ملف الفساد في الصناعة الدفاعية البريطانية

لصوص (اليمامة) أمام القضاء

يحي مفتي

كلما طال أمد التحقيق في ملف الفساد الخاص بصفقة اليمامة، كلما تكشّفت أسراره تباعاً، وبرزت أسماء جديدة في ملف التحقيق، فمصادر مقرّبة من مكتب التحقيق في الغش التجاري في بريطانيا تشير الى ضلوع عشرات الأمراء السعوديين، كانوا يفيدون من (شرهات) شركة السلاح البريطاني بي أيه إي، التي كانت تخصص لهم برامج سياحية مدفوعة الثمن في عواصم مختلفة من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، بما في ذلك الحفلات الحمراء، إضافة الى السكن في القصور الفارهة، والرحلات البحرية، والهدايا والإعطيات. فقد تحوّلت (اليمامة) إلى مفسدة جبّارة تقلّب فيها عشرات من الأمراء، وحصد بعضهم مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية.

كان لابد لهذا الملف المثير للإشمئزاز، أن يضع القضاء البريطاني في مواجهة مع مصداقيته وجدارته، بسبب المخالفات الخطيرة التي أضرّت ببنية النظام التشريعي في بريطانيا، وبالقيم الليبرالية والديمقراطية التي بدت وكأنها دمى ألعاب أمام المال السعودي.

ومنذ قرار رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بإيقاف التحقيق في قضية الفساد المتعلّقة بصفقة اليمامة التي أبرمتها بريطانيا والسعودية في العام 1985، كانت الضغوطات تتصاعد من قبل مؤسسات المجتمع المدني والصحافة البريطانية، والمناهضين للفساد، من أجل إعادة الاعتبار للسلطة القضائية التي تعرّضت لامتحان عسير يمسّ باستقلالها ومصداقيتها وصلاحياتها تحت وطأة ما أسماه حينذاك توني بلير (المصلحة القومية)، كمبرر لإيقاف التحقيق.

منذ منتصف سبتمبر الماضي بدا وكأن السلطة القضائية في بريطانيا قد شرعت في الإمساك بزمام المبادرة مجدداً في ملف الفساد، حيث بدأ مكتب التحقيقات في الغش التجاري الخطير بعد إعاقة الحكومة ونفي شركة بيع الأسلحة البريطانية تهم الفساد الموجّهة إليها. فالتحرّك الهادف لحصول المدّعي العام على الموافقة للتحقيق مع بي أيه إي تأتي بعد ست سنوات من قيام شبكة أسرار العمولات الخارجية الخاصة بشركة الأسلحة قد تم الكشف عنها من قبل صحيفة (الجارديان) في سلسلة من التحقيقات المطوّلة. فقد أنشأت بي أيه إي شركات تمويل غير معلنة في المناطق الواقعة خارج نطاق تطبيق القوانين الخاصة بالحسابات المالية للشركات والأفراد مثل جزر فيرجن البريطانية .

وبمساعدة بنك لويدز البريطاني، قامت مؤسسة (الجوهرة الحمراء) التابعة لشركة بي أيه إي بتحويل أموال بصورة سرية بمئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية الى كل أنحاء العالم. عادة، يتم تحويل النقد الى شركة مجهولة مسجّلة في بنما، بمالك سري وحساب بنكي في سويسرا. ولكن إلى أين ذهب المال بعد ذلك، هناك يبدأ تصميم الغموض المحيط بقصة الفساد.

حين بدأ مكتب التحقيقات في الغش التجاري الخطير النظر في القضية بغرض التحقيق في ما تقوم به شركة الأسلحة النافذة مثل بي أيه إي، إكتشف بأن النقد الخاص بمؤسسة (الجوهرة الحمراء) التابعة للشركة كان ينتهي الى جيوب وسطاء بي أيه إي المدعوين بـ (الوكلاء)، أو (المستشارين).

وقد شكّك المكتب بأنه عبر عدّة طبقات من التمويه والسريّة، وغسيل الأموال عبر الثقوب المالية السوداء مثل ليشتنشتين، والرشاوي التي قد تكون في نهاية المطاف تصل الى سياسيين أو مسؤولين في بلدان اشترت أسلحة وطائرات حربية من بي أيه إي.

تاريخياً، كانت هذه هي الطريقة التي تمّت عبرها التجارة البريطانية مع دول أجنبية، فقوانين النزاهة التي تحترم في الوطن لا يتم تطبيقها في الخارج.

