاً، وهو عدد يشير الى تصاعد قوّة الخلايا المعارضة عامة وخلايا القاعدة خاصة، وقد سئل نايف عن سر العدد الكبير، وهل ستصدر قائمة بأسماء المتهمين، وهل هناك متابعات أخرى تتعلق بالمجموعات السبع التي كشفت الداخلية عنها؟

اعتبر نايف ما حدث إنجازاً وأضاف: (الأمل القبض على أكبر عدد ممكن.. فهؤلاء ليسوا كلهم، فقط من قام بهذه الأعمال، فلا بدّ أن هناك من يساعدهم ويتزعم تلك الأمور. ونحن وراءهم ولا بد أن نصل إليهم). وتابع: (لا نستطيع أن نقول بأننا قد انتهينا من هؤلاء الضالين، ولكن الجهود ستظلّ قائمة ومستمرة، فالعين.. مبصرة، والجهود مبذولة حتى نطهر بلادنا من كل من فيه شرّ).

إذن.. لم يقبض عليهم كلّهم. وبين غير المقبوض عليهم قيادات (ويتزعم تلك الأمور).

والجهود مبذولة للقبض على آخرين.

وهذا يعني أن المعركة لاتزال مفتوحة بين تلك الخلايا والحكومة. ولكن نايف لم يعلّق على العدد الكبير للمقبوض عليهم، كما لم يتحدث عما إذا كانت وزارة الداخلية ستصدر قائمة أسماء مطلوبين أم لا.

زعيم التنظيم: قائد الإنقلاب

يبدو أن المواطنين يريدون معرفة إسم هذا القائد الإنقلابي، من أية مدينة، والى أية قبيلة ينتمي. فهو قد وضع على عاتقة مهمّة إنهاء النظام السعودي كليّة، ووضع نفسه موضع القيادة البديلة للعائلة المالكة، وقد كانت (مبايعته) في الحرم الإشارة التي فهم منها الكثيرون هدف التنظيم وقائده، وحين أضافوا الى ذلك طبيعة المخطط وفق ما جاء في بيان وزارة الداخلية الأول بتاريخ 27/4/2007، تأكد لديهم أن المسألة أكبر مما تمّ إعلانه وأن الهدف انقلابي شامل يطيح بنظام الحكم القائم.

عن هذا الرجل، القائد، سُئل نايف: هل هو سعودي؟!

ويبدو أن السؤال ساذج حقاً. لأن لا أحد يجرؤ أن يضع نفسه قائداً بديلاً ما لم يكن من أبناء الوطن، ولا يمكن لقائد أجنبي أن ينجح.

أجاب نايف: (للأسف انه مواطن سعودي وقبض عليه مع المجموعة، وعلى كل حال جميع الأمور المتعلقة بذلك ستوضح في وقت لاحق).

لماذا للأسف؟!

هل لأن الشعب المُسَعْوَدْ، يدين كلّه بالولاء للعائلة المالكة، وبالتالي فإن الشذوذ يؤسف له؟! وهل تظن هذه الأخيرة بأن الشعب يصدّق ترهاتها، ولا يدرك فسادها وإفسادها؟! أم أن ذلك الشعب له خصوصية (شعب الله المختار) الذي (اختار) عائلة آل سعود دونما سواها لتحكمه الى الأبد بالحديد والنار؟!

إنها نزعة استعلائية تمتزج فيها العنصرية والدينية/ الطائفية، وسنجد عبارة الأسف تتكرر في أجوبة نايف، كما كانت العادة في كل مقابلاته وخطاباته السابقة. وكأن نايف كان يتمنّى أن لو كان قائد الإنقلاب أو ما قيل (قائد المجموعة الأولى من المعتقلين) شخصاً لا يحمل الهوية السعودية، ليقول للمواطنين: انظروا، الخارج يتآمر علينا، وأنتم أيها الشعب المسعود محسودون على ما أنتم فيه من نعمة، وأن المؤامرة كبيرة على إسلامكم/ الوهابية!

وهنا لم يقدم نايف معلومة عن هذا الرجل القيادي الإنقلابي، ولكنه وعد بنشر معلومات لاحقة، وقال بأنه سيقدم الحقائق لشعب المملكة عن هذه الأمور التي تهمه.

