بعد الملك عبد الله

الصراع على العرش

قرأة: عمر المالكي

سؤال (الوراثة) يبقى دائماً حاضراً في المملكة، ليس فقط لأن النظام السياسي قائم على مبدأ التوريث، ولكن أيضاً لأن الجيل الأول من أبناء ابن سعود في سباق مفتوح مع الزمن، فلا يصل أحد ابناء عبد العزيز الى العرش حتى يطرح السؤال عن هوية الملك القادم. فمن بين عشرين أميراً من الجيل الأول على قيد الحياة، يتقلّص هامش المنافسة، شأن أعمار المتنافسين. وقد تخصّص الباحث سيمون هندرسون في سؤال الخلافة
على العرش، فكتب في التسعينيات بحثاً عن سؤال الوراثة بعنوان (مابعد الملك فهد..الخلافة في السعودية)، قدّم فيه مطالعة مطوّلة حول القوى المتنافسة على العرش، تأسيساً على النظام السياسي في السعودية والأجنحة النافذة في العائلة المالكة، وفرص كل منها في الفوز بحصة في الحكم. وفي أغسطس الماضي (2009) قدّم الباحث هندرسون بحثاً بعنوان (مابعد الملك عبد الله..الخلافة في السعودية) صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

قدّم في البداية نبذة عن تاريخ الخلافة داخل العائلة المالكة، والعوامل المؤثرة في عملية التوارث، ومستقبلها نظراً للدور الذي تضطلع به هيئة البيعة التي تشكّلت سنة 2006، وكذلك معادلة التوارث داخل الجيل الحالي ومن ثم الجيل القادم، وأخيراً التوارث والعلاقات الأميركية السعودية. وأفرد المؤلف عدداً من الملاحق حول السعودية فيما يرتبط بالحدود والقيود الإدارية، وروابط الأم بين أبناء الملك عبد العزيز، وقانون هيئة البيعة، وأعضائها، والأمراء النافذين، وهيئة كبار العلماء، والسفراء.

في المقدّمة يلفت هندرسون الإنتباه الى أن قراءته لمرحلة ما بعد الملك عبد الله موصولة بقراءة سابقة قدّمها عن مرحلة ما بعد الملك فهد، والتي نشرت أول مرة سنة 1994، أي بعد عامين على صدور النظام الأساسي للحكم.

وتسلّط الدراسة الجديدة على النتائج المحتملة لإعلان الملك عبد الله العام 2006 عن تشكيل هيئة البيعة والذي يمنح من خلالها مجموعة من الأمراء الكبار دوراً نافذاً في اختيار ولي العهد القادم.

يقدّم هندرسون عرضاً لنحو 270 عاماً من التوارث في السعودية، مع تعديلات طفيفة على الدراسة الأولى. فدراسته عن مرحلة ما بعد الملك عبد الله تعتمد على بحث هام حصل عليه من دراسته الأولى عبر مقابلات خاصة مع مسؤولين أميركيين وبريطانيين، ودبلوماسيين سابقين، ومستشارين عسكريين ومدراء شركات نفطية ممن لديهم معرفة مباشرة بالعائلة المالكة في السعودية.

في موضوع العلاقات الأميركية ـ السعودية خلال العقد الجاري، يلفت هندرسون الى أن العلاقات الأميركية ـ السعودية شهدت إعادة تقييم جوهرية من كلا الطرفين، خصوصاً منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي شارك فيها خمسة عشر مواطناً سعودياً من أصل تسعة عشر متّهماً في تلك الهجمات. وفي معظم فترة إدارة الرئيس السابق جورج بوش، كانت الروابط الأميركية ـ السعودية باردة: فالقادة السعوديون غالباً ما ركّزوا على الاختلاف أكثر من التوافق مع الولايات المتحدة في القضايا الإقليمية والإستراتيجية، خصوصاً فيما يتعلّق بعملية السلام في الشرق الأوسط، وطبيعة تهديد القاعدة، وغزو العراق وإسقاط صدام حسين، وأسعار النفط، وبروز إيران كقوة إقليمية.

ولكن مع مرور الوقت، والكساد العالمي خلال عامي 2008 ـ 2009، وانتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما قد ساهم الى تحسّن الروابط الثنائية. فأسعار النفط المرتفعة ـ باعتبارها عاملاً هاماً في الإقتصاد العالمي ـ رفع من الاحتياطات المالية السعودية، بما جعلها لاعباً حاسماً في المحافل الدولية التي تبحث عن سياسات جديدة للتخفيف من وطأة الأزمة المالية العالمية. وكانت جهود الملك عبد الله لتطوير علاقات بين الإسلام والأديان الأخرى قد رفعت من مكانته الشخصية على المستوى الدولي. وخلال فترة وجيزة نسبياً، طوّر ـ الملك عبد الله ـ علاقات وثيقة مع الرئيس أوباما، الذي زار الرياض في يونيو 2009 في أول جولة له في الشرق الأوسط.

وبالرغم من أن العلاقات السعودية الأميركية تقوم على مصالح قومية دائمة وشخصية، فإن العلاقات العملية الوثيقة بين القيادات السياسية العليا لكل من البلدين هي جوهرية لروابط ثنائية قوّية، خصوصاً بالنظر الى أهمية الصلات الشخصية في النظام السياسي السعودي. يبقى أن إقامة علاقات وثيقة على مستوى القمة يتطلب وقتاً وجهداً. وحيث أن المملكة تواجه أفق تتويج ملك جديد كل عامين أو ثلاثة (أو حتى في فترات أقل)، فإن الرئيس الأميركي يواجه أفق العمل مع عدد من الملوك السعوديين خلال فترة رئاسية واحدة.

الملك عبد الله هو الإبن الخامس للملك عبد العزيز، الذي يحكم بلداً صحراوياً، وليس هناك من سابقيه من بلغ هذا العمر المتقدّم. فالعمر الطويل الذي بلغه عبد الله يثير سؤالاً: من سيكون الملك القادم، وكيف سيؤثّر حكّمه على العلاقات الأميركية ـ السعودية؟

هذه الوراثة بالتحديد قد تكون حاسمة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث أن شخصية ونمط الحكم لدى الملك السعودي القادم قد يساعد في كبح جماح الأهداف الأميركية على المدى الواسع للقضايا الإقليمية الهامة، بما فيها تلك المتعلّقة بإيران، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، وعملية السلام في الشرق الأوسط، وأمن الطاقة. فالمرشح المحتمّل للملك عبد الله سيكون أحد أخوته الأقوياء من غير إمه، ولي العهد سلطان (85 سنة)، أو وزير الداخلية الأمير نايف (76سنة). وبحسب التقارير، كلاهما يعانيان المرض. فالتوارث يتم حالياً من أخ إلى أخ من بين أبناء الملك عبد العزيز، ولكن هذا الجيل البنوي يهرم، وأن كثيراً من أخوة الملك عبد الله يعتقد بأنهم يفتقرون الى كفاءة أو الخبرة الضرورية للحكم. وكما أن خصائص خط التوارث داخل العائلة المالكة غير واضحة، كذلك هو دور هيئة البيعة التي لم تخضع للإمتحان بعد، والتي تأسست العام 2006، لتبديد معارك الوراثة داخل البيت الحاكم.

الملك هو الطرف الأقوى في عملية صناعة القرار السياسي السعودي. وبالرغم من كونه يسعى لتحقيق الاجماع بين الأعضاء الكبار في العائلة المالكة، فإنه يتّخذ قرارات سواء بصورة شخصية كملك، أو حكومياً كرئيس وزراء. مهما يكن، فإن كثيراً من الحكام السعوديين قد تخلّوا عملياً لحلفائهم الأساسيين خارج العائلة المالكة بعض صناعة القرار في مجالين يميّز السعودية كقوة إقليمية ودولية: الاسلام والنفط.