ولكن في العام 2001، طرحت المملكة المتحدة بصورة محددة تشريعاً لتجريم الرشاوى الأجنبية. وفي وقت لاحق، أخذ مدير مكتب التحقيق في الغش التجاري، روبرت واردل، التحدي، ولكن تحقيقه في الفساد بدأ في تهديد وجود الوكالة. وفي 2006، أوقفت حكومة بلير كل التحقيقات في صفقة بيع طائرات التورنيدو الحربية الى العائلة المالكة في السعودية، وهي صفقة استمرّت 20 سنة بقيمة 43 مليار جنيه كانت من نصيب بي أيه إي.

وبرزت إدعاءات تفيد بأن مليار جنيه إسترليني وطائرة إيرباص شخصية تم نقلها الى الأمير بندر، ابن ولي العهد سلطان. وهناك مليار جنيه آخر قد تم تحويلها الى حسابات بنكية في سويسرا مرتبطة بسعوديين بارزين. وبعد قيام شركة بي أيه إي بالتحرّك للضغط من أجل إيقاف التحقيقات، قال توني بلير بأن تحقيق مكتب الغش التجاري في رشاوى السعوديين كانت تهدد (الأمن القومي)، وتخاطر بوظائف المصوّتين في الدوائر الشمالية، حيث تقع معامل بي أيه إي.

وقد أثار التدخل السياسي هذا سخطاً واسعاً حول العالم. فقد شعر مكتب التحقيق في الغش التجاري بالإهانة والتحقير. فالمزاعم الأكثر إثارة في بريطانيا حول رشوة أجنبية تبددت، والتحقيق في ملف بي أيه إي بدا أنه قد قُتل. وفيما تصادم المدعي العام اللاحق اللورد جولدسميث مع السيد واردل، قرر الأول بأن أداء الوكالة بحاجة الى فحص.

وفي إعادة تقويم لاحق من قبل مكتب الغش التجاري وصفت العملية بأنها (غير أخلاقية وغير متقنة الأداء) مع (إدارة وقيادة غير كافية). وقرر السيد واردل الإستقالة كمدير للمكتب في إبريل من العام الماضي، ليحل مكانه ريتشارد الدرمان، المحقق الرئيسي في الدخل والجمارك في المملكة المتحدة.

وقد أبدى المحامي البالغ من العمر 56 عاماً ذو الطريقة الوادعة بأنه لم يكن متفاجئاً بما شاهده في ملف التحقيق. وقال بأنه يريد التخلص من الصورة الخشبية لمكتب الغش التجاري، فقام بتطهيره من كثير من المحققين والمدراء.

وسمح للمحققين بمواصلة الخوض في دعاوى الرشاوى ضد شركة بي أيه إي المتعلّقة بأربع بلدان ذات حساسية سياسية متدنية وهي: تنزانيا، جمهورية التشيك، جنوب أفريقيا، ورومانيا. ووجّه ألدرمان إهتمامه للقضايا غير المحسومة المتعلقة بشركة بي أيه إي. وقام بمطالعة ملفات المحققين لأربع سنوات.

وكان حكمه قاسياً، وقال بأن نوعية الأدلة لم تكن قابلة للخدش. وبحسب زملائه، كان يعتقد ـ الدرمان ـ بأن الفريق قد تشتت حول (أنظمة إنتاج) غير مركّزة بما يتطلب من شركة بي أيه إي الكشف عن وثائق، وتم تخفيض الحبال بما لا يجعلهم قادرين على التوصل الى نتيجة صحيحة.

وفي الخريف الماضي، جلب المحقق السابق في الدخل والجمارك، كيث مكارثي، لتحمل مسؤولية قضايا الرشاوى الأجنبية بتوجيه محدد من أجل (حسم) قضية بي أيه إي. وكان لديه مهمة إعادة إنعاش المحققين الذين تم انتقاد عملهم بشدة.

وفي إبريل الماضي، أمضى مكارثي أسبوعين في مفاوضات خاصة ومكثّفة مع بي أيه إي، والتي كان يمثلها طاقمان من المحامين من (لينكليترز وألين وأوفري).

ويعتقد بأن مكتب الغش التجاري قد استطاع الآن في أن يحصل على دليل قوي. وقدّم قضية ضد بي أيه إي، على أمل إقناع الشركة للتوصل من أجل السلام.

توقّع ألدرمان الواثق بنفسه حلاً سريعاً خلال أسابيع. ولكن بي أيه إي، والتي كانت دائماً تنفي أي تصرف خاطىء، تحمّلت ذلك رغم المصاعب. ويبدو أن الشركات وضعت جانباً المدد المحددة. فقد استغرقت المباحثات طيلة الصيف حتى قرر ألدرمان، المستحث بغياب مؤشر للنجاح، موعداً نهائياً في 30 سبتمبر الماضي، مشفوعاً بتهديد ـ في حال عدم موافقة بي أيه إي على التسوية حتى ذلك التاريخ، فإنه سيترك طاولة المفاوضات ويبدأ التحقيق.

