(إيلاف) تلمّعه وتبشّرنا بعودته غير الميمونة!

الأمير (الشقيّ) لا يعيد الحياة لمملكة (ذاهبة)!

خالد شبكشي

لأمرٍ ما بشّرتنا الجريدة الإلكترونية السعودية (إيلاف) في 10/10/2010 بأن سوبرمان السعودية، الأمير بندر، عائدٌ يوم الخميس 14/10/2010 الى السعودية، بعد غياب عن الحياة السياسية مدّة عامين. نفهم ان صاحب الموقع الإلكتروني اعتاد على تبجيل بندر، إما إعجاباً بسياساته المتطرّفة والتآمرية المجازفة (تمويل الكونترا، مجزرة بئر العبد لإغتيال السيد فضل الله، تمويل فتح الإسلام، وغارانغ، العلاقة المكشوفة مع قيادات الصهاينة.. الخ)، أو لأن هناك مصالح شخصية تربط بين الرجلين. ويأتي التلميع (الإيلافي) للأمير المدمن بندر ضمن هذا السياق.. وكأنه يقول: افسحوا المجال وابتعدوا عن الطريق، فقد جاءكم (فلتة) زمانه، وفريد عصره وأوانه، ليحل لكم ما استشكل من أمور سياستكم، والتي كان سبب ارتكاسها غياب سموه عنكم مدّة عامين!

ما لا نفهمه هو هذا التطرّف (الإيلافي) في المديح لأمير لم يثر مثله جدلاً حول سلوكه السياسي والشخصي. التطرف في المديح لم يكن كافياً لإيلاف، فكان لا بدّ من التطرّف في ذم الخصوم الذين سيكافحهم، الأمير الشقيّ بندر.

من العنوان تقرأ التطرف في الأمرين: التلميع لأمير متآمر وفاسد وإعطائه حجماً أكبر من قدراته؛ والذمّ للخصوم في محور الممانعة الذين أصبحوا (أشقياء) في إيلاف عثمان العمير: (أجواء تعد بعودة الديناميكية الى محور الإعتدال أمام محور الأشقياء/ السفير السوبر عائد الى السعودية الخميس)!

إذا كان محور الإعتدال الذي شبع هزائم سينتعش على يد هذا الأمير المدمن والشقي والمتآمر، فتعساً لهذا المحور!

محور الإعتدال لم تنجح أميركا في إيقاف هزائمه وانحداره، لأن هزيمته جزء من هزيمة وتراجع أميركا واسرائيل في المنطقة. وليست الهزيمة عائدة لأن بندر (الفلتة) غاب عن ساحة الوغى الى جانب المعتدلين!

على العكس، فإن بندر الشقي ما تراجعت أسهمه إلا لأنه أوقع حلف المعتدلين (تخفيفاً لكلمة العملاء لواشنطن واسرائيل) في مآزق الواحد تلو الآخر: (تهيئته لإنقلاب على سوريا/ تمويله الزرقاوي في العراق/ ثم تمويله لفتح الإسلام لتجابه حزب الله بعد حرب تموز/ وتهيئة الدحلانيين والمتآمرين على حماس في غزة لينتج فيما بعد مملكة رفح السلفية).

بندر لا يضيف الى حلف واشنطن واسرائيل (حلف المعتدلين العرب) قوة، بل يزيدهم وهناً الى وهن.

حلف الوهن العربي ليس موعوداً بديناميكية بندر، فالأخير عاش حالة ستاتيكية مدّة عامين، ولن يعيد أمير شقي لم ينته من التخلص من إدمانه بعد.. الحيوية لحلف بدأ برفع رايات الإستسلام.

معركة المعتدلين مع (الأشقياء) كما توصفهم إيلاف العمير، تكاد تنتهي معظم فصولها من طهران الى بغداد الى دمشق الى غزة الى لبنان. لم يربح حلفاء واشنطن واسرائيل من المعتدلين العرب معركة واحدة حتى الآن. فماذا يستطيع أن يفعل هذا الأمير الشقيّ والفاسد، والذي قال على شاشة التلفاز الاميركي، بأنه ليس مهماً خسارة ملياري دولار رشوة في صفقات السلاح! فكانت هذه واحدة من آخر فضائله قبل غيبة العامين!

الأمير الشقي: أيام عزّ مضت ولن تعود!