فالسياسة الدينية، التي تفسّر بطريقة مفتوحة، تخضع بقوة لنفوذ علماء الدين، فيما يتم تسيير السياسة النفطية من قبل تكنوقراط المملكة. وحتى في المناطق الحساسة، فإن صناعة القرار السياسي السعودي، قد يفضي أحياناً الى تمزّقات في القيادة.

فالوراثة لدى الملوك السعوديين المعلولين يثير هاجس عدم الإستقرار السياسي، أو أزمة خلافة في المملكة. وبحسب ما ينسجم مع العائلة التي تحكم دولة بإسمها، فمن المتوقّع من آل سعود أن يضعوا مصالحهم أولاً. ومع الخوف المتأصل من التدخّل الخارجي في امتيازات العائلة، فإن البيت السعودي الحاكم سيعارض أي محاولة من جانب الولايات المتحدة للتأثير في الخلافة السعودية.وأن الكبح الأميركي سيكون تحديّاً عن سابق تصميم، ويبقى المسؤولون الأميركيون في حال قلق حيال الطريقة التي يحكم بها سلطان ونايف المملكة (سمعة سلطان في موضوع الفساد تحدّ من شعبيته داخل المملكة، ونايف يعتبر شديد المراس).

ورغم الارتياب هذا، فإن صانعي السياسة الأميركية بحاجة الى الحفاظ على روابط عمل وثيقة مع القامات السياسية العليا في السعودية لإدارة المشاكل اٌلإقليمية، مثل اندفاع النووي الإيراني نحو هيمنة إقليمية، والتهديد الذي يفرضه التطرف الإسلامي، ومشروع السلام في الشرق الأوسط، والحاجة إلى أمن الطاقة. في هذا السياق، على مسؤولي الولايات المتحدة القيام بكل جهد ممكن لتعزيز مثل هذه الروابط العملية مع نظرائهم السعوديين.

الحل الواضح للمشاكل المتعلّقة بسلسلة ورثة العرش السعوديين من المسنين هو ملك شاب. هناك عشرون ولداً لإبن سعود على قيد الحياة، بمن فيهم عبد الله، ولكن كما أشرنا، يفتقر كثير منهم للطاقات الكفوءة التي تعتبر عادة ضرورية كيما يصبحوا ملوكاً، بما في ذلك تجربة الحكم، والمقام الاجتماعي النسبي لأمهاتهم. النقر على الجيل اللاحق للقادة الكامنين، أي أحفاد إبن سعود، يزيد من عدد الشباب المتنافسين، كما سيزيد أيضاً من الغموض فيما يرتبط بخط التوارث الناشيء عنه.

بالنظر الى السلطة والحاشية المتمركزة داخل مكتب الملك السعودي، فإن التنافس العائلي قد يكون حاداً. فالتوارث منذ موت ابن سعود العام 1953 قد عمل في ظروف متغيّرة، ولكن الملك الجديد تم تتويجه بسرعة بعد موت، إقعاد، خلع، أو اغتيال سلفه. ولكن السلاسة الظاهرة لانتقالات السلطة السعودية تلثم في واقع الأمر المتنافسين الشرسين داخل العائلة المالكة، والتي غالباً ما تتفجّر لفترات طويلة. في الـ 270 عاماً التي سيطر فيها البيت السعودي الحاكم بدرجة كبيرة على المضمار السياسي للجزيرة العربية، فإن المنافسات الداخلية قد تم جبرها من خلال التزاوج العائلي، بما في ذلك زواج محمد بن سعود من إحدى بنات عبد الوهاب.

كان التحالف بداية ما يعرف الآن بالدولة السعودية الأولى. حين توفي محمد بن سعود في سنة 1765، واصل عبد الوهاب الحملة العسكرية للغارات القبلية، متقاسماً مع ابن الأمير، عبد العزيز بن محمد. وقد خلصوا الى السيطرة على معظم المنطقة الوسطى للجزيرة العربية المعروفة بـنجد، وتشمل الرياض، عاصمة السعودية اليوم. ولكن حدود سلطتهم ونفوذهم أصبحت ظاهرة. فإلى الجنوب الغربي، أغلق حكّام مكة تقدّمهم، فيما صدّ الكيانات القبلية في الشمال، والجنوب، والشرق الغارات الوهابية.

في 1745، وفّر محمد بن سعود، الذي بنى سمعته كمقاتل صعب المراس في الدفاع عن زراعة النخيل في وجه القبائل المغيرة، مكاناً آمناً لعالم مسلم من قرية مجاورة، تم طرّده بسبب تبشيره بإسلام متشدّد ينتقد من خلاله الممارسات المحلية. هذا العالم كان محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره المتشدّد للإسلام (الوهابية) قد حظي بترحيب لدى محمد بن سعود.

وأصبح الرجلان حليفين ورسما خطة مشتركة. وبدمج القيادة القبلية والمهارات القتالية لدى محمد بن سعود مع الحماسة الدينية لدى عبد الوهاب، خطّطا لـ (الجهاد) لغزو وتطهير الجزيرة العربية. وكانت الاستراتيجية بسيطة: أولئك الذين لا يقبلون التفسير الوهابي للإسلام إما أن يقتلوا أو يرغموا على الرحيل.

مات ابن عبد الوهاب في سنة 1792، ولكن عبد العزيز بن محمد واصل حفلات الإغارة، مستبيحاً المدينة المقدّسة لدى المسلمين الشيعة، أي كربلاء، في العام 1802، وغزا مكّة في العام اللاحق. مثل هذا النشاط والنجاح عجّلا في ردود الفعل. فقد تم اغتيال عبد العزيز في العام 1803، يحتمل أن يكون على يد شيعي أراد الانتقام لانتهاك مرقد حفيد رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) الحسين في كربلاء. وكذلك، فإن السلطان العثماني في استانبول، الذي يعتبر نفسه حامياً لمكة، طلب من حاكم مصر، محمد علي، تجهيز حملة لاستعادة مكة والمدينة، اللتين سقطتا تحت سيطرة القوات الوهابية في العام 1805.

وفقد الوهابيون بقيادة عبد العزيز بن سعود، بفعل هجمات القوات المصرية، السيطرة على كل من مكة والمدينة. وبعيد وفاة سعود في سنة 1814، توصّل إبنه عبد الله الى وقف اطلاق النار مع القوات العثمانية والمصرية. وفي العام 1816، اندفع الجيش المصري الى قلب منطقة نجد.

الدولة السعودية الحديثة

يسلّط هندرسون بعض الضوء على مجريات الحوادث السياسية في عهد الملك عبد العزيز وصولاً إلى إقامة الدولة السعودية الحديثة:

في العام 1902، قاد عبد العزيز إبن عبد الرحمن، وكان عمره حينذاك إثنين وعشرين عاماً، مجموعة مؤلّفة من خمسين مسلّحاً من الكويت في غارة ليلية لانتزاع الرياض من قبيلة الرشيد والسيطرة عليها. وبعد تحقيق هذا الهدف، تنازل عبد الرحمن لإبنه عبد العزيز عن منصب القيادة.

