ماذا بعد..

وخسرت السعودية حرب اليمن

هاشم عبد الستار

كما كان متوقعاً.. خسرت السعودية حرب اليمن.

ربما يجادل البعض بأن الخسارة لم تقع بعد، وأن من المبكر الحديث عن ذلك. لكن الوقائع التالية تفيد بخسارة الحرب سياسياً وإعلامياً وعسكرياً.

على الصعيد العسكري، فشلت السعودية في تحقيق أي منجز، وفقاً للأهداف التي رسمتها:

ـ إيقاف المتسللين، وتحرير الأراضي السعودية، ثم..

ـ إنهاء الحوثيين وتدميرهم، ثم..

ـ إبعاد الحوثيين الى عشرات الكيلومترات داخل الحدود اليمنية، وصناعة منطقة عازلة منزوعة البشر والسلاح، ثم..

ـ العودة الى تحرير المزيد من الأراضي السعودية المحتلة.

لم يخسر الحوثيون أرضاً حتى الآن، بل زادوا من مساحة المواقع السعودية المحتلّة التي يأتي منها إطلاق النار والقذائف: فإضافة الى جبل الدخان، هناك جبل الرميح، وجبل الدود، وموقع الجابري وغيرها. وقد أثبت الحوثيون صمودهم في كل هذه المواقع بل دخلوا مراراً الى العمق السعودي، وقصفوا دار الضيافة في مدينة جازان. وعبثاً حاول السعوديون استعادة تلك المواقع، وأعلنوا مراراً أنهم فعلوا ذلك وطهروا تلك الأراضي، لكن ما لبث أن تحدثت في بيانات عسكرية لاحقة عن حرب تدور في تلك المواقع، فضلاً عن قصف المدنيين اليمنيين في مجازر متواصلة حتى الآن، تم تسجيلها بالصوت والصورة.

وبعد فشل القوات السعودية، جيء بمرتزقة من الجيش اليمني، حتى لا يخسر السعوديون رجالهم، ولأن الدم اليمني رخيص، ومنحوا المقاتلين في الجبهة السعودية رواتب عالية (12 الف ريال سعودي لكل مقاتل شهرياً) بحيث يكون هؤلاء في مقدمة الزحوف العسكرية، تدعمهم طائرات الأباتشي والمدفعية. ومع هذا، فشلت كل تلك المحاولات، بل فشل الإنزال من الجو في استعادة أي موقع حتى الآن.

الحسم خلال اسبوع أو أيام الذي بشرت به السعودية مضى على اعلانه أشهراً ثلاثة دون أن يرد في الأفق ما يشير الى أنه سيتحقق قريباً. ومع أن السعوديين بحاجة الى استرداد المواقع العسكرية لاستثمارها في المفاوضات القادمة، إلا أنهم أثبتوا عجزاً صار مادّة سخرية من قبل الجمهور السعودي نفسه. ثم جاء خالد بن سلطان وقال انه حرر جبل الرميح، ثم عاد وقال بأن العمليات العسكرية الكبيرة انتهت، ثم عاد جيشه وقال بأنه حرر موقع الجابري، ثم قال أنه حرر جبل دخان، دون أن يستطيع إثبات ذلك، ولو بلقطة مصورة.

لا الجيش اليمني، ولا الجيش السعودي قادر على حسم المعركة، ولا حتى على إضعاف الخصم الحوثي.

وإزاء هذا لا يمكن وصف الوضع إلا بأن السعودية خسرت حربها، خاصة وأنها أعلنت بأنها ستقيم منطقة عازلة في أراضيها، وليس في الأراضي اليمنية، وذلك عبر تدمير مئات القرى السعودية في منطقة جازان من أجل تشكيل تلك المنطقة، وبناء مساكن جديدة للسكان، الذين يعيشون كثير منهم في المخيمات، وقد أعلن الملك أثناء زيارته الأخيرة لجازان، عن عزم الحكومة بناء آلاف الوحدات السكنية للذين تم تهجيرهم قسراً بلا دواعي أمنية أو عسكرية، وإنما للنهب الملكي.