الإنقلاب لا يتبع القاعدة

لم يقل نايف هذا صراحة، ولكن كل المؤشرات تدلّ على أن عقلية المخططين وطريقة أدائهم تختلف عما شهدناه من أعمال تنظيم القاعدة في السعودية. فقد سئل نايف صراحة وبوضوح: (هل يصح أن يطلق عليه زعيم لتنظيم القاعدة جديد بداخل المملكة؟). السؤال يحمل افتراض ـ معقول ـ وهو أن زعماء تنظيم القاعدة/ فرع السعودية المتكررين قتلوا ابتداءً من الشيخ يوسف العييري، وانتهاءً بصالح العوفي مروراً بيونس الحياري وعبدالعزيز المقرن وغيرهم. ولم يعلن عن زعيم جديد لقاعدة السعودية، فأصبح السؤال عن قائد التنظيم من حيث الهوية التنظيمية مهماً، فهل هو من القاعدة أم لا؟

نحسب أن الإجابة على السؤال غير مكلف أمنيّاً. وكان السائل فيما يبدو يتوقع أن يقول الأمير نايف وزير الداخلية: نعم هو زعيم، أو أحد زعماء القاعدة. لكن الأمير لم يقل هذا، وقدّم إجابة مواربة لا تفيد بالنفي ولا بالإيجاب، قال: (إذا كان يعتقد هذا الشخص ذلك فلا ندري، ولكن لا أحد يبايع شخصاً إلا أنه قد تزعم نفسه وأن له اتباعاً)!

ماذا يريد الأمير أن يقول؟

هل يريد أن يقول بأنه لا يعلم: (لا ندري)؟!

هل يريد أن يؤكد أنه منفصل عن القاعدة، بدليل قوله: (لا أحد يبايع شخصاً إلا أنه قد تزعّم نفسه وأن له أتباعاً)؟.

أي ما دام وضع (زعيم الإنقلاب) نفسه في موضع الزعامة، وموضع البيعة، فإذن هو القائد والزعيم، وليس أسامة بن لادن.

وهذا هو الصحيح بشكل شبه مؤكد.

المجموعة الإنقلابية الأولى التي ضمّت 61 معتقلاً، تشارك القاعدة الأرضية الفكرية السلفية الى حدّ كبير، ولربما بين زعيم الإنقلاب وإبن لادن اتصالات من نوع ما، هي استمرار لعلاقة سابقة، حين كان زعيم الإنقلاب (يجاهد) في أفغانستان وقد عاد الى السعودية قبل أحداث 9/11، وتمّ التحقيق معه، ولم يعتبر الرجل ـ غير المعروف ـ خطراً على الأمن.

وهناك دلائل أخرى تشير الى ان هذا التنظيم منفصل عن كل خلايا القاعدة، بما فيها مجموعة القاعدة التي هاجمت المنشآت النفطية في أبقيق، كما أن التنظيم لم يتورّط فيما يبدو في أية أعمال شبيهة لتلك التي قامت بها القاعدة في السعودية. فعين التنظيم كانت مسلّطة على الإعداد للإنقلاب، وليس القيام بعمليات غبيّة تقتل المدنيين، وتستبعد أمراء آل سعود.

تمويل الإنقلاب

السؤال التالي كان حول أموال التنظيم الإنقلابي، ولما كان البيان الرسمي الأول لوزارة الداخلية أشار الى إنشاء شركات استثمار وهمية، جاء السؤال الى نايف عن تلك الشركات المستثمرة، وهل كان استثمارها في الأسهم أم العقار، أم أن هناك وسيلة أخرى وهي جمع التبرعات؟!

أيضاً لم يقدّم نايف أية معلومة هنا، واكتفى بالقول: (كان ـ قائد التنظيم ـ يتصرف ومن معه في كل المجالات والدليل أنه لا بد من يساعدهم في هذا الأمر). أي أنهم كانوا يجمعون المال من كل الإتجاهات بما فيها التبرعات. لكن السائل أراد التأكد فسأل: (هل كانوا يجمعون باسم التبرعات للمساعدات). هذا سؤال جوهري، لأن طريقة جمع التبرعات من الناس صارت وسيلة بدائية، ووسيلة غير آمنة، بعد التشديدات الحكومية والرقابة الصارمة. ولمّا كان التنظيم دقيقاً في تحديد أهدافه، فإنه كان كذلك في تحديد وسائله الآمنة التي شملت إنشاء شركات استثمار. ولذا لم يجرؤ نايف أن يؤكد أن أموال التنظيم جاءت من التبرعات العامّة، خاصة وأن القول بذلك يطعن في جهاز الداخلية نفسه الذي يفترض أنه بعد سنوات من الصراع مع مجاميع القاعدة قد نجح في خنق جمعيات التبرعات كلّها داخل وخارج المملكة، مع ملاحظة أن هناك ضغطاً أميركياً بهذا الإتجاه. لهذا أجاب نايف معوّما الأمر: (من الصعب التحدّث بشكل دقيق في هذا الجانب حتى تتبين كافة التفاصيل في التحقيقات)!

