الاتفاقيات الحدودية المبكّرة

تكوين الدولة السعودية

خالد شبكشي

تختلف الكيانات الجيوسياسية في العالم من حيث نشأتها وانتقالها الى شكل دول، فهناك دول بلا أوطان كتلك التي نشأت حديثاً، كالسعودية والامارات والكويت، وهناك أوطان بلا دول كما في أغلب الديكتاتوريات العربية التي رغم كونها كيانات وطنية تاريخية أي حافظت على هوية وطنية الا أنها لم تنجح في انتاج دولها المعبّرة عن كينونتها الوطنية، بل كانت الدولة فيها أشبه ما تكون بسلطة فئوية أو حزبية أو طائفية على وطن ما جعلها مأزومة، ولذلك عجزت عن السير بهدوء في العملية السياسية، أي في تداول السلطة، وتحقيق فكرة الاندماج الوطني، وباقي شروط الدول الوطنية، وتنطبق هذه الملاحظات على أغلب الدول العربية بما فيها الدول التاريخية مثل مصر وسوريا والعراق واليمن.

في الحديث عن الدولة السعودية، أول ما يتبدى أن النيّة كانت مبيّتة منذ البداية على ألا تقوم دولة وطنية، ليس لانعدام الشروط المطلوبة لولادة وطن، بل لأن الوطن يتناقض في جوهره مع المشروع السلطوي/الدولوي السعودي، بل حين يكون هناك وطن ينتفي المشروع من أساسه..

حين نعود الى البدايات المبكرة لتشكّل الدولة السعودية سواء في المرحلتين الأولى والثانية وبصورة مؤكّدة وواضحة في المرحلة الثالثة، التي أنتجت مشروع الدولة السعودية الحالية سنة 1932، سوف نقف أمام طيف واسع من المعطيات الهامة التي ترسم ظروف ولادة الدولة والعوامل المساهمة في نجاحها، والأهم من ذلك كله هو الرؤية التي رافقت المشروع منذ لحظة انطلاقته وحتى بلوغ اكتمال السلطة ووصولاً الى استمرارها، بما يكشف عن الأزمة التكوينية التي تعاني منها الدولة السعودية..

من بين أدوات التحليل التي يمكن اعتمادها في هذا الصدد، هو المعاهدات المبرمة بين مؤسس الدولة السعودية، عبد العزيز، مع الأطراف الاقليمية والدولية، وهذه المعاهدات/الاتفاقات تشتمل على تصورات حول طبيعة العلاقة البينية، وعلى رؤية هذه القوى لسلطة عبد العزيز، وكذلك للدور الذي يضطلع به، ولما يتوقعه هو من هذه القوى.

معاهدة دراين/ القطيف.. رهن الكيان

سوف نبدأ بأول معاهدة أبرمها عبد العزيز مع الانجليز، وهي من المعاهدات التأسيسية التي ربطت الكيان السياسي السعودي بقوة دولية طلباً للحماية، ويمكن القول بأن معاهدة دارين أو القطيف هي التي أرست فكرة الدفاع الاستراتيجي ومبدأ الحماية في مقابل ربطها بالمصالح الحيوية لبريطانيا في مرحلة أولى وللولايات المتحدة الأميركية في مرحلة لاحقة، وحتى الآن.

في معاهدة دارين، أو معاهدة القطيف، بين عبد العزيز وبريطانيا بتاريخ 26 ديسمبر 1915، بنود ذات دلالات خاصة، وفي الوقت نفسه بالغة الخطورة. تعتبر هذه المعاهدة الأولى التي يبرمها عبد العزيز مع الانجليز، بل مع قوة خارجية، عقب نجاح ابن سعود في السيطرة على الإحساء والقطيف، والتي أسست لأول مرة علاقة مع قوة أجنبية.

في واحة يبرين، بمنطقة الإحساء، التي تجمّعت فيها قوات عبد العزيز في طريقه الى احتلال الرياض عام 1902، جرى اللقاء بينه وبين المعتمد السياسي البريطاني في الخليج السير برسي كوكس، فدارت بينه وبين العزيز مباحثات حول معاهدة بينه وبين الحكومة البريطانية، وانتهت المباحثات يوم 26 ديسمبر 1915م بالتوقيع عليها، وقد عرفت باسم معاهدة القطيف أو معاهدة دارين.

بدأت المعاهدة بديباجة لها دلالة، وأول ما تلفت اليه أن المعاهدة لم تتم بين حكومتين، بل بين حكومة وشخص الحاكم، حيث جاء في المقدمة (لما كانت الحكومة البريطانية من ناحية، وعبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود حاكم نجد والحسا والقطيف والجبيل والمدن والمراسي التابعة لها، بالأصالة عن نفسه وورثته وخلفائه وعشائره من جهة أخرى، راغبين في توطيد الصلات الودية التي مر عليها وقت طويل ما بين الفريقين وتعزيزها لأجل توثيق مصالحهما، فقد عينت الحكومة البريطانية الليفتننت كولونيل السر برسي كوكس كه. مي.آر.آي.كه.سي. المعتمد البريطاني في خليج فارس مفوضاً من قبلها لعقد معاهدة مع عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود).

