موقف آل سعود كما تكشفه (الشرق الأوسط)

يحي مفتي

قامت حركة الإصلاح في بلاد الحرمين، بتقديم قراءة موضوعية للمقالات المنشورة في صحيفة (الشرق الأوسط) في الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، وخلصت إلى أن مجموعة كتّاب الصحيفة تباروا في إيصال رسائل محددة للقارىء منها:

أولاً: تحميل حماس مسؤولية ما يجري ليس باعتبارها أخطأت في تقدير الأمور بل تجريمها بصراحة واتهامها بأنها تريد تدمير غزة من أجل تحقيق مصالح حزبية.

ثانيا: إتهام حماس بأسطورة كونها أداة لتحقيق الأطماع الإيرانية تماما مثلما هو حزب الله والمبالغة في هذا الاتهام إلى درجة زعم أن حماس تريد تحويل مصر إلى ممر للدعم الإيراني لحماس من أجل الالتفاف على العالم العربي.

ثالثا: الدفاع المستميت عن النظام المصري الذي يصر على إحكام خنق الغزاويين حتى وهم تحت وابل القنابل الإسرائيلية ويصر على المساواة بين الصواريخ الفلسطينية والقصف الإسرائيلي وتبرير مواقفه تلك.

رابعا: تخوين حماس لمجرد انتقادها النظام المصري بسبب مشاركته في الحصار واشتراط التهدئة واعتبار هذا الانتقاد إضعاف للعرب أمام إيران.

خامسا: يرسل الكتاب من طرف خفي رسالة تطبيعية خطيرة مفادها أن إسرائيل حليف استراتيجي يجب أن لا نفرط به في مواجهة الخطر الإيراني.

وأوردت الحركة أسماء عدد من كتّاب الصحيفة مشفوعة بشواهد من مقالات تؤكّد ما أوردته من محدّدات ـ رسائل يلتزم بها هؤلاء. من بين الكتّاب، صالح القلاب الذي وصفته بأنه يعتمد إسلوباً مفضوحاً في تنفيذ تعليمات آل سعود، وقد كتب مقالاً بعنوان (التلاؤم مع توجهات إيران دفع حماس للتضحية بغزة) وقال فيه (الهجوم العنيف الذي شنه حسن نصر الله على مصر وعلى "أنظمة عربية" أخرى لم يسمها لكنها معروفة، يؤكد أن هناك مؤامرة قذرة تقف خلفها إيران ومعها حلفاؤها في "فسطاط الممانعة والمقاومة" وأنه لتنفيذ هذه المؤامرة تم استدراج الإسرائيليين، الذين كانوا ينتظرون المبرر الذي يريدونه للقيام بما قاموا به، لذبح غزة من الوريد الى الوريد واستهداف كل سكانها الذين يصل عددهم الى نحو المليون ونصف المليون لحسابات انتخابية ولحسابات تلتقي مع حسابات الجمهورية الإسلامية).

الذايدي: عاهات صحافية

تكرار لحرب تموز 2006

وكما في حرب تموّز 2006، وجّه القلاب إتهاماً لحماس بأنها وراء العدوان بالقول (ولو أن حماس لم تكن تريد هذه الحرب وتسعى إليها وهي تظن أنها لن تكون بكل هذا المستوى من الإفراط بالعنف وبكل هذه الهمجية والدموية.. لكانت تحاشت الألاعيب الاستفزازية، ولتجنبت إعطاء الإسرائيليين المبرر الذي كانوا يريدونه، ولحرصت حرصاً شديداً على إطالة أمد التهدئة التي كانت أعلنت وأكثر من مرة وعلى ألسنة كبار مسؤوليها أنها تريدها لعشرة أعوام وأكثر).

