العلاقات السعودية السورية: من التحالف الى القطيعة

محمد فلالي

السعودية تتكلم بخطاب واحد، وسوريا تتكلّم بخطابين.

في سوريا، فإن التيار الأغلب بين الطاقم الحاكم لازال يميل الى تخفيف الخلافات مع السعودية، وهو التيار الذي يسعى للتهدئة معها، فيما لا يتمتع التيار الذي يمثله نائب الرئيس فاروق الشرع بالقوة الكافية، فهذا التيار يميل الى معاملة السعودية بالمثل، لا أكثر ولا أقل. فمقابل الحملات الإعلامية السعودية ضد النظام السوري، تقوم سوريا بالعمل ذاته وبإمكاناتها القليلة، وأيضاً مقابل تصريحات المسؤولين السعوديين (العدوانية) يقابلها تصريحات مسؤولين سوريين ترد الحجر من حيث جاء. لكن هذا التيار ليس المسيطر، وإن بدا أن الرئيس السوري عالق بين التيارين، فعدا تصريحه المشهور عن (أشباه الرجال) لم تصعّد سوريا سياسياً ضد الحكومة السعودية، ربما لأن الحكومة السورية لا تريد ـ وهي لا تزال تسعى لاستعادة أراضيها المحتلة، أو الدفاع عن نظام الحكم المهدد بالإسقاط العسكري ـ أن تفتح لها جبهات جانبية، مهما شاغبت تلك الجهات.. هذا إذا لم نقل بأن هناك أملاً سورياً بأن يعود الدفء للعلاقات مع السعودية في فترة قادمة، مع أنه أملٌ يتباعد يوماً بعد آخر.

تتضح صورة الخطاب والهدف السوري حين ألقى فاروق الشرع محاضرة في أغسطس الماضي جاء فيها عبارة استفزت السعوديين، حين قال بأن الدور السعودي صار (شبه مشلول).. وهو توصيف صحيح، ودقيق لمن يتتبع السياسة الخارجية السعودية، والجملة هذه لم تأت في سياق التعريض بالدور السعودي، بقدر ما كانت تعبيراً عن الألم من غيابه.

لكن السعودية ردّت حينها بعنف شديد لا يتناسب مع هذه الجملة التي وردت في محاضرة، وكان يمكن أن تمرّ دون أن يعلم بها أحد، خاصة وأن السعوديين كمسؤولين وكإعلام دأبوا قبلها بمدة تزيد على العامين على توجيه النقد والطعن الحاد والخشن ضد سوريا بما لا يقاس بما قاله الشرع نفسه. وكأن السعوديين تعودوا أن يشتموا سوريا وسياساتها وشخصياتها بل ويتآمروا على نظام حكمها دون أن تبدي دمشق رداً، أو لا يحق لها أن ترد. ولعل صانع القرار السعودي، لم ينزعج من الجملة إياها، بقدر ما انزعج من أصل الرد، ومبادرة المواجهة غير المتكافئة. يدلنا على ذلك قول الشرع في سياق الجملة المشهورة إن للسعودية (دورا مهما في المنطقة وفي التضامن العربي وفي العلاقات العربية العربية والعربية الإسلامية)، لكنه شبه مشلول!

فتحت النار على دمشق ونظام حكمها وعلى الشرع، لتعلن (قطيعة نهائية مع نظام دمشق).. هذا ما قاله السعوديون. في بيان انفجاري لمصدر سعودي مسؤول رداً على تلك المقولة جاء: (حديث الشرع لا يصدر عن إنسان عاقل) وأنه أحد أسباب الخلل في العلاقات بين البلدين. وأن (الشلل أصاب سياسة بلاده ـ سوريا ـ وليس السعودية). واتهم البيان سوريا بأنها (عملت على نشر الفوضى والقلاقل في المنطقة). وعموماً اعتبرت السعودية كلام الشرع: تصريحات نابية، تضمنت الكثير من الأكاذيب والمغالطات تستهدف الإساءة الى المملكة، كما عدها المصدر الرسمي: (استهتار واضح بالتقاليد والأعراف التي تحكم العلاقات بين الدول العربية الشقيقة)!!