ماذا يعني ذلك؟ أن هذه المعاهدة تنطوي على اعتراف بريطاني بحكم ابن سعود وبسيادته على المناطق الواقعة تحت سيطرته، ما ينفي التعامل مع أية جهة أخرى.

شيخ المحمرة خزعل، وابن سعود، وبيرسي كوكس،
وحاكمة العراق غروترد بل

وهذا ما ثبت في البند الأول من المعاهدة، حيث جاء ( تعترف الحكومة البريطانية وتقر بأن نجد والحسا والقطيف والجبيل وتوابعها والتي سيبحث فيها، وتعين أقطارها فيما بعد ومراسيها على خليج فارس هي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل). واستكمل هذا البند باعتراف بريطانيا بابن سعود (حاكماً عليها مستقلاً، ورئيساً مطلقاً على قبائلها، وبأبنائه وخلفائه بالإرث من بعده، على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده). ما يلفت هنا، أن الاعتراف بالحكم السعودي مشروط بعدم العداء للإنجليز، وهذا ينسحب على كل من يأتي بعد عبد العزيز على العرش (وألا يكون هذا المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه، خاصة فيما يتعلق بهذه المعاهدة).

لمعرفة خطورة هذا البند، يزوّدنا التراث الخليجي برواية معبّرة. تقول الرواية بأن جوهر الذي يعمل في صيد اللؤلؤ على إحدى السفن الخشبية الشراعية وتدعى (البانوش)، لحساب أحد الملاّك ويدعى (النوخذه)، قد سئم ذات يوم من العمل في وظيفة خادم، فطلب من سيده (النوخذه)، أن يهبه إحدى السفن، فوافق وكتب في ورقة الملكية العبارة التالية: وهبت هذا البانوش الى خادمي جوهر. ولكنه ختم صكّ الملكية بعبارة: إن جوهر والبانوش هما ملك لي.

فقد فرح إبن سعود كفرح جوهر بأن حاز على اعتراف الانجليز، القوة العظمى في المنطقة بدولته، ولكن هذا الاعتراف يفتقر الى الاستقلالية وحرية التصرّف، فكل شيء مرهون بحكومة الملكة. ما يلي من بنود تؤكّد هذه الحقيقة بل تكشف عن أبعاد أخرى أشد خطورة..

في البند الثاني من المعاهدة، تأكيد على بعد الحماية الذي يختصر بقية البنود، ويؤسس لنوع العلاقة المطلوبة بين الانجليز وعبد العزيز. ينص البند: (إذا حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه بدون مراجعة الحكومة البريطانية وبدون إعطائها الفرصة للمخابرة مع ابن سعود وتسوية المسألة، فالحكومة البريطانية تعين ابن سعود بعد استشارته، إلى ذلك القدر، وعلى تلك الصورة اللذين تعتبرهما الحكومة البريطانية فعاليتين لحماية بلدانه ومصالحه). ما يعنيه هذا البند أن دولة ابن سعود تنضوي تحت نظام الحماية البريطاني، وأن أي عداوان على دولته هو اعتداء على السيادة البريطانية، وأنها هي من تعيّنه.

ما يلفت الانتباه أنه كلما تدرّجنا في البنود كلما تكشّفت حقائق أخرى مفزعة عن العلاقة بين بريطانيا وابن سعود. ففي البند الثالث نصٌ واضح في خضوع دولة ابن سعود للسيطرة البريطانية: ( يتفق ابن سعود ويعد بأن يتحاشى الدخول في مراسلة أو وفاق أو معاهدة مع أية أمة أجنبية أو دولة، وعلاوة على ذلك بأن يبلغ حالاً إلى معتمدي السياسة من قبل الحكومة البريطانية كل محاولة من قبل أي دولة أخرى في أن تتدخل في الأقطار المذكورة سابقاً).

فابن سعود ليس فقط مجرد وكيل معتمد من قبل الانجليز على المناطق الخاضعة تحت سيطرته، بل ماهو مطلوب منه أكبر من ذلك، حيث يلتزم بالإبلاغ عن أي محاولة من قبل أي قوة دولية منافسة لبريطانيا في التدخل في الأقطار الأخرى سواء الخاضعة تحت سيطرة ابن سعود أو المشيخات الخليجية الأخرى..

في البند الرابع نفي واضح لحق التصرّف في ما تحت يد ابن سعود من مناطق، فلا يجوز له إجراء أي نوع من الاتفاقيات مع أي طرف آخر بدون موافقة الحكومة الانجليزية ( يتعهد إبن سعود بألا يسلم ولا يبيع ولا يرهن ولا يؤجّر الأقطار المذكورة ولا قسماً منها، ولا يتنازل عنها بطريقة ما، ولا يمنح امتيازاً ضمن هذه الأقطار لدولة أجنبية بدون رضى الحكومة البريطانية، وبأن يتبع مشورتها دائماً بدون استثناء على شرط أن لا يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة). ومن هذه حاله، يستحيل تصنيف حكمه بالمستقل، وأن دولته ذات سيادة، فهي لا تعدو أن تكون مجرد محمية بريطانية، وأن إبن سعود مجرد وكيل يعمل في خدمة المصالح تلك، وهو ما توضّحه البنود اللاحقة. في البند الخامس يتعهد ابن سعود بحرية المرور في المناطق الخاضعة تحت سلطته، وأن يوفر الحماية للحجاج من الأقطار الخاضعة للسيطرة البريطانية.