خطر الإنقلاب قائم

هل كان إنقلاباً وبُدئ بتنفيذه؟!

بالطبع لم يكن السؤال هكذا، فالصحافيون السعوديون يلتفون حول الأسئلة المحرجة، أو التي لا يجوز البوح بها أمام وزير الداخلية والأمراء الكبار. ومع أن طريقة السؤال بدائية، إلا أن المعنى كان واضحاً، لمن يقرأ وراء الأسطر.

يقول السؤال، بعد أن يتحدث عن معتقلي (الخلايا السبع) وكيف أن قدراتها متنوعة، من حيث حجم تلك القدرات من جهة وجود معسكرات تدريب، ومراكز تدريب للطيران: (هل وراء هؤلاء أهداف سياسية قد حدثت أو ستحدث من خلالهم؟).

سؤال معقّد وركيك لمن يقرؤه، لكن نايف فهم المعنى وأجاب عليه بنفس الغموض!

ظاهر السؤال غبي: هل هناك أهداف سياسية؟

بالطبع! فكل عمليات العنف التي وقعت لها دوافع سياسية، فهل هذا هو المقصود؟

كلا..

المقصود بالضبط: هل لهؤلاء الإنقلابيين أهداف سياسية من نوع إسقاط الحكم؟ وهل قاموا بأعمال تفيد بأن المخطط الإنقلابي كان في طور التنفيذ، وهل ستقع أعمال عسكرية رغم اعتقال هذه الفئات، أي هل مازال الخطر الإنقلابي قائماً؟

هذا هو التفكيك الدقيق للسؤال الذي قدّم بشكل ملتبس كما هو واضح.

الأمير نايف أجاب: (أحداث سياسية قد وقعت؟ لم يحدث ذلك. أما أن يكون في نيّتهم ذلك، فقد يكون. ولكننا بعون الله ضدّهم ولن يتمكنوا منها)!

هذا الجواب بحاجة الى تفكيك أيضاً.

نايف يريد أن يقول التالي:

ـ لم يقع أي عمل مسلح وقد اعتقل من اعتقل قبل تنفيذ الإنقلاب.

ـ لا أعلم إن كان في نيّتهم القيام بانقلاب أم لا، وحسب قوله: (قد يكون) أي يجوز أن يكون في نيتهم فعل ذلك. ونايف هنا لا يقصد بكلمة (ذلك) القيام بأعمال مسلحة، لأن البيان الرسمي الأول وكل البيانات الأخرى تفيد بأن كل الخلايا المقبوض عليها وكل الأفراد (172) كانوا يتدربون وفي نيتهم القيام بأعمال (إرهابية) أي أعمال مسلحة. لكن هذا ليس هو المقصود من السؤال، وجملة (أما أن يكون في نيتهم ذلك) فكلمة (ذلك) تشير الى (الإنقلاب) بعينه، وليس الى مجرد القيام بعمل عنفي مسلح، نعلم جميعاً ـ وتؤكد ذلك الحكومة ـ بأنهم ينوون وعازمون على القيام به.

ـ الجملة الثالثة لنايف تقول: (لكننا بعون الله ضدّهم، ولن يتمكنوا منها)! وهي تكشف عن أمرين أساسيين: أن نايف يفهم الغرض والهدف أو الأهداف (لن يتمكنوا منها) فهو يعلم ما هي تلك الأهداف التي يراد التمكن منها (القيام بانقلاب). والأمر الثاني أن نايف يعطي الإنطباع بأن الإنقلاب وإن كُشف عنه، واعتقل بعض عناصره، إلا أن الخطر لازال باقياً: (لكننا بعون الله ضدّهم). فمن هم هؤلاء؟!

دور الخارج في أزمة الداخل!

كثير من دول الجوار والعالم تشكو من السعودية.

