لماذا غضبت فرنسا وبريطانيا من الصفقة؟

أميركا تستحوذ على سوق السلاح السعودي

ناصر عنقاوي

السعودية بطّة تبيض ذهباً منتظماً يتقاسمه الكبار.

هذه حقيقة.

حصّة الأسد تذهب لأميركا، تليها بريطانيا، تليها فرنسا، فألمانيا.

وهناك دول متطفلة على سوق السلاح السعودي، لا تعقد معها صفقة إلا وتثير مشكلة: الصين (صواريخ سيلك وورم) وروسيا (عقدت صفقة بقيمة مليارين ونصف المليار دولار بداية العام بغرض شراء الموقف الروسي من ايران، وقد نجحت في ذلك).

ودول أخرى ملحقة بالغرب، ولكن يمكن أن تنال بين الفينة والأخرى بعض الإمتيازات في صفقات سلاح صغيرة (مدافع جنوب أفريقيا).

الصفقة السعودية الأخيرة مع أميركا، بدت وكأنها خارج المألوف، ولربما تفاجأ البعض حين لاحظ أن الإعلام البريطاني قد تعاطى معها بشيء من الحساسية والضيق، وربما هاجمها وطعن فيها. والفرنسيون في إعلامهم أيضاً لم يكونوا مرتاحين من الصفقة.

البحرية السعودية، من الفرنسة الى الأمركة!

مالذي تغيّر؟

لقد جاءت الصفقة السعودية الأخيرة (60 ألف مليون دولار) وكأنها خرق أميركي لاتفاق غير معلن أبرم بين موردي السلاح الكبار للسعودية.

طبيعة الإتفاق غير المكتوب يمكن تلمسها في التالي:

1/ تكون حصّة بريطانيا من سوق السلاح السعودي، عبر توفير المقاتلات، وما يلحقها من غيار وخدمات.

2/ حصة فرنسا تجهيز البحرية السعودية بكل معداتها.

3/ حصة الأميركيين توفير المروحيات بأنواعها والمدرعات والدبابات والمدافع وأنظمة الدفاع الجوي والصورايخ وغيرها.

هذه الصورة يمكن أن تكون شديدة الوضوح خلال السنوات الثلاثين الماضية.

لم تعقد السعودية صفقة شراء مقاتلات من بلد غير بريطانيا منذ ثلاثة عقود، بدأت بالتورنادو وانتهت باليوروفايترز، وكلفت السعودية عشرات المليارات كأثمان ورشاوى!

ما يؤكد هذا، أن آخر صفقة عقدتها السعودية لشراء مقاتلات أميركية كانت عام 1978م وهي شراء سبعين طائرة اف ـ 15؛ ولسخرية القدر، أنه وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، طلبت السعودية صفقة أخرى من اميركا من الإف ـ 15 أيضاً.

لهذا كان لا بدّ أن ينزعج الإنجليز من الصفقة الجديدة، الذين يعتقدون بان لهم حصة فيها، نصفها على الأقل!!

رأت بريطانيا في الصفقة الأخيرة اعتداءً أميركياً صريحاً على تقاسم البيض الذهبي للبطة السعودية.

مع هذا، يبدو أن الأميركيين معذورون! فهم ما تخلّوا عن صفقات السلاح السعودي (المقاتلات) إلا لأن تلك المقاتلات كانت تتسبب في تفجر خلافات في الكونغرس، والسبب الآخر هو أن حجم الإقتصاد الأميركي هائل وكان بإمكانه الإستغناء عن بعض المنافع للحلفاء. أما اليوم، فالأميركيون في أزمة اقتصادية، شأنهم في ذلك شأن الإنجليز والفرنسيين وغيرهم. وهم يرون أنهم أولى بأن ينقذوا اقتصادهم من أن يلتزموا بنظام حصص غير مكتوب!!

تكشف واردات السلاح السعودي أن حصّة الولايات المتحدة منها بين عامي 1993-1996 بلغت 39%، وكانت حصة اوروبا 53%، وحصة الدول الأخرى 8%. وبين عامي 1997 - 2000 ارتفعت حصة اميركا من سوق السلاح السعودي الى 45% منها؛ وحصة أوروبا كانت 48%، ودول أخرى 7%. وبين عامي 2001 ـ 2004 انخفضت حصّة أميركا من سوق السلاح السعودي الى 25%؛ وحازت اوروبا على 73%، فيما حصلت دول أخرى على 2%.

هذه المعادلة تعرّضت لهزة كبيرة، وسيكون عام 2010 عام الإنعطافة الكبرى والإستحواذ الأميركي على صفقات الأسلحة السعودية ليس فقط في بعد الإستحواذ على بيع المقاتلات الحربية الى السعودية، بل والتجهيزات البحرية أيضاً، والتي كانت فرنسا ولعقود تتولاها، بما فيها توريد غواصات وفرقاطات سريعة وقوارب وأنظمة بحرية متطورة وطائرات خاصة وصواريخ، بل وإنشاء القواعد البحرية غيرها.

أهم الصفقات البحرية التي عقدتها السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية كانت مع فرنسا، فهي الممول الأول للترسانة البحرية السعودية. وما جعل الفرنسيين ينزعجون من الصفقة الأميركية الأخيرة للسعودية، أنها وإن لم تتضمن شيئاً يتعلق بتوريد أسلحة للبحرية السعودية، إلا أن الذي حدث هو أن الأخبار التي رافقت الصفقة الأميركية كانت سيئة لفرنسا أيضاً.

تقول الأخبار بأن السعودية وأميركا لم يستكملا بعد مباحثاتهما من أجل عقد صفقة تسلح للبحرية السعودية تقدر قيمتها بثلاثين مليار دولار! ما يعني أن الولايات المتحدة قررت أن تأكل حصة حلفائها وأن تستحوذ على ما تنازلت عنه من الذهب الذي تبيضه البطة السعودية!

تهانينا!

الصفحة السابقة