في البند السادس معلومة غير مسبوقة، فقد درجت العادة على اعتماد تاريخ للعلاقة بين عبد العزيز والانجليز منذ قراره استعادة الرياض وتنظيمه حملة عسكرية عام 1902 لاسقاط حكم ابن الرشيد، فيما يسكت التاريخ عن أي علاقة بين آباء عبد العزيز بالإنجليز. في البند السادس إشارة واضحه الى تعهدات سابقة قطعها آباء عبد العزيز للإنجليز بعدم التعرّض لكل الأقطار الخاضعة تحت الحماية البريطانية. ينص البند: ( يتعهد ابن سعود كما تعهّد آباؤه من قبل، بأن يتحاشى الإعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة، وألا يتدخل في شؤونها).

ابن سعود وكوكس ومس بل جنوب العراق

إتفاقية المحمرة.. المظلة البريطانية

إتفاقية المحمرة التي جرت في 5 مايو 1922، بين سلطنة نجد وتوابعها وبين مملكة العراق، هي من الاتفاقيات التمهيدية لرسم خارطة المنطقة في ضوء إتفاقية سايكس بيكو 1916. ففي الاتفاقية إرساء قاعدة في العلاقات المستقرة للمحميات البريطانية، وقد بدا ذلك واضحاً من مقدمة الاتفاقية (نظراً لوجوب تأمين الوداد، وتأسيس حسن المناسبات بين حكومتي العراق ونجد..). وهذا الهدف لا يتحقق الا بعد حسم قضية الحدود بين الحكومتين، وكل ذلك تحت رعاية بريطانيا عبر ممثلها المندوب السامي في العراق الميجر جنرال السير ب. ز. كوكس، حيث سنّت معاهدة ببنود محددة.

وكانت مقاربة عبد العزيز للحدود على أساس عشائري، وهو ما رفضه المندوب البريطاني كوكس واعتبر بأنه تصرّف صبياني، وطلب منه الكف عن هذا التفكير. ولذلك نصّت الفقرة أ من المادة الأولى من المعاهدة بأن (العشائر التي هي تحت اسم عشائر المنتفك والظفير والعمارات فهم راجعون إلى حكومة العراق، وأما الحكومتان نعني بهما العراق ونجد تتعهدان متقابلاً أن تمنعا تعديات عشائرهما على الطرف الآخر ويكون الطرفان مكلفان في تأديب عشائرهما، وإذا الأحوال لم تساعدهما للتأديب فالحكومتان تتذاكران لاتخاذ تدابير مشتركة طبقاً لحسن المناسبات فيما بينهما). وهذا البند وضع حداً لمقاربة عبد العزيز في ترسيم الحدود على أساس عشائري.

هذا ما حاولت الفقرة ب من البند الأول توضيحه، حيث أن الاعتراض الذي تقدّم به عبد العزيز على الحدود التي طلبها مندوب حكومة العراق تمّ حسمه بأن تقرر اعتماد الفقرة أ، على أن تكون (عشائر شمر نجد الى نجد، والآبار والأراضي التي مستعملة من القديم من قبل عشائر العراق هي للعراق والآبار والأراضي التي مستعملة من القديم من قبل شمر نجد هي لنجد. ولأجل تعيين هذه الآبار والأراضي وسن الحدود على هذا الأساس حصل الاتفاق بتشكيل لجنة مركبة من أهل الخبرة لكل حكومة شخصان تحت رآسة أحد رجال حكومة بريطانيا المنتخب من قبل المندوب السامي وتجتمع اللجنة في بغداد تسن الحدود القطعية والطرفان يقبلونها بدون اعتراض).

في المادة الثالثة تعهدٌ من قبل الحكومتين العراقية والنجدية (لتأمين طريق الحج وعلى محافظة الحجاج الكرام من كل تعدي ما داموا في داخل حدودهما..)، ولفتت المادة الى تعهد سابق بين عبد العزيز والحكومة البريطانية بخصوص تأمين طرق الحج وسلامة الحجيج، في إشارة الى المادة الخامسة من معاهدة دارين/ القطيف سالفة الذكر.

المواد اللاحقة (الثالثة بفقراتها أ، ب، ج) تتصل بالعلاقات التجارية وعملية تنظيم طرق التجارة البرية، وفي المادة الرابعة اتفاق على حركة المسافرين بين البلدين وضرورة حملة وثائق سفر على رعايا البلدين. وفي المادة الخاسة اتفاق على أن أي عشيرة من عشائر العراق أو نجد تقرر الإقامة قهراً في اراضي أي من الطرفين (تكون تابعة للرسوم المرعية).

في المادة السادسة دلالة لافتة، بأن المعاهدة تكون منفسخة تلقائياً في حال وقع خصام بين أي من الحكومتين العراقية أو النجدية من جهة والحكومة البريطانية من جهة أخرى. ماذا يعني ذلك؟ أول ما يعنيه هذا البند أن المعاهدة هي في الأصل لتنظيم العلاقة بين دول مسلوبة السيادة، وكيانات تابعة للعرش البريطاني، وعلى هذا الأساس وقع مندوبا سلطان نجد، وملك العراق من جهة، وسكرتير ملك بريطانيا ب.هـ. بورديلا.

