المواطنون يسمعون جعجعة ولا يرون طحناً

الطفرة المالية والفساد السعودي

ناصر عنقاوي

جاء تقرير الشفافية الدولية للعام 2007 صادماً، فقد أظهر التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية الخاص بالفساد في العالم هبوط السعودية ودول عربية أخرى مثل مصر ولبنان الى مراكز متدنيّة في مؤشر الفساد. فقد جاءت السعودية في المرتبة 83 بمعدل 3.4 بعد أن كانت في المركز 70 بمعدل 3.3 في 2006، وهي أعلى معدل على مستوى دول الخليج، وخصوصاً بالمقارنة مع قطر التي جاءت في المرتة 32 معدل 6 نقاط من أصل 10. وقد علّقت لابيل رئيسة منظمة الشفافية الدولية على نتائج التقرير بأن الفساد لا يزال (يمثل استنزافاً هائلاً للموارد التي يحتاجها التعليم والصحة والبنية التحتية. والبلاد ذات الرصيد الأدنى في حاجة الى اخذ هذه النتائج بشكل جدي والتحرك الآن لتقوية المحاسبة في المؤسسات العامة). وبحسب مصادر إقتصادية وقانونية سعودية، إن الخسائر الناجمة عن الفساد في السعودية تصل الى نحو 3 تريليونات ريال، (نحو 850 مليار دولار)، وهي تعادل الأموال المهاجرة من المملكة للخارج.

استبشر المواطنون خيراً بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد أملاً في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية الموعودة ورضد نتائجها ومراقبة سيرورتها واقتراح آليات عملية لملاحقة أشكال الفساد ورموزه، إذ أن الفساد الإداري يتلطى خلف أشكال وصور متعددة منها الواسطة، والرشى، والمخصصات السريّة من الموازنة العامة، والصفقات التجارية المدنية والعسكرية الوهمية أو غير المبررة، الأمر الذي يثير سؤالاً حول دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ويسري السؤال على المؤسسات الأخرى التي أعلن عنها لوظائف أخرى مثل حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وغيرها.

يعقد أحد المواطنين مقارنة بين ارتفاع اسعار النفط وانخفاضها وانعكاسها على الأوضاع المعيشية يقول: لو إفترضنا أن أسعار النفط (الآن) متدنية بمقدار عشرة دولارات مثلاً، وواقعنا الحالي كما هو من: بطاله، غلاء معيشه، فساد، فحتما سيشتكي الناس من الفقر والغلاء والبطالة!!. في المقابل (حتماً) سيظهر علينا (المسؤولون) في الحكومة مبررين ذلك بالظروف الدولية الراهنة وانخفاض (أسعار) النفط، الدخل الرئيسي للدوله!! ومع ذلك فإن التبرير لن يقنع (الناس)!!

الآن: أسعار النفط تفوق 80 دولاراً للبرميل!! والشعب السعودي يعاني من البطاله والفقر والغلاء وسوء الخدمات

والفساد المستشري والذي هو السبب في كل بلاءاتنا!

الآن.. رغم أن الإعلام السعودي يحاول أن يكون (واضحاً) ولا يخفي الحقائق، ويناقش البطاله والفقر والمشاكل الأخرى (مناقشه دون حلول)، إلا أنه لم يخرج لنا أي مسئول يوضح لماذا هذا الإنحدار في الخدمات، وإن وجدت فهي سيئة ولماذا الغلاء؟ ولماذا البطاله والفساد؟!! لم يخرج إلينا مسئول يبرر لنا مايحدث لا خيراً ولا شراً..أليس غريباً (صمت الحكومة)!!

لقد سجّلت الميزانية العامة لهذه السنة فائضاً يقدّر بـ 290 مليار ريال، فيما سجّل الإنفاق أعلى مستوى له في تاريخ الدولة السعودية بـ 396 مليار ريال، فأين ذهب ما يقرب من 700 مليار ريال؟. هذا السؤال بقدر ما يضع العائلة المالكة والسلطة التنفيذية عموماً أمام مسائلة مفتوحة، فإنه يستفزّ الحاجة الى سلطة تشريعية تضطلع بدور رقابي وتمارس حق المسائلة على أداء الحكومة. هل المجلس الشورى يقوم بذلك؟. حين أراد الملك عبد الله برفقة أخيه ولي العهد الأمير سلطان الحصول على موافقة مجلس الشورى على ميزانية الدولة، دخلا غرفة في مبنى مجلس الشورى وأمضيا دقائق عدة ثم خرجا وقالا لقد تمت الموافقة على الميزانية، فيما كان أعضاء المجلس ينتظرون بدء جلسة مناقشة بنود الميزانية قبل التصويت عليها.

