الفيصل في القاهرة ونجاد في بيروت

التهدئة الى متى؟

محمد الأنصاري

تبدو السعودية يائسة مما يجري في لبنان. الأوساط اللبنانية ـ كما صحيفة السفير ـ تقول بأن الملك عبدالله لا يميل الى الإنغماس في الشأن اللبناني حتى العمق، وهو انغماس جرى في بداية الثمانينيات الماضية، حين أُرسلت الرياض الحريري الأب لإبرام المصالحة الداخلية بالتوافق مع سوريا، وليتوّج بعدئذ رئيساً توافقياً لكل اللبنانيين.

الملك عبدالله، لا يرغب في المناكفات السياسية ولا يجيدها، بعكس الطاقم السديري (الأمراء الكبار نايف، سلطان، سلمان، ومعهم وزير الخارجية سعود الفيصل وشقيقه تركي) الذي يقاتل بمخالبه وأسنانه، ويعتبر معركة السعودية في لبنان كما في العراق واليمن لم تنته بعد، ولا يجب التسليم بالهزيمة مهما كانت الظروف (عنزة ولو طارت).

وحده الملك عبدالله ـ بين اخوته الفاعلين ـ الذي لا يعلم بالدقّة ماذا يريد وماذا يفعل.

لا يدري هل يصدّق أن سوريا كانت وراء اغتيال الحريري، وهو الأمر الذي دفعه لتوبيخ بشار في الرياض، ولتتوتر العلاقات فيما بعد الى اليوم، قبل أن تتكشف الحقائق وتتوجه أصابع الإتهام باتجاه أطراف أخرى؟ هل عليه ـ أي الملك ـ أن يصدّق مرّة أخرى تضليلات أخوته وبعض مستشاريه له، ومن ورائهم بعض القياديين في طاقم الحريري الإبن، بأن المحكمة الدولية نزيهة، وأن حزب الله يمكن أن يكون وراء الإغتيال (اتهام ظنّي، لا يرقى بعد الى الحقيقة)؛ أم يكذب ما يسمعه بالنظر الى تجربة المحكمة السابقة، وكيف استغفل هو ـ اي الملك ـ ومملكته ليكونا أداة في الصراع مع سوريا خدمة لأميركا واسرائيل؟

والآن، يتصل به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كما كان يبادر ويفعل ويقوم بالزيارات المتتابعة الى الرياض، متحمّلاً قسوة السعوديين واتهاماتهم وإعلامهم وفتنهم المذهبية.. الآن يتصل نجاد بالملك عبدالله ـ قبيل زيارته الى بيروت ـ ليطمئنه بأن: إيران صادقة في محاولة نزع فتيل الفتنة الداخلية اللبنانية، وانها لا تريد صبّ الزيت على النار، وأنها لا تعتبر نفسها في مواجهة مع السعودية على ارض لبنان، بل مع اسرائيل والأميركيين. فهل يا ترى صدّق الملك عبدالله ذلك؟!

التطمينات التي قدمت للسعودية هاتفياً آتت أُكلها. فقد انخفض منسوب التحريض في الإعلام السعودي، فترة زيارة نجاد. والأهم أن الطاقم السياسي اللبناني بمجمله ـ الموالي والمعارض والمحايد، الأكثري والأقلوي ـ كان حاضراً، بمن فيهم اولئك المعترضين بشدّة على الزيارة، بل على وجود نجاد في لبنان، مثل جعجع وأمين الجميل! بل ان الأول ـ جعجع ـ امتدح الرئيس الإيراني وخطابه، وقال بما يفيد: هكذا يجب أن تكون الخطابات!!

السعوديون وغيرهم يريدون تهدئة طويلة المدى في لبنان ولكن بلا ثمن أو تنازلات. وهم يريدون التهدئة من نجاد باعتباره لاعباً أساسياً في ذلك البلد. والمعارضون لحزب الله، يريدون منه ومن حلفائه التهدئة، كونه منتصراً من الناحية العملية، وهو صانع السياسات اللبنانية، وبالتالي فالتهدئة المستمرة يفترض أن تأتي من الأقوى والأكثر سيطرة على الأرض. فهل ستساعد زيارة نجاد على ذلك؟ هذا ما أمّله صراحه وزير الخارجية السعودي بعيد لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك، حيث ناقش معه محتوى رسالة نقلها من الملك الى مبارك حول شؤون المنطقة (العراق ولبنان وفلسطين).

مصر تميل الى مراجعة سياساتها الماضية وعدم الإستمرار في المواجهة التي لم تفد إلا في تقزّم نفوذ حلف المعتدلين، ويحتمل أن يكون سعود الفيصل قد ناقش مع المسؤولين المصريين الخيارات البديلة في التعاطي مع الشؤون العربية في البلدان الثلاثة، حيث تميل الكفة الى الحلف الإيراني السوري: (المالكي مرشح رئاسة الوزراء؛ الحريري مهددة حكومته بالإنفلاش؛ عبّاس لم يقبض سوى الريح من أميركا رغم المفاوضات المباشرة والغطاء العربي من قبل السعودية ومصر). لا فائدة إذن في التصعيد، ولو كان التصعيد سيفيد إذن لمضى البلدان مصر والسعودية فيه حتى النهاية. لكن التصعيد على مستوى لبنان مثلاً، سيؤدي الى إسقاط الحريري، وسيطرة شبه تامة لحزب الله وحلفائه على الوضع اللبناني.

إيران وسوريا لا تميلان هما الأخريان الى اعتماد سياسة كسر العظم. بل يمكن القول أن طموحهما واسع الى حد أنهما يعتقدان بأنهما قادرين على جرّ حلف الإعتدال الى الإنخراط في حلفهما، أو تغيير المسار السياسي لمصر والسعودية بشكل دراماتيكي (كما حدث لتركيا)، بعد الفشل المتواصل لذلك المسار على مدار عقد كامل.

لهذا قد تكون التهدئة في لبنان بوابة لتغييرات قادمة في العلاقات بين حلف المعتدلين ومحور الممانعة. السؤال وماذا ستصنع أميركا واسرائيل؟ هل ستسمحان بتهدئة الوضع، ام تبادران بوضع المفخخات والمتفجرات لإبقاء الإنقسام على حاله، حتى ولو تم تجاوز آثار المحكمة الدولية التي ستتهم حزب الله في الضلوع بمقتل الحريري الأب؟

لبنان خلق كساحة للصراع، والأرجح انه سيبقى مادامت اسرائيل على حدوده.

الصفحة السابقة