معاهدة العقير: الحدود البريطانية للسعودية

رافقت معاهدة العقير قصص مثيرة، فهي المعاهدة التي رسم فيها المندوب البريطاني حدود دولة عبد العزيز. وتأتي استكمالاً لاتفاقية المحمرة سالفة الذكر وتعتبر معاهدة العقير ملحقاً لمعاهدة المحمرة. وقد وقعت المعاهدة في 2 كانون الأول (ديسمبر) 1922 بين سلطنة نجد بحضور عبد العزيز، وصبيح بك، وزير المواصلات، ممثلاً عن ملك العراق فيصل الأول، وجون مور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت ممثلا عن الكويت. وكان السير بيرسي كوكس هو مهندس المعاهدة والذي لعب دور الوسيط في الاجتماعات التي سبقت المعاهدة، وبموجب المعاهدة تم ترسيم حدود سلطنة نجد الشمالية مع مملكة العراق والكويت.

رئيس الرؤساء: كوكس!

وقد ساد النقاشات التي سبق التوقيع على المعاهدة جواً من التوتر، ورفع كل طرف سقف مطالبه، حيث طلب عبد العزيز كل مناطق البدو الشمالية من حلب حتى نهر العاضي والشط الأيمن للفرات وحتى البصرة كما طالب بحدود قبلية ثابتة، فيما طالب العراق أن تكون حدوده على بعد 12 ميلاً من الرياض. وبضغط من كوكس تخلى ابن سعود عن مطالبه في قبائل الظفير والتي تسكن بالقرب من الفرات، ولكنه واصل بالمطالبة على القبائل الأخرى.

أستمرت النقاشات طوال خمسة أيام أراد الجانب العراقي حدوداً لا تقل عن 200 ميل جنوب الفرات بينما أراد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أن يتم تحديد الحدود عن طريق الحدود بالنسبة لمنازل القبائل الموالية لكل طرف بدلاً من الترسيم عن طريق الخرائط.

ينقل هـ .ر.ب. ديكسون في الجزء الأول من كتابه (الكويت وجاراتها، ط 1990، دار صحارى ص 280 ـ283) أن ابن سعود عمل المستحيل لحمل المؤتمر على وضع حدود عشائرية بدل خط تحكيمي يرسم على خارطة، على أساس تصنيف القبائل.. وكان يرى من الضروري أن تمتد حدوده الى الفرات. ولما أشار السير بيرسي أن هذا الإدعاء غريب ولا يمكن أن يجري بحثه، تخلى ابن سعود عن قبيلة الظفير.

ينقل ديكسون وقائع الجلسة التي جمعته مع بيرسي كوكس وابن سعود (ففي اجتماع خاص ضم السير بيرسي وابن سعود وأنا فقط، فقد السير بيرسي صبره واتهم ابن سعود بأنه تصرّف تصرفاً صبيانياً في اقتراح فكرة الحدود العشائرية. ولم يكن السير بيرسي يجيد اللغة العربية فقمت أنا بالترجمة. ولقد أدهشني أن أرى سيد نجد يوبَّخ كتلميذ وقح من قبل المندوب السامي لحكومة صاحب الجلالة الذي أبلغ ابن سعود بلهجة قاطعة أنه سيخطط الحدود بنفسه بصرف النظر عن كل اعتبار). ويصف ديكسون ردود فعل ابن سعود بالقول: (..فانهار ابن سعود وأخذ يتودّد ويتوسّل معلناً أن السير بيرسي هو أبوه وأمه، وأنه هو الذي صنعه ورفعه من لا شيء الى المكانة التي يحتلها، وأنه على استعداد لأن يتخلى عن نصف مملكته بل كلها إذا أمر السير بيرسي بذلك).

ويتذكّر ديكسون بأن ابن سعود لم يلعب دوراً يذكر في المحادثات (تاركاً الأمر للسير بيرسي ليقرر حل مشكلة الحدود) ثم يقول (وفي اجتماع عام للمؤتمر أخذ السير بيرسي قلماً أحمر ورسم بعناية فائقة على خارطة للجزيرة العربية خطاً للحدود من الخليج الفارسي الى جبل عنيزان بالقرب من حدود شرق الأردن)، ويضيف (وإرضاء لإبن سعود حرم ـ أي السير بيرسي ـ الكويت بدون شفقة من ثلثي أراضيها تقريباً وأعطاها لنجد بحجة أن سلطة ابن صباح في الصحراء أصبحت أقل مما كانت عليه يوم وضعت الإتفاقية الانكليزية ـ التركية).

يذكر ديكسون في وقت لاحقاً ما اعتبره (مقابلة مدهشة)، ويقول (فقد طلب ابن سعود مواجهة السير بيرسي على حدة، وصحبني السير بيرسي معه فوجدنا ابن سعود واقفاً وحده وسط خيمة الاستقبال بادي الاضطراب.

