الإعلام، وصور الحرب السعودية على اليمن

محمد شمس

الاعلام جزء من الحرب، لا شك في ذلك!

الحوثيون خُنقوا إعلامياً في الحروب الخمس السابقة، لم يكن لهم صوت أبداً، فمناطقهم محاصرة، والصحفيون ممنوعون منذ سنوات من دخول مناطق القتال او المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بل أن المواطنين في صعدة يحرمون حتى من الخروج من مدينتهم.

هذه الحرب السادسة امتداد لسابقاتها، يسرح فيها الاعلام الرسمي اليمني والسعودي، وتستطيع أن تقرأ عشرات الانجازات في اليوم الواحد على (الفئة الخارجة الضالة العميلة) كما وصفها الرئيس اليمني والاعلام السعودي. في كل يوم هناك مئات القتلى من الحوثيين الذين تتعفن جثثهم وروائحها تصل الى خمسين كيلومتراً، كما يقول الاعلام السعودي!

وفي كل يوم هناك انجازات ميدانية على الارض، وأسماء مواقع ليست على خارطة الجغرافيا، أو هي بعيدة كل البعد عن ميدان المعركة! وفي كل يوم تقرأ عن حروب تدور في مكان ما من محافظات الشمال اليمني، لم تصلها نار الحرب أصلاً!

مادام الجيشان يحاربان، فلا بدّ أنهما يحققان انتصارات! وإلا فإن المستهلك للاعلام الرسمي سيظن (وبعض الظنّ اثم!) أن الجيشين السعودي واليمني اللذين قوامهما نحو مليون جندي مزودين بأفتك الاسلحة لم يحققا نصراً على الحوثيين!

في هذه الحرب السادسة، حقق الاعلام الحوثي معجزة بأدوات متواضعة جداً جداً جداً!

مجرد تسريب بيانات مختصرة عن المعارك، وبعض لقطات الفيديو لسيرها، تضمنت صور أسرى سعوديين ويمنيين، وأسلحة وغنائم من الجيش السعودي، كما أظهرت تلك المقاطع فرار أفراد الجيش السعودي من ساحة القتال وغيرها.

ساهم صمود الحوثيين، وكذا تمددهم وسيطرتهم على مديريات كثيرة تزيد على المائة، واعلان الاعلام الرسمي عن هجمات حوثية في مناطق تواجد الجيشين فيها، ساهم في تكسير سمعة الاعلام الرسمي وتحييده بشكل كبير.

مقاطع الفيديو كانت قاتلة للإعلام السعودي واليمني الرسمي. خاصة وأن الأخير لم يقدم للراي العام العربي أية أدلّة على صحّة بياناته من خلال صور تلفزيونية. فعلى سبيل المثال: قال الاعلام السعودي انه استعاد السيطرة على جبل الدخان، ونفى الحوثيون ذلك عبر شريط فيديو، ثم أقرّ الاعلام السعودي ضمنياً من خلال سرده للأحداث ان القتال يدور حول جبل الدخان، ولازال. ولكن الحوثيين فاجأوا الاعلام الرسمي السعودي بالسيطرة على جبل الرميح، ولم يعترف السعوديون بذلك. ولكنهم وعلى لسان الأمير خالد بن سلطان اعلنوا بأنهم استعادوا السيطرة على جبل الرميح بداية شهر ديسمير الحالي، دون أن يقدموا أدلّة، ثم جاءت البيانات اللاحقة لتفيد بأن القتال السعودي يدور حول جبل الرميح والمدود والدخان، ولازال!

وفي الوقت الذي يقول فيه الاعلام السعودي واليمني أنه قتل الالاف من الحوثيين، لم يشهد الرأي العام العربي سوى صور الدمار للقصف السعودي على القرى اليمنية وقتل المدنيين، حيث التوثيق بالكاميرا للأحداث والأسماء للضحايا وبثها على اليوتيوب والمنتديات والقنوات الفضائية. وفي وقت يقول فيه الاعلام السعودي انه يقبض يوميا على العشرات من المتسللين الى الاراضي السعودية، فإنه لم يستطع ان يثبت ان الحوثيين يتسللون الى السعودية، ولم يبين أهداف تسللهم، ولكنه اوحى بأنهم يمكن ان يفجروا أنفسهم في عمليات انتحارية، وهذا عمل لم يقم به الحوثيون من قبل، ولو شاؤوا لفعلوا!

كان كثير من اليمنيين يعتقدون بعد أن دخلت السعودية بجيشها المعركة رغم مبرراتها الضعيفة (مقتل حرس حدودي سعودي واحد في مناوشات!)، أن أداءها العسكري والسياسي والإعلامي سيكون لافتاً، خاصة وأنه جاء على شكل إنقاذ لوضع الرئيس علي صالح وجيشه، أو على شكل مساعدة عاجلة له.