لا شك أن رد الفعل السعودي ـ كما هو واضح ـ كان أكبر بكثير من الرد على جملة لم تعجب آل سعود، حيث من الواضح أن توصيف فاروق الشرع كان مجرد مناسبة للبركان السعودي لينفجر بوجه سوريا لأسباب سياسية واستراتيجية، سنأتي على ذكرها.

لم يتوقف الرد السعودي عند هذا الحدّ، فقد تحركت الماكنة الإعلامية السعودية وجوقاتها لمهاجمة سوريا بعنف والإنتصار للموقف السعودي، فكيف يتجرأ مسؤول سوري مهما بلغ شأنه، ليواجه عملاقاً سعودياً؟!

جنبلاط هاجم الشرع وقال بأن (تعبير شلل الذي استخدمه في وصفه السياسة السعودية هو ما يطبقه نظامه في الساحات المجاورة ليبسط نفوذه وهيمنته عليها). اما رضوان السيد مستشار السنيورة فقال بأن تصريحات السوريين ليست هي المفاجئة (بل كان المفاجئ بعض الشيء الردَّ السعوديَّ العنيف، وذلك أن النظام السوري معروفٌ بهذه الأساليب منذ كان).. وتابع: (الشلل.. الذي استخدمه فاروق الشرع لوصف سياسات السعوديين غير صحيح. فالسعودية ما تحركت منذ عقود مثلما تتحرك في العامين الأخيرين).

حركة فتح دخلت على خط المواجهة، فتحدث أحمد عبدالرحمن الناطق باسمها مشيداً بجهود السعودية ودورها القومي تجاه القضايا العربية. وأضاف: (من الغريب أن تنعت السياسة السعودية بأنها مشلولة وهي في الواقع السياسة الأكثر حضورا وفاعلية). مؤكداً: (نحن هنا نربأ بالموقف السعودي أن يقال عنه انه موقف مشلول أو كلمات من هذا القبيل، فالموقف السعودي هو الموقف الفاعل والمبادر لحماية وحدة الموقف العربي ويتميز بالايجابية وطول النفس والترفع عن الأمور الصغيرة).

ياسر عبدربه تحدث هو الآخر بالنيابة عن السلطة الفلسطينية عن (مزايدات النظام السوري على السعودية في موضوع القضية الفلسطينية) .. وأضاف: (نحن لا نقبل التهجمات، ولا نقبل تحويل الموضوع الفلسطيني الى ورقة مزايدة سياسية للتهجم على السياسة السعودية). وزاد: (لقد جرى فتح هذه الجبهة الكلامية ضد السعودية لأن سورية لا تريد ان ترى دوراً فعالاً للمملكة في حل الأزمة اللبنانية).

أما سعد الحريري فأصدر بياناً مدافعاً عن السعودية وهاجم الشرع وسوريا، وقال: (اننا اذ لا نستغرب من نابغة الديبلوماسية السورية ان يضيف كارثة جديدة الى سجل نظامه الحافل بالنشاز والسقطات الديبلوماسية). وقرّب النار الى قرصه حين قال: (ان اقتراب جلوس المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يفقد من دون شك فاروق الشرع وجميع شركائه في نظام الجريمة والقتل والاستبداد في دمشق آخر ما تبقي لهم من أعصاب).

بيد ان الصحافة السعودية ومواقعها الإلكترونية كانت الأشرس: فمشاري الذايدي كتب عن (أزمة في قلب العروبة النابض) دافع فيه عن (البيان السعودي الحاد ضد السياسة السورية، وتحديدا ضد نائب الرئيس فاروق الشرع) الأمر الذي (أربك النظام في دمشق، الذي لم يتعود على ردود سعودية إعلامية بهذه اللهجة والنكهة).