وبادر ابن سعود السير بيرسي قائلاً بصوت كئيب:

ـ ياصديقي لقد حرمتني من نصف مملكتي. الأفضل أن تأخذها كلها ودعني أذهب للمنفى:

وظل ذلك الرجل القوي العظيم واقفاَ غارقاً في حزن وانفجر باكياً. وتأثر السير بيرسي كثيراً وأمسك بيد ابن سعود وأخذ يبكي هو الآخر والدموع تنحدر على وجنتيه. ولم يكن حاضراً تلك اللحظة سوى نحن الثلاثة) يؤكد ديكسون هنا (وأنا أقصّ هنا ما شاهدته بكل أمانة). ثم يقول:

(ولم تدم تلك العاصفة العاطفية طويلاً فقال السير بيرسي وهو لا يزال ممسكاً بيد إبن سعود:

يا صديقي إنني أعرف حقيقة شعورك، ولهذا السبب أعطيتك ثلثي الكويت، ولست أعرف كيف سيتلقى ابن صباح هذه الصدمة).

في اليوم السادس من اللقاءات رسم بيرسي كوكس بالخط الأحمر الحدود على خريطة التي اعتمدت من قبل الأطراف الثلاث وتقرر بناء عليها إنشاء منطقتين محايدتين الأولى بين الكويت والسعودية والثانية بين العراق والسعودية.

في بروتوكولات ترسيم الحدود بين الحكومتين العراقية والنجدية، وهو ملحق للاتفاقية المنعقدة بينهما في المحمرة في 5 مايو 1922، تقررت حدود المملكة النجدية حيث تبتدىء على خط مستقيم إلى بئر المسمى (الوقبة) بترك الدليمية والوقبة شمال هذا الخط ومن الوقبة يمتد شمالاً بغرب إلى بئر أنصاب.

المعتمد السياسي في الكويت: الميجور ديكسون

أما حدود العراق فتبدأ من النقطة الآنف ذكرها، أي من نقطة التصاق وادي العوجة مع الباطن على خط مستقيم شمالاً بغرب إلى الأمغر تاركاً إياها جنوبي هذا الخط، ومن هناك يمتد الخط غرباً بجنوب على خط مستقيم إلى أن يلتصق بحدود نجد في بئر أنصاب.

وفي الفقرة ج تحديد لمناطق محايدة ووفق نقاط محدودة آنفاً وتحوزان على جميع جميع الحقوق المتساوية والمقاصد داخل هذه النقطة المحايدة. وفي الفقرة د نص على حدود الحكومتين العراقية والنجدية شمالاً وشمال غرب.

وتجيز المادة الثانية للعشائر القاطنة في المملكة النجدية بالاستفادة من الآبار المجاورة لهم في الأراضي العراقية إذا كانت هذه الآبار الموجودة هي أقرب من الآبار داخل الحدود النجدية على أساس (أن كثيراً من الآبار قد دخلت الحدود العراقية وبقيت الجهة النجدية محرومة منها..). وتشترط المادة الثالثة بعدم استغلال المياه والآبار لأغراض حربية كوضع قلاع عليها أو أن تقيم حواجز عسكرية حولها.

وبناء على هذه المواد وقّعت حكومة الطرفين البروتوكول الخاص بترسيم الحدود في بندر العقير في 2 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1922

ومثّل المندوب عن عبد العزيز، عبد الله سعيد الدملوجي، فيما مثّل صبيح بيك، مندوباً عن الملك فيصل، ووضع الأخير وعبد العزيز ختميهما بالموافقة على البروتوكول.

وفي البروتوكول الثاني لمعاهدة العقيرة، جاء في الفقرة أ، أنه بعد اتفاق الحكومتين العراقية والنجدية على ترسيم الحدود، تتعهد كل حكومة للأخرى على أن لا يتعرضا لأي فخذ أو عشيرة خارجة عن حدود الطرفين ولم تكن تابعة لحكومة إحداهما إذا أرادت الانحياز إلى أحد الحكومتين والدخول تحت سيادتها.

وفي الفقرة ب، تنظيم للمعاملات المالية بين البلدين والرسوم المعينة المفروضة من قبل الحكومتين، واقتطاع (الخاوة) من عوائد العشائر.

وفي ملحق لبروتوكول العقير، رسالة موجّهة من دار الاعتماد البريطانية في بغداد في 13 مارس 1923، الى عبد العزيز، سلطان نجد وتوابعها، لفتت نظره الى خطأ في العبارة ورد في نص البروتوكول الأول في آخر المادة الأولى حرف (د) حيث جاء (دائرة العرض اثنين وثلاثين شرقاً دائرة الطول تسعة وثلاثين شمالي)، فيما الصحيح بحسب دار الاعتماد البريطانية يجب أن يكون (دائرة العرض إثنين وثلاثين شمالاً دائرة الطول تسعة وثلاثين شرقاً).

وطالبت الرسالة عبد العزيز بأن يقوم بإجراء التصحيح في النسختين من البروتوكل، وابلاغ المعتمد البريطاني بذلك، وختم الرسالة بعبارة (هذا ما لزم..).

