المزيد من التدهور في العلاقات بينهما

تهديدات بإعدامات متبادلة بين السعودية والعراق

هاشم عبد الستار

توترت العلاقات السعودية العراقية مرة أخرى، وشهدت العلاقات بين البلدين خلال الشهر الماضي مزيداً من التدهور. العديد من القضايا زادت من أزمة العلاقة بين البلدين، وهي كالتالي:

أولاً ـ انتقد المالكي بشدة وبشكل علني في بيان له، فتاوى مشايخ وهابيين حرضت ضد الشيعة وكفرتهم، اعتبرها المالكي دعوة الى تفجير الوضع الأمني وعودة الانتحاريين وقتل المدنيين. وقد انتقد المالكي السعودية دون أن يسمها في 25/6/2009م بأنها تلوذ بالصمت المريب تجاه فتاوى التحريض والقتل والتكفير ضد الشيعة، مشيراً الى فتاوى إمام الحرم الشيخ الكلباني، ومؤكدا ان مروجي الفتن الطائفية هي جهات خارجية وهي وراء موجة التفجيرات الأخيرة.

وأضاف المالكي في بيان له: (يزداد غيظ مثيري الطائفية ومروجي الفتنة ومن يغذيهم بالفكر التكفيري الذي يقف وراء المجازر المروعة التي تعرض لها العراقيون طيلة السنوات الماضية)، مضيفاً بأن التفجيرات الأخيرة في مدن عراقية ما هي (إلا نتيجة لتلك الفتاوى الخطيرة التي تنفذ مخططا يراد منه ايقاظ الفتنة الطائفية، وإحداث الفوضى، وإجهاض العملية السياسية، ومنع الشعب العراقي من الوقوف على قدميه واستعادة سيادته الوطنية). وتابع بأن السكوت على تلك الجرائم والفتاوى لم يعد مقبولاً ولا ودياً.

ثانياً ـ ومن أسباب التوتر، معارضة السعودية لعضوية العراق في بعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي أو حتى التنسيق معه أمنياً وعسكرياً باعتباره جاراً لدول الخليج، وهو ما اقترحته الإدارة الأميركية، ممثلة بوزير الدفاع روبرت غيتس، الذي رأى توفير مظلة أمنيّة تجاه التهديد الإيراني من خلال إشراك العراق. وكان غيتس قد تحدث أمام كبار مسؤولي الدفاع في 11 دولة شملت دول الخليج والعراق ومصر والأردن ولبنان شارحاً الموقف بأن: (دعم دول الخليج للعراق سيساعد في احتواء طموحات إيران)، ومطالباً بأن تفكر حكومات الخليج في السماح للعراق بالانضمام الى منظمات إقليمية، وأن تساعد بغداد عن طريق تقاسم المعلومات الاستخباراتية وتطوير جهود ضبط الحدود.

وتابع غيتس: (كما قلت في السابق فان العراقيين يريدون أن يكونوا شركاءكم) وأن واشنطن مستعدة لمساعدة دول الخليج في مواجهة تهديدات إيران المحتملة، وشدد على أن تقيم حكومات المنطقة علاقات جيدة مع العراق، في إشارة الى السعودية التي لاتزال ترفض فتح سفارتها في بغداد.

وتحاول الولايات المتحدة إقناع دول الخليج بجذب العراق الى صفّها بدل أن يتحول بالكامل في الإتجاه المقابل (أي الى إيران وسوريا وحتى تركيا). ولكن لأسباب طائفية واستراتيجية خاصة بها، تصر المملكة العربية السعودية على أن نظام الحكم القائم في بغداد غير جدير بالثقة، وأنه يمثل مصدر خطر على المنطقة كما كان صدام حسين. وتشعر السعودية بأن دخول العراق ضمن منظومة مجلس التعاون، سيحول قيادة الخليج تلقائياً الى العراق، باعتباره الأكثر كفاءة وقدرة بشرية وعسكرية في تبوّأ مكانة قيادية بين دول الخليج كافة، وهذا ما تعتبره السعودية تهديداً لموقعها الإقليمي، وإن كان سيوفر قدراً أكبر من التوازن مع إيران.

ثالثاً ـ ويتعلق بانسحاب القوات الأميركية من العراق، حيث رفضت السعودية الإنسحاب، معللة ذلك بأنه يعني استسلاماً كاملاً لإيران، وللحكم الشيعي القائم. ويقول المسؤولون العراقيون بأنهم علموا بأن السعودية عملت طيلة الأشهر الماضية على إقناع واشنطن بعدم سحب قواتها من المدن العراقية، فضلاً عن أن تخرج كاملاً من العراق، الأمر الذي أزعج حكومة المالكي. وكان هادي العامري، رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، قد اتهم السعودية بالوقوف في مقدمة دول إقليمية وعربية لا تريد انسحاب القوات الأميركية ، كما اتهمها بالمسؤولية عن التفجيرات الأخيرة التي وقعت في مدن عراقية. وطالب العامري في تصريح صحافي في 29/6/2009 باتخاذ (موقف موحد) تجاه السعودية، لافتاً الى فتاوى وهابية تكفر الشيعة وأدّت الى استهدافهم بالقتل.

رابعاً ـ تصاعدت الضغوط على الحكومتين السعودية والعراقية من أجل إنقاذ أربعة معتقلين عراقيين في السجون السعودية بتهم مختلفة وبدون محاكمات صحيحة، من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والشخصيات السياسية، والإعلام العراقي المحلي بالخصوص، خاصة بعد النداء العاجل الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في 18/6/2009م، والذي وجهت فيه الدعوة السريعة لإيقاف إعدام الأربعة المعتقلين منذ سنوات في السجون السعودية، خاصة وأن بين المعتقلين من كانوا دون السن القانونية.

وقد حفّزت أحكام الإعدام السعودية مراجع دين ورجال سياسة للضغط على حكومة المالكي لوضع حدّ أمام ما تقوم به الحكومة السعودية من قتل للعراقين في داخل العراق وخارجه. وقالت أنباء مؤكدة، أن المالكي يدرس المعاملة بالمثل، وأنه أوصل الى السعودية رسالة تفيد بأن قتل العراقيين سيتبعه إعدام عدد من (الإرهابيين السعوديين) المعتقلين لدى الحكومة العراقية، والذين لم يطبق بحقهم الإعدام إلا من أجل الأمل بتحسين العلاقات، وإعادة المعتقلين العراقيين الى ديارهم.

ويعتقد مراقبون للشأن المحلي العراقي، بأن المالكي سيكون ضعيفاً أمام الضغوط المحلية إن أقدمت الحكومة السعودية على إعدام العراقيين الأربعة، وقد يعمد الى تنفيذ أحكام بالإعدام صادرة بحق الوهابيين في السجون العراقية، والذين يقدر عددهم بنحو 300 شخصاً.

الصفحة السابقة