د. يماني، ود. الرشيد في ندوة عن السعودية

هزيمة منكرة للمدافعين عن آل سعود في مجلس اللوردات

محمد قستي

كانت مواجهة في ندوة مفتوحة، بين أكاديميتين إحداهما من نجد والأخرى من الحجاز، يرفضان أن ينسبا الى (السعودية) وهما: د. مضاوي الرشيد، ود. مي يماني.. وبين ثلاثة غربيين بريطانيين يشكلون فريقاً للدفاع عن آل سعود وسياساتهم، هم: روبرت ليسي، الصحافي الملكي، وصاحب كتابين تمجيديين عن السعودية، صدر أحدهما مؤخراً تحت عنوان: (داخل المملكة)، وعضو البرلمان البريطاني عن المحافظين دانييل كاوزينسكي، وتوماس مايكل مدير عام رابطة الشرق الأوسط.

ندوة تنديد بسجل السعودية الحقوقي

مكان المواجهة كان في مجلس اللوردات، حيث إقيمت ندوة نظمتها (جمعية التواصل/ Society Outreach) تحت عنوان: هل السعودية مستعدة للدفاع عن حقوق الإنسان، والحريات المدنية ومكافحة الإرهاب؟. وقد أدار الندوة، اللورد المسلم نذير أحمد، الذي قال بعد انتهاء الندوة بأن السعودية ليست دولة تطبق الإسلام.

كان مدهشاً الدفاع المحموم من غير سعوديين عن السعودية. ليست الغرابة بالطبع في الدفاع من قبل أناس يميلون الى الموقف السعودي، لسبب مادي أو آخر، ولكن طبيعة الدفاع جعلته بمثابة دعاية فجّة للسعودية وآل سعود. مدهش حقاً، أن الأكاديميتين المنتميتين الى السعودية، ينددان بانتهاك حقوق الإنسان في بلدهما، ويدينان النظام السعودي التسلّطي، في حين يقوم الثلاثة الآخرون ـ ومن بلد عريق في الديمقراطية ـ بالدفاع المستميت عن النظام السعودي، مستخدمين كل ما يروجه النظام، وكل مبرراته المعروفة، وكأن السعودية بلدهم!

رجال السعودية الحمر يبجلّونها!

بدأت الندوة بأول كلمة لروبرت ليسي، الذي لاك ما يقال من الأمراء عن (ديمقراطية الصحراء) ورغبة الحكومة السعودية في الإصلاح، وعن التطورات العظيمة وعلى كل الأصعدة هناك! ليسي الذي عاش الاعوام الثلاثة الماضية في السعودية قبل ان يظهر كتابه الأخير، هو نفسه الذي قضى خمس سنوات من قبل حتى ظهر كتابه الأول (المملكة) بداية الثمانينيات الماضية. ليسي الذي يوصف حتى على الصعيد البريطاني بأنه ملكي (Royalist) انتقد مقاربة الموضوع الحقوقي في السعودية، وقال بأن كل دولة في العالم تهتم بحقوق الإنسان والحريات المدنية وتكافح الإرهاب! وقام ليسي بتوزيع (النظام الأساسي في الحكم/ الدستور) في السعودية مترجماً الى الإنجليزية، مدافعاً بلغة سعودية، رغم أنه مسيحي محافظ، من أن (الدستور السعودي مستوحى من القرآن والشريعة الإسلامية). كما دافع ليسي عن دور السعودية في مكافحة الإرهاب، معدداً النجاحات التي تمّ تحقيقها! ومن بينها برنامج الحكومة فيما سمته بالمناصحة، والذي أدّى الى اطلاق عشرات من العنفيين عادوا مرّة أخرى الى الالتحاق بالقاعدة، خاصة في اليمن!

