من يخلف الملك عبد الله؟

تقارير طبيّة: سلطان في حال حرجة

محمد شمس

بادىء ذي بدء، لا يبدو الحديث عن الحال الصحية للجيل الثاني ـ وربما الثالث ـ من الأمراء وخصوصاً الممسكين بالعملية السياسة وصنع القرار ينطوي على جديد، فما لا يفعله المرض يضطلع به القانون الطبيعي، فالأمراء الحاكمون هم من الجيل الثمانيني الذي تبدو فرصته محدودة في الإمساك بالسلطة السياسية لفترة طويلة، بحكم بلوغه أرذل العمر، وقد يأتي زمان ليس ببعيد لا يعلم أفراد هذا الجيل بعد علم شيئاً. الجديد القديم في حال الأمراء الكبار، أن المرض يبقى عاملاً حاسماً في تقرير مصير ومسار السلطة وتوازن القوى داخل العائلة المالكة، في ظل مخاوف جديّة من سقوط السلطة في دائرة ضيقة يكون فيها الإحتكار السديري سيد المرحلة المقبلة بعد رحيل الملك عبد الله، وهو ما يطمح إليه الجناح السديري وتخشاه بقية الأجنحة في العائلة المالكة.

منذ فترة، ليست بالبعيدة، والحديث يدور حول احتمال خروج واحد أو أكثر من الأمراء الحاكمين من معادلة الحكم بحكم المرض المستفحل، خصوصاً وأن أمراض بعض الأمراء ليست من النوع القابل للشفاء التام، وإن أمكن السيطرة عليه لبعض الوقت. فقد خرج عدد من الأمراء من الحلبة بسبب الموت من مرض السرطان مثل الأميرين ماجد وعبد المجيد، وهناك من خسر موقعه بسبب تبدّلات في مواقع القوة والنفوذ. ويبقى للمرض حكمه الحاسم.

ويمثّل الأمير سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع، الأبرز من بين الأمراء الحاكمين الذين يعانون من أمراض خطيرة، بالرغم من دورات علاجية مكثّفة تلقاها للتخلّص من سرطان القولون في السنوات القليلة الماضية. فقد بدا هزيلاً بعد عملية استئصال الورم المعوي التي أجريت له في جنيف قبل ثلاثة أعوام، وكان الخيار متردداً بين دورة علاج كيمياوي مكثفة أو بتر الجزء المسرطن، مع دورة علاج إشعاعي خفيفة. وكان الأطباء المشرفون على علاجه قد طلبوا منه تخفيف نشاطه السياسي من أجل المحافظة على نظامه المناعي، والتقيّد بالتعليمات الصحية الصارمة للحيلولة دون عودة المرض مجدداً، سيما وأن هذا النوع من العلاج يفقده القدرة على ممارسة حياته بصورة طبيعية فضلاً عن إستحالة التخلّص من مفاعيل الآثار الجانبية للعلاج الذي يجعل الجسم عرضة لتحوّلات صحية مفاجئة.

بالرغم من التزامه الأولي بتخفيض نشاطه السياسي، الا أن لأمير سلطان المفتون بـ (الظهور الإعلامي) بصورة دائمة إضافة الى نشاطات أخرى سرية وعلنية، قرر خرق تعليمات الأطباء، بالرغم من همس المقرّبين من العائلة المالكة بأن الرجل لم يعد يملك قدرة صحية تتناسب وتطلّعه وغطرسته المألوفة. ولطالما كابر أحياناً في الإستجابة لغريزة (الإحتفائية) التي تمثّل بالنسبة له ذروة النشوة على حساب وضعه الصحي، بالرغم من تحذيرات الأطباء بأن يتفادى النشاط الزائد عن الحاجة، سيما ذلك المصحوب بالوقوف لفترة طويلة أو الحركة غير المنسجمة مع قدرة التحمّل الجسدي.

على أية حال، فإن الأمير سلطان قرر العيش كما لو أنه إبن العقد الثالث أو الرابع، وتمسّك بجدوله المعتاد، من زيارات وجولات وخلوات. في رحلة الإستجمام الأخيرة الى المغرب في أبريل الماضي، كان الأمير سلطان مصرّاً على مزاولة غرائزه الطبيعية وغير الطبيعية، ولكنه لم يدرك بأنه سيكون على موعد مع نوبة آلام شديدة في المعدة وأرجاء متفرّقة من البطن، الأمر الذي إضطر إلى نقله للمستشفى في جنيف للعلاج.

وفور إدخاله المستشفى على نحو عاجل، ما يجعل رواية (إجراء فحوص روتينية) غير قابلة للصرف، حيث أن قطعاً مفاجئاً لرحلة استجمام عزيزة على قلب الأمر لا بد أن يكون ناشئاً عن أمر جلل. وهذا ما تنبىء عنه أيضاً التطورات اللاحقة.