لكن تبين أن الاداء العسكري هو أدنى بكثير مما كان متوقعاً، بل أن أداء الجيش اليمني في الحرب ضد الحوثيين أفضل بمراحل من الجيش السعودي الذي لم يخض من قبل اية معارك ولا يتمتع بالخبرة. وينقل هنا أن الرئيس علي صالح وفي اجتماع (مقيل/ مجلس تناول القات) أنه قال للحاضرين بما معناه، أن المسؤولين السعوديين يتصلون به الى حد الإزعاج للتحريض والنجاح في الحرب: (يالله يا علي عبدالله... يالله ياعلي عبدالله!) واضاف: (الآن قد فهموا ماذا تعني الحرب)!

وأما الأداء السياسي، فالسعودية وإن حصلت على غطاء رسمي عربي، إلا أنها لم تحصل إلا على نصف غطاء في واقع الأمر. معظم الدول قالت ان للسعودية الحق في الدفاع عن نفسها واراضيها. لم يقل أحد ان لها الحق في شن الحرب. حتى حلفاء السعودية من الأميركيين مستاؤون من شن الحرب، لأن في ذلك مغامرة خطرة على السعودية نفسها. وحتى الآن لم تلق مبررات السعودية في الحرب تعاطفاً في الشارع العربي ولا حتى في الاعلام العربي. هناك دول ـ بعضها خليجية ـ تتمنى انكسار السعودية وجيشها. وهناك دول أخرى تتمنى أن لا تطلب السعودية الوساطة من أحد وأن تصرّ على مواقفها، مؤملة ان ترى فضيحة تصيب السعوديين وجيشهم!

الاعلام السعودي كان هو الاخر ضحية في هذه الحرب. لم يستطع تسويق مبررات السعودية من الحرب. ولم يستطع تغطيتها. ومراسلو العربية والاخبارية وغيرهما يقفون على بعد أكثر من عشرة كيلومترات من الحدود، سواء في الخوبة او أحد المسارحة. لا صور قدمها الجيش السعودي عن الحرب، ولا أدلّة على انتصارات أقنعت المشاهدين حتى السعوديين بأن الحرب حربهم وأن جيشهم في طريق الانتصار. على العكس من ذلك تماماً، فقد ظهرت النكات وانتشرت تصف الجيش السعودي بـ (جيش الكبسة) و (جيش الفلّين) و (جيش الحاشي) و (جيش أبو كبسة/ الامير سلطان!) وغيرها!

لم يتفاعل مع الحرب من بين السعوديين إلا قلّة، وهم النجديون الملتصقون بالنظام، وبعض الضحايا الذين يشكلون مادّة الجيش من الرتب الدنيا وهم من الجنوب. اما الشرق والغرب/ الحجاز، فلا يهمهم الأمر من قريب او بعيد، وهذا يبين ان الحس الوطني عند السعوديين متدن الى أبعد الحدود، لم تستطع الحرب تحفيزه في الايام الأولى، وحين تم استخدام الورقة الطائفية والاسلام الصحيح (الوهابي) ضد الكفار (غير الوهابيين) ظهر من يتمنّى بين الحجازيين والشيعة وغير الوهابيين عامة وهم من يمثل اكثرية السكان، من يتمنّى أن ينكسر الجيش (النجدي) الذي دمّر مملكة الحجاز، وأقام المجازر في تربة والطائف عام 1924م بحق الحجازيين وعلمائهم.

الجرائد السعودية كما القنوات السعودية لا تدري ما تنشر عن الحرب.

هي حرب لا بيانات فيها إلا نادراً!

حربٌ لا ينشر عنها إلا مقولات (منع المتسللين) وقصفهم وافناءهم! وهذه الحال مستمرة منذ اسابيع!

ترحّم اليمنيون على الاعلام اليمني حين شاهدوا أداء الإعلام السعودي! وقالوا بأن الاعلام السعودي كان أكذب من الاعلام الرسمي اليمني بمراحل!

نعم يظهر في بعض الأيام ان تنشر الصحف ما يراد تخبئته، مثل خبر تشييع جثامين قتلى الجيش السعودي، الذين لا يرد لهم ذكر او اهتمام في البيانات العسكرية النادرة! بين يوم وآخر تنقل صحيفة محلية خبراً عن تشييع بعض القتلى والصلاة عليهم، ولكن ليس هناك من يعدّ الأحياء حتى يتفرغ لعدّ الأموات!

كارثة جدّة بسبب السيول كانت بالنسبة للمواطنين أهم بكثير من الحرب نفسها. لقد تفاعلوا معها كثيراً. وما خصه الاعلام ولو متأخرا من وقت ومساحة لها أكبر بكثير مما يخصصه تجاه الحرب القائمة. لقد تراجعت اخبار الحرب في نشرات الاخبار وفي العربية بشكل خاص!

ليس في السعودية اعلام حرب، لا لأن الحكومة السعودية لا تريد ذلك، بل لأنها لا تستطيع ذلك، وليست لديها المواد المقنعة بذلك، ففضلت التعتيم ونسج الاكاذيب ولكن بحدود أيضاً، وهي في هذا أقلّ أداءً من اعلام اليمن الرسمي، الذي لا تسلط الاضواء عليه كونه في مجمله اعلاماً محلياً، بعكس الاعلام السعودي ذي الواجهة الخارجية العريضة.