معاهدة بحرة: تنظيم النزاعات

وقعت معاهدة بحرة في 1 نوفمبر 1925، بين سلطنة نجد ممثلة بعبد العزيز آل سعود والمملكة العراقية ممثلة بالسير جلبرت كلايتون المندوب المفوض من الحكومة البريطانية والمخوّل بأن ينوب عن الحكومة العراقية في الاتفاق والتوقيع. وتنص المادة الأولى من المعاهدة على اعتراف كل من دولتي العراق ونجد بأن (الغزو من قبل العشائر القاطنة في أراضيها على أراضي الدولة الأخرى اعتداء يستلزم عقاب مرتكبيه عقاباً صارماً من قبل الحكومة التابعة لها وأن رئيس العشيرة المعتدية يعد مسؤولاً). وهذا البند يشي بأزمة شهدتها سلطنة نجد، حيث بدأت بعض العشائر النجدية التي كانت مرتبطة بمشروع الجهاد تتمرد على قيادة عبد العزيز، وقررت مواصله المشروع دون الرجوع اليه، وكان العراق هدفاً استراتيجياً ودائماً لهذه العشائر. وجاءت المعاهدة لتنظيم النزاعات الخاصة باختراق العشائر للحدود، والاجراءات المطلوبة للحد من وقوع الاختراقات، كتأليف محكمة خاصة للنظر في تفاصيل التعديات التي تقع من وراء حدود الدولتين ولإحصاء الأضرار والخسائر وتعيين المسؤولية.

وتقضي المادة الثالثة بمنع عشائر إحدى الحكومتين العراقية والنجدية من اجتياز حدود الأخرى الا بعد الحصول على رخصة من حكومتهم وبعد موافقة الحكومة الأخرى (مع العلم أنه لا يحق لإحدى الحكومتين أن تمتنع عن إعطاء الرخصة أو الموافقة إذا كان السبب في انتقال العشيرة لداعي المرعى عملاً بمبدأ حرية الرعي).

ابن سعود وكوكس في البصرة بعد احتلالها

وتتعهد حكومتا نجد والعراق وفق المادة الرابعة باستعمال أقصى التدابير لمنع العشائر القاطنة في البلدين من التنقل دون اتفاق مسبق بين الحكومتين، أو تقديم هدايا لأي من هذه العشائر، أو تشجيعهم على الانتقال الى البلد الآخر. وفي الحقيقة هذا البند يلزم الدولتين بعدم استغلال العشائر خصوصاً تلك التي لديها مشاكل مع حكومتها. وفي المادة الخامسة ما يوضّح ذلك حيث يمنع على أي من الحكومتين العراقية والنجدية من التخابر مع رؤوساء وشيوخ عشائر الدولة الأخرى في الأمور الرسمية والسياسية. وفي المادة السادسة منع لتجاوز قوات أي من البلدين للحدود (بقصد تعقب المجرمين إلا برضى الحكومتين). وتقضي المادة السابعة بحظر رفع رايات لشيوخ عشائر لهم صفة رسمية أو لهم رايات تدل على أنهم قواد لقوات مسلّحة في أراضي الدولة الأخرى..

في حقيقة الأمر، أن المواد الواردة في معاهدة بحرة، تدور حول ملف العشائر والخوف من استغلالها من أي من الطرفين، وكيف يمكن التعامل معهم في حال وقوع الخلافات بين البلدين، أو حتى في حال وقوع خلاف بين بعض العشائر وأي من الحكومتين وما هو التصرّف المطلوب في مثل هذه الحالة.

إتفافية حدّة: على خطى بحرة

إتفافية حدّة أو حداء، وقعت بين مملكة الحجاز ونجد وبين إمارة شرق الأردن، بعد يوم من اتفاقية بحرة، بين العراق ونجد، أي في 2 نوفمبر 1925. مواد هذه الاتفاقية لا تختلف عن سابقتها، من حيث الممثلين والموضوع والتفاصيل أيضاً. فممثل إمارة شرق الأردن، هو نفسه ممثل المملكة العراقية، سير جلبرت كلايتون، والموضوع هو ترسيم الحدود بين الحكومتين، وتالياً تنظيم حركة العشائر والمنازعات التي قد تطرأ بينها وبين الحكومة التابعة لها.

في الاتفاقية كان الطرف الاردني ممثلاً من قبل المندوب البريطاني جلبرت كلايتون وهو نفسه مفوضٌ عن الحكومة البريطانية لعقد الاتفاقية مع عبد العزيز. بدأت الاتفاقية بمواد حول تحديد الحدود بين الدولتين، ونصّت المادة الأولى على أن (يبتدئ الحد بين نجد وشرقي الأردن في الجهة الشمالية الشرقية من نقطة تقاطع دائرة الطول 39 (شرقي) ودائرة العرض 32 (شمالي) حيث تنتهي الحدود بين العراق ونجد. ويمتد على خط مستقيم إلى نقطة تقاطع دائرة الطول 37 (شرقي) بدائرة العرض 30/31 (شمالي) فيتبع دائرة الطول 37 (شرقي) إلى نقطة تقاطعها بدائرة العرض 25/31(شمالي) ثم يمتد من هذه النقطة على خط مستقيم إلى نقطة تقاطع دائرة الطول 38 (شرقي) بدائرة العرض 30 (شمالي) تاركا ما برز من أطراف وادي السرحان لنجد، ثم يتبع دائرة الطول 38 (شرقي) إلى نقطة تقاطعها بدائرة العرض 30/29 (شمالي). أما الخريطة التي يرجع إليها في هذه الاتفاقية فهي الخريطة المعروفة بالدولية آسيا مقياس واحد على مليون).

