(الحكمة) السعودية الضائعة

بين (تطويع) حماس و (ترويض) الأسد!

عبد الوهاب فقي

(التطويع) و(الترويض) يحتاجان الى حكمة افتقدتها القيادة السعودية زمناً طويلاً ولاتزال.

البطء والتأخير وسياسة الزواحف في زمن السرعة جعلت السعودية تأتي (دائماً) متأخرة.

متأخرة عن الأحداث المتسارعة.

متأخرة في المعالجة أو التغيير أو التعديل في سياساتها ومواكبة الفرص ان لم يكن اقتناصها.

لم يكن التأخير سببه (الحكمة) التي يزعم القادة السعوديون وإعلامهم الرسمي انها تجللهم من أعلى رأسهم الى أخمص أقدامهم!

كلا!

الحكمة المزعومة هنا لا تعني إلا كلمة واحدة هي: (العجز المطلق).

ما عادت الحكمة السعودية تشعّ على سياسيي الشرق الأوسط ومراقبي الأحداث في السنوات الثمان الماضية، على الأقل منذ أحداث سبتمبر 2001م.

تلك الحكمة المزعومة المغطّاة بهدوء وسكينة مفتعلين انكشفت بعد هزيمة إثر أخرى، حتى (طقّ) حلفاء القيادة السعودية ومن يلوذ بها أو يطمع حتى بوراثتها أو وراثة شيء مما لديها متسائلين: (وأين هي القيادة السعودية)؟!

إنها خارج الملعب تتفرّج (بحكمة) معهودة!

لا تعني شيخوخة رجال الحكم في السعودية، أنهم حكماء!

ليست الحكمة بالضرورة مرافقاً للشيخوخة.

وفي الحالة السعودية فإنه العجز والجهل هو الذي يرافق الحكام المسنّين!

منتظرو الحكمة السعودية بأن تظهر الى النور، طال انتظارهم، عاماً بعد آخر.

كثيرون هم من تحدث عن الحكمة الضائعة في قواميس السياسة، وكيف أن عباقرة السياسة في العائلة السعودية المالكة، سيستخرجونها، كنزاً ثميناً لا يستطيع أحدٌ أن يقدر عليه.

مهّدوا لذلك بمعسول الكلام، وكما هي شغل العاجز والفاشل، جلسوا على التلّة ينظّرون: هذا الفعل خطأ، وذاك جريمة، وتلك السياسة حمقاء، وابنة عمّها حولاء، وهذا لا تريده أميركا ولا تسمح، وذاك لا يريده الغرب، وهنا يرفضه السنّة، وذاك يرفضه الشيعة.

تنظير وأحكام جاهزة تأتي من الرياض لتغلّف الصحافة الخضراء (إحداها: خضراء الدمن كما تسمّى سلفياً)!

كل التحليل السعودي ظهر أنه خاطئ، وأنه لا يمثّل سوى مظهر آخر من مظاهر العجز عن الفعل، والإكتفاء بتقييم أفعال الغير، دون القيام بفعل حقيقي.

العنجهية السعودية التي لازمت آل سعود منذ النفط، بل وقبله اعتماداً على صفاء العنصر القبلي! وعلى العقيدة الوهابية التطهرية التي لم تكن سوى خيلاً تركب لتحقيق مآرب دنيوية.. هذه العنجهية كانت ولاتزال لها حصة في تطوير مرض (الوهم بالحكمة) السعودية!

تقول الحكمة السعودية: لا أحد يجيد السياسة (غيرنا).

لا أحد صديق أميركا ويفهمها (غيرنا).

لا أحد يخالف السياسة السعودية إلا فاشل، فلا ناجح (غيرنا).

ولا أحد قادر على تأديب الممانعين والمغامرين (غيرنا)!

الذات السعودية المتضخّمة، والتي لاتزال كذلك، صوّرت لآل سعود أنهم يستطيعون إيقاف الكون. وجعلتهم يتوهّمون بأن لا أحد قادر على النجاح بمعزل عنهم، أو يمكنه أن يختطّ سياسة غير التي يؤمنون بها، بل كيف يجرؤ في الأساس على مخالفتهم، أو عدم اتباع نهجهم!

الإستعلاء والعنجهية وغياب المشروع السياسي وعدم وضوح الرؤية، والأكثر أهمية (المال)، أضاعت كلها رشد آل سعود أو ما تبقى لهم منه، كما ضيّعت ما تبقّى لهم من حكمة مزعومة.

توقّف (تدفّق الحكمة السعودية!) ولم يتوقّف العالم، ولم يهدأ العرب تضامناً مع (الحكماء)!

لا يوجد فراغ سياسي يمرّ عليه زمنٌ طويل، بل يمتليء بأسرع وقت.

والسعوديون أوقف عقارب الزمن، وغابوا عن الوعي أكثر من عقدين، ثم تنبّهوا أنهم في آخر الركب، وأن أحداً لم يتوقّف غيرهم!

جعلوا من أنفسهم آلهة، تمنع وتمنح، فلم يمت من حرموه جوعاً ولم يتم لهم من أرادوا تطويعه سياسياً. بل تم تأسيس نظام مصالح آخر أكثر تماسكاً، اكتشف السعوديون انه بعد عقدين على الأقل من الزمن نظام مصالح استراتيجي راسخ وجده المحرومون ـ الذين تم تأديبهم سعودياً ـ أنه أفضل ألف مرة من فتات ينثره عليهم آل سعود.

صار للمحرومين وللجياع كلمة توازي الكلمة السعودية، أو الحكمة السعودية، في السياسة الإقليمية، فتألم (حكماء السعودية) لهذه المفارقة، بل لهذه المقارنة.