صورة من الحرب

الإعلاميون السعوديون لا يعرفون كيفية تناول موضوعات الحرب. مراسل صحيفة المدينة نشر تصريحات للجندي أول كوماندوز مظلي من كتيبة قوة الامن الخاصة 85 محمود زين مسعود، وهو جريح في المستشفى، روى فيها قصته مع قائد كتيبته المقدم مظلي سعيد العمري وكيف سقط هذا الأخير قتيلاً برصاصة في الرأس على يد الحوثيين، بعد أن نصب الأخيرون لهم كميناً، وكيف أن احد الجنود السعوديين حاول انقاذه فقتل هو الآخر.

قصف مدفعي سعودي

وقال الجندي محمود زين مسعود، الذي كان يرقد في المستشفى العسكري بالرياض، أنه وأفراد الكتيبة كانوا يقومون بعمل مسح ميداني لموقع جبل الدخان، بعد قصفه بشكل مركز، فحدثت المفاجأة. يقول:

(عندما كانت المدفعية ترمي على المتسللين، نزلنا في اليوم الثاني من أجل تمشيط الموقع بقيادة قائد الكتيبة المقدم سعيد العمري، وعندما كنا في الوادي فوجئنا بوابل من الرصاص، ولا نرى الأشخاص، فأصبت بطلقتين نافذتين، وقام قائد السرية بوقف النزيف عن طريق ربطه بالقماش على موقع الإصابة، وأمرنا قائد الكتيبة بالتراجع الى الخلف، ثم فوجئنا بأننا وقعنا في كمين، وازداد وابل الرصاص المنهمر علينا).

ويواصل الجندي افادته لمراسل المدينة:

(كانت هناك إصابات مباشرة لعدد من زملائي، أولهم العسيري، ثم أصيب المقدم العمري بإصابة مباشرة في الرأس فمات شهيداً، وعندما حاول أحد الزملاء الوصول إلى العمري لسحب جثته أصيب كذلك، وعندها تحركنا في الوادي وسط وابل من الرصاص، ولم نعرف أنفسنا في أي جهة نتحرك، حتى كان وصولنا الى الجيش اليمني، الذي قام بمساعدتنا وإيصالنا الى منفذ الطوال، وقد كان هذا من أصعب المواقف التي مرّت علينا).

ويتابع:

(أنا أصبت برصاصتين وقام زملائي بمساعدتي في ايقاف النزيف، وعندما وصلت الى منفذ الطوال تم تحويلي الى مستشفى الطوال، ومن هناك تم تحويلي الى مستشفى صامطة، ثم الى مستشفى الملك فهد المركزي، واجريت لي عملية جراحية عاجلة وتم استخراج رصاصة وتبقت رصاصة اخرى، وتم بعد ذلك تحويلي الى المستشفى العسكري بالرياض، والحمد لله أتمتع بصحة جيدة وأنا الان في فترة النقاهة من اجل التئام الجرح).

الإفادة الصحفية الصغيرة هذه، أزعجت بعض كتاب السلطة، فعلّقوا عليها في المنتديات، وكان من بين التعليقات:

(والله لو أن المكتب الإعلامي للحوثيين هو من قام بصياغة هذا الخبر وتحريره.. فلن يتوصل إلى صياغة أفضل من هذه تُظهر بطولة الحوثيين وتصف حال الجنود السعوديين وهم في مصيدة الحوثيين بين قتلى وجرحى، وتصورهم معزولين عن القيادة، ولا تتوفر لهم أي مساندة لا أرضية ولا جوية، وتائهين لا يعرفون وجهتهم لولا أن منّ الله عليهم بالجنود اليمنيين. ما هكذا تورد الإبل يا جريدة المدينة.. هذه حرب.. وخفايا حرب.. وإعلام حرب، وليست كواليس كرة القدم.. وما كل ما يعرف يقال.. هذا مع إفتراض حسن النية.. ولا مكان للنوايا الحسنة أو للدلاخة في الشأن الوطني).

كاتب آخر قال:

(الخبر هذا أعطانا صورة مهتزة عن الحرب وتنظيمها، وكأن جنودنا في متاهة بدون حماية ولا متابعة.. انظر كيف يتهربون من مكان لمكان والحوثيون يصطادونهم لولا الجيش اليمني كما يقول الخبر! هي واحدة من اثنتين: إما أن رواية الجندي صحيحة، وهنا نضع أيدينا على قلوبنا، أو أنه بالغ في الخبر، وكان الأولى عدم النشر نهائيا. معقولة؟! مجرد حثالة لا يمتلكون دبابات ولا طائرات ولا وسائل اتصالات يفعلون كل هذه الأفاعيل في مكان مكشوف كالوديان؟ أكاد أجنّ من هذه الأخبار!).



الصفحة السابقة