السعودية واليمن: المصدّر والمستورد!

محمد السباعي

ما كان علي عبدالله صالح ليبقى حاكماً حتى الآن لولا عدم نضج البديل. فرغم انحسار شعبية الرئيس الذي حول الحكم الى مزرعة عائلية.. ورغم أن سلطات الدولة أخذت بالإنحسار والتراجع، وأن الأمن في معظم مناطق اليمن خارج السيطرة. ورغم تعدد المعارضين والجهات المعارضة، ويأس الجميع من قدرة النظام على إصلاح نفسه، أو قبوله بالإنحناء لإصلاح الوضع الداخلي شراكة مع الآخرين..

رغم كل هذا فإن الرجل (علي صالح) لازال باقياً في السلطة.

الغربيون أدركوا ـ وعبروا عن إدراكهم من خلال الأبحاث المنشورة والندوات وحتى الإعلام ـ أن إزاحة علي عبدالله صالح عن الحكم إنما هي مسألة وقت، وأنه لا سبيل لإخراج اليمن من مأزقها، ومنع تفككها، أو إجهاض قيام حرب داخلية بين مكوناتها، فضلاً عن إنهاء ملف القاعدة، مادام الرئيس علي صالح في السلطة.

اليمن تتجه بشدّة لأن تصبح دولة فاشلة. بل هي كذلك فعلاً.

السيناريوهات السياسية كلها سوداء ظلامية. تشير الى أن انقلاباً عسكرياً هو الأكثر رجحاناً لتغيير الوضع القائم.

لا يبدو أن أي من المشكلات العالقة قد حلّ أو سوف يحلّ قريباً.

العلاقة بين الحوثيين والسلطة المركزية التي يمثلها علي عبدالله صالح لاتزال مشوبة بالحذر الشديد، بعد توقف الحرب السادسة. لم يسلم الحوثيون أسلحتهم، ولم يسمح بعودة الجيش الى معسكراته السابقة خشية أن يقوم من جديد بقصف شعبه من المدنيين. وبالرغم من مبادرة الدوحة في رمضان الماضي، إلا أن علي صالح لم يتقدم خطوة حتى الآن، وأولها إطلاق سراح المعتقلين لديه من الحوثيين.

في الجنوب تتصاعد حرب الإنفصال الثانية، وتشتد الإغتيالات بين العناصر الأمنية والعسكرية.

ويتعاضد مع كل هذا نشاطات القاعدة، وتمدد السخط الشعبي ـ غير القاعدي ـ الى تعز والحديدة وأماكن أخرى.

وفي كل يوم تأتي الأخبار بما هو أسوأ. وكان آخرها مسألة الطرود المرسلة الى أميركا عبر قطر والإمارات لتفجيرها، وهي القضية التي اعلنت القاعدة انها وراءها.

هذه القضية بالتحديد، أوصلت الغربيين الى يأس من إصلاح النظام اليمني، وقد يساعد التدخل الأميركي بالقصف بالطائرات بدون طيار في زيادة المشكلة ويحول اليمن ليس الى باكستان ثانية فقط، بل الى أفغانستان ثانية، والسعودية الى باكستان ثانية.

السعوديون فاجأوا العالم بأنه كان لديهم معلومات مسبقة حول احتماليات قيام القاعدة بأعمال عنف في الأراضي الأوروبية والأميركية، وقد أبلغوا الفرنسين والأميركيين وربما آخرين بذلك.

لماذا علم السعوديون بشأن الطرود المتفجرة ولم يعلم علي عبدالله صالح بذلك، رغم أن الحدث وقع في بلاده؟! ولماذا لم تبلغ السعودية علي عبدالله صالح بالأمر حتى يتخذ الموقف المناسب إن أراد، واكتفت بإبلاغ الأميركيين والأوروبيين؟

القاعدة منتج سعودي في الأساس، ورجال القاعدة في اليمن في كثير منهم سعوديون، ويحتمل أن العديد من القاعديين مندسين، فضلاً عن أن السعودية قد كشفت عن أن نفوذها في اليمن أقوى من نفوذ السلطة المركزية نفسها. فكثير من الوزراء اليمنيين يبلغون السعودية بما يجري لديهم قبل أن يبلغوا حاكم صنعاء بذلك!!

انزعج علي عبدالله صالح من أن الذي أبلغ عن القاعدة وطرودها المتفجرة هي السعودية وليس أجهزته الأمنية.

وقد كان واضحاً أن السعودية تريد أن تسجل لنفسها مكانة لدى الغربيين تنفي عنها حقيقة انها مروجة للإرهاب، وأن القاعدة برجالها وفكرها ومالها إنما يتغذون من السعودية نفسها بما في ذلك قاعدة اليمن.

مشكلة اليمن ليست منه، وإنما مستوردة من السعودية، أو بكلام أكثر دقة: مصدرة من السعودية اليه. وعلي صالح ـ كما آل سعود من قبل ـ أراد أن يستفيد من القاعدة ضد خصومه، فقذف بهم ضد اليمنيين الجنوبيين ثم ضد الحوثيين، ولكنه لم ينجح، وارتدّ الأمر عليه، حين طالبه الغربيون بمكافحة القاعدة مباشرة. أي أنه أجبر على خوض حرب لم يكن يردها مع القاعدة. تماماً مثلما هو الحال مع الباكستان وطالبانها. وحين اجبرت الباكستان على مواجهة طالبانها تفجرت عنفاً وقنابل. وكذا الحال بالنسبة لليمن: اغتيالات وانفجارات وربما يكون الوضع أكثر سوءً.

السعودية صاحبة المنتج العنفي تخشى من عودة من صدرتهم الى الخارج الى أراضيها فيحرثونها عنفاً.

والسعودية في نفس الوقت تريد أن تقتات على ما لديها من معلومات عن القاعدة لتوثيق علاقاتها مع الحليف الأميركي.

والسعودية في ذات الوقت لا تريد للغرب أن يقترب من الحدود اليمنية ويفتل عضلاته كما يفعل في الباكستان عبر الطائرات بدون طيار. إن ذلك نذير شؤم للسعوديين، فالتدخل في اليمن يعني بصورة من الصور تدخلاً حاداً ومباشراً في الشأن السعودي. السعودية وحتى إشعار آخر هي مع بقاء رجلها الذي جاءت به الى الحكم: علي صالح؛ ولكنها إذا تطور الأمر فإن ورقة الإنفصال تستطيع أن تلعبها، وكثير من القيادات الجنوبية تعيش اليوم في السعودية. فإذا ما ازداد النفوذ الغربي في اليمن، اضمحل النفوذ السعودي، وبالتالي يكون دور الرياض في إعداد البديل اليمني ضعيفاً، خاصة إذا كانت هناك قوات غربية متواجدة على الأراضي اليمنية، أو حتى لو كان الجهد العسكري الأميركي متواصلاً عبر القصف بالطائرات لمواقع القاعدة وغيرهم.

اليمن لن يهدأ قريباً، ولن يهدأ إلا بإزاحة علي عبدالله صالح. وبإزاحة هذا الأخير، ستخسر السعودية الكثير من نفوذها.

مشكلة اليمن هي أن جارته الشمالية هي السعودية التي تصدر عنفها وفكرها العنفي اليه.

ومشكلة السعودية هي أن جارته الجنوبية هي اليمن صعب الإخضاع، والذي يستعد لإعادة المستوردات السعودية الى أصحابها الأصليين!

الصفحة السابقة