تشكو من أيديولوجيتها الوهابية المتطرفة التي تفرخ الإرهاب. والتي نشرتها الحكومة السعودية الى كل بقاع العالم على شكل مراكز ومؤسسات دينية ودور نشر وتبليغ وجامعات ومعاهد.

وتشكو من إرهابييها الذين تصدرهم الى كل أنحاء المعمورة. فأينما اتجهت رأيت السعوديين/ الوهابيين في مقدمة من يمارس القتل والذبح والتفجير.

في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان واليمن ولبنان ودول الخليج مجتمعة بما فيها العراق ولبنان وسوريا هناك من يشكو ويتألم من (صادرات) السعودية الإرهابية: رجالاً وفكراً ومتفجرات.

لن نتحدث عن أبعد من ذلك: أفغانستان والباكستان وتركيا وأندونيسيا وإيران والهند والشيشان والبوسنة والصومال بل وواشنطن ونيويورك حيث غزوة السعودية المشهورة بـ (غزوة مانهاتن).

ومع هذا يردد المسؤولون السعوديون بأن (وهابيتهم) بريئة، ويحاولون اقناع العالم بذلك، في حين أنهم لم يقنعوا شعبهم ببراءة تلك الوهابية التي لا يدين بها سوى أقل من عشرين بالمائة من السكان، ولاتزال الكتابات حتى من داخل المدرسة النجدية تؤكد أن الأخيرة لا يمكن تكييفها مع مفردات التنوع والتسامح والسلم.

زد على هذا، وبدل أن يعتذر آل سعود وشيوخ مدرستهم عمّا أنتجته أيديهم من مآسٍ في كل العالم، نراهم يحمّلون العالم تلك المسؤولية!

كلمة (الخارج) صارت البضاعة التي يستخدمها الإعلام الرسمي للطعن في المنتج الأصلي السعودي. فكلما حدث شيء في السعودية نفسها، قالوا هو من الخارج، وأضافوا بأن المشكلة ليست في الوهابية، وإنما في مصر (التكفير والهجرة والإخوان المسلمون)!

وفي قضية الخلايا السبع، لم يخل أي بيان او تصريح إلا وأشار الى الخارج، أو الى (مقيمين) في الأراضي السعودية، متناسين أن هؤلاء المقيمين أحد منتجات وضحايا (الوهابية) نفسها، وقد كان المصنع والأموال والفكر كله سعودي، أي أنه: منكم وإليكم.

البيان الأول للداخلية حول هذه الخلايا أشار الى الخارج مرات عديدة، وجاء نايف وغيره للإشارة الى ذلك، والأسئلة التي قدمت لنايف حوت تسليطاً مباشراً ـ ويا للغرابة ـ على دور الخارج في أزمة الداخل السعودي.

سُئل نايف عن العشرين مليون ريال التي وجدت بحوزة (مجموعة القاعدة التي نفذت عملية أبقيق النفطية) وعن الأسلحة والمتفجرات المتطورة: (من أين جاء سمو الأمير هذا الدعم، هل هو داخلي أم خارجي)؟

قال نايف: (هذا الدعم وهذه الأموال من الداخل وللأسف. منه كذلك ما جاء من الخارج). كان يجب أن يقول بأنه في معظمه الساحق من الداخل (مع إضافة كلمة وللأسف!)، وأن ما جاء من الخارج من سلاح قليل، لكن لا بدّ من التعريج على الخارج دائماً.

عاد الصحافي وسأل ما إذا كانت هناك عناصر خارجية تتزعم (الفئة الضالة) أو هل لمن اعتقل صلات بـ (عصابات كبرى!) خارج الوطن؟!

لم يجب نايف واكتفى: (كل هذه الأمور ستتضح لاحقاً بعون الله ولن نستبق الأحداث)!

أي أحداث تستبق، وقد وقعوا ـ كما تقولون ـ في قبضتكم، وأعلنتم أن لهم صلات بالخارج؟.

وسئل نايف عن الخلية المكونة من تسعة أشخاص والتي تتكون من (مقيمين) كانوا ينوون مهاجمة سجن الرويس بجدة أو سجن الحائر بالرياض لاطلاق سراح أفراد القاعدة منه. سأل هل إقامتهم شرعية أم لا؟ وهل يلغى نظام (البصمة) للحد من العمالة؟ السائل هنا يحمّل الأجانب المسؤولية، ويلقي باللوم على العمالة التي وصل عددها الى نصف عدد السكان (نحو ثمانية ملايين عامل أجنبي وعربي)! وكان الأجدر به مساءلة الفكر، فهؤلاء التسعة ما هم إلا عيّنة من ضحايا الفكر الوهابي المتطرف.