كانت إعادة السيطرة على المناطق الخاضعة تحت آل سعود في مراحل سابقة مهمة صعبة بالنسبة لإبن سعود. وفي العشر سنوات اللاحقة من سيطرته على الرياض، نجح في إزالة قبيلة آل الرشيد المنافسة لآل سعود من منطقة القصيم، والتي تقع ما بين الرياض وحائل في الشمال الغربي. وكانت المنافسة الوحيدة التي واجهها ابن سعود تتم من داخل آل سعود من قبل عمومته، الذين اصطفوا مع آل الرشيد. وقبض ابن سعود على ثلاثة أعضاء من هذا الجناح في العام 1906، ولكنه لم يقتلهم بل قدّم لهم سكناً ومكاناً في العائلة. ولكن محاولة من بعض أبناء أخوته لدس السم له في سنة 1910 تعكس الطبيعة المواربة في هذا الجانب من العائلة، والتمرّد المتواصل لست سنوات أخرى (وقد عرف هذا الجناح بإسم العرايف) وهو مصطلح ينطبق عادة على الجمال المفقودة في غارة قبلية وتتم السيطرة عليها في أخرى).

الكفاءة العسكرية لابن سعود تعزّزت في العام 1912، حين أنشأ الاخوان المؤلفين من قبائل بدوية، وفوّض إليهم مهمة غزو الجزيرة العربية بإسم الوهابية. سقطت المنطقة الشرقية من الإحساء على الساحل الخليجي بيد الإخوان في العام 1913، وبعد ثلاث سنوات إستسلم الشخص القوي في آل الرشيد، سعود ابن الرشيد.

ومن أجل احتواء مصادر التهديد التي قد تواجه ابن سعود، إعتمد تكتيكاً اشتهر به حيث قام بالزواج من أرملة سعود ابن الرشيد، وتبنى أبنائه، وصنع سلاماً مع أقاربها. وفي السياق نفسه، عفى ابن سعود عن سعود الكبير، المنافس له داخل العائلة، وزوّجه أخته المفضّلة نورا. وكان غرض ابن سعود من هذه الزيجات سياسياً بدرجة أساسية. فقد جلب الجماعات المعارضة الى صفه في فتح البلاد. وفي 1921، احتلّت قوات ابن سعود منطقة عسير من اليمن وأخيراً سيطر على منطقة حائل من بيت الرشيد. وبنهاية 1925، احتلّ منطقة الحجاز، ما منح ابن سعود سيطرة كاملة على مكة والمدينة. وأجبر حاكم الحجاز، الشريف حسين، على الهرب، ولكن البريطانيين، ساعدوا الشريف حسين، وعيّنوا أبناءه على شرق الأردن والعراق بصورة متوالية.

وحتى ذلك الوقت، كان الإخوان يعملون خارج سيطرة ابن سعود. فقد اقترفوا مجازر في الطائف سنة 1924 وفي نجد العام 1929، كما شنّوا غارات في عمق شرق الأردن والعراق، التي كانت محميات بريطانية.

وفي المقابل، استعملت القوات البريطانية الطائرات ضد الإخوان، وقتلتهم بأسلحة آلية. فالبريطانيون الذين توصّلوا الى اتفاقيات حدودية مع ابن سعود، ضغطوا عليه لاحترام المصالحات. من جانبه شعر ابن سعود بأنه حان الوقت كيما يأخذ إجراءات ضد الاخوان، بدأها بقمعهم، وأخيراً بإنزال الهزيمة في من تبقى منهم في معركة السبله العام 1929.

تأسست الدولة على يد عبد العزيز (إبن سعود) سنة 1932. ومن وجهة نظر سعودية، فإن المملكة أقدم بالتأكيد من الولايات المتحدة بالرغم من فترات التقطّع في الحكم السعودي، بالرغم من أن مفهوم الغرب للاستقلال لم يتحقق من قبل السعوديين حتى هذا القرن. وكمؤسس للدولة السعودية الحديثة، يرجع إبن سعود شجرة العائلة الى منتصف القرن الخامس عشر، حين وصلوا الى وسط الجزيرة العربية من منطقة الإحساء في الشرق. ومع بداية القرن السابع عشر، فإن آبائه أصبحوا الحكّام المحليين لمنطقة تتوسط مستوطنة الدرعية، بالقرب من الرياض. أب العائلة كان سعود بن محمد، الذي ورث منصبه كشيخ (حاكم محلي) بعد موته سنة 1725، من قبل إبنه محمد، الذي يوصف عادة بأنه الحاكم الأول لعائلة آل سعود. وقد أعطي الملك عبد العزيز إسم ابن سعود من قبل البريطانيين، باستدعاء هذا السلف، محمد بن سعود، أو إبن سعود).

منذ العام 1927، أعلن ابن سعود نفسه ملكاً على الحجاز، ونجد وملحقاتها، وفي سبتمبر 1932، أعلن نفسه ملكاً على بلد جديد أسماه (المملكة العربية السعودية). وحين فارق الحياة سنة 1953، كان أباً لأربعة وأربعين إبناً، خمسة وثلاثين منهم بقي على قيد الحياة من بعده. هذه الأبوّة تحقّقت من خلال إثنتين وعشرين زيجة. بالإضافة إلى ذلك، تزوّج عبد العزيز من أربع إماء أفريقيات.

في السنوات الأولى من حكمه، أوكل ابن سعود لأبنائه الكبار أدواراً حكومية. فقد كان إبنه فيصل وزير الخارجية بعد العام 1919، وبعد عام 1926 أصبح فيصل الحاكم المحلي في الحجاز. أما سعود، الأخ الأكبر لفيصل، ومنذ موت تركي سنة 1919، تسلّم الإبن الأكبر دوراً مماثلاً في منطقة نجد الوسطى سنة 1932.

نظر ابن سعود الى الفروع الأخرى في العائلة، وكذلك للقبائل الحليفة، لتفويضها أدواراً أخرى. وأمام شجرة عائلة ممتدة كهذه، فإن المرشّحين كانوا كثراً، ولكن الإختيار كان صعباً. وبوصفه ملكاً، كان على ابن سعود توزيع أقاربه على البلاد من أجل تمديد سيطرته، ولكن في الوقت نفسه عدم منحهم سلطة كافية تحول دون منافسة قيادته أو المطالبة بحق توارث السلطة.

وبصرامة شديدة، حقق الملك توازن توتّر من خلال بناء إجماع في التقليد البدوي للديمقراطية القبلية، حيث يتوّصل الشيخ الى إتفاق مع رؤوس العوائل المختلفة، وهي طريقة مازالت تلخّص صناعة القرار في المملكة اليوم. في العام 1933، بدّد إبن سعود مشاكل كامنة بين أبنائه وأقاربه الآخرين، حيث جعل الأمر واضحاً بأن فيصل سيكون ولي عهد سعود، الذي سيصبح ملكاً فيما بعد. الولاء للعائلة تركّز بسهولة أكبر على الشراكة أكثر من الفرد. ومن أجل إضفاء المشروعية على القرار، حصل ابن سعود على مصادقة العلماء. وفي العام 1947، خضع ابن سعود لفحص طبي من قبل طبيب أميركي، وظهرت النتائج بأنه إلى جانب مرض الركب الذي كان يعاني منه الملك، فإن متوقّع الحياة للملك سيكون ما بين عشر الى خمس عشرة سنة أخرى. وبعد ثلاث سنوات، لحظ أطباء أميركيون آخرون بأنه بدأ بالخرف بوتيرة متسارعة إلى جانب استعمال كرسي الإعاقة بصورة دائمة. وفي نوفمبر 1953 توفي، أي بعد ثمانية شهور من نقل بعض سلطاته الى ولي عهده سعود ومجلس الوزراء. في يوم وفاة ابن سعود، أعلن سعود ملكاً جديداً للسعودية، وعيّن فيصل ولياً للعهد.