وبناء على هذا التحديد للحدود، وضعت تدابير لتحصين الاتفاقية يلتزم بموجبها الطرفان (الملك عبد العزيز وحكومة إمارة شرق الأردن) بما يحفظ سيادة وأمن الدولتين، كأن (تتعهد حكومة نجد بأن لا تقيم أي حصن في (كاف) وألا تستعملها، والمنطقة من جوارها كنقطة عسكرية). وفي حال الحاجة تتعهد حكومة نجد بإبلاغ الحكومة البريطانية على الفور، على أن (تمنع قواتها من التعدي على أراضي شرقي الأردن بكل ما لديها من الوسائل). ومن اجل منع أي خلافات قد تنشأ على هذا الأساس، تم الاتفاق على خطوط اتصال ساخنة مفتوحة بين حكومة نجد والمعتمد البريطاني في شرقي الأردن، أو من ينوب عنه.

وكما في حال العراق، فإن الاتفاقية ألزمت عبد العزيز بالتعهد (بصيانة جميع الحقوق التي تتمتع بها في وادي السرحان القبائل غير التابعة لنجد سواء كانت حقوق الرعي أو السكن أو الملكية أو ما يشبه ذلك من الحقوق الثابتة بشرط أن تخضع تلك القبائل، ما دامت نازلة ضمن حدود نجد، للقوانين الداخلية التي لا تمس هذه الحقوق. وتعامل حكومة شرقي الأردن نفس المعاملة رعايا نجد المتمتعين بحقوق ثابتة في شرقي الأردن شبيهة بالحقوق المذكورة).

وعلى غرار البنود المتعلقة بالأوضاع القانونية للعشائر القاطنة في أراضي أي من الدولتين العراقية أو النجدية، فإن الاتفاقية هذه تعترف بأن (الغزو من قبل العشائر القاطنة في أراضيها على أراضي الحكومة الأخرى اعتداء يستلزم عقاب مرتكبيه عقاباً صارما من قبل الحكومة التابعة لها، وأن رئيس العشيرة المعتدية يعد مسؤولاً). وفي المادة السادسة إقرار بتأليف محكمة خاصة للنظر في تفاصيل أي تعد يقع من وراء الحدود والفصل في المنازعات المتعلقة بحركة العشائر في كلا الدولتين.

ابن سعود عند خيمة المفاوضات مع كوكس في العقير

ويمكن القول بأن كل المواد المتعلقة بأوضاع العشائر الواردة في اتفاقية بحرة جرى نقلها حرفياً في الاتفاقية هذه، باستثناء إضافات محدودة تتعلق بأوضاع المناطق الحدودية، ويشمل ذلك االتعهد من قبل الطرفين فيما يرتبط بتأمين طرق الحج وسلامة الحجاج، واحترام سيادة البلدين. نشير هنا الى أن الاتفاقية تعتبر نافذة فقط (ما دامت حكومة صاحب الجلالة البريطانية مكلفة بالانتداب على شرقي الأردن).

اتفاقية تسليم جدة

الاتفاقية السابقة كانت تمهيدية لاتفاقية أخرى لاحقة بعنوان اتفاقية تسليم جدة بين الملك علي بن الحسين والسلطان عبدالعزيز آل سعود وقد وقعت في 17 كانون الأول (ديسمبر) 1925. اتفاقية تسليم جدّة جاءت عقب سيطرة قوات عبد العزيز على جدة، وهي بمثابة اقرار بالهزيمة وسيادة الأخير على جدة. وقد جاء في مقدمة الاتفاقية ما يشبه إقرار خطي بتنازل الملك علي بن الحسين، ملك الأردن، بسيادة عبد العزيز على جدة وتسليمها له على أن يضمن عبد العزيز (لكل الموظفين الملكيين والحربيين والأشراف وأهالي جدة عموماً والعرب والسكان والقبائل وعوائلهم سلامتهم الشخصية وسلامة أموالهم).

اتفاقية تسليم جدة، هي من نوع الاتفاقيات التي تتم بعد الحرب، بما تشتمل على ترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية كما تشتمل على تعهدات متبادلة، مثل تعهد الملك علي بتسليم جميع أسرى الحرب الموجودين بجدة، على أن يتعهد عبد العزيز بأن يمنح العفو العام لكل العاملين في دولة الأشراف الواردين في الفقرة السابقة. وفي الوقت نفسه، يقوم جميع الضباط والعساكر بتسليم أسلحتهم كافة الى عبد العزيز، فيما يتعهد الملك علي وجميع الضاط والعسكر بأن لا يخربوا أو يتصرفوا في أي شيء من الأسلحة والمهمات الحربية جميعها.

تعهدات اخرى قطعها عبد العزيز بخصوص الضباط والعساكر والتعويضات المادية المطلوبة منه إزاءهم، وموظفي الخدمة المدنية في حكومة الاشراف حيث يتعهد عبد العزيز بإبقاء الكفوئين منهم.