قال نايف في إجابته بتفاخر، ومقللا من أهمية هذه الخلية (التسعاوية): (هؤلاء كانوا معروفين، وكثير منهم كانوا مقيمين). السائل يقول حسب البيان الرسمي أنهم كلهم من المقيمين، ونايف يقول كثير منهم كانوا مقيمين! وأنهم معروفين! ما شاء الله! لماذا لم تتعرّف على السعوديين إذن؟! وهم بين ظهرانيك، ومن حلفائك الوهابيين؟!

وتابع مقللاً من أهمية الخلية ـ ربما ـ بأنه سينتهى من نظام البصمة، ولكن (الشأن الأهم الذي نحن بصدده هو القضاء ومحاربة الإرهاب وهذه الفئة الضالة). أي لا تربط بين الأمرين كثيراً، وإلا لن يصدق الناس ذلك.

وماذا عن الدول المجاورة التي استغلتها تلك الخلايا في التدريب وإدخال الأسلحة؟

الأمير لا يستطيع أن يهاجمها وبيته من زجاج. وهو لم يسمها سوى العراق. قال نايف بأن هناك تعاون مع بعض تلك الدول (ولكن وللأسف لا يوجد تعاون من دول أخرى) مشيراً الى العراق، وعزا سبب عدم التعاون (لعدم وجود قدرة في تلك البلاد الأخرى ولا شك أن هناك مراكز تدريب موجودة فيها ولكنها قلة).

سأل الصحافي عن الدولة أو الدول التي (دربت الأشخاص على الطيران)؟ فأجاب نايف بأن ذلك (سيعلن في حينه)!

تحميل المواطن المسؤولية

لماذا يتحمل المواطن مسؤولية مكافحة العنف؟ لماذا يدافع عن نظام يحرمه من أبسط حقوقه في العيش الكريم؟ لماذا ومقابل ماذا يدعم سلطة مستبدّة هي من صنعت الإرهاب والتطرف ولاتزال تصنّعه؟ لماذا ينخرط مواطن في مشروع جزئي لا ينتج منه إلا المزيد من تسلط العائلة المالكة، التي لا تريد أن تعالج موضوعة التطرف عبر الإصلاح الشامل؟

نايف يقول أن كل مواطن هو رجل أمن!

كلمة تقال في الهواء ليس إلا! وهو يشكو من ضعف مساهمة المواطن في مكافحة الإرهاب. وهذا صحيح. ولكن لماذا يراد إشراك المواطن في هذا الأمر وحده دون غيره؟ لماذا لا يُشرك في العملية السياسية؟ لماذا لا ينال حقه في حرية التعبير؟ لماذا لا يحصل على أدنى الخدمات؟ لماذا يخسر ما تبقى من أمواله ومدخراته ولا يحصل على جزء من الثروة النفطية المتراكمة في بنوك الأمراء في أوروبا وأميركا؟

كان يجب على الحكومة ومنذ زمن بعيد أن تعالج موضوع التطرف والعنف بحزمة من الإصلاحات، تجدد شرعية النظام من جهة، وتدفع بالمواطن للدفاع عن مكتسباته السياسية. أما والحال هذه فلسان الحال الشعبي يقول: إنزعوا شكوكم بأنفسكم أيها الأمراء!

بعض الكتاب المحسوبين على وزارة الداخلية يباركون لها جهودها وجهود وزيرها، ويلقون باللائمة على المواطن في استمرار العنف، بل أن بعضهم دعا الى معاقبة عائلة الشخص (الإرهابي!) خاصة الأب لأنه لم يربي إبنه التربية الحسنة القائمة على (طاعة ولي الأمر)! والأجدر معاقبة النظام السياسي، والسلطة الدينية، ومؤسسة التعليم التي خرّجت عشرات الألوف من المتطرفين والإرهابيين فكراً وممارسة.

السؤال الموجّه بعناية لنايف يقول بأن هناك مخاوف شعبية من حجم الخلايا السبع والمقبوضات من الأموال والأسلحة (فما المؤمل ـ سمو الأمير ـ من الآخر آباء وأسر ومؤسسات تربوية ودينية تجاه هذا الداء والوباء؟).

