الشقيقة اللدودة

قبل نحو عقدين كانت قوة العائلة المالكة تكمن في كونها غامضة، مواربة، سريّة وتفرض قوانينها على الآخرين بطريقة إكراهية لأن العلاقات بين الدول تقوم على أساس ما يشبه إتحادات إقليمية (مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي..). ولهذا السبب، أملى آل سعود على العوائل الحاكمة في الخليج أنماطاً في العلاقة البينية وقيوداً صارمة على سياساتها الداخلية والخارجية، فكان لا يجرؤ حاكم خليجي على إحداث أدنى تطوير في بنى النظام السياسي دون أن يؤخذ رأي أو تحفظ آل سعود في الإعتبار، وكان ما ينشر في وسائل إعلام أي دولة خليجية تراعى فيه مشاعر الشقيقة الكبرى، وكذا الحال في إقامة علاقة من أي نوع مع أي دولة خارج الإقليم، وحتى صفقات التسلح مع الغرب كان فيه لآل سعود كلمة يجب سماعها.

قبل نحو عقدين كانت قوة العائلة المالكة تكمن في كونها غامضة، مواربة، سريّة وتفرض قوانينها على الآخرين بطريقة إكراهية لأن العلاقات بين الدول تقوم على أساس ما يشبه إتحادات إقليمية (مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي..). ولهذا السبب، أملى آل سعود على العوائل الحاكمة في الخليج أنماطاً في العلاقة البينية وقيوداً صارمة على سياساتها الداخلية والخارجية، فكان لا يجرؤ حاكم خليجي على إحداث أدنى تطوير في بنى النظام السياسي دون أن يؤخذ رأي أو تحفظ آل سعود في الإعتبار، وكان ما ينشر في وسائل إعلام أي دولة خليجية تراعى فيه مشاعر الشقيقة الكبرى، وكذا الحال في إقامة علاقة من أي نوع مع أي دولة خارج الإقليم، وحتى صفقات التسلح مع الغرب كان فيه لآل سعود كلمة يجب سماعها.

لم يكن من بين دول الخليج من كان يجرؤ على البوح باعتراض من أي نوع ضد الهيمنة السعودية واختراق السيادة، فقد كان الجميع ينظرون الى آل سعود كوكلاء وحيدين لواشنطن في المنطقة، وأن رضاهم من رضاها، فكان حكّام الخليج يخشون مجرد إزعاج الشقيقة الكبرى خشية أن يصلهم غضب أميركي في هيئة انقلاب أو تبديل حاكم أو تقليص امتيازات، أو حتى التهديد بعقاب مستقبلي.

عثر حكّام الخليج على السر في حرب الخليج الثانية، أي بعد احتلال العراق للكويت في الثاني من أغسطس 1990، فقد تبدّل المشهد الدولي، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي قبل عام من احتلال الكويت، وباتت أميركا القطب الوحيد المستفرد بشؤون العالم. في تلك الفترة، بدأت بوادر اضمحلال الصيغ الإقليمية وفي مقدمتها مجلس التعاون الخليجي، الذي خضع لامتحان جدي بالبقاء، والسبب ببساطة هو ما جرى فور استكمال عملية تحرير الكويت في فبراير 1991، حيث وقّعت كل من الكويت وقطر والامارات إتفاقيات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة تسمح بوجود قواعد عسكرية ثابتة، وتعاون أمني مشترك، وحضور عسكري دائم. وكان من أهم مفاعيل هذه الاتفاقيات أنها حرّرت هذه الدول من هيمنة الشقيقة الكبرى، وبات بإمكانها التحرّك في سياستها الخارجية دونما الرجوع الى الجارة الكبرى. لنتذكر، أن لدولة قطر قصب السبق في شق خيار الاستقلال عن الهيمنة السعودية في بدايات التسعينيات، الأمر الذي دفع آل سعود لتحريك بعض قواتها ناحية مركز الخفوس الحدودي والاشتباك مع القوات القطرية المرابطة فيه بهدف إيصال رسالة الى القيادة القطرية، ولكن مسيرة الاستقلال بدأت حينذاك من هيمنة الشقيقة الكبرى..في وقت لاحق قريب، بدأت معالم استقلال السياسة الخارجية القطرية التي بدأت تجني ثمار تميّزها، وجاء بث قناة (الجزيرة) في تلك الفترة ليرسّخ خيار التحرر من آل سعود.