لا ينظر الى مجلس الشورى بوصفه مؤسسة أو سلطة تشريعية، ولذلك فهو لا يعلم عن مصير أموال الدولة، تحصيلاً وإنفاقاً، واستثماراً، وفائضاً. فهل تساءل أحد من أعضاء مجلس الشورى عن فائض العام الماضي، وهل تمت إضافته لفائض هذا العام، بالطبع كلا. بل أين مصير الطلب الذي تقدّم به المجلس حول تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وإذا كان المجلس هو صوت الشعب والقناة التي تصل عبرها مظالم المواطنين الى الحكومة فإن الحديث عن دور استثنائي يمارسه المجلس من أجل المحافظة على مبادىء العدل والمساواة والحريات الفردية، وبالتالي فرض حراسة على الدستور الغائب أصلاً، يصبح حينئذ حديثنا عن دولة النهب مشروعاً.

يقول أحد المتابعين: إن الانفاق على المشاريع يأخذ طرقاً ملتوية وتنطوي على تواطؤات وضيعة، فقد يختار الأمراء من يشاءون من المقرّبين والحاشية والأصدقاء داخل الشورى أو الحكومة أو المدراء والتجّار ووكلاء وسماسرة من أجل نهب الفائض، فإذا ما واجه الأمراء موظفين في وزارة المالية يعارضون أو عاجزين عن إقرار بعض المشاريع المقترحة، فإن أقصر الطرق الى صندوق المالية هو مصادرة الصندوق نفسه بدلاً من الانشغال بالمشاريع، وهذه تتم عبر السلف المعدومة سلفاً.

نفط يزيد آل سعود فساداً والشعب جوعاً

إن المسكّنات التي لجأت اليها الحكومة وخصوصاً الملك من أجل (تنفيس) الإحتقان المتصاعد في الداخل بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية، كانت في نهاية المطاف وفي مؤدّاها الأخير وبالاً على الناس. مثال ذلك الزيادة التي أقرّها الملك بنسبة 15 بالمئة لرواتب الموظفين. حقيقة الأمر، أن هذه الزيادة أطلقت العناق للقيمة الشرائية للعملة بعد أن فقد الريال قدراً كبيراً من قيمته الشرائية، إذ بحسب التقديرات الاقتصادية أن معدّلات التضخم منذ عقدين تفرض زيادة في المرتبات بمعدل 40 بالمئة، ولكن ما جرى أن زيادة الرتبات حرّضت على جنون الأسعار، إذ تجاوزت أسعار السلع والخدمات الحدود الطبيعية، ما يجعل فرحة زيادة المرتبات كابوساً.

في تعليقه على فائض الميزانية لهذا العام، كتب صالح محمد الشيحي في صحيفة (الرياض) في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي: لا شيء إطلاقاً يشغل بال الناس هذه الأيام بالذات أكثر من الغلاء الذي طال كل شيء.. يقدر أحد مؤشرات المصادر المتخصصة وفقاً للتقرير السنوي الثالث والأربعين لمؤسسة النقد العربي السعودي الذي نشرت ملامحه الصحف في الثامن والعشرين من سبتمبر إرتفاع أسعار السلع الغذائية بحوالي 42% خلال الـ12 شهراً الماضية... لابد أن يقاتل السادة الأعضاء من أجل مشاكل الناس وأبرزها هذه الأيام وجود سقف للأسعار في البلد.. لا يمكن لوزارة التجارة ولا لغيرها أقناع المواطن بسياسة السوق المفتوح طالما لم تكتمل بعد الأنظمة الأخرى التي تحمي المواطن صاحب الدخل المتدني..

في السابق كنت أقنع الكثير بأن ظروف البلد الاقتصادية لا تسمح.. اليوم والله إنني أتحدث بخجل: كيف أستطيع إقناع شاب عاطل يبحث عن وظيفة أو مواطن مريض يبحث عن سرير أو مواطن يعاني غلاء الأسعار براتب متدنٍ، وهم يشاهدون ويسمعون في نشرة الأخبار الرئيسية أن الميزانية تسجل فائضاً 290 مليار ريال؟

أما علي سعد الموسى، فكتب في (الوطن) عن بعد آخر لقصة فائض الميزانية:

(ماذا سأجيب طلابي غداً في القاعة الجامعية إذا التفتوا للسقف فاكتشفوه ذلك السقف العتيق من الزنك في مبنى مستأجر عمره ثلاثة عقود؟. ماذا سأقول لهم عن فائض بمئات المليارات ولكنهم منذ ولدوا يسمعون أن جامعتهم طور الإنشاء ولكنهم كبروا ودخلوها وسيتخرجون غداً من ـ سقف الهنجر ـ فيما المجسم الأثري للحرم الجامعي المزعوم يرفل بالرفاه والبنين منذ ربع قرن وللمفارقة: في قاعة سقفها من الهنجر.

