سياسة (عنزة ولو طارت)

الرياض بعد عام على (حرب تموّز)

سـعد الـشـريف

فجأة أعلنت قناة (العربية) الفضائية الحرب على المقاومة اللبنانية مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للعدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان في الثاني عشر من تموز (يوليو) 2006 والتي أبلى فيها حزب الله بلاءً حسناً توّج بانتصار صادم لكل الذين توقّعوا خلاف النتيجة التي انتهى إليها العدوان، حيث تفجّر بنك الأهداف الاسرائيلية والاميركية والعربية (المعتدلة!)، ولم يبق من ذلك البنك سوى صناديق فارغة.

الميركافاً في حرب تموز

سجّلت المقاومة اللبنانية صموداً أسطورياً مازالت وسائل الاعلام ولجان التحقيق الاسرائيلية تكشف عن بعض آثارها على الداخل الاسرائيلي الشعبي والرسمي سياسياً واستراتيجياً، ما اعتبر اقراراً بالهزيمة المحققة للدولة العبرية.

السعودية، التي اختارت منذ اليوم الأول للعدوان الاسرائيلي على لبنان الوقوف الى جانب الدولة العبرية عبر بيان ـ الفضيحة الذي أعدّه الشخص المثير للجدل بندر بن بوش، شعرت بأن نتائج الحرب قد ضربت بعنف أسس مصداقيتها وصورتها، ولذلك وجدت بأن فرض الحصار على تداعيات انتصار المقاومة خياراً استراتيجياً، ونظّمت وسائل إعلامها المحلية والخارجية عملية تشوّيه مكثّفة لصورة المقاومة عبر إثارة المسائل المذهبية في لبنان والعراق وإقحام الملف النووي ضمن أتون فتنة مذهبية. وقد اعترف الاسرائيليون بما يصدّق تصريحات مسؤولين سعوديين حول استعدادهم للدخول في صراع مذهبي تحت شعار (الدفاع عن أهل السنة) وهو شعار يخفي حنقاً مضطرماً من انتصار المقاومة اللبنانية، التي تجاوزت بانتصارها وصمودها البطولي الحواجز الوهمية: الجغرافية، والقومية، والمذهبية بل وحتى الدينية، حيث أبدت قوى شعبية في أرجاء مختلفة من العالم إعجابها بالإنجاز السياسي والعسكري الاستثنائي للمقاومة في لبنان.

قناة (العربية) التي شحذت طاقاتها على حين غرّة لإعداد برامج تنضح بكل ماهو معادٍ للمقاومة اللبنانية، وكل ماهو متواطىء مع الاسرائيلي والعربي الخانع المسمى المعتدل، من خلال إجراء مقابلات مع الاسرائيليين آخرهم رئيس الوزراء الاسرائيلي (إيهود أولمرت)، وهي مقابلات تم اختيارها في وقت مشبوه، أي مع مرور عام على العدوان الاسرائيلي على لبنان، وفي ظل استعادات واستعدادات بذكرى انتصار المقاومة في الرابع عشر من أغسطس، يوم وقف الأعمال العدائية بين الجانبين.. لقد سعت هذه (القناة) ونكاية بالمقاومة اللبنانية وحلفائها في المعارضة التي تطالب بحكومة وحدة وطنية، بتغطية فعاليات سياسية مشبوهة تستهدف الحط من شأن انتصار المقاومة اللبنانية.

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لحرب تموز (يوليو)، قامت (العربية) بتنظيم برامج شديدة التوجيه والعدائية عبر إجراء مقابلات ذات طابع كيدي مع أحد أسرى حزب الله الثلاثة، بهدف إظهار جانب ضعف في صورة الانتصار. ولا يخفى أن بعض مقدّمي برامج قناة (العربية) مثل جوزيل خوري قد امتهنت العداوة للمقاومة والمعارضة الوطنية في لبنان والانحياز التام لفريق السلطة ما أفقدها الموضوعية في مقاربة الملف الللبناني بأبعاده المختلفة، كما يظهر في انتقاء الشخصيات السياسية ذات الموقف الخصامي مع كل قوى الممانعة في المنطقة.

السعودية خسرت رهانها في حرب تموز، هي الحقيقة التي تترجمها في كل معاركها المذهبية والإعلامية والسياسية منذ عام، وهو يعكس اندكاكها في الرهان الأميركي ـ الاسرائيلي الذي لم يكن يتوقّع أن الرهان يخفي زلزلاً عاصفاً سيصيب كيان الدولة العبرية وسيعطّل مشروع الشرق الأوسط الجديد كما بشّرت به وزيرة الخارجية الأميركية رايس، بل ودحض كل المشاريع السياسية التي جرى إعدادها في سنوات لاحقة لفرض السيطرة على المنطقة، وإجبار قوى الممانعة على الرضوخ لشروط البقاء الآمن للدولة العبرية.

لقاءات بندر ـ أولمرت منذ نهاية الحرب في 14 آب/أغسطس 2006 وحتى اليوم لم تتوقف وهي تمثل سلسلة متصّلة من محاولات التطويق لتموّجات إنتصار المقاومة اللبنانية، وهي تأتي ضمن سلسلة تدابير إحتياطية قامت بها الدول المعتدلة أميركياً بالتنسيق مع الدولة العبرية والادارة الأميركية لجهة إحتواء تداعيات النكبة الاسرائيلية في حرب تموز، وكذلك سقوط رهان مثلث المعتدلين العرب على سقوط قلاع الممانعة في المنطقة.