وكتب سلطان القحطاني في إيلاف عن (سوريا أحرقت مراكبها والسعودية لن تنتظر رسالة الغفران) مندداً بصمت السفير السعودي في دمشق الذي يسمع ويرى ولكن (لا يتكلم)، خلص فيه الى القول منذراً بإسقاط النظام السوري: (لقد أحرقت دمشق جميع مراكبها ومضت بعيدًا جدًا في موضوع مناكفتها لحلفائها السعوديين.. يفترض أن تعي دمشق أن حزب البعث لم يبقَ له سوى نقلة واحدة على لوح الشطرنج ويمكن أن يصبح جزءًا من تاريخ المنطقة الماضي. لسان الرياض قد تغيّر وسياسة المجاملات ولّت). ولمح الكاتب الى أن الرياض قد تسحب سفيرها من دمشق (لتطوي بذلك ملف العلاقات بين البلدين الى الأبد).

وفي سياق التصعيد كتب سعودي آخر مقالاً متبختراً: (دمشق تزأر.. أم تئن؟).. خلص فيه الكاتب الى أن (مشكلة سورية أنها لفت الحبل على رقبتها أكثر مما تحتمل، ولذا تفتق ذهن الشرع بالهجوم الذي خرج به على السعودية... لا أعتقد أن دمشق تزأر بقدر ما أنها تئن من سياساتها الخاطئة في كل اتجاه!).

الكاتب السعودي العاقل الذي ظهر في فترة الصراع المستمر بين السعودية وسوريا هو جمال خاشقجي الذي كتب محاولاً عقلنة السعوديين.. فبالرغم من انتقاده للشرع، إلا أنه رأى ان لا فائدة للرياض ودمشق من المهاترات الإعلامية، ودعا الى اقتناص (الفرص الضائعة) فالمنطقة حسب رأيه تتشكل من تروس قوية عديدة و(هناك ترس مهم غائب.. إنه في قلب المنطقة إنه الترس السوري الذي يجب أن يعود) من خلال حركة السياسة السعودية تجاه سوريا.

إزاء الهجمة السعودية، ظهرت أجنحة التهدئة في سوريا، فرد أحدهم موضحاً بأن بلاده لن ترد على البيان السعودي، وأن ما جاء في البيان غير صحيح، وأحال التوضيح الى نص مقابلة الشرع. ثم تلاه توضيح آخر يقول بأن تصريحات الشرع (حرفت بغير حق) وهو اعتذار غير مباشر. وقال سليمان حداد رئيس لجنة الشؤون العربية في البرلمان السوري بأن بلاده لا تضع البيان السعودي في خانة (الإنتقاد البنّاء).. وأوضح ان السعوديين كانوا انتقائيين في اختيارهم لكلام الشرع الذي قال هو أيضاً: (نحن لا نضحي بعلاقات مع السعودية عمرها 37 عاماً، فلماذا لا تذكر هذه النقطة؟) وأوضح ان الشلل الذي قصده الشرع يجري على كل الدول العربية تقريباً. ولفت الإنتباه الى ان الرد السعودي كان قاسياً وليس موضوعياً، وأن له خلفيات سياسية تصعيدية لا تريد بلاده ان تجاريها.

مآخذ سوريا على السعوديين

وهكذا فسوريا لم تحسم خيار القطيعة مع السعودية ومآخذها عليها يشمل التالي:

1) أن السعودية تسعى لتحجيم الدور السوري العربي، سواء في المحيط اللبناني أو الفلسطيني.

2) أن السعودية دولة غير مواجهة لإسرائيل وتريد التصرف بالنيابة عن سوريا، وأنها تقدمت بالمبادرة العربية لأهدافها الخاصة دون أن تتشاور حتى مع سوريا المعنية أساساً بقرار الحرب والسلم مع اسرائيل.

3) أن السعودية تحركت في الآونة الأخيرة للعب دور في إسقاط نظام الحكم السوري من خلال احتضان المعارضة السورية في اوروبا (الإخوان وعبدالحليم خدام) إضافة الى تأجيج الحملة العدائية ضدها من خلال أتباعها في لبنان. فضلاً عن أن السعودية ومن خلال علاقاتها المتميزة مع اميركا طرحت ـ عبر الأمير بندر ـ مشروع إسقاط النظام السوري والمساهمة فيه، حتى قبل أن تتوتر العلاقات السعودية السورية، بل بمجرد سقوط نظام الحكم البعثي في العراق.