مثال آخر لم ينل حظاً وافراً من الإهتمام، وهو التجاذب الإماراتي السعودي الذي يدور في مفتتحه وخاتمته حول صراع مراكز القوى، واستماتة آل سعود لجهة إستعادة سيرة الشقيقة الكبرى التي تهيمن، وتملي، وأحياناً ترغم الدول الصغيرة التي تصر على بقائها في مرحلة ما قبل الرشد والاستقلال. في العام الماضي ظهرت مؤشرات شقاق سياسي عميق يخفي سيرة طويلة من الخلاف الكامن بين حكام البلدين. كان انسحاب الامارات من مشروع الوحدة النقدية الخليجية في العام الماضي بعد ان أرغمت الرياض دولاً في مجلس التعاون الخليجي على القبول بأن تكون الرياض مقراً للبنك المركزي المشترك، وقد نظر آل سعود لانسحاب الامارات بأنه صفعة من العيار الثقيل لمشروع سعوا منذ العام 2001 على تحقيقه، ولكن في كل مرّة كانت الظروف تعاكس رغبتهم، فيما كانت تسريبات المجالس الخاصة تفيد بأن رفض الامارات ليس الاستثناء وأن الموافقة التي تبديها دول أخرى مثل قطر والبحرين والكويت وحتى عمان ليست سوى تبادل أدوار، حيث أن أنباء كانت ترد من عواصم خليجية عن نيّة ثلاث دول خليجية تبني مشروع نقدي مشترك. فضلاًً عن ذلك، فإن ثمة اجماعاً بين المراقبين يفيد بأن الاستمرار في تعيين محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في مارس/آذار الماضي رئيساً لاعلى هيئة بالوحدة النقدية لمدة عام واحد ستعزّز من موقف الامارات الرافض للوحدة النقدية وستحلق بها عمان.

ما بين الامارات والسعودية مواقف من التجاذب والمشاكسات التي تعكس النزوع المتعاظم لدى دولة الامارات لناحية تحقيق شروط الاستقرار والاستقلال بعيداً عن هيمنة الشقيقة الكبرى التي تعتقد الإمارات بأنه قد استبد بآل سعود الحسد من منجزاتها فأرادت الحد من مسيرة التطوّر والتنمية في هذه الدولة. حتى نهاية عام 2004، أي وفاة مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، كانت الخلافات الاماراتية السعودية تجري خلف الستار، وفي المجالس المغلقة، ولكن منذ ثلاث سنوات أخذ الخلاف شكلاً تصاعدياً الى أن ظهر في وسائل الاعلام وصار الكلام ضد المسؤولين الاماراتيين في الصحف السعودية ومن بينها (الشرق الأوسط)، و(إيلاف) يجري بطريقة لافتة وتهكمية. سلسلة تطوّرات متلاحقة يمكن سردها بصورة عاجلة: منع مواطني الإمارات من دخول المملكة باستخدام بطاقات الهوية، تشكيل الامارات مجلساً لشؤون الحدود في نهاية عام 2009 بما يعني عدم الاعتراف بالاتفاقية الحدودية مع السعودية، اعمال شغب بين مشجعي فريق الوصل الاماراتي وفريق النصر السعودي في دبي (2010)، حملة اعلامية سعودية ضد مدير شرطة دبي ضاحي خلفان منذ الكشف عن ضلوع الموساد في عملية اغتيال القائد في حركة حماس محمود المبحوح..

يتهكّم مسؤولون كويتيون وبحرينيون في مجالسهم على آل سعود، وغالباً ما يصفونهم بالتخلف والتطرّف والعنجهية الفارغة، وينقل مقرّبون من العائلة المالكة في البحرين أنه ما إن يأتي ذكر آل سعود في مجالسهم حتى يبدون امتعاضهم مطالبين بتغيير الموضوع، أما في الكويت فيقول أحد روّاد مجالس الشيوخ بأنهم لا يطيقون سماع مجرد إسمهم..فهل أبقى آل سعود مكاناً للحب في قلوب أشقائهم؟!

الصفحة السابقة