هذا في الكويت وليس في السعودية!

ترشيح المرأة للبلديات محل نظر!!

عبدالحميد قدس

نصف مشلول، متخلّف، ونصف منتخب..هذه مواصفات المجالس البلدية منذ نشأتها الاولى في هذا البلد العام 2005، فهي نصف مشلولة لأنها مجالس ذكورية، لا حظّ ولا نصيب فيها للنساء، ولذلك حرمت المرأة من الترشّح والإنتخاب، ولو كان هناك صور أخرى للحرمان لطالتها إجراءات (سيدي ومولاي..). وهي متخلّفة، لأن كل النشاطات الإصلاحية طيلة عقد ونصف (1990 ـ 2005) مصمّمة لمطالبة الدولة بإجراءات إصلاحات سياسية جوهرية تبدأ بإقرار دستور شامل وواضح يحدد الحقوق والواجبات للمحكوم والحاكم، ويرسم آلية تعيين نواب الشعب عبر الإنتخابات الحرّة النزيهة والمباشرة التي تفرز برلماناً شعبياً يمارس دور السلطة التشريعية والرقابية على أداء السلطة التنفيذية، ويحد من تغوّلها، ويؤكّد على استقلالية القضاء ونزاهته في تطبيق القوانين.

ولكن ما جرى بعد ذلك كان أدنى بكثير من مطالب وتوقّعات الإصلاحيين، فتمَّ اختزال مطلب البرلمان المنتخب والنزيه بمجلس بلدي نصفه منتخب ونصفه الآخر معيّن من قبل الملك، ولا تحضره النساء ولا تشارك في صنعه، ولسان الحال: طلبنا جزوراً فأعطونا عصفوراً. ورغم ذلك، فإن حتى هذا العصفور كان عصيّاً على القبول. فقد فُرضَ على المجالس البلدية أن يأتي نصف أعضائها من الذكور بالإنتخاب ونصفها الآخر بالتعيين.

هذه المجالس التي بقيت لعام واحد وهي تعيش صراعاً في الهوية والمكان، فأكثر المجالس بقي يطرح السؤال عن هويته هل هي من اختصاصات وزارة الشؤون البلدية والقروية أم وزارة الداخلية، وبالتزامن معه طرح سؤال المكان، فلم تخصص أماكن محدّدة لهذه المجالس بل بقيت متطفلّة على مباني الأمانات والمحافظات. أما الموضوعات فقد خضعت المجالس الى قاعدة (إنت وشطارتك)، فبإمكان أعضاء المجالس البقاء في بيوتهم والإحتفاظ بمرتب شهري ثابت، أو خوض (المعارك) مع الوزارات المعنية للحصول على مخصصات للمحافظات التي ينتمي لها الأعضاء، فما تحصل عليه محافظة ما لا تحصل عليه الأخرى، وذلك راجع للمشاطرة وليس لدراسات جدوى أو الحقوق.

على أية حال، فإن المجالس التي لم تنتعش في دورتها الأولى اليتيمة سوى عامين، حيث كان التناوب على الرئاسة والحضور المنتظم للأعضاء، في بعض المجالس على الأقل، أجهضت في السنة الأخيرة، حين بدأ الحديث عن تأجيل الانتخابات البلدية لعامين آخرين بحجة النظر وتطوير التشريعات وآليات عمل المجالس (ماورد في قرار التأجيل تعمّد أن يترك الباب واسعاً أمام تفسير نص التأجيل الوارد في القرار).

فيما يبدو، أن تأجيل الانتخابات البلدية لعامين آخرين لم يوقف الوتيرة المتصاعدة لتوقّعات الناس. ورغم الفاصلة بين تطلعات السكّان والحكومة تزاداد اتساعاً وعمقاً، فإن العناصر التي تدخل الى حلبة التجاذب بين المجتمع والسلطة هو ما يجعل الأمور أشد تعقيداً ولكنه يحمل بشارة أمل أيضاً بتكاثف الغيوم في منطقة واحدة والتي قد تهطل غيثاً.