4) أن السعودية ركن في التحالف ضد المصالح السورية الإستراتيجية، ويستهدف عزلها عن محيطها وتطويق تأثيراتها في قضاياها الخاصة وغيرها، وتستشهد سوريا بغياب السعودية عن مؤتمرات عقدت في دمشق حول العراق لم تحضرها السعودية، وكذلك إصرار السعودية على عدم دعوة دمشق لمؤتمر أنابوليس.

5) أن السعودية تموّل جماعات دينية متطرفة سورية يقصد منها توتير علاقات سوريا مع أوروبا والولايات المتحدة، وأن الرياض تبعث بالعديد من أبنائها الى سوريا ليس فقط للمساهمة في مواجهة الأميركيين في العراق، بل لتأسيس شبكات محلية في سوريا لزعزعة الأمن.

6) أن السعودية في مسلكها السياسي تخطت حدود اللياقة الدبلوماسية ووصلت الى حد احتقار النظام واستصغاره وإهانته بالتصريحات والتلميحات.

7) ان السعودية أوقفت منذ سنين طويلة دعمها لسوريا، حتى تلك المتفق عليها عربيا وثنائياً، بهدف إضعاف النظام، بل أنها تدخلت لدى العديد من المستثمرين السعوديين لفك ارتباطهم أو التخفف من استثماراتهم في سوريا لإضعاف اقتصاد البلاد والنظام السياسي فيه في النهاية.

القطيعة

الموقف السعودي

قلنا ان السعوديين يتحدثون بخطاب واحد.. وكما هو واضح فإنهم أكثر حماسة من الإميركيين والإسرائيليين في الدعوة الى إسقاط النظام السوري، الى حد أن الهجوم الإسرائيلي على سوريا والذي وقع على إحدى المنشآت ـ قيل أنها تسليحية أو نووية ـ لم تلق أية رد بالتنديد من قبل السعودية وكأنه لم يحدث شيء. الأمر الذي أثار السوريين هو التسريبات الإعلامية السورية القائلة بأن هناك دولة عربية واحدة على الأقل كانت على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي، رجحت الصحافة الإسرائيلية أنها (السعودية) التي صارت أقرب الى اسرائيل من مصر والأردن حتى، الدولتان اللتان تقيمان علاقات علنية ومباشرة مع اسرائيل!

ليس هناك بين السعوديين إلا صوت الصقور الذين يمثل الأمير (بندر) رأس حربتهم. وخطاب السعوديين السياسي وموقفهم الحقيقي قائم على:

ـ لا يمكن تطبيع العلاقات مع نظام كالنظام السوري، ولا يمكن إعادة العلاقات معه في المستقبل المنظور. إن الأولوية هي لإضعاف النظام السوري وإسقاطه إن أمكن عبر تبني المعارضة له والترويج الإعلامي ضده.

ـ إن السعودية ضمن حساباتها العقدية ـ المحركة لسياستها الخارجية ـ ترى أن التوازن في المنطقة يمكن أن يعود في حال استبدل النظام العلوي بنظام سنّي، يوازن الخسارة التي وقعت في العراق.

ـ السعودية تعتقد بأن النظام السوري لا يمكن أن يقدم شيئاً مفيداً للعرب، وأن ورقة الجولان يمكن حلها في غياب النظام القائم وليس في حضوره.

ـ إن مواجهة النظام السوري جزء من معركة أكبر مع ايران وحماس وحزب الله وحتى حكومة المالكي في العراق.