وفي ذات الإتجاه الدعائي الفجّ للسعودية تحدث مايكل توماس الذي قال بأنه يتعامل مع السعودية منذ 35 عاماً في الميدان التجاري، مضيفاً بأن السعودية تطورت الآن وتقدّمت كثيراً في شتى المجالات. وأراد توماس اقناع الحاضرين بأن لا يستخدموا المعايير الحقوقية العالمية نفسها (والتي وقعت على معاهداتها السعودية أو بعضاً منها) مشيراً الى ضرورة التفريق ما بين النموذجين الغربي والشرقي في كيفية تقييم حقوق الإنسان والحقوق المدنية. بمعنى أنه لا يؤمن بمعيارية دولية بُنيت عليها العلاقات الدولية، والمواثيق التي أقرّتها الأمم المتحدة. ولأن هناك دعوات كثيرة تطالب بالإصلاحات في السعودية، على الأقل خشية أن تؤدي المنتجات الفكرية المشوهة الى تخريج دفعات من العنفيين يجوبون العالم مفجرين ومخربين، فإن توماس أراد من الغرب أن لا ينتقد الحكومة السعودية ليس فقط في سجلها الحقوقي البحت، بل وأيضاً في سجلها المتعلق بالحريات المدنيّة، مضيفاً أنه من (الخطأ فرض قالب غربي على مجتمع شرقي).. وهذا هو محور دفاع السعودية عن نفسها إزاء الإنتهاكات والقمع والتسلّط.

ويقول توماس محذراً: (ما أسمعه في هذه الجلسة من حديث عن حقوق الإنسان وغيره بالشكل الغربي، ومحاولة فرضه على دولة إسلامية كالسعودية أمر غير مقبول، لأن الوضع مختلف تماماً.. إننا أمام بلد يحاول جاهداً أن يحسّن من نفسه، ويصنع مجتمعاً أفضل، وإن لم نساعدهم، فإن البديل سيكون طالبان. فهل تريدون ذلك في قلب الشرق الأوسط؟).

السؤال اذا كان يجوز للسعودية أن تفوز بنظرة ورعاية مختلفة باعتبارها بلداً شرقياً، بحيث يبرّر ذلك من انتهاكاتها لحقوق الإنسان وقمع الحريات، فلماذا لا يحدث ذات الشيء حين النظرة الى بقية دول العالم العربي والإسلامي؟! ثم إن السعودية واحدة من مصنّعي طالبان، ومنتجها الأيديولوجي هو الذي يسود الطالبانيين.

النائب البريطاني المحافظ ذي الأصل البولندي، ورئيس اللجنة البرلمانية المشتركة للعلاقات البريطانية السعودية، دانييل كاوزنسكي بلغ بكلمته السماء في الدفاع عن السعودية.

خاتمة كلمته كانت ـ وكأنه عضو شورى سعودي معيّن: (أعلنها بكل فخر، بأنني سأواصل الدفاع عن السعودية في وجه أعدائها في بريطانيا.. لأنها حليف مهم لبلادي المملكة المتحدة)!

بدأ النائب المحافظ باتهام زملائه النواب في البرلمان البريطاني بالجهل فيما يتعلق بالشأن السعودي، وقال أنهم (يتأثرون بما يقرأون في الصحف البريطانية المنحازة عن تجاوزات حقوق الإنسان في السعودية) بل وزاد على ذلك بأن دعا الى الإهتمام بحقوق الإنسان في أوروبا قبل دعوة السعودية الى ذلك. وقال أن أجهزة الأمن البريطانية تتعاون مع نظيرتها السعودية وبشكل وثيق في مكافحة الإرهاب، محاولاً تبرئة الحكم السعودي من أنه بسياساته وبتطرف مسؤوليه يدعم الإرهاب وينشره الى الخارج بما في ذلك بريطانيا.

جانب من النقاش

وبلغت حماسة النائب المحافظ حدّها حين قال: (يا للعار أن نجلس هنا في لندن لننتقد بلداً إسلامياً وشرق أوسطياً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات الدينية، في حين أنه في قلب أوربا الغربية.. في سويسرا الحرة فإنه قد صدر قرار مشين ومهين يمنع المسلمين من بناء المنارات والمآذن لجوامعهم! لسنا كاملين في أوربا.. فكيف نعطي أنفسنا الحق لنحاكم الآخرين ونجرمهم؟)!

نعم إنه كلام حقّ يراد به الدفاع عن الباطل السعودي. وإزاء هذا ردّ اللورد أحمد بصورة مبطّنة بأن جمعية تواصل سبق وأن ناقشت سياسات اسرائيل، وأن لا أحد فوق النقد في مجتمع حر مثل بريطانيا.