ولحد الآن، فإن القضية الأكبر في المفاوضات هي المبلغ الذي سيتم مصادرته من الشركة، بحسب أحد المصادر. قرارات المصادر مصمّمة لضمان أن الجناة لن يفيدوا من جرائمهم. ويريد مكتب التحقيق في الغش التجاري ما يصل الى 500 مليون جنيه، والذي، بحسب مصدر من داخل التحقيق، سيتم النظر إليه باعتباره (مؤلماً) للشركة، ولكن ليس الى حد تدمير الشركة. المبلغ المتفق عليه سيوضع أمام قاضٍ. وسيطلب من بي أيه إي الإقرار بالجرم بخصوص التهم المتعلّقة بالفساد، وأن تواجه غرامة جنائية مفروضة من قبل المحكمة.

وبحلول منتصف سبتمبر، اي مع اقتراب الموعدد المحدد من قبل ألدرمان، كان الطرفان متباعدان، بحسب مصدر مطلّع على المباحثات. فيما يضم كل طرف أوراقه الى صدره.

وقد انتهت المدة بخطوة أساسية بعد يوم من نهاية الموعد المحدد للبحث في الموافقة على ما سيكون تحقيقاً واسعاً ومثيراً للجدل.

بي أيه إي كانت مستعدة للتسوية، بحسب بعض المصادر، ولكن ليس بحسب شروط مكتب التحقيق في الغش التجاري. وكانت فكرة بي أيه إي للعقوبة المناسبة تحوم بالقرب من 50 مليون جنيه إسترليني وليس 500 مليون جنيه. وقد اعتبر مكتب الغش التجاري ذلك بأنه بمثابة قرصة برغوث.

ويرى كثير من المراقبين القضائيين بأن لعبة البوكر مازلت بعيدة عن وقت النهاية، وأن شركة بي أيه إي قد تعود الى الطاولة مجدداً.

ومع إطلالة شهر أكتوبر، أي نهاية المهلة المحددة من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري، بدأ مدير المكتب يطلق الإشارات عن نيتّه بالتحقيق مع شركة الأسلحة بي أيه إي بخصوص تهم الفساد، وحظيت هذه الخطوة غير المسبوقة بدعم فوري من قبل المدّعي العام، اللورد جولدسميث.

جولدسميث، الذي كان في منصبه حين أرغم مكتب التحقيق في الغش التجاري على إيقاف التحقيق السابق مع الشركة، دعم الموقف الصارم للمدير الحالي للمكتب رتيشارد ألدرمان، الذي بدا واضحاً بأنه ينحو باتجاه التحقيق ما لم تذعن الشركة للقبول بعقوبات مالية ثقيلة بسبب سلوكها لجهة تأمين عقود أسلحة أجنبية.

في مقالته في صحيفة الجارديان، قال جولدسميث، حيث على خليفته السيدة سكوتلاند تقديم كل ما من شأنه من أجل المحاكمة الجنائية، بأن مقاربة مكتب التحقيق في الغش التجاري على أساس (العصا والجزرة) مع بي أيه إي كانت الصحيحة. وقد أعلن ألدرمان في الأول من أكتوبر بأن مكتبه سيهيء لورقة عمل لتقديمها الى المدعي العام، للحصول على موافقة رسمية للبدء بالتحقيق مع بي أيه إي.

وقد جاءت تلك الخطوة عقب رفض بي أيه إي الإذعان للمهلة النهائية التي حدّدت له من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري وهي 30 سبتمبر الماضي، من أجل المناقشة في اتفاقية تسوية كبديل عن محاكمة جنائية كاملة في تهم ذات علاقة بالرشوة.

البيان العام الصادر في الأول من أكتوبر، كان مأساوياً وغير مسبوق في السياق القضائي البريطاني. ولكن البيان ترك فسحة لشركة بي أيه إي للعودة الى طاولة المفاوضات. وبطبيعة الحال، فإن الطلب الرسمي للموافقة على بدء التحقيق مع الشركة لن يتم تقديمة للمدّعي العام الا بعد مرور ثلاثة أو أربعة أسابيع كيما تأخذ ورقة العمل طريقها الى مكتب المدّعي العام، بحسب مصادر مكتب التحقيق في الغش التجاري. وتقول المصادر بأن بي أيه إي التي حاولت وفشلت في التعامل بمكر مع مكتب التحقيق في الغش التجاري، قد تعيد فتح محادثات التسوية في أي وقت.