ولكن ما هي مآخذ النظام السعودي على نظام الحكم السوري؟

(1) أوّل ما يأخذه السعوديون على الأسد أنه مرتبط استراتيجياً بإيران. والعلاقات الإستراتيجية رغم أنها ليست جديدة وقد ترسخت في عملية تراكمية على مدار ثلاثة عقود، إلا ان الحساسية الغربية تجاه ايران وملفها النووي انتقلت الى السعوديين الذين صاروا ضمن معسكر الإعتدال. ويعتقد السعوديون أن قوة الإيرانيين وتمددهم في المنطقة العربية كان قد جاء من (البوابة السورية) سواء باتجاه لبنان أو فلسطين. لهذا حفلت الشتائم السعودية لبشار الأسد بأن نظامه متحالف مع طهران، ولو كان حليفاً للأميركان لما كانت هناك مشكلة! اما العلاقة مع ايران فتهمة، كما قال كاتب سعودي: (أليس نظام دمشق حليف طهران في السراء والضراء؟!). ويعطي السعوديون للتحالف الاستراتيجي صبغة من جنس عقليتهم، فلا بد ان يكون التحالف (عقدياً) وليس مصلحياً أو توافقاً في الإهداف أو بعضها على الأقل، بل واتهم النظام السوري بأنه ينشر التشيّع لصالح إيران!. ويحمل السعوديون نظام دمشق العمل لصالح الأجندة الإيرانية في العراق ولبنان وغيرهما الى حد أن النظام السوري اتهم بـ (الإستتباع) لإيران، أي أن الموضوع أكثر من تحالف استراتيجي كما كان سابقاً مع الأسد الأب! فحسب كاتب سعودي إن سياسة بشار الأسد الخارجية هي (سياسة شيعية بامتياز).

(2) أن السعودية تتهم سوريا بشن حملات اعلامية ضدها من قبل اتباعها في لبنان، وخاصة قناة المنار! ومع ان السعودية هي من يمتلك الإعلام، ومع أن السوري لا يرد إعلامياً كما هو واضح وليست له الوسائل، وبرغم أن السعودية هي البادئ، فإن المنار بالذات لم تشأ الدخول في حرب إعلامية إلا مضطرة حين جهزت (العربية) أسلحتها قبيل الذكرى الأولى لعدوان تموز 2006 بسلسلة من الموضوعات الحادة ضد حزب الله. فما كان من الأخير إلا أن دخل المعركة بحدود، ثم توسط الوسطاء فهدأت.

(3) وتأخذ السعودية على سوريا قتل رفيق الحريري وتفجير الوضع الداخلي اللبناني، وهي لا تريد حتى الإنتظار لقرار المحكمة الدولية بحيث سلمت بالإتهام ورتبت علاقتها مع سوريا على ذلك الأساس.

(4) السعودية تتهم سوريا بأنها أفشلت (اتفاق مكة) وانها دعمت حماس للسيطرة على غزة. بالرغم من ان السلطة الفلسطينية هي التي رفضت الجهد العربي للتحقيق في أحداث غزة.

(5) تأخذ السعودية على سوريا أنها تسهل دخول السعوديين المقاتلين الى العراق للتخريب والقتل والتدمير. وهذا الإتهام صحيح، على الأقل لفترات سابقة، ولكن السعوديين هم المسؤولون عن ضبط أبنائهم، ومسؤولون عن ضبط التحريض للقتال في العراق وهو تحريض داخلي يقوم به أمراء ومشايخ وهابيون.

(6) ويا للغرابة يأخذ السعوديون على سوريا أنها تنشر الفكر الديني المتطرف، ويستشهدون بظاهرة (نساء القبيسيات) كنساء منقبات!، كما يأخذون عليها الترويج (للتصوف)!

(7) وتأخذ السعودية على سوريا دعم الحركات والأحزاب المتطرفة ـ من وجهة نظرها ـ مثل حماس وحزب الله والجبهة الشعبية القيادة العامة والجهاد الإسلامي وغيرها. وهذا الموقف ـ في عيون أكثر العرب والمسلمين ـ شرف وليس اتهاماً. وترى السعودية أن سوريا صارت عامل عدم استقرار في المنطقة، وعنصراً شاذاً في مواقفها عن الدولتين الأساسيتين: العراق ومصر.

ملخص القول:

لا تزال سوريا تعتقد بأن ليس من صالحها خسارة السعودية كموقف في معركتها مع اسرائيل، في حين تعتقد السعودية أن النظام السوري ضعيف ولا يستحق أن يوقف الى جانبه، ويجب الإستمرار في محاصرته وربما إسقاطه وتهيئة البديل له.