لكن يفهم من النائب المحافظ أنه يدافع عن مصالحه، وعن مجموعة النواب الذين يسافرون الى السعودية ليروا انجازات آل سعود على الأرض، ليعودوا محمّلين بالهدايا، وليدافعوا عن سياسات آل سعود. لم يكن النائب المحافظ بحاجة الى تذكير مستمعيه (وقد فعل) من أنه يسافر الى السعودية بانتظام، وأنه يصطحب معه الكثير من النواب ورجال الأعمال والمثقفين البريطانيين، وفي كل مرة ـ حسب رأيه ـ يعود هؤلاء بصورة مختلفة عن السعودية، مغايرة لتلك التي رسّخها الإعلام الغربي في أذهانهم منذ سنوات!

مثل هذا القول يفضح نفسه من أنه أصبح ضمن اللوبي السعودي في البرلمان البريطاني، خاصة وأنه أضاف: (لا يمكن بحال وصف الطيبة واللطف والكرم الذي يتمتع به السعوديون حكومة وشعباً، وآخر من اصطحبتهم كان رئيس حزب الليبراليين الأحرار السابق الذي عرف بنقده للسعودية).

هذا ليس كلام نائب، بل هو أقرب ما يكون الى كلام موظف سعودي، خاصة حين يزايد على السعوديين أنفسهم في التبرير للإستبداد بالقول: (خادم الحرمين الشريفين يريد التغيير ويريد الإصلاح بأكثر مما نريده نحن، لكنه مضطر بأن يأخذ في الحسبان آراء الشعب، وخاصة المحافظين، عليه أن يكون حذراً، وأن تكون التطورات بطيئة حتى لا يفسد المشروع الإصلاحي). هذا الكلام إذا لم تعرف مصدره ستعتقد أنك تستمع الى أمير سعودي محاصر بأسئلة جمهور يطالب بالحرية!

عاصفة مضاوي ومي!

بدأت د. مضاوي الرشيد الأستاذة في كينغز كوليدج (جامعة لندن) حديثها معبّرة عن اندهاشها من تصدي ثلاثة غربيين ـ وبشكل متطرف ـ للدفاع عن بلد مثل السعودية في بلد مثل بريطانيا يعلي من قيمة الإنسان وحقوقه، ومستعد أن يناقش كل مشكلاته بشفافية. وتساءلت: لماذا تكون السعودية فوق النقد؟

وأضافت أن بعض الغربيين، مثلهم مثل المستشرقين الأوائل، إذ يعجبهم أن يقدّموا صورة حالمة للصحراء العربية ولشيخ القبيلة العادل، ولنمط حكم بدوي بسيط لا تعقيد فيه، مبني على حكم الشريعة الصارمة والعادلة، وتعيش بفضله المجتمعات حياة سعيدة وهانئة.

وتابعت بأنهم أيضاً: يقدمون صورة لشعب مريض متخلف.. ابتليت به حكومة رشيدة لا تعرف ماذا تفعل لتقوده نحو التطوير ونحو مصلحته دون أن تثير مشكلات وزوبعات! وأكملت: (ان السعودية، ومنذ زمن، اعتمدت على الاعتذاريين والمروجين لمواقفها بين الكتاب والصحافيين العرب والغربيين لكي يعطوا صورة جميلة عن الاوضاع فيها، وعن قياداتها. وأنا أرى بان هذه الصورة مصابة بالشيزوفرينيا). ثم تطرقت الى الخرافات والأساطير التي تلقى جزافاً لصالح الحكم السعودي.

قالت: (الخرافة الاولى هي القول بأن السعودية دولة إسلامية تطبق الشريعة، والواقع هو أن الشريعة الإسلامية تستخدمها السعودية للتعدّي على حقوق الإنسان. والدين الإسلامي في السعودية يستعمل كمطية لخرق الحقوق المدنية للسعوديين، وأن القادة السياسيين يديرون رجال الدين السعوديين ويدفعونهم الى إصدار الفتاوى التي تناسب سياساتهم).