وهناك تعهدات من عبد العزيز للملك علي المرتبطة بالأمتعة الشخصية التي في حوزته بما في ذلك سيارته، وسجاجيده وخيوله. كما يتعهد عبد العزيز بأن (يمنح عائلة الحسين جميع ممتلكاتهم الشخصية في الحجاز بشرط أن هذه الممتلكات تكون فعلاً من الموروثة..).

في المقابل، يتعهّد الملك علي ورجاله وسكان جدة بأن لا يبيعوا أو يخربوا أو يتصرفوا في أي شيء من أملاك الحكومة مثل اللنشات والسنابيك وخلافه. ويتعهد عبد العزيز بمنح جميع السكان والضباط والعساكر الموجودين بينبع الحقوق والامتيازات المذكورة بعاليه، كما يتعهد عبد العزيز أن يمنح العفو للأشخاص المذكورة أسماؤهم أدناه أيضاً ضمن العفو العام وهم: عبدالوهاب ومحسن وبكري أبناء يحيى قزاز، وعبدالحي بن عابد قزاز، وأحمد وصالح أبناء عبدالرحمن قزاز، وإسماعيل بن يحيى قزاز، والشيخ محمد صالح بتاوي وإخوانه إبراهيم وعبدالرحمن بتاوي أبناء محمد علي صالح بتاوي وأبنائهم وأبناء عمهم حسن وزين بتاوي وأبناء محمد نور والشيخ يوسف خشيرم والشيخ عباس ولد يوسف خشيرم والشيخ ياسين بسيوني والسيد أحمد السقاف وعوائل وأموال جميع المذكورين آنفاً.

اتفاقية مكة المكرمة: انتداب بالنيابة

بخلاف الاتفاقيات الاخرى التي جرت بين عبد العزيز وحكومتي العراق وشرق الأردن، والتي تعلّقت بترسيم الحدود وتنظيم حركة العشائر بين البلدان على مستوى ثنائي، فإن اتفاقية مكة المكرمة بين ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، عبد العزيز بن سعود، والإمام السيد الحسن بن علي الإدريسي، إمام عسير الموقّعة في 21 أكتوبر سنة 1926، يتنازل فيها الأخير عن منطقة عسير لتصبح تحت سيادة مملكة عبد العزيز. وفي هذه الاتفاقية إبطالٌ لسريان إتفاقية سابقة عقدت في 10 صفر سنة 1339هـ ـ 22 أكتوبر 1920، حيث كانت فيها عسير خاضعة للأدارسة في ذلك التاريخ، وتصبح عسير بموجب إتفاقية مكة تحت سيادة ابن سعود. مارس الأخير دور المندوب السامي البريطاني، وكأنه بات معتمداً من قبلهم، فصار يقلّد سيّده الإنجليزي في فرض الشروط، ووضع الإملاءات على غريمه.

وما يلي من مواد الإتفاقية تؤكد على سيادة عبد العزيز على عسير، فقد نصّت المادة الثانية على عدم جواز دخول إمام عسير في مفاوضات سياسية مع أي حكومة، أو منح أي امتياز اقتصادي الا بعد الموافقة على ذلك من عبد العزيز. ونصّت المادة الثالثة على عدم جواز إشهار الحرب أو ابرام الصلح من قبل إمام عسير دون موافقة عبد العزيز. ونصّت المادة الرابعة على عدم جواز التنازل عن جزء من أراضي عسير من قبل إمام عسير.

في المقابل، يعترف عبد العزيز، بحسب المادة الخامسة، بحاكمية إمام عسير آنذاك السيد حسن بن علي الادريسي على الأراضي المبينة في المادة الأولى مدة حياته ومن بعده لمن يتفق عليه الأدارسة وأهل العقد والحل التابعين لإمامته. كما يعترف عبد العزيز بحسب المادة السادسة بأن (إدارة بلاد عسير الداخلية، والنظر في شؤون عشائرها من نصب وعزل وغير ذلك من الشؤون الداخلية من حقوق إمام عسير على أن تكون الأحكام وفق الشرع والعدل كما هي في الحكومتين). وفيما أوكلت مهمة ادارة الشؤون الداخلية لإمام عسير، فإن مهمة الدفاع والحماية فهي موكلة له، تماماً كما هي الاتفاقية التي جرت بين عبد العزيز والانجليز، حيث يتعهد ابن سعود، بحسب المادة السابعة، (بدفع كل تعد داخلي أو خارجي يقع على أراضي عسير المبينة في المادة الأولى، وذلك بالاتفاق بين الطرفين حسب مقتضيات الأحوال ودواعي المصلحة).

ورغم أن المادة الثامنة تعتبر ملزمة للطرفين وتنص على أن (يتعهد الطرفان بالمحافظة على هذه المعاهدة والقيام بواجبها)، وتكون سارية المفعول بعد التصديق عليها من الطرفين، الا أن عسير ضمّت بصورة كاملة لمملكة السعودية بطريقة ملتوية، رغم أن الجانب اليمني بقي مصرّاً على عدم التسليم بسيادة ال سعود على عسير حتى وقت متأخر، قبل أن يتقدم ال سعود برشوة سخيّة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح وفريقه، قدّرت بنحو 18 مليار دولار، ووقعت على إثرها معاهدة جدة في 12 يونيو 2000.

الصفحة السابقة