وحين أراد السعوديون الضغط على أولئك المحرومين، أو حتى اقتلاعهم، وجدوا أن لا أوراق لديهم.

هددوهم بالمحاكم الدولية، وصموهم بالإرهاب، وحرّكوا عليهم طوابير معارضين مدفوعي الأجر لإحداث إنقلابات، وهددوهم بالإقتلاع ولكن بقبضة غربية، توهّم الحكماء السعوديين أنها تعمل بأوامرهم!

وماذا بعد؟!

من قطعت عنه المساعدات السعودية لنحو عقدين، وبعضهم قطع عنه حتى شريان الحياة كما في غزة، لم يشعروا ـ اليوم ـ بأن السعودية قادرة على فرض إرادتها عليهم، فما بيدها عملته بـ (حكمة بالغة) لم تغنها النُّذُر!

أجاع الله من أشبعتموهُ/ وأشبعَ من بجوركمُ أُجيعا!

قال ذوو الألباب أن (المال) لا يغني عن (الحكمة).

وأن (الحكمة) غنى لا يجتمع مع غطرسة المال.

وقال السعوديون أن (المال) يتغلّب على (الحكمة) ويخضعها له.

وأن المال يأتي بالحكمة. وأنهما اجتمعا لدى القيادة الرشيدة، قيادة (خادم الحرمين الشريفين)! وكل يوم يطرح لنا إسم (خادمٌ كذّاب!).

تبيّن الآن للجميع ـ إلا لآل سعود ـ أن المال أعماهم وأطغاهم، وأفقدهم العقل!

لم يجلب لهم (حكمة) ولم يمنحهم (بصيرة) ولم يقدّم لهم في طريق السياسة وطريق الدين (نوراً ولا هدى).

بغياب الحكمة، أُنفق المال السعودي هدراً، لم يصلح لهم سمعة، ولم يبن لهم مجداً، حتى داخل السعودية نفسها.

وبغياب الحكمة، اعتمدت سياسات (مسلوقة) مبنيّة على الأوهام، وأبطالها السعلان!

وبغياب الحكمة، ضمر العقل وقلّ استخدامه، وضمرت العضلات أيضاً ـ وهذا غريب لدى نظام يقدّس العنف والقوة!

في كل أمر، وفي كل سياسة، لا بدّ أن تكون هناك ميزانية مالية. لا يجيد حكماء آل سعود عمل شيء بدون (الدفع).

ما أكثر ما يدفعون!

وما أكثر ما يخسرون!

الآن يقولون ـ الإعلام السعودي ـ بأن الحكمة السعودية عادت الى معقلها (النجدي) مع أن الحكمة (يمانية) كما في الأثر!

ويقولون أن الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز، نزل الى الميدان مشمّراً عن ساعديه ليقضي على الفرقة العربية التي سببها (غياب الحكمة) عن القادة، وحسناً فعل أن شمل نفسه وبلاده بالأمر!

كانت بداية جيّدة.. هكذا تحدّث المحللون والمتابعون.

السعودية تقود (الإجماع العربي) مرّة أخرى!

كلا.. هي لم تقد الإجماع بعد.. لأن الإجماع لم يتحقق حتى الآن، ولكل فريق قيادته!

كيف سيحدث الإجماع، وكيف سيتم القضاء على الفرقة والإفتراق، وإعادة اللحمة للصف العربي؟

هنا ينبغي التعويل مرة أخرى ـ وحسب الإعلام السعودي ـ على زعيم الحكماء وحكيم الحكماء الملك عبدالله!

كيف ستفيض الحكمة السعودية رواءاً على أمّة العرب هذه المرّة؟

هل سيستفيد السعوديون من تجاربهم الماضية، من مقارباتهم السياسية الخاطئة، من منهجهم الذي أفضى بهم الى ما هم فيه من حضيض سياسي؟

كلا.. لم يتغيّر شيء حتى الآن!

فالكتاب يُقرأ من عنوانه كما يقال.

(كتاب الحكمة السعودية) يقول التالي:

ـ يتم (تطويع) حماس عبر تجويع شعبها وتشريده في الخيام وعبر الحصار الإعلامي والسياسي، حتى تخضع للإرادة المصرية. وأول ما في الأجندة: أن تعترف حماس بإسرائيل، فيصبح خالد مشعل ومحمود عباس في الهمّ سواء، وجهان لعملة واحدة.

ـ يتم (ترويض) الأسد السوري، عبر إغرائه بالمال السعودي: مليارين أو ثلاثة مليارات من الدولارات! مع وعد سعودي بأن يفتحوا له أبواب واشنطن المغلقة (وكأنهم هم من يمتلك مفاتيحها! يا للعجب!) إن هو قام بتفكيك تحالفه الإستراتيجي مع طهران، وإن هو أوقف دعمه لحزب الله وحماس.

ـ يتم (توجيه) الرأي العام العربي وكذا توجيه الطاقات العربية الى العدو الحقيقي: إيران، فتوصيفات: جمهورية الفرس، وآخر ما وصلت إليه ماكنة الإعلام الصدامي، يعاد استخدامها اليوم ضد العدو القومي الفارسي الحاقد!

السعودية وهي في القاع تفكّر بنفس الطريقة التي تعرفها لإعادة اللحمة العربية!: رشوات مالية، وضغوط سياسية، واستقواء بالغرب، ومعها هذه المرّة الرئيس الخرف حسني مبارك، تابعاً ذليلاً!

هل هذا (مشروع حكمة)؟!

إذا لم تكن هذه حكمة سعودية، فما هي إذن؟!

رحم الله الحكمة والحكماء!

الصفحة السابقة