أما الخرافة الثانية، فهي اعتماد النسبية في تقييم القيم الاخلاقية والإنسانية العالمية من قبل المروجين والاعتذاريين للسعودية. ففي القرن الـ21 لم يعد من المقبول الإدّعاء بأن القيم الإنسانية التي يصلح تطبيقها في الغرب لا يمكن تطبيقها في الشرق، فهذا المنطق يبرر ممارسة التعذيب والإعتداءات على حقوق البشر في الدول المستثناة من الإنتساب الى الإنسانية العالمية الواحدة.

ورأت د. الرشيد بأن ما يقال عن (ديمقراطية الصحراء) السعودية كذبة كبيرة. وكذلك الإدعاء بأن ما يصلح للغرب لا يصلح للسعودية.. فهذا كلام فارغ، فالاعتقالات التعسفية والمنع من السفر يرفضها الناس في السعودية كما الغرب ولا توجد خصوصية هنا.

اللورد أحمد ود. يماني

وأضافت بأن جمعيات حقوق الإنسان في السعودية هي جمعيات أنشاتها الحكومة نفسها، وهي تناقش القضايا الإجتماعية وليس السياسية.. وهي لا تتحدث ولا تدافع عن سجناء الرأي.. موضحة أن برامج إعادة التأهيل الحكومية للإرهابيين، باسم برنامج المناصحة، فشلت في تجفيف مصادر العنف فكرياً، لأن عقيدة العلماء في السعودية علمت الشباب منذ قرون بأن الجهاد حلال في أراضي الغير، حرام داخل السعودية، واعتبرت ذلك نفاقاً علمياً؛ وأكدت أن كثيراً من المشكلات العالمية الكبرى تنبع من السعودية، فهي الراعية الرسمية للإرهاب العالمي، خاصة وأن غياب الحريات يولد الإرهاب والعنف!

وخلصت د. الرشيد الى أن (منظمات حقوق الإنسان العالمية فضحت ممارسات السعودية في مجالات التعذيب وتوقيف الآلاف تعسفاً تحت أنظار العالم والمجتمع الدولي، الذي يغض الطرف عن ذلك لحماية مصالحه مع النظام السعودي).

والخرافة الثالثة، هي أن القرارات الأساسية في السعودية يتخذها مجلس شورى مؤلف من الأطياف المختلفة للمجتمع، والواقع أن القرارات السعودية تتخذها طغمة أو مجموعة صغيرة من الأمراء النافذين الذين لا يكفون عن الإختلاف فيما بينهم.

ورابع الخرافات ما تدعيه السعودية من أنها تكافح الراديكالية، بينما الراديكالية هي (دين الدولة السعودية) قاصدة بذلك المذهب الوهابي. واضافت (الجهاد حسب منطق الدولة السعودية ممنوع بداخلها، ولكنه مسموح به في خارجها). ودعت الى (كف القيادات العالمية عن تجاهل هذه الحقائق لحماية مصالحها النفطية ولتعزيز تجارتها بالسلاح).

د. مي يماني: أمثّل صوت الآلاف من المواطنين

أما الباحثة الحجازية الدكتورة مي يماني فقدّمت مداخلة مكثّفة حملت ردّاً على رجال الدعاية السعوديين، ووزّعت ملزمة من عشرين صفحة تقريباً تحوي تقارير حقوقية دولية تندّد بسجل الحكومة السعودية واختراقاتها لمبادئ حقوق الإنسان. هذا نصّ ما قالته الدكتورة مي:

أنا أكاديمية، ولست من المعارضين، فالخلفية التي أنتمي إليها هي كوني من مكة، وأجدادي ترسّخت جذورهم في مكة على مدى أجيال كعلماء، كانت لهم صولات في حلقات العلم والمعرفة في المسجد الحرام، وتصنيف الكتب في الفقه. والدي أيضاً هو محامي، وعالم، ومؤلف، وقد لعب، كما تعلمون، دوراً جوهرياً في سياسة النفط السعودية خلال عقود. وعليه، فأنا بنت تلك الأرض.

في ضوء ما سبق حيث تأخذ المناظرة حول حقوق الإنسان والحريات المدنية في السعودية موضعها، فقد تلقيت رسائل الكترونية من أشخاص عاديين من السعودية، بعضهم طالبات سابقات لي حين كنت محاضرة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. وكانت الرسائل تنطوي على دلالات تحفيزية، ومؤثّرة. فقد طُلِب مني أن أكون صوتهن أمامكم اليوم.

