وخدعنا ملك الإصلاح العجيب!

كنّا قبل توليه منصبه كملك نحاول أن نقنع أنفسنا بأن الرجل القادم الى سدة الحكم سيكون ملكاً مختلفاً عمن سبقه من إخوته الملوك، أو على الأقل سيكون مختلفاً عن الملك الذي سبقه (فهد).

كنّا قبل توليه منصبه كملك نحاول أن نقنع أنفسنا بأن الرجل القادم الى سدة الحكم سيكون ملكاً مختلفاً عمن سبقه من إخوته الملوك، أو على الأقل سيكون مختلفاً عن الملك الذي سبقه (فهد).

وكانت آلة الدعاية تصوّره لنا من جنس الملائكة.

كانت تقول لنا مثلاً أنه (عروبي!) معادّ للولايات المتحدة الأميركية، يميل الى صف الدول الممانعة أو المقاومة للغرب، ودليل تلك الآلة الإعلامية كان علاقاته الجيدة مع سوريا الأسد (الأب) ومع (صدام حسين)!

زد على ذلك كانت ماكنة الدعاية تقول بأن الملك القادم على صهوة جواده، ذا العقال المنكوس، لم يتورط في علاقات سيئة مع دول الجوار كما كان قد فعل سلفه، وأن دول الجوار الخليجية وغيرها تتمنّى وصوله الى الحكم.

ولا ننسى أن الرجل حين كان ولياً للعهد استقبل الإصلاحيين موقعي عريضة الرؤية، وقد قال لجمعهم في ذلك اللقاء بأنه استطاع أن يضبط فساد الأمراء عدا أميرين فاسدين لم يسمهما، وقد فهم الحضور أن المقصودين هما: الأمير سلطان، والأمير نايف. ولكن الحقيقة هي إنه إن لم يضبط هذين الشخصين فكأنه لم يضبط شيئاً من الفساد، فهما أسّه وفرعه وناشره!

أيضاً لا ننسى أنه قال للإصلاحيين بأن (رؤيتكم مشروعي).. ويبدو أن أحد مستشاريه قد لقّمه تلك العبارة في ذلك الظرف السياسي، فخدع الإصلاحيين، الذين خرجوا من عنده مستبشرين، بل أن بعضهم كتب في الصحافة مبشراً بالثورة البيضاء القادمة للإصلاح!

وصل القبليّ العروبيّ الى كرسي الملك قبل أكثر من عامين، فماذا فعل؟!

لا نريد أن نتحدث عمّا لم يفعله يوم كان ولياً للعهد، فهناك من سيجد له العذر بأن السلطة لم تكن في يده.. لا نريد أن نتحدث عن صمته على زجّ الإصلاحيين الذين التقاهم في السجون من قبل أخيه وزير الداخلية، ولا عن القرارات التي لم تطبق حتى اليوم، ولم يلتزم بها إخوته ولا البيروقراطية الحكومية.

منذ أن وصل الى الحكم لم يتلفظ الملك عبدالله بكلمة عن الإصلاح، لا عن الدستور ولا عن انتخاب مجلس للشورى ولا عن حقوق المرأة ولا عن أي شيء أساسي هيكلي يتعلق ببنية السلطة.

ومنذ أن وصل، وجهاز الدعاية الرسمي لازال ينعته بالملك الإصلاحي، ويدبّج خطابات التمجيد بحقه، ولكننا لم نرَ شيئاً حتى الآن.

كيف يكون الملك إصلاحياً فجأة! بعد أن بلغ من العمر عتيّا وتخطى الثمانين من عمره؟! هذا ما لم نسأله أنفسنا. فلا يوجد في سيرة الملك الجديد ما يشير الى أنه شخص مختلف عن سابقيه، ولم تبدر منه بادرة تشير الى أنه إصلاحي، فكيف ابتلعنا الطعم وأنجحنا تسويق الإستبداد الى داخلنا؟!

الملك الإصلاحي وبدل أن يصلح معاش الناس، جلب لهم كارثة الأسهم التي أتت على مدخراتهم وحولتهم الى فقراء. وبدل أن يضبط التضخم، ارتفعت الأسعار الى حد الجنون، وبدل أن يحل أزمة البطالة بصدق، طلبَ نايف من الإعلام تخفيف الحديث عنها وكأنها مشكلة قد شارفت على الحل.

الملك الذي زار بيوت الفقراء يوم كان ولياً للعهد، زاد من عدد الفقراء، وكأنه يريد حل المشكلة بالتبرعات والأعمال الخيرية!

والملك الذي زعم أنه يحارب الفساد، وقعت في عهده صفقات التسلح الكبرى التي تعني صفقات نهب، ووقعت في عهده صفقة غريبة وهي تسييج مئات الكيلومترات من الحدود مع العراق تبلغ قيمتها سبعة مليارات! ستكون نهباً لأمراء النهب والفساد.

كيف يكون إصلاحياً من يزخر عهده بهذا؟!

كيف يكون عبدالله ملكاً إصلاحياً وفي عهده ازدادت قوافل الإصلاحيين المعتقلين، والموقوفين والمستدعين الى التحقيق؟

وكيف يكون كذلك وفي عهده تقلّص هامش الحريات الصحافية، وانتكست أوضاع حقوق الإنسان عامة؟

قولوا لنا أية إصلاح جاء به هذا الملك لنكمل معكم التصفيق له!

نعم.. سيقولون أن منجزه الحقيقي كان في تأسيس هيئة البيعة ومن ثم لائحتها! وهل هذا إصلاح يا جماعة الخير؟! إن الهيئة شأن عائلي، غرضه تنظيم (من) يحكمنا نحن الشعب! بل نحن الرعاع بنظرهم، وليس غرضه (كيف) يحكموننا ووفق أية أسس وضوابط. فإذا صح أن هذا منجز لعبدالله ـ ولا يبدو أنه كذلك حتى في محيط العائلة المالكة ـ فإن فائدته للعائلة المالكة وحدها، ولن يغير ذلك في حال الشعب، أليس كذلك؟!

وحتى عروبية الملك الفذّ تحولت الى عداء لتلك الأنظمة التي قيل لنا أنه يميل الى ممانعتها، وصار الملك صاحب مشروع تسويق السلام مع إسرائيل، وأداة للإطاحة بالنظام السوري، وضدّ حماس، وقد يجره الجناح السديري للموافقة على خوض حرب قادمة تعضد الأميركيين ضد إيران، كما فعلها سلفه بشأن العراق وأفغانستان. ورغم كل هذا لم ينجز لنا الملك الجديد إلا المزيد من الأعداء، وإلا سياسة خارجية ضعيفة هشة تابعة لأميركا وإسرائيل.

سأنتظر حتى العدد القادم، لأرى ما سيأتيني من المدافعين عن الملك الجديد، وقد أقرأ عليكم فضائله وإنجازاته حسب ما يطرحه أولئك، وهم في أكثرهم من الطبالين المتزلفين وأصحاب المصالح.

الصفحة السابقة