بدأ صراع على السلطة داخل العائلة المالكة بعد سنوات من تولّي سعود العرش. وفيما كان الأخير يخشى من تهميشه، قرر سعود استعادة سلطته، فكان قادراً على استعمال الأموال الشخصية لبناء مشاريع جاذبة للقبائل، فيما ظهر بأنه يشجّع الاصلاح من خلال تشكيل حكومة تمثيلية. وبحلول شهر ديسمبر 1960، تحلل الدعم لولي عهده فيصل بصورة لافتة، الذي أدى الى استقالته. وفي المقابل، شكّل سعود مجلس وزراء جديد وعيّن نفسه رئيساً للوزراء. وعيّن أخاه طلال وزيراً للمالية، ولكنه استقال بعد شهور قلائل، حين اكتشف بأن مصلحة سعود في التغيير الدستوري كانت محدودة جداً. وفي العام التالي، وفي التواءة أخرى، قرر سعود، وتحت ضغط من الأمراء الكبار، إعادة تعيين فيصل فيما غادر هو مؤقتاً للسفر من أجل العلاج. وفي هذا الوقت، صمّم فيصل على عدم التنازل عن موقعه.

ومن غير المؤكّد ما إذا كان لدى ابن سعود فكرة واضحة بأن الخلافة بعد سعود وفيصل ستجري في خط من أخ الى أخ آخر بين أبنائه. وقد يكون تفكير ابن سعود إلى جانب إبداء الفخر بسلالته، كان من الواجب عليه تفادي أي تكرار للكوارث السابقة في تاريخ عائلة آل سعود.

وكان مطبوعاً في ذاكرته معرفته بأن الوراثة كانت غالباً تتم اساءة إدارتها بصورة حاسمة في المائتي سنة من سيطرة العائلة المالكة على الجزيرة العربية. فقد كانت السجالات بين الاخوة وأبناء العمومة قد أفضت بصورة مؤقتة إلى إضعاف هيمنة آل سعود، وفي أوقات أخرى، نجمت عن فقدان تام للسلطة.

سنوات الأزمة في عهد سعود

من وجهات عدّة، كان تعيين سعود ملكاً مستغرباً، ربما بسبب الغموض أكثر من الوثوق داخل العائلة المالكة. وحين عيّن ولياً للعهد سنة 1933، كانت الخصائص القيادية تعتبر أدنى من أخيه الأصغر فيصل. وحين توفّي ابن سعود، كان التباين في القدرات بينهما كبيراً: سعود، بحسب دبلوماسي غربي مقيم في المملكة في ذلك الوقت، (كان معروفاً حينذاك بأنه غير صالح لأي شي). وبوصفه مبذّراً، احتفل سعود باعتلائه العرش من خلال تدمير قصر فاره وبناء آخر أكثر بذخاً في مكانه.

على أية حال، فإن التحديات الرئيسية التي واجهت سعود لم تكن إقتصادية، ولكن ما يعتقده بأنها آثام الإمبريالية البريطانية والأميركية. وبالرغم من أن الملك فاروق مصر قد أطيح به من قبل الضباط المصريين بقيادة جمال عبد الناصر، وواجهت الملكيات العربية تحديات جمهورية، لم يشعر سعود بأنه مهدّد، على الأقل في البداية. في السياسات العربية الداخلية، تحالف سعود مع مصر ضد الهاشميين والبريطانيين. وبالرغم من أن رؤيته السياسية تملي بأنه يلقي باللائمة على واشنطن لإنشائها دولة اسرائيل، ولكنه بحاجة الى العلاقة الأميركية لموازنة الرعاية البريطانية لكل من العراق والأردن. ازداد عداؤه لبريطانيا لغضبه على لندن لوقفها الدعم السعودي للسيطرة على واحة البريمي، على الحدود التي أصبحت الآن الإمارات العربية المتحدة وعمان.

في غضون ذلك، سمح سعود المعتل صحياً لأخيه فيصل بتقوية موقعه. وفي مارس 1962، عيّن الشيخ أحمد زكي يماني وزيراً للنفط، وبعد شهور قلائل عدّل مجلس الوزراء، أسقط منه بعض أبناء سعود، واستبدلهم بأخويه فهد وسلطان. وفي نهاية 1963، أصبح واضحاً بأن سعود كان لديه شكوك متزايدة فيما إذا كان سيبقى قادراً على استعادة السلطات كاملة.

وبالرغم من عودة فيصل الى سلطة فاعلة، فإن الفوضى داخل آل سعود استمرت. فقد وقف الأمير طلال بصورة علنية الى جانب الرئيس عبد الناصر، بتهنئته بتجربة إطلاق صاروخ مصري بعيد المدى. وذهب الى مصر بالرغم من تصريح عبد الناصر بأنه من أجل (تحرير القدس، فإن الشعوب العربية يجب أولاً أن تحرّر الرياض). وقد رافق طلال في العاصمة المصرية، شقيقه فواز، وأخوه من أبيه بدر، وإبن عمه. وقد أطلق على المجموعة (الأمراء الأحرار). وفي الرياض، أعلن الأخ غير الشقيق لطلال، عبد المحسن، عن دعمه للمجموعة وكذلك لنداء طلال بتأسيس السعودية على ديمقراطية دستورية في إطار ملكي.

وفي مارس 1964، أثار فيصل أزمة في الرياض، بإصدار مهلة نهائية (سلّمت بواسطة المفتي الأكبر)، وتنص على أنه ينوي الاحتفاظ بالسلطة ويريد قبول سعود بهذا الأمر. رفض سعود ذلك وقام بتعبئة الحرس الملكي. وقابله فيصل بإصدار أمر للحرس الوطني القوي بتطويق قوات سعود. استسلم الحرس الملكي وأصدر العلماء فتوى تملي انتقال السلطات التنفيذية الى فيصل فيما تسمح في الوقت ذاته ببقاء سعود ملكاً. وبعد ثمانية شهور، تنازل سعود عن السلطة وذهب الى المنفى في أوروبا، حيث مات في اليونان سنة 1969.

لم يعيّن فيصل ولياً للعهد حتى ربيع العام 1965. وكان المنافس الظاهري في خط الخلافة داخل العائلة المالكة هو محمد، ولكنه يعتبر غير مناسب بسبب طبعه الحاد والسيء وكذلك سكره الدائم.

وفيما تنازل محمد المعروف بـ (أبو شرين) عن حقه في الخلافة، عيّن فيصل خالد، شقيق محمد، ولياً للعهد. وبالرغم من أن ذلك يؤكّد الاتجاه بانتقال العرش من أخ الى أخ بين أبناء إبن سعود، كان التأكيد فيه على أن القيادة تنتقل الى المرشح الأكبر سناً والمقبول بدون تحديد، سواءً كان أخاً أم إبناً. فلم يكن محمد أو خالد، وبموجب معيار التجربة الإدارية أو الكفاءة، في واقع الأمر مؤهلين لإدارة البلاد. فخصائص خالد كانت بأنه أهدأ من محمد، وتوافقي. وهذا دور مطلوب في آل سعود بعد النزاع في عهد سعود. احتفظ فيصل باللقب ومنصب رئيس الوزراء، ولكنه نصّب خالد ولياً للعهد كنائب لرئيس الوزراء. في 1968، ابتكر فيصل موقعاً لأخيه فهد وعيّنه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، بما يجعله ولياً للعهد القادم.

اغتيال فيصل

وصل عهد فيصل الى نهاية مفاجئة في مارس 1975، حين أصيب بطلق ناري من قبل إبن اخيه، 26 عاماً، وإسمه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز. وقد يكون الأمير الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة قد نفّذ عملية ثأراً لأخيه المتشدّد دينياً خالد، الذي قتلته قوات الشرطة السعودية سنة 1965 خلال مظاهرة ضد إدخال التلفزيون إلى المملكة، والذي يعتبره منافياً للإسلام. صدمة موت فيصل تضاعفت حين ظهر بأن من نفّذ عملية الإغتيال جاء من داخل العائلة المالكة. وقد علم السكّان بما جرى من مذيع راديو الرياض، الذي انفجر باكياً وهو يذيع الخبر. وفي بث آخر من نفس المحطة، أعلن خالد ملكاً.