ويجب علي إبلاغكم بكل صراحة بأنه بعد طبع كتابي (هويات متغيّرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية) والذي حوى مجموعة من المقابلات مع الشباب والشابات السعوديين تحدّثوا خلالها عن تطلعاتهم، واحباطاتهم، وآمالهم.. اعتقدت ـ وبصفتي أكاديمية ـ بأن الكتاب كان مساعداً للحكّام كيما يفهموا رعاياهم الشباب، وذلك شيء أساسي إذا ما كانوا جادّين في موضوع الإصلاح. ولكنني أُبلغت من قبل السلطات السعودية بأنني بحاجة للمرور عبر (إعادة تأهيل تعليمي) في المملكة. إعادة التأهيل التعليمي هي في أيدي سلطة قضائية سريّة جداً. للمعلومات حول (إعادة التأهيل التعليمي)، أحيلكم إلى تقارير منظمة العفو الدولية. وبعد كتابي: (مهد الإسلام: البحث عن الهوية الحجازية)، تم طبع كتاب من قبل وزارة الداخلية السعودية بعنوان: (هويتنا ومغالطات مي يماني)، يرصد أخطائي الكثيرة، التي قد تكون صادمة جداً للبوح بها في هذه الصالة الجميلة.

أعرف أكاديميين سعوديين الذين بسبب كتابة مقالة، تعرضوا إثرها لستين جلدة، اعتبرتها السلطات بأنها (رادعة). لقد كتبت دزيّنة من المقالات التي نشرت في بلدان عديدة إضافة إلى كتبي، ولا أعتقد بأن لدي ظهراً يمكنه تحمّل عدد الجلدات المطلوبة لـ (الردع). فـ 1000 جلدة ليس حكماً غير شائع بالنسبة للمؤلّفين والمذيعين، على سبيل المثال، حالة عبد الجواد الذي حكم عليه 1000 جلدة خلال خمس سنوات من اعتقاله بتهمة (الدافع لارتكاب إثم). أنظر تقرير هيومان رايتس ووتش. في فبراير 2008، تمَّ الحكم على الدكتور أبو رزيزة، محاضر في جامعة أم القرى بمكة، 180 جلدة والسجن لمدة ستة شهور بسبب تناوله الكباتشينو في مقهى ستاربكس مع طالبته التي لم تكن بصحبة محرم.

د. يماني وروبرت ليسي

وعليه، فإنني الآن إذ أعطيكم أوراق اعتمادي للعمل كصوت للمثقفين المكبوتة أصواتهم في السعودية، دعوني أحدد بصورة عامة هواجسهم ومخاوفهم. بعض هؤلاء معروفون، وآخرون لا يرغبون بأن تكشف هوياتهم لأسباب واضحة. فحين يتحدّثون عن حقوق الإنسان، يذكّروني بقول الخليفة عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).

إن موضوعة الحرية تهيمن على خطابهم. فليس هناك حرية للتعبير. فالصحافيون والأكاديميون الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء للرقابة يتم فصلهم من أعمالهم، ويُمنَعون من الكتابة (مثل وجيهة الحويدر)، أو يخضعون للجلد أو السجن (متروك الفالح)، أو حتى يُهدَّدون بفتاوى الموت (مثل تركي الحمد).

وليس هناك حرية اعتراض، فالتظاهرات غير قانونية، وعقوبة التظاهر هي السجن والجلد، ولكن ذلك يتوقّف على مزاج القاضي المحلي حيث ليس هناك قانون جزائي في السعودية. أنظر تقرير إتفاقية الأمم المتحدة لعام 2009.

وليس هناك حرية عبادة، فالإعتقالات على خلفية ممارسات دينية لا تتوافق مع المذهب الوهابي المهيمن قد تؤول الى السجن. فالشيعة الذين يعتبرون مرتدّين وهراطقة مستهدّفون بصورة خاصة، أنظر آخر تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش. وأن غياب حرية الممارسة الدينية تستوعب السنّة الآخرين، وهم من غير الوهابيين مثل الحجازيين من مكة. فإقامة احتفال المولد النبوي، الذي يجري في كل العالم الاسلامي، تقود إلى الحبس في السعودية.

