الإنقلابيون: الصورة مكبّرة

محمد الأنصاري

تنظيم الواحد وستين شخصاً الذي أعلن عن اعتقال قيادته، وعدد من أعضائه، هو الأخطر على الحكم السعودي، وهو الأكثر تطوراً وجديّة وطموحاً. فهو تنظيم يستهدف: إسقاط نظام الحكم والقضاء على العائلة المالكة. ومع أن كل تنظيمات القاعدة كانت تسعى بصورة من الصور الى هذا الهدف، إلا أن هذا التنظيم بالذات انشغل بشكل جاد في تنفيذ مخططه وعدم الإنشغال بأية أعمال جانبية لها بريق إعلامي.

وحسب المعطيات المتوافرة، فإن هذا التنظيم مارس ضبطاً للنفس لسنوات طويلة دون أن يبدي أية أعمال تؤدي الى انكشافه. كما أنه تنظيم دقيق بالمعنى العلمي، بحيث كان يحسب تحركاته بدقة، ويختار أهدافه بدقة متناهية، ويقدّر الإحتمالات بشكل غير عادي. زد على هذا فإن التنظيم إياه، أكثر من كل تنظيمات القاعدة وعياً بالسياسة المحليّة، والإقليمية والدولية، وهذا أمرٌ تفصح عنه خططه (انظر مواضيع الغلاف).

وزيادة على ذلك فمن المرجح جداً أن فهم هذا التنظيم ـ رغم فكره السلفي التقليدي ـ للاعبين المحليين ولنوعية الحكم المبتغى او البديل لحكم العائلة المالكة أكثر اعتدالاً من أي نسخة سلفية قاعدية للحكم: (طالبان ودولة العراق الإسلامية) وأكثر تطوراً وانفتاحاً من الناحية الذهنية للنموذج السلفي الذي يروج له المحسوبون على خط الإعتدال والوسطية السلفي.

التنظيم لم يقبل بابن لادن قائداً حقيقياً له. كل ما أراده فيما هو واضح من مسألة البيعة لقائد محلي للتنظيم، هو الإستفادة من غطاء شرعي غير متوفر في الداخل، دون أن يلزم التنظيم نفسه بتفاصيل العمل القاعدي بالسعودية، بل نأى بنفسه عن التنسيق مع خلايا القاعدة منذ ابتدائها، وكأنه توقع نهايتها، أو لم يكن يؤمن بإسلوبها، أو رأى أنها قابلة للإنكشاف بسهولة بسبب أخطائها، أو لأن تلك الأخطاء ـ خاصة في تحديد الأهداف ـ وفّرت للحكومة فرصة لتجييش عامة المواطنين ضد القاعدة.

التنظيم بهذا المعنى، لا ينتمي الى القاعدة، لا فكراً ولا قيادة ولا وسائل. كل ما بينه وبينها: مجرد خيط دقيق وبعيد مع ابن لادن ـ فيما يبدو. والغرض توفير غطاء شرعي بنحو ما، والإستفادة من الرمزية لابن لادن، وكذلك استثمار إمكانات القاعدة في حال الحاجة اليها لتوفير الدعم اللوجستي. ومن الواضح أن التنظيم لم يقبل التنسيق مع تنظيمات القاعدة الداخلية، ووفر خطاً بديلاً خارجياً يقلص الخطر من الإحتكاك بعناصرها قابلة الإنكشاف.

هذا التنظيم الإنقلابي كانت له قيادته المحلية الخاصة، وله إمكاناته الخاصة، وله فكره السلفي (المطوّر) الخاص. وكل ما نشر عنه يصب في اتجاه تعزيز مقولة أن هذا التنظيم ليس له علاقة بالقاعدة ولا بأساليبها ولا حتى بأولوياتها في الأهداف.

السؤال إذا كان التنظيم (سلفي) التفكير، فكيف أمكنه صناعة نسخته الفكرية المطوّرة، وكيف أمكنه الإبتعاد عن المواجهة وحسم قراره بعدم الإنجرار اليها؟

(الإنزواء) الجغرافي والعملياتي وفّرا ملاذاً لنمو هذه النسخة المتطورة جداً من العمل الجذري المنظم. ففي الوقت الذي كانت فيه عناصر القاعدة تتصارع مع أجهزة الأمن السعودية على امتداد التراب الوطني، كانت المنطقة الشرقية أكثر أمناً من غيرها، مع أنها قلب النظام الإقتصادي، والأكثر قرباً من مواقع اللهب العراقي وغيره.

التنظيم الإنقلابي، تأسس على الأرجح في المنطقة الشرقية، وربما في مدينة الخبر، ولربما ساعد المناخ التعددي الثقافي في المنطقة إضافة الى الحراك السياسي المتطور في المنطقة، ساعدا قادة التنظيم في توسيع أفقهم وحساب الأمور السياسية على الأرض بصورة أدق، وكذلك في إنتاج نسختهم السلفية الفكرية المتطورة. كانت الخبر فيما يبدو ملاذاً للتنظيم بعيداً عن الصراع المحتدم والدموي في المنطقة الوسطى بوجه خاص، وكانت المكان المناسب لإنتاج الأفكار وتقدير السياسات، وكانت من جهة ثالثة مناسبة من جهة أكثر خطورة وأهمية وهي أنها قريبة من قاعدة الظهران الجوية، وأن سكانها خليطٌ من كل المشارب في المملكة، مع غَلَبَة سكانية جنوبية وقبلية. وهذا أدى من طرف الى تقليص الإحتكاك بالعناصر النجدية/ السلفية، التي هي أكثر قرباً من المؤسسة السياسية، وأكثر عرضة للإنكشاف، ومن طرف ثانٍ عنى هذا ـ وهذا الأقرب الى الحقيقة ـ أن القيادة للتنظيم هي في أغلبها غير نجدية وإنما من الجنوب، والجنوب أكثر اعتدالاً من نجد/ الوسطى من جهة الفكر، وأكثر عرضة للتمييز، والأكثر من هذا فإن الجنوب هو الأقرب الى اليمن حيث معسكرات التدريب. لذا انتشرت أخبار بأن القيادة ليست نجدية (حسب عبدالرحمن الهدلق، أحد مسؤولي وزارة الداخلية، فإن قائد التنظيم الإنقلابي الذي بويع عند الكعبة في العقد الخامس من العمر وأنه ليس من المنطقة الوسطى/ نجد ـ انظر الشرق الأوسط، 28/4/2007).

لهذا كله، فإن تنظيم الـ 61 الإنقلابي كان الأخطر بين كل المجموعات التي اكتشفت، بل ربما كان أكثر الإنقلابات العسكرية خطراً في تاريخ العائلة المالكة، التي لم ينقذها من خطره سوى (تأخّر) موعد التنفيذ. وقد شاع على مواقع الإنترنت، بأن الإنقلاب تم تأجيله أكثر من مرّة، بالرغم من توفر الإستعداد والجهوزية، بسبب (الظروف السياسية غير الملائمة).

الصفحة السابقة