ثم يعود ليكرر معزوفة إعلام الإعتدال بأن حماس أداة في يد إيران و (إن حماس متورطة في مخطط إقليمي وأنها من أجل إنجاز هذا المخطط قد ضحت بغزة وبأهل غزة..) وبذلك وفّرت المبرر للعدوان، فحماس إذاً، بحسب زعم القلاب، ليست إلا واحدة من حلقات نشاط إيران الواسع والإمبراطوري الذي يمتد من المحيط الى الخليج! ولا ينسى في طريقه قبل العبور الى الخاتمة أن يسجل دفاعاً عن الرئيس المصري حسني مبارك، الذي يشعر غالبية الشعب المصري بالمهانة من أن يحكمه مثل هذا الرئيس البهلواني، كما يشعر شعب الحجاز بالمهانة من حكم آل سعود.

المدعو علي سالم، وهو الآخر من كتّاب (الشرق الأوسط)، شارك في بازار المزايدات وبلغ حداً فارطاً، فقال بأن حماس تريد السيطرة على مصر! هكذا بكل بساطة وصفاقة. كتب علي سالم مقالة بعنوان (حماس..ماذا بعد؟)، وكنا نأمل لو أن الكاتب أجهد نفسه في الكتابة عن مأساة سكان القطاع، وماذا بعدها، فماذا بعدها كثير، ويستحق التأمل، والتحليل، بدلاً من الإفراط في غرز السكين في ظهر الضحية.

وزعم الكاتب بأن قادة حماس جبناء وخائفون، وليته عمل واجباً منزلياً بسيطاً بقراءة تجربة حماس وقياداتها، قبل أن يكتب، فهل سأل عن مصير الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، والعشرات من قيادات الحركة وآخرهم مازن ريان، الذي قضى شهيداً في بيته الذي دمّر بغرابيب سود إسرائيلية، أو لم يسمع عن أبناء القيادات وخصوصاً أبناء القائد محمود الزهار الذي نجا مرات من محاولات الإغتيال، فيما ارتفع أبناؤه شهداء في سبيل الله..وكذا خالد مشعل الذي كاد أن يقضي نحبه مسموماً..أخشى أن المدعو سالم قد خلط بين سلطة رام الله وفصائل المقاومة الفلسطينية!

وشأن بقية الأقلام المغموسة بدم غزة، لا ينسى سالم الدفاع عن القيادة المصرية التي أقفلت معبر رفح في وجه سكان القطاع كيما يموتوا تحت وابل الصواريخ الهمجية كمطلقيها.. ثم يتبجّح بالقول (أن مصر مهتمة بالأحياء المصابين في معركة سعت إليها حماس..) فكم عدد من استقبلتهم السلطات المصرية من المصابين؟

ولعل تتويج القباحة الصحافية يكون دائماً لصالح طارق الحميد، الذي يبرع في الإسفاف القميء حين يتحدث عن غزة الصامدة الصابرة، ملتزماً بالمحددات سالفة الذكر: حماس تنفّذ أجندة إيرانية، الدفاع عن نظام مبارك، وتبرير العدوان الاسرائيلي على غزة.

حال الحميد يعكسه بصورة ناصعة الحذاء، عبد الرحمن الراشد الذي التزم الهجوم المتواصل على حركة حماس على مدار شهور متواصلة، وتكّفل أخيراً بالدفاع عن (أبو الغيط)، وزير الخارجية المصري الذي هدّد بكسر أرجل الفلسطينيين الذين يعبرون رفح هروباً من الحصار والدمار. وفيما رفيق دربه، عثمان العمير، مازال متردداً في اعتناق عقيدة الدفاع عن السياسة المصرية، وهي التي وهبته حظراً بالدخول إليها منذ نيله من أبناء حسني مبارك، جمال وعلاء، لصوص مصر، فإن عبد الرحمن الراشد خالف سيرة سلفه، وعبر البحر الأحمر على متن (عبّارة) سعودية لمدّ القلم قبل اليد الى النظام المصري، وقال في (أبو الغيط) مالم يقله مالك في الخمر، فكانت علامة تفوّقه على من سبقه من وزراء خارجية مصر أنه (وقف ببسالة ضد نقد حماس لمصر..). ولا ينسى أن يضع نقد حماس في سياق (معركة مستمرة منذ أشهر من قبل حلف سورية وايران ضد مصر). كما لا يغفل تحميل حماس المأساة في غزة، بدعوى أنها تريد أن (تفرض نفسها قوة سياسية رغماً على السلطة الفلسطينية..)، فهل كانت حماس خارج السلطة حتى تفرض نفسها؟ وهي التي جاءت الى السلطة عبر صناديق الإقتراع، وليس عبر التوارث، ولا المبايعة الصورية التي لا يعقدها إلا أزلام النظام!