سيف الصانع، هو كاتب التلميع للأمير بندر! وربما أملى المعلومات شخص آخر. يقول الكاتب عن صاحبه بأنه (يتأهب للعودة) وكأنه يتحدث عن أسد سيثب وثبة على خصومه المحليين والخارجيين!

المدمن الشقي بالكاد يستطيع ان يقوم برعاية نفسه. ولا يبدو أن أحداً من اخوته وأبناء عمومته يريد للشقيّ عودة سياسية، بعد أن ورّط الرياض في أكثر من قضية، أقلّها توتير العلاقات مع سوريا وتدبير محاولة انقلاب عسكري عليها بالتعاون مع اصدقائه الإسرائيليين الذين وثّق الشقيّ علاقات بلاده معهم بشكل غير مسبوق منذ حرب تموز الصهيونية على لبنان 2006. وهو ـ اي بندر ـ من كان يشير اليه أيهود أولمرت بأن العرب يطلبون منه مواصلة الحرب حتى إنهاء حزب الله!

بعودة بندر ـ يقول الكاتب ـ ستنتهي الشائعات التي ترددت عن سبب غيابه او عزلته او انطوائه وما يقال عن اعتكافه السياسي. حسم الكاتب الأمر وقال ان غيبة الأمير الشقيّ كانت بسبب مرضه، ولم يوضح ما هو المرض، ولكنه يقول بأنه خضع لعمليات جراحية اربع خلال أقل من عام ونصف، وان صحته الآن ممتازة، فهو يعيش افضل حالاته الصحية ويمارس الرياضة، كما يقول الكاتب، وأنه يقضي أفضل أوقاته في المغرب الى جانب والده ـ ولي العهد ـ المصاب بالسرطان.

لن تنتهي الشائعات بعودة بندر الى الرياض. فليس مؤكداً وربما ليس مرجحاً أن يتولى أية منصب مهم، وإن بقي له منصب (مستشار الأمن القومي) فهذا المنصب لا مبنى له ولا مكتب ولم يقبل الملك عبدالله أن يداوم بندر في الديوان الملكي نفسه. بمعنى ان مسمى الوظيفة لا واقع له. والأرجح ان الدعاية التي تريدها إيلاف لبندر تستهدف إيصاله الى منصب ما. انظر الى وصف ايلاف بندر: (أخطر وأقوى سفير سعودي مرّ في تاريخ بلاده منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي)!

الفن الذي يجيده بندر هو (التآمر) والإمساك بالملفات السرية. وهذا الشغل في الأساس من وظيفة جهاز الإستخبارات. ولكن بندر من موقعه كسفير في واشنطن ـ والى ما قبل احداث سبتمبر الأثير لدى المحافظين الجدد ـ همّش دور رئيس الإستخبارات تركي الفيصل؛ ولا يُعتقد بأن الملك والأمير مقرن رئيس الإستخبارات سيسمحان لبندر بأن يتمدد الى الملفات التي سحبت منه. كما لا يعتقد أن يعاد كسفير في بلد ما. لا يبدو أن هناك موقع من المواقع (يليق) بالأمير الشقيّ!!

على أن (إيلاف) حددت مواصفات العمل دون مواصفات الوظيفة. من وراء إيلاف ـ وكجزء من ميولهم تجاه بندر ـ يعترضون على نهج الحكومة قليل الصدامية، وقد جرّوها الى معارك أتت على الدور السعودي في المنطقة العربية. فريق إيلاف وبندر هو المسؤول عن المواجهة مع دمشق ومع حزب الله ومع حماس ومع القذافي ومع البشير ومع إيران ومع المالكي وحتى مع اردوغان تركيا؛ وهو المسؤول عن إقحام الرياض في معارك خرجت منها كلّها ـ وبدون استثناء ـ جريحة.

وهذا الفريق نفسه لازال يريد المواصلة، فهو يبشرنا بـ (اتجاه سعودي لمزيد من التصلّب والوقفات الحازمة تجاه مستجدات تمرّ بها المنطقة) وهنا لا بدّ ان تكون هناك حاجة الى (العودة البندريّة). باعتباره (صقراً) روّج ودعا الى حرب أميركية اسرائيلية ضد ايران تساهم فيها السعودية مالياً وعسكرياً منذ عهد بوش الإبن. وينبه الكاتب في رسالته الموجهة للداخل والخارج بأن (موجة "الصقور" عائدة الى الواجهة من جديد في الرياض، وذلك بالتزامن مع عودة "صقور" أميركا المحافظين للإمساك بيد الكونغرس بعد الانتخابات التشريعية في منتصف الولاية)!