الجدل حول مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية المقبلة، بدأ بوتيرة متسارعة في الشهرين الماضيين، مع بدء الكلام عن احتمال إجراء انتخابات بلدية العام القادم. في 19 مارس الماضي، نقل مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في جدة ياسر باعامر ما يدور من مناقشات حول طلب تقدّمت بها الحكومة الى وزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية لمناقشة إشراك المرأة في انتخابات المجالس البلدية المقرر عقدها في 2011 بشكل سري، والذي أثار جدلاً واسعاً على عدة أصعدة.

واعتبر العديد من المختصين والمختصات بحقوق المرأة السعودية القرار الحكومي بمثابة جس نبض لـ(الإسلاميين المحافظين) الذين يسيطرون على 36 مجلسا بلديا في السعودية بعد نجاحهم الساحق في أول انتخابات تجرى في السعودية عام 2005. حيث أكّدت سارة الخثلان وهي مستشارة في شؤون المجالس البلدية السعودية عدم وجود مخالفات شرعية في مشاركة المرأة السعودية مرشحة وناخبة في انتخابات المجالس البلدية القادمة.

وعبّرت الخثلان لـ (لجزيرة نت) عن اقتناعها بأنه (لا يمكن تجاوز) مشاركة المرأة في تلك الإنتخابات، مؤكّدة أن الأمر يحتاج إلى قرار رسمي من القيادة السياسية العليا ينهي هذا الجدل، معتبرة أن سيطرة الأعراف والتقاليد تعد العائق الأكبر لولوج المرأة تلك الإنتخابات. واتّهمت الخثلان بعض السلطات الدينية والمختصة بممارسة إزدواجية مع المرأة، حيث أجازت هذه السلطات للمرأة الترشح والتصويت في انتخابات الغرف التجارية الصناعية، بينما تعارض ترشحها لانتخابات المجالس البلدية.

من جانبها إعتبرت مراقبة فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن السبب وراء المناقشة السرية هو عدم حسم القرار السياسي على مستوى القيادة السعودية، مشيرة لتصريحات للنائب الثاني للعاهل السعودي ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، أعلن فيها أن السعودية تدرس إمكانية مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية المقبلة ترشحًا وانتخابًا، قبل أن يعود في مارس/آذار 2009 ليقول إن بلاده لا تحتاج إلى تمثيل للمرأة في مجلس الشورى، وإنه ليس هناك ضرورة لدخول المرأة السعودية لأي انتخابات.

بدورها اتهمت الدكتورة سهيلة زين العابدين الداعية الإسلامية وعضو الجمعية السعودية لحقوق الإنسان بعض علماء الدين بأنهم يخضعون النصوص القرآنية والنبوية للأهواء والتقاليد، مضيفة (أنهم يعارضون أي مطلب شرعي للمرأة، ويغالون في تطبيق قاعدة سد الذرائع على المرأة).

ولم يعارض الداعية الإسلامي الدكتور علي بادحدح حق المرأة بالتصويت، مؤكداً عدم وجود حظر شرعي في ذلك، وقال (حق التصويت للمرأة سيكون إيجابيًّا، حيث ستحرص على انتخاب من يحافظ على مصالحها الإجتماعية وكيان الأسرة)، إلا أنه اعتبر أن مسألة جواز ترشّحها، تتعلق بنوع الإنتخابات التي ستخوضها، دون إبداء تفاصيل أخرى.

وكانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قد اعتبرت في تقريرها الصادر في يناير/كانون الثاني 2009 عدم السماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات (ترشحاً وانتخاباً)، مخالفة صريحة لبعض الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها السعودية. وأوصت الجمعية بإصدار نظام خاص بالإنتخابات يحدّد شروط الترشيح والإنتخاب بما يكفل المساواة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة.

لكن الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء ومستشار العاهل السعودي، رفض وجهة النظر التي تقول إن المرأة السعودية بحاجة إلى قرار سياسي لنيل ما يسمى حقوقها الانتخابية، مشددا على أن الأمر يتعلق بالشرع.

وأكد أن القرار السياسي ظل وسيظل دائماً في خدمة القرار الشرعي الإسلامي، وانتقد من يقول إن المؤسسة الدينية تقف عائقا أمام نيل للمرأة لحقوقها، ووصف من يقولون بأن حقوق المرأة في السعودية مهضومة بأنهم تغريبيون يريدون تغريب المرأة عن دينها وأصالتها.

الصفحة السابقة