أوباما أسود.. أسود.. أسود.. أسود!!

السعودية: زوجة قديمة خائفة من المستقبل

محمد فلالي

لم تجد النخبة السعودية الحاكمة، ومعها مؤسستها الدينية الوهابية ومدعو الليبرالية النجديون، لم يجدوا شيئاً مثيراً في الإنتخابات الأميركية الأخيرة، غير (اللون الأسود)، فصبّوا تعليقاتهم العنصرية (رغم زعمهم الدين وتطبيق الشريعة) على الرئيس الجديد أوباما، متظافراً مع احتقار عنصري بغيض انفجر مخزونه في الأسابيع الأخيرة للحملة الإنتخابية الأميركية، ولازال متواصلاً حتى الآن في المنتديات الوهابية ومقالات الصحف السعودية وغيرها.

لم يجد هؤلاء المتسعودون شيئاً مثيراً في وصول أوباما للحكم، يتعلمون منه، أو يعتبرون به، في بلد متنوع ثقافياً يحكمونه بمنطق عنصري واستعلائية مذهبية وهابية ومناطقية نجدية شائنة. حتى الوهابي المتديّن، أظهر كمّا من العنصرية والبغض للون الأسود فاق حدود الوصف، أكثر من الكره لليمني المتطرف ماكين الذي خسر الرئاسة.

ليس جديداً القول بأن السعودية لم تشعر بألم من وصول رئيس أميركي بمثل ما أزعجها وآلمها وصول أوباما لسدة الرئاسة. فإضافة الى لونه، هناك سياساته المتوقعة سعودياً، والتي يرون احتمالاً كبيراً ان لا تخدم توجهاتهم الخاصة ونفوذهم في الشرق الأوسط.

كلنا يعلم عن العلاقة الخاصة التي ربطت بين عائلتي آل سعود وبوش. هي علاقة قديمة على اية حال.

وكلنا يعلم بأن السعودية رغم امتعاضها من بعض سياسات بوش، إلا أنها في فترة حكمه الثانية استطاعت إعادة العلاقات حارّة كما كانت في الماضي، مع بوش الأب، خاصة بعد التخلّي الأميركي عن موضوع الإصلاح السياسي السعودي، واستبعاد فكرة الضغط على السعودية لمواجهة أيديولوجية الإرهاب التي فرخت القاعدة. وزيادة على ذلك، كانت السعودية داعماً قوياً لسياسة بوش واليمين المحافظ تجاه سوريا وإيران وحزب الله وحماس، وهي بنت سياساتها المستقبلية على أساس صراع مستمر مع تلك القوى، بالتحالف مع بوش والإدارة الجمهورية، كما على دعم قوى اليمين في الإتحاد الأوروبي.

بيد أن السعودية صُدمت في الأشهر الأخيرة حين بدا واضحاً أن أميركا وأوروبا ستتراجعان عن سياساتها الصدامية مع إيران وسوريا، خاصة بعد أحداث لبنان، وسيطرة المعارضة على الشارع اللبناني والعاصمة بيروت. وشنّت السعودية هجوماً صريحاً تارة ومبطّناً تارة أخرى على الرئيس ساركوزي لدعوته الأسد لزيارة بيروت، ثم لزيارته دمشق وفتح الباب أمامها لكسر الطوق السياسي الذي أحيطت به.

ومع أن السعودية لاحظت تغيراً في الموقف الأميركي من دمشق، إلا أنها أصرّت على مواصلة سياساتها الحادة تجاه حلف الممانعة، بالرغم من تراجع أطراف حلف الإعتدال الآخرين كمصر. السعودية راهنت على وصول رئيس أميركي أكثر راديكالية من بوش، أو في أقل الأحوال، رئيس يواصل مسيرة بوش، كما هو ماكين، الذي أمل السعوديون وصوله الى الرئاسة، والتأثير عليه ـ بالتعاون مع اسرائيل واللوبي الصهيوني ـ لزيادة جرعة التشدد، تجاه الموضوع النووي الإيراني، وتجاه سوريا والآخرين المخالفين للسعودية وإسرائيل.