يقال هذا، لأن صقور أميركا بحاجة الى صقور من آل سعود يتماشون معهم (وليس يتصادمون كما في إيران!) وبندر هو المحبوب بين الصقور، ويجب إسناد دور ما اليه ليشارك صقور واشنطن معاركهم في المنطقة!

هذا التحليل الغبي لا يرى بأم عينيه هزيمة اميركا في المنطقة وتراجع نفوذها في العالم بشكل غير مسبوق. وهو لا يرى بأن واشنطن لا تستطيع (وليس لا تريد) شنّ حروب جديدة، وأن من يتحالف معها في المنطقة يرتكس فاسهمها الى هبوط مستمر لم يتوقف منذ سنوات.

وسواء عاد الصقور في واشنطن أم لم يعودوا، فإن الرياض لا يوجد بها سوى الدجاج وأصحاب عقول العصافير.

سيبقى أمراء آل سعود صغاراً وعالة على السياسة المحلية والإقليمية والدولية.

أقصى حدود الدور الذي يلعبونه هو ما توكله أميركا إليهم. هم لا مبادرة لهم ولا تفكير ولا بحث ولا رعاية لمصالح المسعودين فضلاً عن بقية العرب. النظام السعودي ـ الذي مثاله بندر ـ خلق لخدمة الغرب وسياساته.

وبندر الذي يقال أنه له أنصار ومؤيدون، كما يقول المقال، بغض النظر عن هذا التعبير غير المتداول في الخطاب السياسي الرسمي السعودي.. بندر هذا شخصية منتفخة أكبر من حجمها، ولكن (الملمّعين) يرون أنه شخصية فريدة من نوعها ليس على مستوى السعودية فحسب، بل وعلى مستوى العالم!! وأن عودته الى الرياض بعد مرضه وانعزاله أو عزلته والتي يقال أن أهم سبب لها هو محاولته الإنقلاب على الحكم السعودي القائم، فضلاً عن أخطائه الأخرى، ومشاكله الصحية العديدة.. ان عودته ستجعل للسياسة الخارجية السعودية حضوراً في المنطقة الخليجية الـ (محاطة بمجموعة من الاشقياء السياسيين) كما يقول كاتب المقال أو من أملى عليه كتابته، ويرجح أنه عثمان العمير صاحب إيلاف نفسه.

من هم الأشقياء السياسيون الذين يحيطون بالمنطقة الخليجية غير ايران؟ وأية أسلحة ردع يقول كاتب المقال أن الأشقياء يحتاجونها، أي يجب أن يواجهوا بها؟

يجيب: أن تعود أجهزة الأمن الوطني في دول الخليج للتنسيق ويضيف بأن (دول الخليج تسابقت على تأسيس اجهزة امن وطني، ثم جمدتها فجأة).. وهو هنا يقصد السعودية، إذ لا أحد أسس وجمّد سوى السعودية.? وجهاز الأمن الوطني الذي اُسس في السعودية وجمّد هو الجهاز الذي وضع بندر على رأسه!! أو مستشاراً له!! والمعنى واضح: فعّلوا الجهاز لبندر العائد والتائق لمواجهة الأشقياء! مع أنه لا يستطيع مواجهة ذبابة، وليس إيران! ولو كان بإمكان أسياده الصهاينة والأميركيين مواجهة ايران لفعلوها منذ زمن وأطاحوا بالنظامين في دمشق وطهران، ولدمروا لبنان على رأس حزب الله، وغزة على رأس حماس كما يحلم آل سعود.

وأخيراً، يطالب العمير كاتب المقال الأصلي ـ على الأرجح ـ بأن يعاد بندر الى الديوان الملكي الذي طرد منه، فصار بندر عاطلاً عن العمل ولا مكتب له يدير جهاز أمنه الوطني!. والحجة بأن الراحل غازي القصيبي مضى، فليحل محلّه هذا الشقيّ بندر. وشتّان بين الرجلين. فإذا كان غازي يملأ الديوان حيوية، فإن بندر سيملؤه تآمراً وخيانة، كما هي العادة.

الأشقياء كبندر لا يبنون دولاً بل يهيلون عليها التراب. وقد فعل وأنجز معظم المهمّة، فهل يأتي على ما تبقّى؟!

الصفحة السابقة