فقد وصلت في اليوم الأول من دخوله المستشفى نحو 20 طائرة، من بينها طائرتي جامبو 747 الى جنيف تقل مجموعة كبيرة من الأمراء، للإطمئنان على صحّة الأمير، وقد استغل هذلاء الفرصة لتحويلها رحلة استجمام حيث امتلئت فنادق جنيف بالأمراء وحواشيهم، وكان مشهداً لافتاً لمن زار جنيف في الأسبوع الأول من شهر مايو. المعطى الآخر اللافت تمثّل في وصول عائلة الأمير سلطان، زوجاته وبناته وأبنائه، اللذين قدموا الى جنيف للبقاء بجانبه في لحظة حسّاسة يعيشها الأمير.

الوفود التي جاءت الى جنيف تلبية لرغبة عميقة لدى الأمير سلطان، وهو الذي (يعشق) لقاءات مصحوبة بالقبل والحفاوة المطرّزة بقدر كبير من الإطراء والنفاق الحميد. فقد توافد عدد من المقرّبين من الأمير سلطان من رؤساء وأمراء وملوك عرب من بينهم ملك البحرين للإطمئنان على صحته.

أما في الجانب الصحي، فإن الطبيب السويسري الخاص بالأمير طلب بأمر من عائلة الأخير باستدعاء أطباء أميركيين الى جنيف للإشراف على علاجه والوقوف على آخر التطورات في حالته الصحية. وبحسب مصادر مقرّبة من العائلة المالكة، فإن الأطباء أخبروه بأن ثمة خلايا سرطانية بدأت تنشط مجدداً، الأمر الذي يستدعي علاجاً كيمياوياً عاجلاً. وبالرغم من أن القليل الذي يمكن فعله للرجل، بعد انتشار السرطان في جسده، وقد طلب الأطباء منه البقاء لتلقى جرعات خفيفة من الكيماوي لتخلّص من الألم، إلا أنه أخبرهم بأنه سيتناول العلاج في المغرب، حيث سيستأنف رحلة الإستجمام.

من بين المعطيات المتوفّرة، ثمة زيارة حامية جرت بين الأمير مشعل بن عبد العزيز، رئيس (هيئة البيعة) التي تشكّلت بقرار من الملك عبد الله العام الماضي من أجل اختيار نائب ثانٍ عنه بعد وفاته. وبحسب راوية مصادر مقرّبة من العائلة المالكة، فإن الأمير مشعل طلب من الأمير سلطان التنازل عن ولاية العهد كونه لم يعد قادراً على القيام بمهامه، والأهم أن قراراً كهذاً سيجنّب العائلة المالكة خضّة عنيفة في المستقبل. وبحسب المصادر، كان النقاش محتدماً بين الرجلين وقد علت الأصوات ورفض الأمير سلطان مجرد مناقشة الأمر، وقال بأنه لا يزال بصحته، وأنه أقوى من أمراء كثر في العائلة المالكة، وليس هناك سابقة تستوجب إستقالته، فقد أمضى الملك فهد عقداًمن الزمن في الحكم ولم يكن قادراً على القيام بمهام الحكم، فلماذا يجب عليه أن يخرق القاعدة.

المصادر نقلت بأن الملك عبد الله نأى بنفسه عن الدخول في الموضوع، وترك الأمر للأمير مشعل بوصفه رئيس هيئة البيعة لتسوية الأمر حتى لا يتسبب في مشكلة مع الجناح السديري، خصوصاً وأن الملك مازال مصرّاً على إستبعاد الأمير نايف من منصب النائب الثاني، ما لم يتم ذلك عبر تسوية أكبر بحيث يتم إدخال أجنحة أخرى في معادلة الحكم.

من جهة ثانية، نقل موقع (دبكا) الإسرائيلي في الثاني من مايو عن مصدر خاص به، نبأ بعنوان (خاص: ولي العهد السعودي الأمير يفارق الحياة). وقال الموقع بأن ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، الحليف المخلص لأميركا في البيت الملكي، ووزير الدفاع وقائد الجناح السديري، يفارق الحياة من مرض السرطان في قصره بجنيف، في سويسرا.

وينتظر شقيقه، وزير الداخلية الأمير نايف، دوره في الرياض، الذي يتوقع أن يخلف أخاه. وسوف لن ينتظر طويلاً قبل وصوله الى العرش. الملك عبد الله، 85 عاماً، الذي يحظى بإطراء وإشادة المحللين الغربيين لجهة الإصلاحات الحكيمة التي أدخلها، يقول بعض الأمراء الشباب بأنه لم يعد قادراً على إحتواء الضغوطات والتوترات لواجباته الملكية وأنه في معظم الأيام يأخذ ساعات عدة للراحة.

الأمير نايف، الملك القادم، يبلغ من العمر 75 عاماً تقريباً، ـ وهو مجرد دجاجة ربيعية في المستوى العمري داخل العائلة المالكة، نجح في دفع طريقه الى مقدمة السباق الى العرش بالرغم من عدم شعبيته. ولكن وارث الجناح السديري في العائلة المالكة، أي الأمير نايف، غير محبوب بسبب عصبيته المقيتة، متعجرف يصعب التعامل معه، وموارب في آرائه ويحتفظ بصلات وثيقة مع الدوائر العلمائية الأشد تطرفاً.