بيروت تحترق بصواريخ اسرائيلية غير مغامرة!

يتحدث الإسرائيليون أنفسهم بأنهم باتوا والسعوديين في خندق واحد ضد حزب الله، وكل قوى الممانعة في المنطقة. بل بات الرهان السعودي على الاسرائيلي كبيراً في ضرب إيران وإحباط النفوذ الايراني في المنطقة وكذلك ضرب سوريا. وحتى مبادرة السلام التي قدّمتها السعودية في مارس الماضي والحماسة الاستثنائية التي أبداها بندر بن سلطان لجهة ترويج وتسويق المبادرة عربياً كانت لتقويض حدود انتشار المقاومة اللبنانية، حيث أريد للدول العربية المعتدلة التي راهنت على الدولة العبرية في تخليصها من خصوم مشتركين، أن تتحمل مسؤولية تعويض الكيان الاسرائيلي عن خسارته الاستراتيجية، فقد باتت هذه الدول أمام استحقاق تاريخي بالنسبة للدولة العبرية التي ترى بأن الدول الأعضاء في معسكر الاعتدال الأميركي ملزمة بتوفير الضمانات كافة لوجود الدولة العبرية، باعتبار أن هذه الدول تحوّلت الى شركاء في مشروع سياسي موحّد بدأ في حرب تموز ومازالت مبررات وجوده قائمة حتى اليوم، حيث يروّج المسؤولون الإسرائيليون (قائمة أخطار) مشتركة مع عدد من الدول العربية المعتدلة: الاردن، مصر، والسعودية بدرجة أساسية. بل لا تخفي بعض المصادر أن مسؤولين سعوديين من بينهم الأمير بندر بن سلطان والأمير تركي الفيصل قد طلبوا من الاسرائيليين التعجيل بقرار شن الحرب على ايران، من أجل حسم التردد الأميركي في الحرب ووضع إدارة بوش أمام أمر واقع يجبرها على المشاركة في الحرب.

لقد أدركت العائلة المالكة بأن انتصار المقاومة اللبنانية يعني انكسار موقفها وفشل سياستها الطائشة، وقد عوّلت على هزيمة حزب الله في الحرب، وهو ما لم يحصل ولذلك التزمت الصمت بعد الحرب بعد أن تبيّن لها أن ما أمّلته لم يسفر سوى عن انتصار لخصمها وخسارة لرهانها، وقد حاولت عبر وسائل عدّة احتواء الفشل، تارة عبر تحريك السفير عبد العزيز خوجه للتوسّط لدى قيادة المقاومة من أجل تلطيف الأجواء بين قيادتي حزب الله والمملكة، أو تمرير رسائل من نوع ودي الى قيادة حزب الله، على أن يواصل الخط الأميركي الممثل في جوقة بندر بن بوش مخططاته في النيل من المقاومة، سواء عبر تصدير جماعات (الفتن المذهبية) الى لبنان، من خلال جماعات محشوّة بالخصومة المذهبية المضطرمة مع مستوى وعي سياسيي صفري..

يدرك السياسيون اللبنانيون، وخصوصاً من هم في جبهة المعارضة وكذلك الطبقة السياسية اللبنانية أن السعودية تمارس دوراً كيدياً للبنان، حتى وإن أبدى بعض السياسيين مواقف إيجابية، فهي لا تعدو أكثر من إرسال إشارات وإيحاءات قد تغري القيادة السعودية من أجل تبديل سلوكها السياسي الذي لا تحسد عليه في الداخل اللبناني، فقد تكفّل (الانتحاريون البلهاء) في تقديم صورة ثانية وقد تكون الحقيقية بعد حرب تموز، حيث يتولى فريق في العائلة المالكة مهمة تعميم الفتن في المنطقة من أجل إفراغ النفايات الداخلية في الخارج، وقد تخدم أجندة سياسية تواطأ المعدّلون أميركياً على تحقيقها بعد أن فشلت آلة الحرب الإسرائيلية من تحقيقها.

كان معيباً من وسائل الإعلام السعودية، مهما بلغ الحضور اللبناني المقرّب من تلوينة فريق السلطة فيها، أن تنحو بعدائية مثيرة للإشمئزاز تجاه شعب قاوم العدوان وقدّم دمه وماله من أجل الدفاع عن كرامته وأرضه، خصوصاً بعد جلاء صورة العدوان وأن مسألة الأسيرين لم تكون جزءً جوهرياً من أهداف العدوان، وبعد أن كشف الاسرائيلي والأميركي أن ثمة مشروعاً شرق أوسطياً جديداً يراد له أن يولد في حرب تموز، وأن أهدافاً بعيدة يراد تحقيقها.. إذن هي عدائية سعودية تمظهرها وسائل الإعلام السعودية دونما مبرر، سوى كونها استعمالاً غير نزيه وغير شريف في تجاذب سياسي داخلي سلمي.

الصفحة السابقة