صراع الاجنحة وسباق التسلّح

فريد أيهم

الخارجية الأميركية تقول بأن السعودية تنفق 45% من دخلها على التسلّح، وفي السنوات من 1990 ـ 1992 بلغت النفقات العسكرية نحو 70%. ولكن السؤال: ما الغرض من تلك الصفقات الفلكية؟ وهل ثمة علاقة بين ارتفاع مداخيل النفط وحجم الصفقات؟ أم أن ثمة حرباً شاملة ستشهدها المنطقة ولابد من إعداد (العدّة) لها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى غير معلنة، وأن ما هو معلن يراد منه التغطية على ما هو مضمر؟

منذ قيام الدولة السعودية الحديثة العام 1932 وحتى الآن لم تخض القوات السعودية حرباً واحدة للدفاع عن أراضي المملكة، فقد كانت مشاركة قوات سعودية في اليمن في الستينيات من القرن الماضي لأغراض أخرى ولمواجهة التيار الناصري حصراً. وفي الحروب الخليجية الثلاث الأخيرة (1980 ـ 2003)، شاركت السعودية في توفير الدعم اللوجستي للقوات العراقية في الحرب ضد إيران (1980 ـ 1988)، ولقوات التحالف الدولي في الحرب ضد نظام صدام حسين لتحرير الكويت (1990ـ91)، وأخيراً لتسهيل تحرّكات الجيش الأميركي لإسقاط النظام العراقي في (مايو ـ إبريل 2003).

أما عن حرب اليمن الأخيرة (أغسطس 2009 ـ فبراير 2010) التي شاركت فيها القوات السعودية البريّة والجوية ضد الحوثيين بذريعة منع التسلل الى أراضي المملكة، فلم تكن حرباً بالمعنى التام للكلمة. فعلى صعيد الحرب الجوية، فإن الطائرات الحربية السعودية كانت تصول وتجول في الأجواء الشمالية لليمن، وتقصف وتدمّر دونما وجل أو حذر، ببساطة لأن الحوثيين لا يمتلكون مضادات جوية كفوءة لمنع القصف الجوي، وبالتالي فهي حرب من طرف واحد. أما على صعيد المواجهات البريّة، فكانت فضيحة بكل المعاني المعلومة والمجهولة، فقد خرجت القوات السعودية وقائدها الفذّ الجنرال الأمير خالد بن سلطان (الذي لم ينجح حتى في نطق إسم الرئيس اليمني صحيحاً حتى بعد تصحيح المصحّحين المتطوّعين) بفضيحة مكعّبة بعد مرور نحو ثلاثة شهور على انخراط القوات السعودية في تلك الحرب. ولو أحسن الحوثيون استعمال سلاح الإعلام، لتغيّرت الصورة كاملة ليس عن القوات السعودية، بل وعن الصفقات الفلكية التي تدفع من الثروة الوطنية في الوقت الذي يعاني فيه الناس من مشكلات البطالة والفقر وسوء الخدمات العامة..

في صفقات الأسلحة، كما في موضوعات أخرى مشابهة، ثمة عنوان ـ ذريعة يؤسس لبيئة القرار الخاص فيها، وهناك أطراف تتصارع من أجل تولي عملية تنفيذ هذا القرار، لناحية تقوية مراكزها راهناً ومستقبلاً. فصراع الأجنحة يدفع بكل الأطراف للبحث عن ذرائع من أجل بسط كل جناح نفوذه على أكبر قدر من السلطة والثروة.

في اليمن: آثار السلاح السعودي

الحرب في اليمن، على سبيل المثال، جرى استعمال ذريعة (التسلل عبر الحدود الجنوبية من قبل الحوثيين) كيما يستعيد جناح آل سلطان نفوذه في المنطقة الجنوبية بعد أن تمدّد نفوذ وزير الداخلية الى مناطق واسعة. وبينما قلّل الأخير من شأن المتسللين وركّز على الإرهابيين من عناصر القاعدة (ذريعة وزارة الداخلية)، فإن جناح آل سلطان تمسّك بذريعة (التسلل) التي هي شأن دفاعي بدرجة أساسية. وبالفعل نجح آل سلطان في فرض السيطرة على الجنوب بإقامة منطقة عسكرية خاضعة لوزارة الدفاع تستوعب كل مناطق الجنوب تقريباً باستثناء بعض المراكز الخاصة بقوات حرس الحدود التي هي تابعة لوزارة الداخلية.

صفقات الأسلحة هي الأخرى تدخل في نطاق صراع الأجنحة، وهناك من الذرائع ما يكفي لإبرامها (التهديد الإيراني، المخاطر المحدقة بالمملكة بعد سقوط النظام العراقي، خطر القاعدة، الحوثيون في اليمن، والحبل على خالد بن سلطان). وهناك سباق بين سماسرة الداخلية والدفاع والملك من أجل اصطياد صفقة هنا أو هناك.