لهذا نلاحظ، أن اللوبي الإسرائيلي كما اللوبي السعودي والأموال السعودية واليهودية، لم تلعب دوراً له قيمة في الإنتخابات الأميركية، لأن ماكنة أوباما الإنتخابية اعتمدت في جلّها على الجمهور الأميركي لأول مرة في تاريخ الدعم للحملات الإنتخابية الرئاسية. وحتى الإعلام الإسرائيلي/ اليهودي فإنه كان متضامناً مع الإعلام السعودي يؤديان دوراً واحداً في تلميع ماكين، ولم يكن أوباما يذكر بخير، اللهم إلا في الأسابيع الأخيرة من الحملة الإنتخابية (كما فعلت فوكس نيوز) وذلك خوفاً من أن ينتصر أوباما بالفعل، فيتخذ مواقف تجاه تلك الأطراف وسياساتها.

لم يعجب آل سعود لونه، ولا سياسته

من سوء حظ السعودية أن أوباما فاز في الإنتخابات. فهي ـ منذ بداية سطوع نجمه قبل سنوات حين اصبح سناتوراً ـ لاحظت أنه واحد من الناقدين الأساسيين لسياساتها. ثم إن السعودية رأت أن مشروع أوباما ـ على الأقل في حملاته الإنتخابية ـ قائم على التراجع عما فعله بوش، وبالتالي مناقضة سياساته.

السعودية لا ترغب في سحب القوات الأميركية من العراق، كما يريد أوباما في 16 شهراً، فذلك يعني تصاعداً للنفوذ الإيراني هناك. والسعودية لا يزعجها شيء أكثر من الموضوع الإيراني، الذي أطاح بالنفوذ السعودي في المنطقة وأعاده الى الوراء عقوداً طويلة.

والسعودية أيضاً، لا تريد أيضاً أن يتفاهم أوباما مع إيران حول الموضوع النووي، لأن مشروع نفوذ السعودية في المنطقة قائم على الصدام بين أميركا وإيران، وهي ترى أن تحسّن العلاقات الأميركية الإيرانية، والوصول الى تفاهمات حول الموضوع النووي ومسائل الأمن الأقليمي يعني ضربة قاصمة للنفوذ والمكانة السعودية، وتقوية لجناح طالما اعتبرته أميركا واسرائيل والسعودية ارهابياً خطيراً. والإعلام السعودي يقول بصريح العبارة: لا نقبل بأن يكافئ أوباما إيران على تشددها! وماذا عن حلفاء أميركا المعتدلين؟ كيف يقبل أوباما بإضعافهم؟!

لم يخف السعوديون قلقهم من وصول (الأسود) الى البيت (الأبيض) كما هي تعليقات صحفهم ومنتدياتهم الدينية الوهابية، وتبارت بعض المقالات السعودية، كمقالات الشرق الأوسط، بشخص رئيس تحريرها، لتقول بأن أميركا لا تستغني عن خدمات السعودية. وشنّت حملة على المبتهجين بأوباما، فلأول مرة لا يبتهج حلفاء أميركا من السعوديين بقدوم رئيس أميركي جديد، في حين ـ وربما لأول مرة أيضاً ـ يبتهج أعداء أميركا بوصول أوباما، ابتداءً من ايران ومروراً بسوريا، وروسيا، وانتهاءً بفنزويلا وكوبا، ودول أميركية لاتينية أخرى. لم يجد طارق الحميد المنزعج من أوباما، إلا أن يشتم حماس وحزب الله وسوريا وإيران، ويهددهم بسيف أوباما القادم، متناسياً بأن من استطاع الصمود أمام صلف بوش وسلاح جيشه كما جيش إسرائيل، لن يخيفه الرئيس الجديد، حتى وإن امتطى نفس الحصان الخاسر.