ماذا سأقول لأهل الحارة بعد مغرب اليوم إذا ما تدارسنا هذا الفائض الخرافي ثم ذهبنا أكباد الحارة في شوارع كل حفرة بها تحاكي الأخرى وتغمز لها بالعين، وكل حفرة تصلح قبراً لابن بعير صغير، وماذا سأقول لأهل الحارة ونحن نتدارس كل يوم مشروع الصرف الذي كان هنا قبل سنين وما زلنا حتى اللحظة ننتظر فرج المضخة التي يتحدثون عنها فلم تنجز. أربع سنوات وأهل الحارة يعدون أنفسهم لاحتفالات صاخبة عند تدشين حفرة صرف.

ماذا سأقول غداً عندما أذهب لقريتي ثم يسألونني عن فائض الميزانية الخرافي فيما ستة من شبابها على بند الأجور منذ ست سنين، وسبعة آخرون على أبواب حراسات الأمن وخمس فتيات يستيقظن في السحر للوصول لمدرستهن عند التاسعة؟

ماذا سنقول لمريم التي ينام ثلاثة من أطفالها في الشارع لأن الغرفة الوحيدة التي تسكنها العائلة لا تتسع لأكثر من سبعة صغار حول الوالد المشلول؟ ماذا سأقول لأبو عليان وهو يسمع عن فائض الميزانية الخرافي فيما معاش التقاعد البسيط لا يكفي لتركيبة أسنان ظل يحلم بها منذ 17 عاماً خلت لتحل محل تركيبة أسنانه التي عفا عليها الزمن بتقنية قديمة كانت تجعل من - الضرس - مساحة أضراس ثلاثة؟ أسنان أبوعليان اليوم لا يستطيع أن يقصها حتى مقص الرقيب. أختم بقصة من قريتي للعم (جبران) الذي طال انتظاره لوجبة العشاء عند عائلة اشتهرت بالركادة والبطء. وفي وقت الانتظار قص أحدهم حكاية القنبلة النووية التي ستبخر كل مياه البحر وعندما انتهى من قصته صاح العم جبران: هل من شظية من هذه القنبلة تحت ـ القدر ـ كي ينضج العشاء؟ اربطوا بقية القصة) (انتهى).

على آل غراش كتب في (ميدل إيست أون لاين) حول مشكلة الفقر وفائض الميزانية: (هل سيتم إستغلال العوائد المالية الكبيرة والفائض بالميزانية العامة في معالجة هذه المشكلة التي أصبحت تكبر مع الأيام وتتحول إلى ورم اجتماعي خبيث... إذ يزداد الخوف يوميا من انتشار رقعته (الفقر) وتحول أفراده إلى قنابل اجتماعية لا أحد يعلم متى تنفجر؟).

أحد المواطنين كتب استعراضاً عاماً لحال البلاد في ضوء فائض الميزانية، وكتب: (الجامعات السبع التي بقيت طيلة القرن الماضي دون وجود مقاعد للدراسة لأكثر من نصف الشعب مما جعلنا نحرم شعبنا الغني/الفقير من التعليم بحجج واهية مثل (عفواً لا يوجد مقعد دراسي لهذا الطالب حتى و إن كانت نسبته في الثانوية 95%). ويتساءل: من المسؤول عن هذا بالله عليكم؟. والمستشفيات التي تشبه من الخارج الفنادق ذات الخمس نجوم، وهي نفسها المستشفيات ذات الأخطاء الطبية الجسام.. وهي نفسها المستشفيات ذات الأسرّة الشحيحة حيث يترك المواطن يواجه الموت بالأمراض الخبيثة والأخبث بعذر (صار يراه المسئول السعودي عذراً شرعياً و عادلاً) وهو عدم وجود سرير!

لماذا لا يوجد مقعد دراسي لهذا المواطن الذي يفترض أن يكفل له الدستور حق المساواة الكاملة مع غيره من أبناء الشعب؟؟

لماذا لا يوجد سرير لهذا المواطن المريض و الذي يأبى الحياء و تأبى الإنسانية أن نعتذر منه بهذا الشكل الجبان ونحن أموالنا تعمّر المدن والقرى في العالم من حولنا و تنفق على الإستراتيجيات غير الضرورية وغير المدروسة و غير الحكيمة أحياناً كثيرة.

لماذا لا يوجد أبسط خدمات للإنسان هنا وهي تقدّم بكل سهولة وسلاسة في دول لا تساوي موازناتها معشار موازناتنا ولا يتميّز معيارها الثقافي الأخلاقي بميزة عن معاييرنا التي تحث على العناية بالبشر وزعم التراحم والتعاطف والتواد؟

الصفحة السابقة