وهناك تقارير على نطاق واسع في بداية أكتوبر، ولم يتم التعليق عليها من قبل أي من الأطراف المعنية، بأن المال كان النقطة الرئيسية العالقة في المباحثات الخاصة الطويلة. فشركة بي أيه إي غير راغبة في دفع المبلغ المقدّر بـ 500 مليون جنيه الذي يطالب به مكتب التحقيق في الغش التجاري كعقوبة لما تزعمه بأنها معاملات فاسدة في أربع بلدان وهي: تنزانيا، جمهورية التشيك، جنوب أفريقيا، ورومانيا.

وكانت الشركة تأمل في الهروب من عمولات وصفت من قبل أحد المصادر بأنها (عشرات الملايين) فقط. وقد سقطت أسهم شركة بي أيه إي من 4% في الأول من أكتوبر، أي بما يخفض 500 مليون جنيه من قيمة الشركة، جاء ذلك بعد نهاية المهلة المحددة من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري للرد على طلب دفع عقوبة مالية من أجل إغلاق الملف.

وفيما تحاول شركة الأسلحة البريطانية بي أيه إي البحث عن مخرج طوارىء بالنسبة لها كيما تهرب من مواجهة القضاء البريطاني، فإنها تحاول استخدام كل وسائل الضغط، المادية والمعنوية من أجل تعطيل أو تأجيل عمل مكتب التحقيق في الغش التجاري، فيما ينغمس بعض الأمراء في استعمال الرشى من أجل حشد أكبر المحامين في بريطانيا للدفاع عنهم في قضية بات الفساد شاهداً ملكاً عليها.

في المقابل، كانت خطوة ألدرمان، مدير مكتب التحقيق في الغش التجاري، لبدء التحقيق في اتهامات الرشاوى قد حظيت بترحيب من قبل مناهضي الفساد، وكثير منهم وجّه انتقادات في العام 2006 الى رئيس الوزراء توني بلير، وجولدسميث، باعتبار المدّعي العام، لإجبارهم مكتب التحقيق في الغش التجاري لوقف أكبر عملية تحقيق مع شركة بي أيه إي، بخصوص عمولات دفعت في صفقة اليمامة التي بلغت قيمتها 43 مليار دولار مع السعودية. وقال شاندرشيخر كريشنان، المدير التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية في بريطانيا، (نحن نرحّب بهذا العمل القوي من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري ونتوقع الآن من المدّعي العام الموافقة على التحقيق). إنها تبعث برسالة واسعة وهامة الى الشركة البريطانية بأن الرشوة ليست دفعاً)، بحسب أندرو فينشتين، نائب سابق في جنوب أفريقيا والذي سعى للتحقيق في مزاعم فساد حول صفقات عسكرية. وقال أيضاً بأن (العدالة ستتحقق من خلال قضية في المحكمة).

وفي الرابع من أكتوبر، كتبت صحيفة الجارديان مقالاً تحدّثت فيه عن محاولات حثيثة تقوم بها شركة بي أيه إي لدفع مكتب التحقيق في الغش التجاري من أجل إعادة فتح محادثات تسوية بعد أن تعرّضت الشركة إلى ضربة مالية موجعة بعد خسارة جزء من أسهمها.

وكتبت الصحيفة بأن الشركة تضغط على مكتب الغش الخطير في الإسبوع الأول من أكتوبر من أجل إعادة فتح المحادثات بخصوص تسوية محتملة حول مزاعم الفساد في مراهنة الدقيقة الأخيرة من أجل سحب القضية المدمّرة من المحكمة. فقد شهدت أكبر شركة منتجة للسلاح في بريطانيا سقوط سعر السهم في يومين تحت المعدل بعد أن تردّدت أصداء سلبية عن قرار مكتب التحقيق في الغش التجاري للحصول على إذن رسمي للبدء بإجراءات قضائية ضد الشركة.

ورفضت شركة بي أيه إي التعليق على تلك الأنباء، ولكن مطّلعين من الداخل قالوا بأن الشركة مازالت تأمل في صفقة تفاوضية بالرغم من أنها كانت تصرّ على أنها لم تقم بفعل شيء خاطىء. وبحسب بعض المصادر (إنهم حقاً يريدون للحوار أن يستمر مع مكتب التحقيق في الغش التجاري. إن قلقهم المتصاعد هو بهدف التخلّص من هذا الإرث ويريدون التوصل الى تسوية، طالما أن بمقدورهم الاقتناع بأن هناك شيئاً للتسوية).