وبإلقاء التحية لخالد، منحه البيعة، وبعد ذلك إلتفت الى خالد وقدّم له البيعة بولاية العهد. وبناء على ذلك، أرسى محمد ابو شرين، خط توارث والذي لم يواجه اعتراضات من الأخوة الآخرين الذي حضروا الاجتماع. في واقع الأمر، قيل بأن ناصر وسعد كانا بعد محمد في تقديم البيعة للملك خالد وولي العهد فهد.

وكان اللاعب الرئيسي في تلك العملية هو محمد، الذي تمّ تجاوزه سابقاً، الذي التقى مع خالد وأخوته الآخرين في الرياض ليلة اغتيال فيصل.

كان خالد يعاني من المرض. وفي 1972، وكان حينذاك ولياً للعهد، خضع لعملية جراحة قلب مفتوح. وفي 1977، خضع لعمليتين جراحيتين في فخذه الأيسر. وفي 1978 خضع لعملية قلب مفتوح. وكانت هناك شائعات واسعة بأن كان عليه أن يتنازل عن العرش لأخيه فهد، فيما يصبح عبد الله ولياً للعهد، أو على الأقل أن يمنح فهد لقب رئيس الوزراء، على أن يكون عبد الله نائب رئيس الوزراء. قيل حينذاك بأن بعض الأمراء كان يفضّل سلطان، الشقيق الأكبر لفهد، والذي تولى منصب وزير الدفاع والطيران منذ العام 1962، بدلاً من عبد الله. فهد نفسه كان يفضّل سلطان أيضاً وقد دعم موقفه هذا أشقاؤه الآخرين، المعروفين بآل فهد، أو السديريين السبعة، الذين يشكّلون أكبر وأقوى جناح داخل العائلة المالكة من أبناء عبد العزيز. فزوجات الأخير لم يخلّفن سوى ثلاثة أو إثنين أو إبناً واحداً كما هو الحال بالنسبة لعبد الله (الملك الحالي).

تعيين فهد ولياً للعهد كان أقل من مباشر. فقد كان هناك إثنان من إخوانه يقفون قبله في خط التوارث، وهما ناصر وسعد، ومن الناحية النظرية كانت لديهما مطالب في العرش، ولكنهما يعتبران مرشّحين ضعيفين. في المقابل، تولى فهد منصب وزير التعليم من العام 1953 الى العام 1960، ووزيراً للداخلية من 1962 الى 1968، حيث حصل على خبرة واسعة وسمعة كتكنوقراطي ناجح، وكلاهما مطلوبان في المملكة الغنيّة. في الحقيقة، دفعت خصائص فهد وميزاته بعض الدبلوماسيين الأجانب للاعتقاد بأنه سيتم تجاوز خالد وأن فهد سيصبح الملك الجديد. ولكن هؤلاء قلّلوا على ما يبدو معنى وحدة العائلة لدى آل سعود.

موت خالد والانتقال السلس للسلطة

ليس مفاجئاً أن يكون عهد خالد غير حيوي. مشاكل الحكم ـ بما في ذلك سقوط شاه إيران في يناير 1979 والسيطرة على الحرم المكي من قبل متشدّدين في نوفمبر من نفس العام، كانت تدار في جزء كبير منها من قبل فهد، الذي حظي بلقب نائب رئيس مجلس الوزراء، ولكنه في الواقع كان رئيس الوزراء (في لقائه مع رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت ثاتشر، أشتهر عن خالد قوله بأنه سيكون سعيداً لمناقشة ملف طائرات فالكون معها، ولكن بخصوص كل المواضيع الإدارية فعليها الحديث مع فهد).

في مسائل الخلافة، كان تعيين عبد الله، قائد الحرس الوطني، كنائب ثان لرئيس الوزراء، وعليه ولياً للعهد بالانتظار، أصبح موضوعاً خلافياً داخل العائلة المالكة.

وجاءت المعارضة لتعيين سلطان كنائب ثاني لرئيس الوزراء، من قبل إثنين من أخوته غير الاشقاء، مساعد وبندر، وكلاهما ولدا، مثل عبد الله، في العام 1923، ولذلك فهما من حيث السن أكبر من سلطان، الذي ولد سنة 1924. اعتراضات مساعد يمكن تجاهلها لأن إبنه من اغتال الملك فيصل، ولكن مصالح بندر كان من الصعوبة بمكانها تجاهلها. ليس فقط لأنه يريد أن يكون القادم في خط التوريث، ولكن أراد أيضاً منصب سلطان كوزير للدفاع. وقد تطوّرت الخلافات داخل العائلة، وأن مطالبة بندر بوزارة الدفاع تم رفضها في نهاية المطاف على أرضية أنه لا يمتلك خبرة إدارية سابقة، ولكن كترضية وتعويض، أعطي إثنان من أبنائه مناصب هامة: منصور بن مساعد قائد القاعدة الجوية في جدة، وفيصل بن بندر حاكم منطقة القصيم.

بقي عبد الله حسّاساً إزاء فكرة أن العرش سينزلق من قبضته، خصوصاً في مارس 1992، حين أصدر فهد النظام الأساسي للحكم.

نظر إليه كمحاولة لكتابة القوانين والتعليمات السعودية، في مسائل الخلافة، أكّدت بصورة واضحة ما كان يفكّر فيه الناس بانتقال الحكم إلى أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، وإلى أبناء أبنائهم. وكل من يكون مؤهلاً لذلك يحظى بمبايعة الناس على كتاب الله وسنة نبيه. ولكن الجملة التالية أحدثت قلقاً لدى عبد الله (يختار الملك خليفته ويعزله من واجباته بأمر ملكي) ورأى عبد الله في هذه الفقرة بأنها تنطوي على تهديد لحقه في العرش. وبدأ ولي العهد بتأكيد نفسه لضمان تقوية موقعه. ومن بين خطوات أخرى كانت جهوده لتخليص نفسه من مشكلة النطق، التي تعيق أداءه العام (وقد تم تخصيص معالجة أميركية خاصة بالنطق للتعامل مع حالة الملك، وحقّقت بعض النجاح).

يعمل الحرس الوطني، الذي يرأسه عبد الله، كحرس بريتوري بالنسبة لآل سعود (بالرغم من وجود حرس ملكي أصغر). فقط معسكرات الحرس الوطني، فإن القواعد العسكرية السعودية تقع عادة في مساعدة من المدن الرئيسية، ربما لمنع الانقلاب العسكري. ويتم تجنيد موظفي الحرس الوطني من القبائل التي كانت تقليدياً مواليه لآل سعود، ويتلقون تدريبات من قبل الولايات المتحد وبريطانيا. والى جانب حماية العائلة المالكة، فإن الحرس الوطني يحرس مواقع البنية التحتية بما فيها النفط ومنشآت الغاز.

وقضية احتفاظ عبد الله بقيادة الحرس الوطني قد تمت مناقشتها في الرياض من قبل 250 أميراً في أغسطس 1977. وفي الاجتماع، أو في حدود هذا التاريخ، قيل بأن فهد عرض بأن يتم تعيين عبد الله ولياً للعهد، بعد موت خالد، ولكن فقط إذا وافق عبد الله على التخلي عن السيطرة على الحرس الوطني. وبموجب الاقتراح، يبقى الحرس الوطني إما كقوة منفصلة، ولكن تحت قيادة الأمير سلمان، أو أن يتم دمجها في القوات المسلحة النظامية تحت قيادة سلطان. ولكن عبد الله رفض العرض، وبقي خط الخلافة دون حل. وفي مايو 1982، مات الملك خالد، وأعلن فهد ملكاً من قبل كبار الأمراء بقيادة الأمير محمد، وعيّن الملك الجديد عبد الله ولياً للعهد في اليوم التالي. ولكن حملة معارضة تعيين عبد الله من قبل فهد وأخوته، وخصوصاً سلطان قد أفزعت ولي العهد الجديد. ولسنوات، كان عبد الله بالكاد يخفي استيائه حيال ما جرى له وارتيابه من فهد وأشقائه.