بخصوص صفقة الأسلحة الأميركية الى السعودية، فأن أهم أهداف الصفقة هو تعزيز لجناح الملك عبد الله في الأسرة المالكة في سياق الصراعات المستقبلية على الحكم. فهذه الصفقة في حجمها الاستثنائي ونوعية الأسلحة الواردة في قائمة المشتريات لم تكن للسلاح الجوي أو للجيش وإنما للحرس الوطني، وقد شملت طائرات مقاتلة من طراز F15-SA وحوّامات هجومية ثقيلة من طراز AH-64D أباتشي وحوّامات هجومية خفيفة من طراز AH-6I وحوّامات إستطلاع خفيفة من طراز 530MD وحوّامات نقل UH-60. وهناك نقاط مثيرة للإهتمام في الصفقة تكشف عن أن نوايا لإحداث توازن داخلي بين الجيش والحرس الوطني. فبينما يعتمد سلاح الجو السعودي التابع لوزارة الدفاع غالباً على الطائرات الحربية المصنّعة في بريطانيا، فإن الحرس الوطني سيعتمد بموجب الصفقة الأخيرة على الطائرات الحربية الأميركية.

النقطة الأبرز في الصفقة والمثيرة للإهتمام هي تخصيص الجزء الأكبر من الحوّامات للحرس الوطني السعودي هو بمثابة مفاجأة إذ لم يكن معروفاً في السابق أنّ هذا الحرس يستخدم ذراعاً جوياً (وإن كان من المتوقع ذلك من ذراع مدرّب وفقا للعقيدة القتالية الأمريكية). ومن المعروف، أن الحرس الوطني، وهو ذراع مستقل عن الجيش، ويستند إلى تجنيد أبناء القبائل الموالية للأسرة الملكية الحاكمة، يضطلع بمهمة الدفاع عن العرش السعودي من أي أخطار داخلية وقد جرى استعماله في مواجهة الإحتجاجات الشعبية في المنطقتين الغربية والشرقية، وكذلك حماية المنشآت النفطية والإستراتيجية، وقد تمَّت إضافة وزارتي المالية والإعلام الى نطاق الحماية الخاضع لسلطة الحرس الوطني.

في السنوات الأخيرة مرّ الحرس الوطني بعملية توسّع على أساس صفقات الأسلحة الكبيرة والتي شملت المدرعات الخفيفة والصواريخ المضادة للدروع والمدفعية ذاتية الحركة لكنّ شراء ذراع جوي يقزم جميع الصفقات السابقة وستضع الحرس الوطني على قدم المساواة وربما أكثر من ذلك مع الجيش النظامي.

أمّا الذراع الآخر الذي سيحصل على حوّامات فهو الحرس الملكي وهو لواء مهمته الرسمية المحافظة على الأسرة المالكة وقد ضُمّ إلى الجيش النظامي في ستينيات القرن الماضي، لكنّه مازال يحافظ على طابعه وتميّزه، ومع ذلك فإنّ هذه الوحدة لم تستخدم على الإطلاق حوّامات مقاتلة وليس من الواضح ما العلاقة بين هذه الحوامات وبين مهمته الرسمية.

يمكن الاعتقاد أنّه بالإضافة إلى تعزيز قوة الردع السعودية ضد التهديدات الخارجية فإنّ الصفقة تشير أيضاً إلى وجود صراعات على مراكز القوة الداخلية، وخصوصاً الحرس الوطني الذي يرأسه الملك عبد الله الذي عمل قائداً له على مدى ثلاثين سنة. وليس من المستبعد أنّه يعتبر تعزيز الحرس الوطني وسيلة لتعزيز جناحه للأسرة الحاكمة في نطاق الصراعات المستقبلية على السلطة ضد أجنحة أخرى في الأسرة.

نلحظ أن الإعلان عن صفقة فلكية بين المملكة والولايات المتحدة بقيمة 62 مليار دولار، تلاه إعلان آخر عن صفقات أخرى مماثلة. فقد ذكرت صحيفة (إلباييس) الإسبانية في 30 اكتوبر الماضي أن نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان سيصل في الاسبوع الأول من نوفمبر الجاري إلى إسبانيا في زيارة قد تشهد توقيع عقد تسليح كبير.وكانت (إلباييس) قد أكّدت أن الأمير خالد قد يأتي إلى إسبانيا لعقد (صفقة تتضمن ما بين 200 إلى 270 دبابة مقاتلة من نوع ليوبارد 2 أي). ومن شأن هذه الصفقة التي قد تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات يورو كما قالت الصحيفة، إنها تشكل أكبر عملية تصدير في تاريخ الصناعة العسكرية الإسبانية.

الصفحة السابقة