إعلامياً، تمّ شلّ الإمبراطورية الإعلامية السعودية، إذ أصبحت تلك الإمبراطورية في وضع بائس، بسبب الهزائم السعودية على الأرض، ولم يكن بإمكانها الترقيع. فكيف يكون هناك جيش سعودي تصرف عليه المليارات من الدولارات سنوياً، ويأكل ما يقرب من نصف ميزانية الدولة كل عام، ثم لا يستطيع هذا الجيش القضاء على (حفنة ضالّة عميلة من الحوثيين) كما يسميها الإعلام السعودي؟.

أياً كان الحال، فإن من الثابت حتى الآن أن السعودية لم تحقق أهدافها من الحرب، بدليل استمرارها، وصمود الحوثيين حتى الآن. والسؤال ما هي الخسائر السعودية التي وقعت أو التي يتوقع حدوثها؟

بغض النظر عن الكلفة المالية والبشرية للحرب السعودية (اعترفت الأخيرة بمقتل 82 جندياً، و21 مفقوداً، و39 جريحاً، فيما يؤكد الحوثيون أن الأرقام الحقيقية تزيد بعشرات الأضعاف مما تم الإعتراف به). بغض النظر عن هذا، فإن الخسائر السياسية أكبر من غيرها، ويمكن جرد الخسائر السعودية على النحو التالي:

** على الصعيد المحلّي، فإن خسارة آل سعود للحرب، ضيّقت من مساحة الشرعية للنظام السياسي. فالهزيمة لا بدّ أنها خلقت روحاً مضادّة للنظام وأدائه. وقد تبيّن ان التعاطف القليل والأولي مع النظام في حربه رغم عدم وضوح مبرراتها، انقلب عليه، الى تمنّي هزيمة الجيش السعودي نفسه، ولذا لا تجد أحداً متحمساً للحرب أو يريد الإنتصار فيها غير مجموعة الوهابية، الذين استقدم مشايخهم للحض على الجهاد! في الجبهات ضد الحوثيين. الأكثرية تجد أن النظام لم يصنع جيشاً وإنما مرتزقة تبحث عن الرفاه والمال والأعطيات، ولا يستطيع أفراد ذلك الجيش أن يخوضوا حرباً يدافعون فيها عن الأرض. زد على ذلك فإن النقمة من آل سعود وسياساتهم وحتى على النجديين عامة (عدا حائل) من قبل المناطق الأخرى معشعش في الذاكرة التاريخية، فالجيش الوهابي هو الذي أقام المجازر في الحجاز وغيره، ولذا لا تعدم أن تسمع من يتمنى الهزيمة للوهابيين ولجيش آل سعود النجدي.

إن شرعية النظام السياسي آخذة بالتقلّص يوماً بعد آخر؛ والهزيمة تعني المزيد من التقلّص. في كثير من الأنظمة، تكون الخسارة العسكرية بوابة لتحوّل سياسي، انقلابات وثورات.. وأمامنا نماذج مصر وسوريا وروسيا والعراق وغيرها. يستطيع آل سعود إخراج الهزيمة إعلامياً على أنها نصف انتصار على الأقل، ولكنهم لا يستطيعون إقناع الجمهور المسعود اليوم بأنهم حققوا نصراً. والهزيمة تفتح الأفق على ضعف النظام، واستسخاف أدائه، وتلاعبه بالمال العام، وتطلق الألسن للحديث والسخرية منه. إن ما يحدث وسيحدث المزيد منه في المستقبل، هو ازدياد الجرأة على النظام، والزهد فيه، واستسهال معارضته، وتغيير النظرة إليه من نظام لا يقهر، الى نظام يعود الى حجمه الطبيعي، بعيداً عن آليات الدعاية والإعلام.

