لي ذراع أبو ظبي وخنقها بريّاً

أزمة سعودية مع الإمارات

خالد شبكشي

يقولون: السعودية غاوية مشاكل، وهذه صفة لازمت السعوديين سياسياً وعقائدياً، فهم مسؤولون عن كل الكون، وهم مستعدون لأية معركة يدخلونها بإعلامهم وأموالهم وربما بسلاحهم أيضاً. لم يسلم من هذه السياسة لا المقربون ولا الأبعدون. شرط ان تكون هناك امكانية لكسر الخصم أو المنافس.

غريبة هذه (السعودية) فعلاقاتها شابها التوتر مع كل جيرانها بلا استثناء، الخليجية وغير الخليجية. وفي معظم الأحيان فإن الأسباب لها علاقة بالحدود وبالسياسات. والسعودية لا تتحمل تمنّعاً حتى من أقرب المقربين اليها من دول الخليج، وهي دخلت في صراع مفتوح مع قطر ذات مرة، ومع الكويت من قبل، ولازالت سلطنة عمان متوجسة من السعودية، في حين أن علاقاتها باليمن وبالعراق غير مستقرة.

ارث الخلاف بين الإمارات والسعودية ليس قليلاً.

تاريخياً (في منتصف الخمسينيات) كان هناك خلاف حدودي عميق حول واحة (البريمي) والتي لم تحل بشكل كامل حتى الآن.

وهناك خلاف سعودي إماراتي حول الحدود البحرية بعد أن احتلت الشريط الساحلي البري الموصل بين قطر والإمارات، وامتد الصراع الى الحيّز البحري بين البلدين ما عطّل مشاريع قطرية اماراتية مشتركة وبينها جسر بحري أريد منه تجاوز الشريط البري المحتل سعودياً. وهناك أيضاً خلاف مكتوم حول آبار نفطية على الحدود السعودية الإماراتية.

وبالطبع هناك خلاف ملموس في المواقف من قضايا سياسية، تشعر معها الإمارات ودول خليجية أخرى بأنها قد حشرت فيها بناء على ضغوط سعودية.

السعودية من جانبها كانت ولاتزال تشعر بالغيرة والحسد من الإمارات، كما تشعر بالإنزعاج مما يصلها مما يتداول من كلام عنها في مجالس شيوخ الإمارات، خاصة أميرها الذي كان على الأقل قبل وصوله الى رئاسة الإتحاد الإماراتي شديد الانزعاج من السعوديين وكان يتكلم علناً ضدّهم.

التوقيع على اتفاقية الوحدة النقدية

التطور الاقتصادي والعمراني الذي شهدته دبي أزعج السعوديين كثيراً، وبمقدار ما حققته دبي من منجزات كان هناك ألم سعودي، حيث المقارنة الدائمة بين البلدين من قبل المواطنين السعوديين وغيرهم تزيد في تمنّي (زوال النعمة) من الإمارات.

وقد شعرت السعودية بارتياح من تأثيرات الأزمة الإقتصادية الأخيرة على الإمارات خاصة دبي، وكشفت عن سرورها ذاك علناً، ومن خلال مقالات وتغطيات إخبارية في الصحافة السعودية، وصفت فيه التطور العمراني في الإمارات بأنه مجرد فقاعة. وما أزعج الإماراتيين، خاصة شيوخ دبي، أنهم حاولوا استدانة 34 مليار دولار، كانوا بحاجة اليها لضخّها في الإقتصاد بغية إنعاشه، فرفضت السعودية ونصحت آخرين بأن لا يقبلوا منحها ذلك الدين، في وقت كانت فيه أموال السعوديين من النفط تتواصل الى حدود التريليون دولار في المصارف الغربية وعلى شكل سندات الخزانة الأميركية حذرهم الأميركيون من المساس بها او سحبها، بل قيل أن بعض احتياطيات السعودية قد جرى التعدّي عليها ونهبها أميركياً.

الخلاف الجديد بين الإمارات والسعودية كان مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير. محور الخلاف كان حول مقر البنك المركزي الخليجي الذي سيكون الحامي للعملة الموحدة بعد عامين. كان من المفترض أن يكون مقرّ البنك في الإمارات، ولكن السعودية تحايلت على المشروع ليكون في الرياض، وهذه الأخيرة تريد أن تجعل معظم إن لم يكن كل مؤسسات مجلس التعاون الخليجي في الرياض لا توزيعها بين الدول الأعضاء.

هذا الأمر أزعج الإماراتيين، وطفقت صحافتهم تشن حملات للدفاع عن أحقية بلادهم في استضافة مقر مجلس النقد الخليجي مع نقد مبطن لموقف السعودية. وقد شاركت كل صحف الدولة الإماراتية في طرح الموضوع نقداً وتحليلاً وهو أمرٌ غير مألوف في العلاقات الإماراتية السعودية. صحيفة القدس العربي (15/5/2009) نسبت لمسؤول إماراتي استغرابه من اصرار السعودية على وجود مقرات معظم مؤسسات مجلس التعاون في الرياض. وأضاف بأن الاتحاد الأوروبي اختار بلجيكا الدولة الأصغر والتي تحتل مكاناً وسطاً لتكون مقر الإتحاد، وعمل على توزيع المؤسسات الأخرى، مثل مقر البرلمان الاوروبي بين دول اصغر مثل لوكسمبورغ، بينما لا توجد اي مقار في دول عظمى مثل بريطانيا أو إيطاليا. أما الإمارات، فلا يوجد فيها مقر أي من العشرين مؤسسة تابعة لمجلس التعاون، ما جعلها تشعر بالغبن، خاصة وأنها أول دولة تقدمت بطلب الى مجلس التعاون لاستضافة المقر على أراضيها وذلك عام 2004، أما السعودية فتقدمت بطلبها عام 2008.