محاولات فهد لإرساء نظام للتوارث

بعد أن أصبح ملكاً، أثار فهد مخاوف متجدّدة حول التوارث بين إخوته غير الأشقاء بإعلان سلطان نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، أي ولي العهد المنتظر. أخوة فهد من غير السديريين، بمن فيهم ولي العهد عبد الله، خشوا من احتكار السديريين لخط التوارث، حيث قد ينقل فهد أو سلطان في نهاية الأمر السلطة الى الجيل اللاحق، أي الى أحد أبنائه.

شكوك عبد الله اشتعلت مرة أخرى بعد أن عانى فهد من جلطة دماغية في نوفمبر 1995. على المستوى الرسمي، وصفت حالته بأنه بحاجة الى الدخول للمستشفى (لإجراء بعض الفحوص الطبية الروتينية)، ثم قيل لاحقاً بأنه (في حال جيدة). ولكن في الأول من يناير 1996، طلب فهد، بناء على أمر ملكي، بأن يتولى عبد الله شؤون الدولة فيما هو يقضي وقتاً للراحة. وأصبح عبد الله الوصي على العرش، ولكن فقط لستة أسابيع. وفي منتصف فبراير، عاد فهد الى مهامه، وترأس اجتماع مجلس الوزراء. على أي حال، بقي عبد الله في واقع الأمر الحاكم الفعلي بالرغم من أن الأمراء المنافسين لم يعترفوا بمشروعية هذا اللقب. في غضون ذلك، كان الوضع الصحي للملك فهد تتدهور بوتيرة متسارعة، وكان يعاني من سلسلة جلطات.

وحتى النهاية، واصل المسؤولون السعوديون على التشديد على أن فهد هو الملك، الى حد إحضاره أمام الملأ خلال زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس قبل أسابيع قليلة من موته، في مناسبة قيل بأنها كانت محرجة لكل من الجانبين بسبب الحال الصحية المتدّهورة. وقد أعلن عن موته في الأول من أغسطس 2005.

عبد الله في مواجهة بقية السديريين

في النهاية، كانت خلافة عبد الله سلسة بدرجة مرضية. وقد عيّن على الفور سلطان ولياً للعهد. ولكن، انطلاقاً من سوابق العقود الماضية، لم يقم عبد الله بجهود من أجل تسوية مشكلات الخلافة العالقة، حيث استبعد في المرحلة الأولى منصب النائب الثاني، في خطوة موجّهة للأمير نايف.

هذا الاقصاء نظر إليه على أنه يمثل تصميم عبد الله على ابعاد نايف، وزير الداخلية لفترة طويلة، من الإختيار المنطقي للعمر والخبرة. وقيل بأن نايف، شقيق الأمير سلطان، أراد المنصب ويعتبر ذلك بأنه حقه. ولكن ما يمكن تفسيره كجهود لقطع الطريق أمام الأمراء السديريين، رفض عبد الله أن يعطيه المنصب. وفيما يبدو، شعر نايف بصدمة إزاء قرار عبد الله، ولكن لا يمكنه فعل أي شيء حيال ذلك، لأنه، في الوقت نفسه، احترم سلطان خيار عبد الله في هذا الشأن.

الخطوة الأخرى ضد الأمراء السديريين كان إعلان عبد الله في أكتوبر 2006 تشكيل هيئة البيعة. وبالرغم من أن عمل الهيئة يبدأ بعد أن يصبح سلطان ملكاً، فإنها قد تضطلع بمهمتها المقررة في حال أصبح عبد الله أو سلطان عاجزاً عن القيام بمهامه. فالهيئة تثبّت ملكاً جديداً وتتفق على ولي عهد جديد ـ وهذا الدور كان في السابق من امتيازات الملك. من الناحية النظرية، سلطان، بوصفه ملكاً، سيكون قادراً على إزالة الهيئة. وفي مارس 2009، برزت شكوك أخرى حول دور الهيئة بعد تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وفي الظاهر ولي العهد المنتظر.

العوامل المؤثّرة في الخلافة

يعتمد الملك على الأمراء الآخرين لتثبيت موقعه بتقديم البيعة. ومن ثم يعلن العلماء الملك الجديد كإمام. وهذا الاعلان يتم فقط بناء على فتوى تشير الى أن القرار شرعي. موافقة القادة الدينيين للبلاد تؤصّل ليس فقط للخلافة على قاعدة دينية، ولكنها أيضاً توظّف للعلاقة الوثيقة تاريخياً بين آل سعود والوهابية في المملكة.

ومن الناحية النظرية، يبقى الخطر بأن العلماء سيكونوا مستقلين في الحكم وإصدار الفتوى بإقرار القيادة خارج الخط الاعتيادي للتوارث، ولكن ذلك لم يحدث مطلقاً. العلماء الذين يصدرون الفتوى يتألفون من أعضاء هيئة كبار العلماء الذي يعينهم الملك. ولم يحدث أن اعتنق هؤلاء نظرة مستقلة عن آمال الأعضاء الكبار في العائلة المالكة، كجزء من مساومة غير مكتوبة حيث يضطلع العلماء بمهمة الامتثال لرغبات الأمراء في هذا الشأن في مقابل أن تتحقق تطلعاتهم في القضايا الدينية، التي لا ترى فيها العائلة المالكة بأنه تشكّل مصدر تهديد للأمن الوطني.

وقد يكون خطأ الملك سعود الذي لم يعيّن قادة دينيين الذي لم يكونوا موالين له بدرجة كافية. وكان ذلك قد يحول دون صدور فتوى ضده سنة 1964 التي شرعنت عزله من منصبه). وعليه، فإن خيار الملك هو الحفاظ على العائلة المالكة، بالرغم من أن الأشخاص الضالعين والحجم النسبي لصوتهم، قد تباين، على الأٌقل في الماضي، بصورة كبيرة.

المنهجية التي يتم من خلالها صنع قرارات الحكومة في السعودية تبقى غامضة بالرغم من التحاليل المستمرة من قبل الدبلوماسيين، ومدراء نفطيين، ورجال أعمال أجانب وآخرين. ويعتقد محللون مطّلعون بأن عدد وهوية الأمراء ومشاركين من خارج العائلة المالكة في حالة تفاوت، ويعتمد على القضية. فالقرارات الهامة تتم بواسطة الملك وحده، ولكن غالباً ما يكون ذلك حين يشعر بأن إجماعاً سيتم التوصّل إليه.

ويلعب كبار العلماء دوراً قيادياً في صناعة القرارات الدينية، وحيث أنهم يعتمدون على الملك في تعيينهم فقد يتردّدون في معارضة إجماع العائلة المالكة. على أية حال، بإمكانهم المخاتلة: حين تمّت السيطرة على الحرم الملكي العام 1979، استغرق الأمر ست وثلاثين ساعة قبل أن تصدر موافقة العلماء على استعمال القوة العسكرية. وحين يبقى الاجماع مشكوكاً، تتأخر القرارات. وهذا ما جرى في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، حين كان يبحث ولي العهد آنذاك عبد الله عن شركات أجنبية للعمل على تطوير مصادر الغاز الطبيعي في المملكة. فقد تأخر القرار ثم تم إلغاء المقترح بعد معارضة شركة البترول (أرامكو السعودية)، ووزير البترول السعودية، والتي يعتقد بأنها مدعومة من قبل منافسي عبد الله في العائلة المالكة (الاستثناء الذي يثبت هذا القانون قيل بأنه كان قرار الملك فهد الذي طلب الدعم العسكري الأميركي بعد الغزو العراقي للكويت. أمراء كبار آخرون، بمن فيهم ولي العهد عبد الله، أرادوا بعض الوقت للنظر في خيارات أخرى، ولكن لم يعتن الملك فهد بتلك الطلبات).