** على الصعيد الخارجي، فإن الهزيمة العسكرية السعودية تأتي لتقلّص من نفوذ الأخيرة الخارجي حتى في باحتها الخلفية (اليمن). هي ـ أي الهزيمة ـ مصداق لتهافت الدور الإقليمي السعودي. مكانة السعودية هبطت بمجرد أن قبلت ان تخوض حرباً ضد الحوثيين، فما بالك بعد أن طالت الحرب وخسرت مواقع عسكرية، وثبت تعرضها للمدنيين بالقنابل والغازات المحرّمة؟ أفضل ما صنعته الحرب، أنها كشفت وضع الدولة السعودية نفسها وهزالها، وعدم قدرتها حتى في الدفاع عن نفسها. من المؤكد أن خسارة الحرب ستزيد في تسارع انحطاط النفوذ الإقليمي السعودي.

فمن جهة، لن تكون السعودية الرقم الأول في اليمن، إذ أن اللاعبين الغربيين قد دخلوا على الخط، واستلموا الملف، أو هم في صدد ذلك.

ومن جهة ثانية، فإن الحكم في اليمن لن يعود لعبة بيد السعودية منذ نحو نصف قرن، لن تجد السعودية في حال تغيّرت المعادلة السياسية بناء على المعطيات الحالية، حاكماً مثل علي عبدالله صالح يستخدمونه أداة طيّعة لهم، خاصة وأن من صنّفتهم السعودية كأعداء لها سيكونوا شركاء في الحكم شاء آل سعود أم أبوا. وسيكون لوصول مثل هؤلاء تداعيات على العلاقات مع السعودية، وعلى انتشار مذهبها الطائفي في اليمن، بسبب سيل الدماء الذي أباحه الطيران والمدفعية السعودية والمؤامرات المستمرة على مجاميع سكانية كبيرة.

ومن جهة ثالثة، فإن نتائج الميدان العسكري السلبية، هي التي جاءت بل عجلت في التدخل الغربي لإنقاذ الموقف السعودي العسكري، وكذلك انقاذ علي عبدالله صالح، ما يعني أن أوراق السعودية ستتقلص، خاصة ورقة الجنوب الإنفصالية التي تخفيها السعودية ليوم حاجتها في الضغط على أي حكم جديد في صنعاء.

ومن جهة رابعة، فإن السعودية قد تكون ضحيّة نتائج حربها في اليمن. فالوجود الغربي المتزايد في اليمن قد يجعلها أفغانستان جديدة، ويجعل من السعودية باكستان أخرى.

ومن جهة خامسة، فإن السعودية لم تخرج بمكسب سياسي من موقفها الفاشل في اليمن، ليس فقط بشأن حربها على الحوثيين، بل وأيضاً موقفها من القوى السياسية الأخرى ومن الجمهور اليمني الذي ضاق ذرعاً بالتدخل السعودي. زد على ذلك أن السعودية لم تعد وسيطاً في الشأن اليمني، وأن من سيكسب الوساطة لو حدثت، هي قطر أو سلطنة عمان أو سوريا، وبالطبع فإن كل ذلك سيجري على حساب السعودية ونفوذها.

يخلص من كل هذا، أن خسارة الحرب في اليمن، قد يقود الى انهيارات سياسية سعودية على المستويين المحلي والخارجي، ويجعل من الدولة السعودية دولة منبوذة بقدر ما، فلن تجد كثيرين يطلبون دعمها، أو مساندتها، لأنها بعبارة صريحة: دولة بحاجة الى عون الآخر الخارجي!

ما جرى في اليمن، مجرد دليل آخر على أفول الدور الإقليمي السعودي، وعلى أن هناك انهيارات كبيرة في بنية النظام السياسي السعودي، تجعله معوّقاً معطلا، يتحرك على مساحة السياسة بدون رشد أو حكمة.

الصفحة السابقة