تفكيك اليمن بعد توحّدها

فيروس الإنفصال يقلق السعوديين

محمد قستي

ثلاث محطات وانعطافات في تاريخ اليمن في السنوات الأخيرة قابلتها ثلاثة مواقف سعودية متناقضة:

  •  في مايو 1990 قامت الوحدة اليمنية بغير رضا السعودية، ولكن برضا وبمباركة أميركية، وقد حاولت السعودية جهدها لإفشال الوحدة الى حدّ القيام بمحاولات اغتيال مثلما فعلت مع الرئيسين الأسبقين: الغشمي والحمدي من قبل.

السعودية خشيت أن تكون الوحدة مقدمة لقيام دولة قويّة تحتل كل الجزء الجنوبي من حدودها، وهي تعتبرها حديقتها الخلفية، والمكان المفضل الذي تمارس فيه السعودية هيمنتها. خشيت من قيام دولة حقيقية تفوقها في عدد السكان، مع آمال بأن تتطور اقتصادياً خاصة وأنها موعودة باكتشافات نفطية كبيرة، افترض ابتداءً انها ستغني اليمن عن شحد المساعدات من السعودية.

هل غرام الذئاب يحلو لديها؟

السعودية المستاءة من الوحدة اليمنية، كانت ترى اليمن يخرج من قبضتها، بعد أن وثّق علي عبدالله صالح علاقاته بالأميركيين مباشرة، وبعد أن أقام تحالفاً مع الأردن ومصر والعراق (مجلس التعاون العربي) مقابل حلف مجلس التعاون الخليجي وفي حضور حلف ثالث للمغاربة ضم ليبيا والجزائر وتونس والمغرب.

وما جعل السعودية حريصة على تفكيك الوحدة اليمنية الموقف الذي تفجر بعد اعلان الوحدة، ونقصد به احتلال العراق للكويت، واقتناع السعودية بوجود مؤامرة تأخذ اليمن جزءاً مما تعتبره أراضيها في جنوب السعودية، في حين يعود الهاشميون الى موطنهم الأصلي في الحجاز، ويُضم إقليم الأحساء والقطيف الى العراق. ولعلنا نتذكر ممثل اليمن في الأمم المتحدة (الأشطل) ووقوفه الى جانب العراق أثناء تلك الأزمة.

السعودية بادرت بطرد العمال اليمنيين الذين قارب عددهم المليونين، في فترة محدودة، ضاعت بسببها أملاك أكثرهم، وعزلت عوائل عن بعضها البعض، وثارت ثائرة اليمنيين ضد السعودية وتدخلاتها.

  • في 1994م وبعد فشل حكومة الوحدة، قامت حرب اليمن مرة أخرى، بين الشمال والجنوب، فالقادة المؤسسون للوحدة رأوا صعوبة في استمرارها، بسبب هيمنة الشمال، وبسبب إصرار علي عبدالله صالح على السيطرة دون المشاركة. الإجحاف وسوء الإدارة شجّعا على الإنفصال مرة أخرى. والسعودية كانت تواقة للوصول الى هذه النتيجة، إن لم تكن لها يد في تقرير معطياتها الأولية.

حين اندلعت الحرب، اعتمد علي عبدالله صالح على دعم الولايات المتحدة الأميركية، التي خشيت من عودة الحزب الإشتراكي الى سابق عهده (شيوعياً)، وكانت فيما سبق تنصح المسؤوليين الجنوبيين بالصبر وتحمّل آلام الوحدة حتى تترسخ.

واعتمد علي عبدالله صالح على العراق في قيادة المعارك الجوية، حيث قدّم صدام حسين أفضل طياريه لقيادة طائرات الميغ الروسية اليمنية لمهاجمة مواقع الجنوب.

السعودية اتخذت الموقف المعاكس بالطبع، فدعمت من كانت تسميهم بـ (الشيوعيين) بالمال والسلاح، ونقصد علي سالم البيض ورفاقه.

الولايات المتحدة حذّرت السعودية من التدخّل أكثر في الحرب الأهلية يومئذ، واستطاعت إيقاف وزير الدفاع الأمير سلطان الذي أمر للتوّ باستخدام الطيران الحربي السعودي في المعارك الى جانب الجنوبيين، كما أن السعودية استقدمت للغرض نفسه طيارين حربيين مرتزقة من اوروبا لقيادة العمليات الجوية، كادوا ان يقوموا بدورهم لولا التدخل الأميركي في اللحظة الأخيرة.

انتهت الحرب الأهلية، بانتصار حاسم لقوى الشمال على الجنوب، ولجوء القيادات السياسية والعسكرية الى بلدان مختلفة بينها السعودية وسلطنة عمان والامارات وغيرها.

لقد شارك في تلك الحرب بشكل بارز، قوى كان يفترض أن تقف الى جانب السعودية، ونقصد بذلك القوى المقربة من الخط السلفي الديني السعودي، أي حزب الشيخ عبدالمجيد الزنداني المتحالف مع شيخ مشايخ قبيلة حاشد عبدالله الأحمر (التجمع اليمني من اجل الإصلاح) فكان ذلك اختباراً لولائهما السياسي: السعودية أم الوحدة. الوهابية أم الشيوعية؟!

  • في 2009م عادت مسألة انفصال الجنوب وإعادة الدولة اليمنية الجنوبية الى الحياة، بعد فشل علي عبدالله صالح في صناعة دولة قوية، دولة المواطنة. بقي الجنوبيون يشعرون بالإذلال والتهميش والعزل والتمييز المناطقي، وراجت ثقافة الإنفصال في الآونة الأخيرة وصار الحديث عنها علناً، وقامت مظاهرات من أجل ذلك.