السعودية حاولت ترضية الإمارات بأن يكون محافظ البنك المركزي منها، وهي اعتبرت ذلك مسألة غير مهمة، لأن هناك اتفاقاً بين دول مجلس التعاون على أن يكون المحافظ بالتناوب بين الدول الأعضاء، مع أن القرارات يجب ان تتخذ بالإجماع وهو ما لم يحدث بشأن مقر البنك وهو ما أزعج الإماراتيين الذين قرروا عدم المشاركة في العملة الموحدة شأنهم في ذلك شأن دولة عمان، التي اتخذت قراراً مبكراً بعد الإنضمام للعملة الموحدة، وقدمت حججاً ليس بينها خشيتها من الهيمنة السعودية!.

الموقف الحاسم من قبل دولة الإمارات ربما لم يفاجأ السعودية، أو لم تقرأه الأخيرة بشكل صحيح، وهي تعتقد بأن الإمارات ستعود الى السرب بعد تغريدها خارجه، وأنه ليس بإمكانها مواجهة الإرادة السعودية وما على ابو ظبي سوى القبول بإملاءات السعودية وتتنازل عن مطالبها.

ومع هذا، لا يخفى أن السعودية انزعجت من الموقف الإماراتي، وإن لم ترتب عليه موقفاً إعلامياً حادّاً، واستمرت في عملها وكأن شيئاً لم يكن، أو كأنها غير مهتمة بذلك الموقف، وأقدمت على خطوة توقيع الوحدة النقدية في الرياض في 7/6/2009، في اجتماع حضره وزراء خارجية أربع دول خليجية، وفي ظل غياب الامارات وعمان. لكن هناك من يؤمل أن تتم ترضية الإمارات بصورة من الصور قبل اجتماع القمة الخليجية المقرر عقدها في الكويت في ديسمبر القادم.

غير أن الوقائع على الأرض، تثبت أن السعودية تريد لي ذراع الإمارات لإجبارها على الخضوع، في مسلك لا بدّ وأن يكون قد فاجأ الإماراتيين، ولربما يزيدهم تشدداً بعكس ما تتوقع السعودية، بل قد يوقع العلاقات بين البلدين في انتكاسة حقيقية قد تدوم لسنوات طويلة وتؤثر على جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى بنيان المجلس نفسه.

فمنذ أواخر شهر مايو الماضي عمدت السعودية الى خنق الإمارات من خلال التشديد على حدودها البرية، وإخضاع الشاحنات القادمة منها لاجراءات غير اعتيادية وغير مسبوقة، فسّرها المراقبون بداية لعقوبات سعودية انتقامية تجاه دولة ترفض الإذعان لها في شأن محدود، ما يفسر أن العقلية السعودية لا تتحمل الإختلاف البسيط حتى بين دول المجلس، ولا تقبل بأقلّ من خضوع جيرانها كاملاً لإملاءاتها السياسية ومواقفها، وهو ما فعلته من قبل مع قطر، قبل أن تخسر المعركة وتتنازل للأخيرة بشأن الحدود ومواضيع أخرى، الأمر الذي كفّ مهاجمة قناة الجزيرة للسعوديين.

الآن تقع الإمارات في ذات دائرة الإستهداف، وإذا كانت أوراق الضغط السعودي تجاه قطر صغيرة تصل الى حدّ الصفر، فإن الإمارات تختلف عن ذلك، وليس في يد السعودية سوى مسألة التبادل التجاري حيث تمر بضائع الإمارات (التي هي نقطة ترانزيت عالمية) الى دول خليجية أخرى كالكويت وقطر والبحرين وباقي البلدان العربية، ويقدر حجم التبادل التجاري بين الإمارات والسعودية نحو 54.48 مليار درهم (أي نحو 14.84 مليار دولار).

ومع هذا قد تضحّي الإمارات بهذا التبادل التجاري ـ عبر المنفذ البرّي ـ وتتحمل العنت السعودي، إن أرادت الرد.

وكانت نحو عشرة آلاف شاحنة ـ حسب المصادر الإعلامية ـ تنتظر على الحدود السعودية الإماراتية منذ أواخر مايو الماضي، وأن الشاحنات شكلت خطاً قدّر بنحو 24 كلم. وذكر بعض السائقين أن العبور يتم ببطء شديد يستغرق نحو 16 ساعة لمرور كيلومترين من صف الشاحنات، في ظل درجة حرارة عالية تصل الى ما يقرب الخمسين درجة مئوية، وفي غياب كل الخدمات مثل المطاعم والمياه ودورات المياه، فضلاً عن أن السعودية ومنذ تطور الوضع سلبياً بعد انسحاب الإمارات من المشاركة في العملة الخليجية الموحدة، أخذت بصمات السائقين.

السعودية من جانبها بررت إجراءاتها بأن التشدد جاء على خلفية تهريب مخدرات وخمور عبر الشاحنات الى السعودية، حسبما أعلن عن ذلك محمد خليفة المهيري المدير العام للجمارك الإماراتية، لكنه أضاف بأن الجانب السعودي لم يقدم أدلة على تلك المزاعم. ونقل عن مسؤول في السفارة السعودية في الإمارات أن سبب الإزدحام يعود الى عدم حيازة السائقين في بعض الحالات على المستندات اللازمة أو لعدم توافق وضع الشاحنات مع المعايير المحددة سعودياً. لكن هذه التبريرات لم تقنع المسؤولين الإماراتيين ولا المراقبين لوضع العلاقات بين البلدين.

الصفحة السابقة