القلق السعودي مركز على أمرٍ واحد، وإن كانت هناك موضوعات أخرى له صلة به، وهو: كيف ستتعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران. فالسعودية لا ترى في الكون كله عدو غير إيران، ولا غرو فهي التي تشجع وتنشر مقولة أن عدو العرب الرئيس هو إيران، وأن الخطر الإيراني أكبر بكثير من الخطر الإسرائيلي. ويحاول السعوديون معرفة مدى صدق اتجاهات أوباما الخارجية بشان التفاوض مع إيران. فأصل المنهج التفاوضي يرفضه السعوديون؛ ربما لعلمهم أن البرغماتية الإيرانية السياسية يمكن أن تتوصل الى حل مع أميركا، بحيث تصبح القوة الأولى في المنطقة، متجاوزة السعودية التي عاشت (معززة) في غياب الأقوياء، وبتحالف مع أعداء العرب، ونعني بذلك، غياب العراق وتهميش دور إيران لثلاثة عقود، ووضع العراقيل أمام الدور السوري، وأخيراً وضع مصر كتابع ذليل للسياسة السعودية.

إمكانية التفاهم الإيراني/ الأميركي، يقلق السعودية بشكل كبير. فهذا التفاهم لا يمكن أن يتم إلا بحلحلة جملة من القضايا، والتفاهم على مسائل متنوعة، خسرتها السعودية لصالح ايران وسوريا.

فمثلاً، إذا ما أراد أوباما سحب قواته من العراق، فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بسهولة، أي بدون اتفاق مع ايران وسوريا، وإلا فإن الدولتين الأخيرتين ستعززان نفوذهما، وستملآن الفراغ الأميركي الذي تخلّفه.

وهذا يعني أن أوباما ـ حتى في هذا الموضوع العسكري ـ غير قادر على تنفيذ وعوده لناخبيه بشأن الإنسحاب من العراق.

نعم، يمكن للسعوديين أن يراهنوا على أن الجناح المتشدد في إيران سيضيع الفرصة، ولكن رسالة التهنئة التي بعثها نجاد لأوباما، هي سابقة إيرانية منذ ثلاثة عقود، خاصة وأن البلدين إيران وأميركا لا علاقة سياسية رسمية قائمة بينهما. الأمر الذي يشير الى أن الجناح المحافظ في إيران قدم إشارة الى أنه على استعداد للتفاهم مع الرئيس الجديد. ولا يخفى أن الإعلام السعودي ركز على الرسالة الإيرانية وسخر منها، ولكن بعض السياسيين السعوديين يدركون بقدر غير قليل بأن الرسالة الإيرانية قد تكون مقدمة لتغيير سياسة أميركا، بنحو ما، في الشرق الأوسط، كما تأمل إيران وحلفاؤها.

وهناك مراهنة سعودية أخرى، وهي أن تفشل محاولات التفاهم بين البلدين، بإرادة أميركية، حيث تأمل السعودية أن يتغلب الجناح الراديكالي في الإدارة الجديدة والذي يقوده نائب الرئيس، وبعض المستشارين للرئيس، وبينهم متعاطفون مع اسرائيل. وبالتالي، ستعود الأمور متوترة الى سابق عهدها.