وقال مكتب التحقيق في الغش التجاري بأنه يسعى للحصول على موافقة المدّعي العام للتحقيق مع شركة أنظمة بي أيه إي بسبب (جرائم تتعلق بفساد خلف البحار)، وأنه سيقوم بإعداد أوراق لتقديمها الى المدعي العام حال جهوزها. وهذه الخطوة تعقب ست سنوات من التحقيق في معاملات تجارية قامت بها شركة بي أيه إي في أفريقيا، وخصوصاً جنوب أفريقيا، وأوروبا الشرقية.

وفيما صوّت بعض المساهمين بأقدامهم وباعوا ممتلكاتهم، فإن محللين وسط العاصمة، لندن، يزعمون بأن المشاعر المتصاعدة بين المستثمرين تتّسم بالإحباط حيال مكتب التحقيق في الغش التجاري أكثر منها حيال بي أيه إي.

وتقول ساندي موريس، وهي محلل دفاعي يحظى باحترام في بنك اسكتلندا الملكي (رويال بنك أوف اسكوتلاند) بأن (هذا السجال دام نحو ست سنوات وخلال ذلك الوقت تغيّرت الشركة بصورة درامتيكية. إنها فقط تحاول تعكير المياه، وأن الناس تجد ذلك مثيراً).

بصورة عامة، فإن وسط العاصمة يقف خلف هيئة شركة بي أيه إي، التي يقودها الرئيس ديك أولفر، ولكن يقول المحللون بأن ذلك قد يتغيّر في حال تحوّلت التحقيقات الموازية من قبل السلطات السويدية الى إتهامات ثابتة. وقد قامت ستوكهولم بالنظر في نشاطات شريك بي أيه إي، أي شركة ساب، التي كانت ضالعة في بعض العقود الخلافية.

وسواء جاءت بي أيه إي الى طاولة المفاوضات سيعتمد جزئياً على شريك قانوني في ألين وأوفري، جوناثان هيتشين، الذي يعرّف نفسه باعتباره متخصّصاً في (حل الخلافات).

مفاوضات التسوية السرية بين مكتب التحقيق في الغش التجاري ومحامي بي أي أيه قد طالت أكثر بكثير مما حققت على الأرض، بحسب مصادرة قريبة من المكتب. ويعود السبب في ذلك إلى النزوع الضاري لدى شركة بي أيه إي وأمراء آل سعود المرتشين بضرورة إطالة أمد المفاوضات الى أقصى حد من أجل انتظار فرص غير منظورة قد يحملها المستقبل.

دور هيتشن، كما تصفه مجلات قضائية (صعب ودماغي)، كما ظهر قبل أربع سنوات أي في العام 2005. فقد كانت هناك مداولات صعبة ومريرة بين هيتشن في ألين وأوفري، والمسؤول عن القضية في مكتب الغش التجاري ماثيو كاوي، حول تصرفات بي أيه إي بخصوص محاولاتها لبعث رسالة (خاصة وسرية) الى المدّعي العام، اللورد جولدسميث.

ويعد هيتشن واحداً من فريق مؤلف من أربعة أشخص يحاولون إبقاء محققين أميركيين في ملفات الفساد في أجواء تلك التحقيقات. وكما يعبّر عن ذلك موقعه على الشبكة: ألين وأوفري يدافع عن الشركة البريطانية والشركة الأميركية الداعمة لها والمملوكة بصورة كاملة من بي أيه إي، في إدارة التحقيق العدلي في المخالفات الكامنة الخاصة بقانون ممارسات الفساد الأجنبية في أعمال البيع حول العالم.

وقد عرض هيتشن وفريقه إحتمالية الإقرار بالذنب بخصوص تهم صغيرة نسبياً متعلّقة بحساب خاطىء، بدلاً من الذهاب بعيداً الى أشياء أكثر خطورة.

صفقة كهذه قد تضيق حدود الخطر الموجّه لشركة بي أيه إي كونها توضع في القائمة السوداء في المستقبل في كل من الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. وتقو مصادر قضائية، بأن النقطة الحقيقية العالقة في المفاوضات مع هيتشن، كانت حجم العقوبة التي قد تواجه بي أيه إي في حال قررت المضي في الصفقة.

بالنسبة للأمراء السعوديين، فإنهم يضعون ثقلاً مالياً كبيراً من أجل درء تمدّد التحقيقات كيما تشملهم في حال أصدر مدير مكتب التحقيقات في الغش التجاري قراره الحاسم بفتح ملف الفساد بصورة كاملة، فهل ينجو الأمراء هذه المرة؟

الصفحة السابقة