وعبقرية الراشد، ورؤيته الاستراتيجية في حساب عواقب الأمور، دفعته للقول بأن حماس لم تقرأ الحوادث التي جرت، فوقعت في الفخ الإسرائيلي، بل إنها حققت (تمنيات اسرائيل لأول مرة منذ قيام دولتها عنوة، شعبان وسلطتان بلا دولة واحدة)، وأن (ما فعلته حماس ليس إلا خدمة لرغبات إنتخابية إسرائيلية فحسب)..وطالما أن المقصود هو تجريم الضحية، فكل كلام يغدو مباحاً، وما غفل عنه الراشد وبقية الأزلام، أن يحمّلوها مسؤولية اتساع ثقب الأوزون، بسبب الدخان المنبعث من إنفجار الصواريخ الإسرائيلية التي تدك القطاع من شماله إلى جنوبه،

أحد أعضاء أوركسترا الإعتلال، مشاري الزايدي، الذي هبط بالبرشوت من فضاء السلفية على العلمانية الرثّة والماجنة في صحيفة (الشرق الأوسط)، أتقن سريعاً لغة العاهات الصحافية، مسترّداً الرطانة السلفية كببغاء مهجّنة علمانياً، فردّد مايكتبه الحميد والراشد والحمد بعبارات ثقافية مراهقة، لا تستند إلى أي معيارية أخلاقية. في مقاله بعنوان (موسم الهجوم على مصر)، أعاد صوغ الرأي المعتّل (سعت حماس وبتشجيع سوري ـ إيراني إلى إفشال مساعي الحوار الفلسطيني مع فتح برعاية مصر). وما يأتي لاحقاً ليس سوى ترديداً ساذجاً لما أملي عليه قوله، مصوّراً حماس وكأنه آلة جبارة في خداع مصر والسعودية ومعسكر الإعتدال بأسره، ويعود ذلك بطبيعة الإملاء إلى أن إيران تريد لها ذلك، أي (تريد من مصر تسليم القطاع وفتح حدودها بدون قيد أو شرط لشيعتها في حماس). بل يعتقد الذايدي أن الغضب الشعبي العارم في عواصم العالم هو الآخر مبرمج إيرانياً، ببساطة لأنه (لا يوجد أفضل من الصاعق الفلسطيني لاستثارة بارود الشارع، ومن ثم قيادة الغضب باتجاه تحريك نواعير المصالح الخاصة بإيران ومحورها العربي، المتمثلة في إرغام مصر على ترك حماس تتحرك بحريتها في غزة وواجب الاعتراف بها، أو في الأقل التعامل معها بشكل واقعي قسري، هذا ما يفسر التركيز على مصر حالياً).

ونقول: قليل من العقل خير من كثير من الحماقة ياسادة، فهذا التحليل الساذج يطيح مصداقية وصدقية صاحبه، قبل أن يبلغ أثره أرنبة الأنف المزكوم، من رائحة الغباء المستفحل، كما أن قليلاً من التواضع خير من كثير من الاعتداد بالذكاء المفتعل، لأن تحليلاً بهذا الغباء هو المسؤول اليوم عن اصفرار الصحيفة الخضراء.

ولن يحيد علي إبراهيم، وهدى الحسيني، وباقي جوقة (الشرق الأوسط) و(العربية) وأخواتها في الداخل والخارج عن تلك الرسائل الموضوعة سلفاً.

الصفحة السابقة