هنا السعودية غيرت موقفها هذه المرة، فاليمن أصبح Failed State أي دولة فاشلة. اليمن اليوم رغم اكتشافات النفط يعيش على السعودية.

وعلي عبدالله صالح يعرف كيف يبتزّ السعوديين بمزاعم تدخل ايران وليبيا بشأن الحوثيين، وليس هناك من شيء يستثير السعوديين اكثر من هذا. لذا عملت السعودية على مساعدة علي عبدالله صالح، ومعها حلفاؤها السابقين في حاشد والتجمع اليمني للإصلاح. السعودية حسب مصادر مطلعة تقدم خمسة ملايين دولار يومياً بحجة دعم مجهود اليمن الحربي، ينال علي عبدالله صالح نفسه منها حصة الأسد.

عادت اليمن حظيرة خلفية للسعوديين.

وعاد علي عبدالله صالح يخطب ودّ السعوديين.

وأصبح حزب الإصلاح قوّة مساندة له بدعم من السعودية، فتضخم حجمه، وأصبحت له معاهده وجامعاته، وفي وقت الحاجة: ميليشياته أيضاً.

انكمش علي عبدالله صالح ففقد مجمل تحالفاته. فلم يعد العراق نصيراً، ولا سوريا حليفاً. وكان قد امتنع عن حضور قمة دمشق مؤخراً.

الوحدة الإختيارية

خسر ليبيا والجزائر، وحاول ان يوثق علاقاته مع الخليجيين. مع سلطنة عمان حيث العلاقات باردة. ومع الإمارات، ومع قطر حيث الدفء. ايضاً مع السعودية، ولكن الكويت لازالت حانقة عليه بسبب موقفه من احتلالها بقوات صدام.

يريد علي عبدالله صالح ان تكون بلاده عضواً في مجلس التعاون، فقالوا له: ولكن على خطوات!

تبدأ من الكرة! ولا يعلم الى أين تنتهي. انها مرهونة بعنصرية واستعلاء السعوديين!

ماذا في الأفق؟

دولة تشبه في مزاياها دولة السعوديين.

النفط موجود ولا أثر كبيراً له.

ونفط الجنوب ظهر بعد الوحدة فزاد من شرارة الرغبة في الإنفصال.

ومنتجات السعودية الوهابية أخذت تفعل مفاعيلها في اليمن حيث أصبحت ملاذاً للقاعدة.

والزيود في اليمن خسرهم، والسلفيون الرسميون مفتاحهم بيد السعودية.

أمريكا لا تثق حتى بإرسال معتقلي غوانتنامو الى سجون اليمن، وتفضل ان يبقوا في السعودية.

دولة فاشلة بكل معنى الكلمة.

وعدته السعودية بمساعدات كثيرة، ولكنها لم تعطه إلا أقل القليل.

السعودية صدرت لليمن وهابيتها، وهي قريباً ستستردهم في صيف يتوقع الجميع ان يكون ساخناً.

اليمن مهدد بالإنفصال وبالوهابية كما هي السعودية تماماً.

واليمن يجري فيه التمييز الذي هو أول وأهم عوامل التفكيك، كما هي السعودية.

علي عبدالله صالح أراد إطلاق حملة ضد الإنفصال ودفاعاً عن الوحدة ولكنه لا يمتلك أدواتها غير القمع، وحتى القمع غير مجد اليوم، وما تجربة الحوثيين إلا دليلاً.

بعض حماة النظام اليمني اخذوا بالإعتراف، فقالوا: لا نقبل بالظلم الذي يقع على أهل الجنوب!

إذن أين كنتم طيلة السنوات الماضية؟!

ولماذا يطلب الرئيس برؤوس الوحدة سابقاً والإنفصال حالياً وهم موجودون في عمان والإمارات والسعودية؟!

السعودية لا تقبل بانفصال اليمن، فهذا أول بناء يتهدم أمامها، وتجربتها في الوحدة لا تقلّ سوءاً، ولا تريد لها أن تكون الثانية.

مصائب اليمن في الماضي والحاضر جاءت من السعودية.

وقد آن الأوان أن ترتد على السعودية لتسقى من نفس الكأس الذي سقته غيرها.

هذا هو العدل والإنصاف إن كنا طلابه.

اليمن صار دولة فاشلة بسبب السعودية وتدخلاتها وجرائمها.

كان هذا المستقبل البائس معروفاً للجميع.

رحم الله الشاعر عبدالله البردوني الذي قال في قصيدته عن السعودية وتدخلاتها التي لا تنتهي:

أمير النفط نحن يداك

 نحن أحدَّ أنيابك

ونحن القادة العطشى

إلى فضلات أكوابك

ومسؤولون في (صنعا)

وفرّاشون في بابك

ومن دمنا على دمنا

تُموقعُ جيش إرهابك

لقد جئنا نجر الشعب

في أعتاب أعتابك

ونأتي كلما تهوى

نمسِّح نعل حجابك

ونستجديك ألقابا

نتوجها بألقابك

فمرنا كيفما شاءت

نوايا ليل سردابك

نعم يا سيد الأذناب

إنَّا خير أذنابك

فظيع جهل ما يجري

وأفظعُ منه أن تدري!

الصفحة السابقة