كلينتون تطرح الملك أبو الشوارب أرضاً!

خالد شبكشي

في 8 يناير الجاري التقت هيلاري كلينتون وزير الخارجية بالملك عبدالله، فنسفت له كل ما اتفق بشأنه مع الرئيس السوري بشار الأسد فيما يتعلق بترتيب الأوضاع اللبنانية الداخلية، التي تنتظر قراراً اتهامياً من قبل المحكمة الدولية لعناصر من حزب الله بأنها وراء اغتيال رفيق الحريري.

(تسوية س. س) التي مضى على طبخها نحو شهرين أو أكثر، ضاعت في لحظات. وفي مساء الثامن من يناير، يتصل الملك عبدالله بالرئيس الأسد ليبلغه بأنه غير قادر على المضي قدماً فيما اتفقا بشأنه لأسباب قاهرة، مؤملاً أن لا تتأثر العلاقات الثنائية سلباً من هذا التراجع السعودي.

من هو أبو الشوارب الطويلة بينهما؟!

الملك عبدالله الذي قرأنا له في وثائق ويكيليكس الأميركية نقداً حادّاً لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لأن الأخير لم يلتزم بوعوده وتعهداته له، رغم أن أحداً لا يستطيع القطع بأن المالكي وعد آل سعود شيئاً.. هذا الملك الهمام، نراه يتراجع بعد اجتماع دام نصف ساعة فقط مع ذات الشوارب الحقيقية كلينتون، حيث أصرّت على توجيه الإتهام السياسي لحزب الله عبر المحكمة الدولية التي رعتها واشنطن، بغض النظر عمّا ستؤول اليه الأوضاع في لبنان كتداعيات للقرار الظنّي.

بات واضحاً اليوم أن أميركا هي التي أفشلت اتفاق الأسد ـ عبدالله (س.س).

والسبب أن الملك السعودي لم يكن رجلاً بما فيه الكفاية ليقاوم عنتريات كلينتون.

لم يكن رجلاً بقدر وعوده وتعهداته، وهو الذي يطالب الآخرين أن يحفظوا وعودهم له!

ولم يكن حاكماً قوياً فيحفظ ماء وجه بلاده وسيادتها. إذ كيف تستطيع سوريا أن تقرر ما تريده، ولا يستطيع الملك أن يفعل ذات الأمر؟! كيف يستطيع الأسد مقاومة الضغوط الأميركية والفرنسية، في حين أن الملك السعودي لا يستطيع أن يقول نصف (لا) حفاظاً على مصالح بلاده؟!

يصفون الملك عبدالله بأنه (رجل العروبة)! وبئس العروبة التي يمثلها شخص مثله!

ويصفونه بأنه رجل الحكمة!، وهي كذبة لازالت الأحداث تؤكدها.

وسبق أن وصفوا الملك عبدالله بأنه رجل الإصلاح، ولكن القمع لازال قائماً، والفقر ضارب أطنابه في بلد النفط والدماء، والبطالة في تزايد مستمر أين منها (البطالة في تونس!)؟

ربما تصور الملك عبدالله بأن لديه هامشاً من الحرية للتحرك والإتفاق مع الآخرين من نظرائه الرؤساء. فعقد اتفاقاً مع الأسد ثم تراجع عنه، بما يكشف عن حقيقة أن السياسة الخارجية السعودية لا تتمتع إلا بهامش ضئيل من الإستقلال.

ليست المشكلة في تراجع الملك عبدالله؛ وإنما في أولئك الذين اعتقدوا بأنه يمكن الإعتماد على وعوده وتعهداته بتبني قرارات مستقلة في شؤون عربية أو دولية.

ليست القضية محصورة في حقيقة أن أميركا قد خرّبت اتفاقاً بين دمشق والرياض فاستحقت اللعن، بقدر ما هو مؤلم إدراك حقيقة أن ذلك الإتفاق كان يمكن أن ينجح لو أن الملك السعودي كان يتمتع بقدر ولو قليل من الكرامة والإستقلالية والشجاعة، فصمّ أذنه عن النصائح الأميركية التي ألقتها على قلبه هيلاري كلينتون!

الآن وقد حدث ما حدث، فإن السعودية تتحمّل جزءً غير قليل من المسؤولية إزاء التداعيات التي أحدثها تخريب اتفاق (س.س).

الضحية الأولى كانت الحكومة اللبنانية، حيث أسقطتها المعارضة قانونياً ودستورياً بـ(الثلث المعطل). أي باستقالة ثلث الوزراء. وفي حال صدر الإتهام الظنّي، فإن أحداً غير مخوّل بتنفيذه لغياب الحكومة (عدا أن تقوم بتصريف الأعمال) الذي يبدو أنه سيطول كثيراً.

سعود الفيصل، وزير الخارجية، هوّل من وقع سقوط حكومة الحريري، وقال في مؤتمر صحافي في أنقرة بأنه يخشى من أن يؤدي يتوسع التوتر في لبنان ليشمل المنطقة كلها، ملمحاً الى احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على لبنان. وكان الفيصل ـ حسب وثائق ويكيليكس ـ قد طلب قبل عامين من أميركا دعم مشروع إرسال جيش عربي للقضاء على حزب الله مرة والى الأبد، وذلك بتغطية جويّة من الناتو والولايات المتحدة الأميركية وبمظلة سياسية أممية. هذا المقترح السعودي وجده الأميركيون غير قابل للتطبيق، ولكنه يكشف حقيقة أن الأمراء السعوديين لا يقلقهم انتشار العنف في لبنان إن كان ذلك يخدم أجندتهم، ولكن أن تستخدم القوة من قبل فريق حزب الله سواء في اللعبة الداخلية، أو في مواجهة إسرائيل فهذا أمرٌ مزعج للسعوديين.

المعطيات الحالية لا تخدم تحليل السعوديين. نعم لقد فوجئوا هم والأميركيون بإسقاط حكومة الحريري، الذي ناشد دولاً عديدة عربية وأجنبية بما فيها قطر للتدخل والقيام بوساطة؛ ومثل ذلك فعلت كلينتون التي طلبت من قطر ومصر وغيرهما التوسط بغية تهدئة الوضع بعد أن صدمت بإسقاط الحكومة اللبنانية دستورياً. أما الصهاينة، فعبّروا عن خشيتهم من أن تفضي ظروف التوتر اللبناني الداخلي ـ لا الى استهبال الفرصة من قبلهم والقيام بهجوم على حزب الله وإشعال حرب جديدة ـ بل الى قيام الحزب نفسه بهجوم على إسرائيل، إما توجيهاً لدفّة المعركة نحو العدو الأصلي، أو لخلط الأوراق السياسية في المنطقة.

الدوحة لم ترغب في أن تلعب دوراً جديداً، وتملّصت من الأمر بأن أعلنت أنه لن تكون هناك (دوحة 2) وأنها تؤيد المبادرة السورية السعودية، في إشارة الى أنها تحمل الحل، وأن من قتلها يتحمّل مسؤولية بعثها حيّة تسعى!

الصفحة السابقة