السعودية ربطت استعادة نفوذها الضائع في المنطقة بفلسفة سياسية قائمة على صراع أميركي إيراني، وليست سياستها مبنية على فهمها الخاص والمستقل لمصالحها، ولا على إمكانياتها الذاتية. وطالما أن السياسة الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط سيعاد النظر فيها، على الأقل في الموضوعين الإيراني والعراقي، فإن السعودية ملزمة بتغيير نهجها، وإلا بقت وحيدة في مواجهة إيران التي أظهرت هي الأخرى بعض المخالب للسعوديين، وإن من زاوية اعلامية. وليس أمام السعودية، كما عودتنا دائماً، إلا أن تتماشى مع النهج السياسي الأميركي وتتصالح معه، يميناً أو يساراً، صعوداً أو هبوطاً. أما المخالفون للنهج الأميركي فقد كسبوا في عهد بوش ما لم يكسبوه من أي عهد سابق، رغم رعونة بوش واستخدامه القوة والضغوط المالية والسياسية. وما عهد أوباما ـ في نظر المراقبين ـ إلا إعلان الهزيمة، ولكن بإخراج يحفظ ماء الوجه وبشكل صامت. وهذا ينطبق على السعودية وإسرائيل ومصر أيضاً، فهي قد خسرت في عهد بوش ما لم تخسره في أي عهد سابق. فإذا ضعف القلب الأميركي وبان عجزه، لا يسع الأطراف والأيادي والذيول إلا أن تضعف.

لا تستطيع السعودية التعايش مع الأقوياء في المنطقة. لا مع عبدالناصر ولا مع صدام ولا مع إيران كمؤسسة. ولا السعودية بقادرة على التسليم بخسارة مواقعها لصالح دول تشعر إزاءها بالإحتقار، كما انها غير قادرة على (التكويع السياسي) فتلتف على الخسائر وتعيد النظر في سياساتها، وتبني جسوراً جديدة تمكنها من استعادة بعض ما فقدته. السعودية ليست في وارد هذا كلّه، وهي ترغب في صدام يطيح بقوة إيران، كما حدث أثناء الحرب العراقية الإيرانية، أو حرب مثلما شنت على صدام، أو صدام يطيح بالأسد، فيعيد بعض الثقة لجناح الإعتدال بنفسه، ويغير من موازين القوى المذهبية ـ بنظرها. لهذا احتفت السعودية ـ وليس فقط لم تدن ـ بالهجمة العسكرية الأميركية على منطقة البوكمال الحدودية السورية، مثلما احتفلت من قبل بتفجير دمشق الذي قام به سعودي وهابي متطرف أنتجته أيديولوجية الحكم السعودي نفسه.

لا خيارات كثيرة أمام السعودية. فهي قد جرّبت الورقة الطائفية، ولاتزال تؤمل منها خيراً، رغم سقوطها في نهر البارد، كما في طرابلس. وهي جربت حرب تموز، وجربت ارسال الوهابيين للتخريب في العراق وايران وسوريا ومولتهم. وجربت تخفيض سعر النفط للإضرار بإيران كما فعلت في الثمانينيات. وهي اليوم تبحث عن أحد ـ أي أحد ـ إسرائيلياً كان أم أميركياً ليحارب بالنيابة عنها ايران أو سوريا، أو حتى حماس المعتقلة في سجن غزة.

الخيارات السعودية تضيق، ولكنها الرعونة والصلف. وسواء تفاهم أوباما مع إيران أم فشل في ذلك، فإن السعودية أبعد من أن تكسب أرضاً في السنوات الأربع القادمة، لا هي، ولا إسرائيل.

السعودية لا تقبل أن تكون إيران الزوجة الجديدة، أو الزوجة المطلقة التي تعود لزوجها بعد ثلاثة عقود، وهي تقول إما نحن أو إيران! فهل هذا خيار تستطيعه السعودية فعلاً؟! دولة لا إمكانيات حمائية إليها، اختبأت منذ تأسيسها وراء القوى العظمى (بريطانيا ثم أميركا) لا تستطيع أن تقول لا لأميركا. نعم تستطيع فعل ذلك بعد أن تقطع مسافة طويلة، مسافة تبني فيها ذاتها من جديد بعد أن تعيد اكتشاف نفسها، وترمم استقلالها المزعوم، وتنشيء قوتها الخاصة بها. أما التمدد السياسي على ذراع أميركي، فليس مضموناً، ولا قدراً.

الصفحة السابقة