وفي الوقت الذي يرى فيه السوريون أن الموقف السعودي الداعم للموقف السوري أمراً بعيد المنال، ولكنه ممكن الوقوع، فإن السعوديين لا يلحظون وربما لا يقدرون حقيقة الموقف وقيمة الأوراق التي تمتلكها دمشق، الأمر الذي يجعل السعودية (خاسرة) على كل الأصعدة.

إن خروج القوات السورية من لبنان لم يفض الى قوة للدور السعودي فيه. على العكس من ذلك، فإن ما ظهر كإضعاف للموقف السوري هناك، أضعف بصورة أكبر السعودية نفسها، ومنذ عامين على الأقل، صار واضحاً أن قوة الدور السعودي في لبنان إنما كان محمياً بالوجود السوري الذي ما إن أضعف حتى تحولت الأوراق الى واشنطن وباريس، وربما طهران.

محاولة السعودية حصار دمشق، بدت فاشلة على صعيد الوضع اللبناني والفلسطيني والعراقي. يمكن القول أن العلاقات السابقة الحسنة بين دمشق والرياض، كانت تمنح الأخيرة صورة أفضل في السياسة الإقليمية، وفي عين الجمهور العربي. بمعنى أن العلاقة مع دمشق كانت تقدم السياسة السعودية بصورة ملطفة ومتوازنة، وليست كما هي عليه اليوم سياسة استتباعية للموقف الأميركي، وكأن السعودية ـ حينها ـ دولة ممانعة ومواجهة الى حد ما، بحيث صار لها نصيب في كلا (المائدتين) مائدة الصلح مع اسرائيل، حيث تبدو السعودية كعرّاب أميركي صرف، ومائدة بديلة تشير الى دعم خيار الصمود والمقاومة.

السعودية لم تفتح النار على دمشق فحسب، بل فتحت النار على حماس وحزب الله أيضاً، وبالتالي فهي أساءت الى سمعتها أكثر مما أساءت الى سمعة سوريا، بغض النظر عما تقوله بأن حماس وحزب الله مجرد دميتين بيد النظام السوري، ذلك أن المواطن العربي يضع الأمور على شكل مقارنات بين توجهات سياسية، فكيف ينظر ذلك المواطن للمتحالفين مع سوريا، والذين يقاومون إسرائيل وأميركا على أرض الواقع، والى جانبهم المتحالفين مع السعودية وأميركا من الحريري الى عباس الى جنبلاط الى جعجع؟

والسعودية فوق هذا، بصراعها مع سوريا، لم تسقط أوراق دمشق لا في العراق ولا لبنان ولا فلسطين، ولا تستطيع السعودية أن تفرض على دمشق مبادرة صلح مع اسرائيل كيفما كانت، فهي ليست (نائباً) عن سوريا، ولا (متحدثاً) باسم لبنان، ولا (ناطقاً) باسم الفلسطينيين الذين انتخبوا حماس، وبالتالي فالسعوديون لا يلعبون بأوراق (أصيلة) لا بالأصالة ولا بالنيابة.. ومن هنا تتضح خسارة السعودية للموقف السوري، الذي كان ولعقود سابقة رديفاً للسياسة السعودية الإقليمية، وهو اليوم ليس بحاجة الى مسايرتها، وصارت لديه بدائل أخرى تعوض خروج السعودية ضدّه.

وأخيراً، فإن سوريا مرتبطة بحلف سياسي ناهض، مدعوم شعبياً على الصعيد الإقليمي، في حين أن السعودية ترتبط بحلف أميركي أسود مكروه سمي بحلف المعتدلين، وهو حلف يفتقد الشعبية ويعتمد الهراوة كما في أفغانستان ولبنان والعراق. ومثل هذا الحلف يلاقي المشاكل والفشل في أكثر من مكان، ولن يكون مصير المتحالفين معه جيداً طالما أن قائد السفينة جورج بوش.

الصفحة السابقة