وهناك تمييز شديد ضد المرأة، وفي ذلك تعارض واضح مع الشريعة الإسلامية. زينب، وهي بنت شابة من المدينة، كتبت لي تقول: (بصرف النظر عن عدد ناطحات السحاب التي أقيمت في الرياض، لانزال ممنوعين من مزاولة القانون، وسواقة السيارة، ومغادرة البلاد بدون إذن محرم، وحتى الولادة لا تتم بدون اصحطاب ذكر الى المستشفى، وقد أعطي المطاوعة الحق في إهانتنا أمام الملأ والتحقّق من عقيدتنا الإسلامية. ولذلك، ماهي فائدة ناطحات سحابهم! فإنها لا تعدو أكثر من نصب مصطنعة بنيت على الرمال). فاطمة من الأحساء بعثت لي هذه الرسالة: (عيّنوا إمرأة بصفة وزير تعليم، ولكن نحن بحاجة الى سواقة السيارة كيما نأخذ أبناءنا الى المدرسة. فهذا سيجلب الفائدة إلى كل النساء أفضل من تعيين إمرأة في السلّم الوزاري للإستهلاك الغربي).

لقد ضاعف الملك عبد الله من قرارات العفو الملكي في حال انكشفت للإعلام الدولي مثل قضية (بنت القطيف)، ولكن العفو الملكي في حالات أخرى في موضوعة المطالبة بالاصلاح الحقيقي في النظام القضائي لن تنجي آلاف معتقلي الضمير في المملكة.

وبحسب منظمة العفو الدولية، يوجود حالياً مابين ستة وثمانية آلاف معتقل ضمير في السعودية بدون تمثيل قانوني أو محكمة عادلة. ويخضع هؤلاء للتعذيب والحرمان من النوم. فلا يغطي قرار العفو الملكي هؤلاء الذين يخرجون من السجن، ولكنهم ممنوعون من الكلام ويحرمون من السفر لمدد غير محددة. ولدي مئات الأسماء من الرجال والنساء الممنوعين من السفر مثل عبد المحسن هلال، ووجيهة الحويدر، ومتروك الفالح. وأود توزيع بعض التقارير التي تشتمل على قضايا الجلد، والحبس، والمنع من السفر.

ثمة جمود مثير للغرابة يعيق السعودية. فليس هناك إصلاحات استيعابية حقيقية، وليس هناك توجّه نحو الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية. فالقمع يتم تبريره بإسم محاربة الإرهاب. وقد تم اعتقال أكاديميين وأساتذة محترمين تحت راية الحرب على الإرهاب. وتقدّم منظمة العفو الدولية أسماء وحالات مفصّلة.

السؤال الذي يجب طرحه: ماهو الهدف من وراء هذه القيود حين لا يمكن إبقاء العالم خارج مجال التأثير؟ فلم يعد بالإمكان إغلاق حدود المملكة. فقد كشف موقعا فيسبوك ويوتيوب الحادث الكارثي للسيول في جدة.

وحتى اجتماعنا في هذه الغرفة اليوم أصبح معروفاً، ومتوقّعاً، ومناقشاً في المواقع الالكترونية السعودية. أيها السيدات والسادة، حيث نجلس نحن في هذه الغرفة، فإن هذه الجدران لا تفصلنا عن السكّان في السعودية الذين يطالبون بحقوق الإنسان، والمساواة، والكرامة.

وفي الختام، حين تقرأون كتب الصحافيين والمؤرّخين الذين يزورون المملكة مثل روبرت ليسي، قد تشعرون بالأمل في السعودية وهي في طريقها نحو المستقبل، مستقبل المساواة لكل رعايا المملكة. وإنني أتمنى بالفعل أن أستطيع الآن اعتناق مثل هذه الآمال. ربما في يوم ما حين تصمت الرسائل الكئيبة والمواقع الانفعالية، سأكون قادرة على مقاسمة الثقة التي لدى بعض هؤلاء الزوّار للمملكة الذين يجلبون قصص السجون السعيدة إلى أوطانهم.

الصفحة السابقة