كرر نايف السيمفونية المعروفة: (قلنا مرات.. ومرات: هذه مسؤولية أمام الجميع.. ولن يعذر أحد منها، فلا بد أن يكون هناك قناعة بأن المواطن هو رجل الأمن الأول. إذا لم يقم هذا المواطن بواجبه بالإبلاغ عمّن يشتبه به بطوعه فلن يتم القضاء بالشكل المطلوب (على الإرهاب..) الإبلاغ أمر واجب وضروري من قبل المواطن). وزاد نايف منبهاً المشايخ والكتاب (والعقلاء) بأن ناشدهم أن يبينوا بأن (الخطر لا يستهدف جهة واحدة (المقصود العائلة المالكة) وإنما يستهدف الوطن بأكمله وعلى رأس ذلك العقيدة، فالدين الإسلامي مستهدف).

المستهدف الأكبر هو العائلة المالكة وسلطتها المستبدة والفاسدة. أما استهداف الإسلام، فمجرد تأجيج لمشاعر من قبل عائلة تتدثر به لتغطي مساوئها البعيدة عن روحه. آل سعود ليسوا من يمثل الإسلام، وهم يستخدمونه في كل معاركهم الداخلية والخارجية.

توبة المتورطين غير مقبولة

هذه العبارة الصريحة لم يقلها نايف، ولكنه هذا ما يفهم من أجوبته. فهو يبدو يائساً من أن (يتوب) السلفيون الناشزون عن المؤسسة الرسمية، رغم تحالف نايف وجناحه السديري مع كبار مشايخ الوهابية. ويبدو أن المناصحة وتزويج بعضهم وإخراجهم من السجون لم تؤت ثمارها، وكثير من المعتقلين الذين أعلنوا التوبة عادوا الى مواقع العمل ضد العائلة المالكة مرة أخرى. كان تساهل الحكومة مع العنف والتطرف بكافة أشكاله الفكرية والسياسية والعقدية والمادية جاء لأمر واضح. فآل سعود إنما يواجهون صراعاً وتنازعاً على شرعية حكمهم بين ظهراني مركزهم الأساس (نجد) وبين شركائهم في المعتقد وحلفائهم في المصلحة (الوهابيين) وبالتالي فالأمراء لا يريدون أن يكثروا من (الدم) كما يقال. ولو أن منطقة أو جماعة مذهبية أخرى في المملكة فعلت معشار ما فعله الوهابيون لقضي عليهم قضاءً مبرماً. لكن آل سعود هنا لا يريدون أن يخسروا قاعدتهم الشعبية، ويريدون من الجراحة أن تكون موضعية، والإستئصال في الحدّ الأدنى، وهي سياسة حكيمة على أية حال، لو أنها جاءت ضمن مشروع معالجة أكبر للقضية العنفية والسياسية والإجتماعية التي تعصف بالمملكة منذ سنوات طويلة.

ما سئل عنه نايف هو هل إذا سلّم المطلوبون المتورطون أنفسهم تقدرون لهم ذلك في وزارة الداخلية؟

الجواب لا يحوي شيئاً من التهاون. يقول نايف: (إذا سلّم نفسه، وتعاون وأدلى بكل ما لديه، فهذا سيقدّر له، وسيعتبر له أوّل خطوة في الرجوع إلى الصواب)!

كلام غير مطمئن إذن حتى للسائل! لذا أعاد السؤال بطريقة أخرى: (دعني أصارح سموكم بأن البعض قد يكون قيل له من قبل من يتزعم تلك الخلايا أنه في حال تسليمه نفسه للداخلية، فإنه سيُحال إلى ساحة القصاص (الإعدام)، ما تعليق سموكم على هذه المزاعم؟).

الجواب مرة أخرى لا يبعث على الطمأنينة. قال نايف: (نحن نخضع جميعاً للقضاء وشرع الله تعالى؛ وكلٌ يعامل بذنبه، فالفاعل ليس كالناوي أو المغرر به). ولأن شرع (نايف) معروف كيف يدار وكيف يتلاعب به، فشلت وعود العفو الكثيرة مع السابقين من أفراد القاعدة في السعودية، والأرجح أنها ستفشل مع اللاحقين.

الصفحة السابقة