عملية صناعة القرار هذه تعود في جذورها الى الطريقة التقليدية لصنع القرارات في القبائل العربية البدوية ـ البدوقراطية، حيث يستشير الشيخ الحاكم كبار السن في القبيلة. وهذه العملية ليست متساوية، ولكنها بصورة عامة تضمن ولاء وتوافق أكثر من الاعتراض والتمرّد.

على أية حال، فإن التوارث هو قرار خاص لا يحتمل سوى قليل من التأخير. وبحسب الاتفاق، فإن ثمة فروعاً أخرى في عائلة آل سعود يجدر النظر إليها بقدر من الأهمية. والفروع الأخرى الرئيسية في آل سعود، هم المتحدّرون من سعود الكبير، الأخ الأكبر لوالد عبد العزيز. في العام 1903، عارض إبن سعود الكبير حق ابن سعود بأن يصبح رئيس آل سعود. ولكن الخلاف تم تسويته حين رتّب ابن سعود زواج إخته نورا من الشخص الأقوى في هذا الجناح، سعود الكبير. ومنذاك، فإن جناح الكبير أصبح نافذاً في العائلة المالكة، ولكن تقرر إبعادها عن السلطة السياسية.

وهناك جناح آخر، بني جلوي، المتحدّرون من الأخ الأصغر لجد إبن سعود فيصل. وقد تحالف بني جلوي مع ابن سعود أمام التهديد الذي فرضته عشيرة الكبير. وقد عمل عبد الله الجلوي في منصب نائب إبن سعود في قيادة الجيوش. وساعد في احتلال المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية.

ويتحدّر أعضاء الجناح الثالث، آل التركي، من إخوة فيصل. أما الفرع الرابع هم الثنيان، ويتحدّرون من أخ محمد، الحاكم الأول لآل سعود، الذي كان لديه المشروعية الإضافية لتقديم الحاكم التاسع، عبد الله. والفرع الخامس، الفرحان، المتحدّر من أحد إخوة محمد الآخرين.

فهذه الفروع الصغيرة ممثّلة في مجلس العائلة الذي أسّسه ولي العهد ـ آنذاك ـ عبد الله سنة 2000. ويشمل أعضاؤه الثمانية عشر إلى جانب عبد الله، سلمان إلى جانب طائفة من الأمراء عبر شجرة العائلة. في ذلك الوقت، كان هناك إعتقاد بأن المجلس سيشتغل على قرار يسمح للملك فهد المعلول، بأن يتقاعد ويتم استبداله بعبد الله. من وجهة تحليلية أخرى، أن المجلس سيكون له دور خاص، داخلي للعائلة المالكة، ربما معالجة القضايا العالقة مثل تأسيس خطوط عامة لدخول الأمراء في التجارة والسماح لأميرات آل سعود للزواج من خارج العائلة. قد يكون الأمير سلمان، حاكم الرياض، المعروف بكونه الطرف التوافقي داخل العائلة، كان أحد الأعضاء. وزيرالداخلية الأمير نايف لم يتم تعيينه في المجلس، ولكن أية فكرة عبّر عنها تمّ تغييمها بواسطة تصريح عام في ذلك الوقت بأن المجلس لن يكون له دور سياسي.

دور الأميرات

بالرغم من الإعتقاد العام بالنقيض، فإن نساء آل سعود يلعبن دوراً في سياسة التوريث عبر إحدى الطرق الثلاث: الأولى، كونهن (السادة) الحقيقيين لبيوتهم، فخلف خصوصية جدران القصر يعتقد بأنهن يبلغّن أزواجهن وأبنائهن بوجهات نظرهن بطريقة مباشرة. الثانية، التزاوج داخل آل سعود يعني بأن التحالف ينبني بين أجنحة مختلفة، بالإعتماد على الدرجة التي تملك فيها الزوجة روابط قوية بعائلتها الأصلية وبالقدر نفسه داخل عائلتها الجديدة. الثالثة، على الأقل في حالة الملك فهد، فإن لقاءات تمّت بصورة منتظمة مع نساء من آل سعود، حيث أن الملك يقوم بشرح وجهات نظره ويستمع الى ما يقابلها من النساء. وقد يكون ذلك مثالاً آخر على الأهمية الموصولة ببناء الاجماع.

دور العائلة الكبيرة

خلال سنوات الأزمة في عهد الملك سعود، كان إخوة إبن سعود نافذين في ضمان أن العلماء يصدرون فتوى تقضي بعزل سعود. وفي الوقت الذي أصبح فيه فهد ملكاً سنة 1982، فإن كل عمومته كانوا قد ماتوا. ولكن دوراً جديداً قد أتيح لأبناء فيصل، الذي يحظى باحترام داخل العائلة المالكة.

ومن الواضح، فإن أحد أبناء فيصل، سعود الفيصل، كان في الاجتماع الذي تلقى فيه فهد قسم البيعة، حضور تم النظر إليه على أنه فتح الباب على اشتراك مستقبلي من قبل أحفاد إبن سعود في اختيار الملك وولي العهد.

العوامل المؤثّرة في الخلافة

أن يكون من إم سعودية: يُعتقد بأن ابن سعود قال بأن الملك لايجب أن يكون إبناً من إمرأة أجنبية. وقد يكون ذلك إشارة إلى حقيقة أن كثيراً من 22 زوجة لابن سعود كنّ من غير السعودية. وباستثناء أبناء إبن سعود من زوجاته الأجنبية فإن ذلك سيحدّ بصورة لافتة عدد الأبناء الذين لا يزالون مؤهّلين لأن يكونوا ملوكاً. والدة بندر بن عبد العزيز مغربية، بينما أمهات مقرن وهذلول يمنيات. يبقى أن هؤلاء الأمهات عربيات، أما أمهات مشعل، ومتعب، وطلال، ونواف، فهن أرمنيات. وباستبعاد هؤلاء الأمراء يخفّض عدد الأشخاص المؤهّلين من عشرين إبناً إلى 13. وهناك طريقة أخرى ينظر من خلالها الى الحاجة الى أن يكون من إم سعودية هي أهمية أن يكون له أخوال لدعم تشريح أحدهم.

الخبرة: فيما كان الملك خالد بلا خبرة أو حتى مصلحة في الحكم، فإن القدرة الإدارية تصلح كمثال يذكر هنا كضرورة. فكثير من أبناء إبن سعود لديهم خبرة حكومية، ولكن المنافسة فيما بينهم تتفاوت. ومن بين أولئك الذين لديهم حالياً مناصب رسمية فهم قلّة. فإلى جانب عبد الله، سلطان، نايف، فإن من يضطلع بمناصب عليا هم متعب (وزير الشؤون البلدية والقروية)، وعبد الرحمن (نائب وزير الدفاع)، أحمد (نائب وزير الداخلية)، سلمان (حاكم الرياض)، سطّام (نائب حاكم الرياض)، مقرن (رئيس الاستخبارات العامة).

