السعودية وتمويل التوطين

الحديدث عن توطين الفلسطينيين في لبنان نفياً وإثباتاً ليس جديداً، فقد بقي هاجساً حاضراً بصورة دائمة في السياسة اليومية الللبنانية، رغم كونه مشروعاً منبوذاً لدى الشعب الفلسطيني وخصوصاً فلسطينيي المهاجر، الذين تمسّكوا بإصرار على حق العودة غير قابل للمساومة والمقايضة.

في المداولات السريّة، وما أكثرها، بين مسؤولين أميركيين وقيادات عربية وإسرائيلية كانت المساعي تتجه إلى إنضاج شروط التوطين، كجزء من عملية التسوية الشاملة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. وما هو خطير للغاية في تلك المداولات، أنها تنطوي أحياناً على تنازلات مهينة على المستوى العربي والفلسطيني بل وحتى الشخصي، فضلاً عن كون تلك التسويات تنذر بشرِّ مستطيرٍ لأوضاع المنطقة، وهناك من يريد أن يسوي مشكلته الداخلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وإن أدّى إلى زعزعة الإستقرار الداخلي، من أجل ضمان إستقرار الدولة العبرية.

في قمة الرياض التي جرت في مارس 2007، بدا لأول مرة إستبعاد مبدأ حق العودة من الملف الفلسطيني، وبات الحديد يدور حول تعويضات مالية للفلسطينيين في الخارج، تتحمّلها دول خليجية على رأسها السعودية، العرّاب الأول والأقوى لمشروع التوطين، وكذلك الإمارات والكويت. وقد تجدر الإشارة إلى أن مبادرة الملك عبد الله في بيروت سنة 2002 والتي جرى تعريبها لاحقاً لتكون مبادرة عربية في مارس 2007 لم تكن سوى الإسفين الأخطر الذي وضع في طريق حق العودة.

ورغم محاولات نفي القيادات السياسية العربية واللبنانية تورّطها في مشروع التوطين، إلا أن المعطيات اللاحقة كشفت عن وجود مخطط واسع لتنفيذ المشروع بأقصى سرعة ممكنة، وهو يأتي في سياق ما أعلن عنه الرئيس الأميركي جورج بوش وإيهود أولمرت في أنابوليس في نوفمبر الماضي بإقامة دولة يهودية خالصة.

في المقابلة التلفزيونية التي جرت مع قناة (برس تي في) الإيرانية باللغة الإنجليزية في التاسع عشر من يناير الماضي، كشف رئيس التيار الوطني الحر ميشيل عون عن وثيقة سرية صادرة عن الأمن العام اللبناني سنة 2000، تضمّنت كلاماً لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قال فيها (إنه لا يرى إمكانية للهروب من التوطين، وإن مصلحة البلاد هي في مزيد من الإستدانة، لأن كافة الديون ستمحى عندما يفرض واقع التوطين الفلسطيني على لبنان).

المثير في الأمر، أن وزير الداخلية اللبناني حسن السبع تجاوز حقيقة الوثيقة وجوداً ونصاً، وقرر ملاحقة خيوط التسريب التي منها وصلت الوثيقة إلى يد ميشيل عون، وهو ما ألمح إليه مكتب سعد الحريري حين تجاوز أصل وجود الوثيقة واعتبر ذلك رفضاً لمبدأ الحوار بين الموالاة والمعارضة، وحملة تشويه ضد الشهيد رفيق الحريري.

جاءت المعطيات اللاحقة لتثبت حقيقة الوثيقة التي كشف عنها عون، من خلال التطورات التي أعقبت إجتماع أنابوليس، وقدوم بوش الى المنطقة في شهر يناير الماضي مبشّراً بمشروع إعلان دولة فلسطينية بحدود مؤقتة والإتفاق على المبادىء وتطبيق الحل النهائي خلال الصيف المقبل. من جهة ثانية، كان فريق بوش يواصل جهوده من أجل التوصل إلى اتفاق على حق العودة قبل انتهاء ولاية بوش الحالية، وتحديداً في أكتوبر القادم. المشروع الأميركي للحل يقوم على اعتراف فلسطيني وعربي بيهودية إسرائيل، والتخلّي عن حق العودة، وتعويض المبعدين الفلسطينيين. اللافت، أن مرحلة النقاش في حق العودة قد بلغت مستوى متقدماً، وبات الحديد يدور حول ما يسمى (تصنيف التعويضات)، وهل هي للدول المستضيفة أم للفلسطينيين المهجّرين أم للفئتين معاً، أم للدولة الفلسطينية التي ستنشأ على حدود مؤقتة.

مورد الإثارة في الأمر كله يكمن في ضلوع أطراف لبنانية وسعودية وأردنية ومصرية في مخطط التوطين، ومن الجانب اللبناني هناك إقتراح أميركي ـ أوروبي ـ إسرائيلي يبحد في قبول لبنان بمشروع توطين الفلسطينيين مقابل إسقاط 30 بالمئة من الديون المترّتبة على لبنان. في المقابل، تتعهد الدولة العربية الغنية والنافذة، ولا يخفى أن السعودية في مقدمة هذه الدول، من أجل تقديم المبالغ المطلوبة لدعم مشروع التوطين ليصبح نافذاً.

ونقل خليل فليحان في جريدة (النهار) اللبنانية في الثاني من فبراير الحالي عن مصادر دبلوماسية قولها (أن الطاقم المكلف هذه المهمة يقترح لإنضاج 'الطبخة' تثبيت الوضع في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية باتباع سياسة 'خفض الأضرار' قدر المستطاع بابقاء الأوضاع في تلك الدول كما هي عليه إلى أوائل الصيف المقبل من خلال إضعاف التنظيمات المسلحة فيها وإفقادها صدقيّتها. ولفتت إلى أن المشروع المطروح في مسودّته التي هي قيد الإعداد لم يشر إلى كلمة 'توطين' في أي من ثناياه). وتضيف المصادر، بحسب فليحان، (أن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ترى أن الديبلوماسي الأكفأ لإنضاج هذا المشروع هو السفير السابق وليم بيرنز الذي تقاعد وطلبت إعادته إلى وزارة الخارجية بسبب خبرته الواسعة في هذا الملف، وستكون العودة بموجب عقد كنائب مساعد للشؤون السياسية ليحل محل نيكولاس بيرنز).

الصفحة السابقة