وعوداً الى الحال الصحية للأمير سلطان، 83 عاماً، فيقول الموقع بأن الأخير أصيب بالسرطان قبل سنوات طويلة. وفي أواخر مارس الماضي، جاء إلى قصره في الرباط بالمغرب، حيث أن حالته الصحية تدهورت بسرعة في السادس والعشرين من أبريل الماضي. طائرة ملكية خاصة نقلت ولي العهد الى جنيف، بسويسرا، وأصبح تحت رعاية أطبائه السويسريين. ولكن ليس هناك ما يمكن فعله عند تلك النقطة، سوى وضعه في حالة غيبوبة للتخفيف من الآمه.

وفي الرابع من مايو، نقلت وكالة رويترز أن زيارة ولي العهد السعودي إلى مستشفى سويسري لإجراء فحوص طبيّة، تذكر بفراغ محتمل في السلطة في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم. وبثت وكالة الأنباء السعودية صوراً للأمير سلطان يبدو فيها بصحة جيدة، فيما بدا أنه يبعد في الوقت الراهن المخاوف بشأن حالته الصحية. وكان الامير سلطان قد خضع لعملية لازالة كيس دهني معوي في السعودية في العام 2005، ويقول دبلوماسيون أن صحته أكثر وهناً من صحة الملك عبد الله، الذي يعتقد أنه في منتصف الثمانينات من العمر.

وبحسب المصادر الرسمية السعودية توجه الامير سلطان مباشرة من عطلة كان يقضيها في منتجع أغادير المغربي الى جنيف، حيث قضى معظم الاسبوع الماضي (نهاية أبريل) (لإجراء فحوص طبية دورية). ووفقاً لوسائل الإعلام السعودية، فقد أثار العدد الكبير من أفراد الإسرة والأصدقاء الذين سافروا إلى جنيف لزيارته مخاوف من أن الفحوص ربما تكون أكثر من مجرد فحوص روتينية. وقال مسؤول حكومي أن الزائرين إنتهزوا ببساطة فرصة الوصول بشكل مباشر إلى الأمير خارج السعودية.

لكن الزيارة القصيرة الى جنيف ألقت بالضوء على قلاقل محتملة في المملكة بشأن مَن مِن بين افراد الاسرة الحاكمة سيتولى السلطة بعد عهد الملك عبد الله وولي عهده الامير سلطان. وليس هناك وريث ثان محدد للعرش، علما ان الملك عبد الله شكل منذ صعوده الى العرش في العام 2005 مجلساً من أبناء وأحفاد مؤسس المملكة لتنظيم شؤون الخلافة.

ورغم ترحيب السعوديين والمحللين والدبلوماسيين والدول الحليفة بتشكيل المجلس باعتباره مسعى لتفادي خلاف مثير للقلاقل بشان من يتولى الحكم، فهناك غموض اكبر من اي وقت مضى بشان من قد يخلف الامير سلطان والملك عبد الله. وقال خبير العلوم السياسية السعودي خالد الدخيل، ان المجلس (يفتح الساحة أمام الجميع)، مشيراً إلى أن (المسألة تتم بالإقتراع السري..وكل شيء يمكن أن يحدث بالطبع وفقاً لهذا الأسلوب).

وحتى الآن، يبدو أن أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود الأفضل وضعاً، هما وزير الداخلية الأمير نايف وحاكم الرياض الأمير سلمان. والإثنان شقيقا ولي العهد الامير سلطان والملك السعودي الراحل الملك فهد. وقال الدخيل أن المجلس قد يمهّد الطريق أمام أبناء آخرين للملك عبد العزيز مثل رئيس المجلس الأمير مشعل، ورئيس الإستخبارات الأمير مقرن. وينظر إلى الإثنين باعتبارهما مقرّبين من الملك عبد الله.

وقد يحظى أحفاد أيضا بالتأييد. وأبناء الأمير سلمان والأمير سلطان والملك عبد الله والأمير طلال، والملكين الراحلين فهد وفيصل، كلهم شخصيات بارزة في الساحة السياسية أو الإقتصادية أو الإعلامية. لكن الحالة الصحية للأمير سلطان قد تغير بشكل جذري قواعد اللعبة. وإذا تولى العرش، سيعزز ذلك وضع أشقائه من والدته التي تنتسب الى أسرة السديري وهي قبيلة بارزة صاهرت آل سعود.

غير أن تقريراً صدر عن (معهد الخليج في واشنطن)، وهو جماعة للمعارضين السعوديين، إعتبر أن صعود الأمير سلطان إلى العرش سيقلص سلطة ونفوذ أسرة السديري مما سيسمح للملك عبد الله وحلفائه بتوريث العرش لفرع آخر من الأسرة، علما أن دبلوماسيين يقولون أن المؤسسة الدينية وبعض الاشقاء السديريين وقفوا في طريق الاصلاحيين حيث يعتبرونهم ليبراليين بدرجة زائدة عن الحد.

الصفحة السابقة