الذكاء: ليس مستغرباً أن يريد السعوديون ملوكاً يديرون الأمور بحذر واهتمام، وبلمسة ثابتة. مهما يكن، فباستثناء فيصل، الذي جمع هذه الخصائص مع القدرة الفكرية، فإن الذكاء غالباً ماكان حاضراً في كلمات العلاقات العامة التي يلقيها الملوك أكثر منها في الواقع.

العمر: ما اذا كان إبن سعود قد قال بأن أبناءه يجب أن يرثوه بحسب تسلسل العمر يبقى مشكوكاً. ولكن حيث أن آل سعود يقدّرون عامل السن أكثر من أي خاصية أخرى، فإن نظام الولادة يبقى خاصية لافتة.

أن يكون مسلماً جيداً: قيل بأن إبن سعود أمر بأن يكون الملك القادم مسلماً جيداً. بحسب هذا المعنى، يفترض بأنه يعني بأن الشخص يجب أن يكون على توافق مع العلماء.

الاستقرار: في أي عائلة كبيرة، يفتقر بعض الأعضاء للاستقرار الذهني، وآل سعود ليسوا استثناءً (بل قد يكونوا المثال الأبرز بسبب التكاثر). وكما لحظ، فإن محمد بو شرّين، إلى جانب كونه حاد الطبع، فإن سمعته سيئة لكونه مدمناً على الخمر. سعد، الذي مات سنة 1993، كان غير مستقر عقلياً لسنوات عديدة.

الشعبية: منذ أن كان الاجماع مركزياً بالنسبة لصناعة القرار السعودي، فإن القدرة على تحقيقه تبدو على درجة عالية. وأن الإجراء الأسهل للشعبية هي المجالس المفتوحة التي يتم فيها الإستماع لشكاوى الناس، التي يقيمها الأمير، أي أمير.هل هو كريم؟ هل الأكل طيب؟ هل هناك طعام كافٍ؟ هل سيقدّم شرهات؟ يقال بان السلطان يقيم مجلساً جيداً، ولكن سعود الفيصل غير معروف بأنه يقيم مثل تلك التجمعات، ربما كإشارة على انعدام الطموح بأن يصبح ملكاً بالرغم من أن الأجانب يردّدون إسمه كثيراً.

الخلافة المستقبلية: دور هيئة البيعة

تضّطلع الهيئة بدور المساعدة في اختيار ملوك المستقبل، على الأقل على مستوى ولي العهد. وبحلول عام 2009، إنخفض عدد أبناء ابن سعود على قيد الحياة إلى عشرين. وقبل تشكيل هيئة البيعة، فإن عدد الأمراء هؤلاء بأصوات حاسمة في اختيار قادة المستقبل قد يكونوا أقل من عشرة. هيئة البيعة، بأعضائها الثلاثين، منحت سلطة تصويت لأمراء أو أبنائهم الذين كانوا يعتقد بأن لهم تأثيراً قليلاً داخل العائلة المالكة.

قائمة الأعضاء تبدي جانباً مضاداً للسديريين في تفكير عبد الله. في الهيئة بأعضائها الثلاثين، فإن الأمراء السديريين الستة الأحياء (وكذلك الإبن الأكبر لسلطان، خالد كعضو في الهيئة)، سيتم تجاوز أصواتهم من قبل الآخرين. دور رئيس هيئة البيعة أعطي للأمير مشعل، الذي بحكم كونه من إم أرمنية، وبدون خبرة حكومية حديثة، وكونه معروفاً بمتابعة مصالحه التجارية لا يعتبر منافساً على العرش.

مواد هيئة البيعة تعتبر تطوّراً راديكالياً لفكرة الوراثة المقبولة سابقاً، التي تم إقرارها في النظام الأساسي للحكم والتي أصدرها الملك فهد في مارس 1992. فالقانون (الذي أعلن في شكل أمر ملكي الذي يحمل قوة القانون من تاريخ نشره) ينصّ على أن العرش ينتقل بين أبناء إبن سعود وإلى أبنائهم. ويمضي (يحظى الأشدّ إخلاصاً من بينهم بالبيعة بالتوافق على مبدئي القرآن وسنة رسول الله) صلى الله عليه وسلم.ويختار الملك خليفته وقد يعزله من مهامه بأمر ملكي. ويتولى الخليفة السلطات التي يتمتّع بها الملك السابق بعد موته، حتى موعد المبايعة.

ومنذ العام 1992، تطوّرات بعض مؤسسات الدولة، مثل مجلس الشورى. وليس للأخير أي دور مباشر في موضوع الوراثة. فالمجلس الذي بدأ بستين عضواً في العام 1993، انتهى بعد أربع دورات الى 150 عضواً. مهما يكن، ليس هناك ما يشير الى سوى أن أعضاء المجلس هم الأكثر ولاء في المجتمع السعودي. وليس هناك ما يشير الى أنهم قد يتبنوا وجهة نظر، سواء فردية أو جماعية تتعارض مع ما تم إقراره رسمياً. وهناك أيضاً دليل ضعيف جداً على أن مجلس الشورى سيتطوّر إلى مستوى أن يكون له رأي في القضايا الحساسة.

ومنذ إعلان السعودية عن تشكيل هيئة البيعة في أكتوبر 2006، إعتقد معظم المراقبين بأن سيكون لها دور رئيسي في تعيين ولي العهد الجديد أو حتى ملك جديد، ولكن هذا الاستنتاج بعيد عن الحقيقة.

فالدور المعلن للهيئة هو المساعدة على تعيين ولي العهد بعد أن يموت عبد الله، وأن يصبح سلطان ملكاً. وعليه، كانت ربما فكرة فاجأت سلطان، الذي قد يكون اعتقد بأنه سيكون باستطاعته اختيار ولي عهده. تحت النظام الجديد، فإن اختياره بحاجة إلى مصادقة من قبل العائلة. وإذا ما تم التصويت بالسلب على اختيار سلطان، عليه أن يقبل باختيار توافقي من قبل أعضاء آخرين في الهيئة.

وحتى إنشاء هيئة البيعة نفسه يبدي حدود سلطة عبد الله. وحيث أنها لن تعمل الى حين يصبح سلطان ملكاً، فمن الناحية النظرية، فإنه كملك يستطيع ببساطة تغيير قوانين الهيئة أو إزالتها بصورة كاملة. وهناك مؤشر آخر على القيود المفروضة على سلطة عبد الله، أو ربما مجرد قضية أخرى على الإدارة السعودية البطيئة كان إعلان ديسمبر 2007 عن أعضاء الهيئة، بعد عام على تشكيلها.

تشكيل الهيئة تشي بالاعتقاد بأن الترتيبات القائمة منذ إصابة فهد بالجلطة الدماغية سنة 1995 وحتى موته في العام 2005، كانت غير مرضية من قبل الملك عبد الله. فالجوانب المهمة من مواد الهيئة الجديدة تتعامل مع احتمالية إما أن الملك أو ولي العهد، أو كلاهما، كونهما معلولين، أو ميتين. في حال لم يعد فيه الملك أو ولي عهده مؤهلين للحكم، فإن مجلساً انتقالياً من خمسة أعضاء يديرون شؤون الدولة لمدة أسبوع، إلى حين اختيار ملك وولي عهد جديدين. ولكن المواد لا تلتفت إلى التحديات التي تفرضها قيادة هرمة وضعيفة لنقل السلطة الى الجيل اللاحق.

ويبقى مرض سلطان ولي العهد الحالي مسألة حساسة في معادلة الخلافة، بالرغم من تعيين نايف نائباً ثانياً، إذ أن وجود معارضين داخل العائلة المالكة لاحتكار السديريين للسلطة، يجعل من حسم مسألة ولاية العهد غير سهلة، مالم يتم إعادة توزيع السلطات داخل العائلة المالكة.

الصفحة السابقة