آل سعود يعرضون تراث الحرمين في الغرب ويدمّرونه في الداخل

شيناز كرمالي

شيناز كرمالي

لايبدو أن محاولة آل سعود بتجاوز عقبة الدين كمانع لزيارة أتباع الديانات الأخرى لمكة المكرمة كيما يقفوا على ما قامت به العائلة المالكة من مشاريع توسعة وإن على حساب هوية وتراث وآثار الإسلام من خلال إقامة معرض للحج في لندن كانت ناجحة..

ففي مقالة للكاتبة شيناز كرمالي في صحيفة (الجارديان) في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي بعنوان (معرض الحج على نقيض تام مع التخريب الثقافي في السعودية)، وتحت مانشيت عريض جاء فيه: النخبة السعودية فخورة بالمتحف البريطاني عن معرض الحج ـ من العار أنهم لم يشعروا بنفس القدر حول كل تراثهم ثمة جانب مغفول من جانب النظام السعودي، ولكن كرمالي تحاول تذكير الزائر البريطاني والغربي لمعرض الحج بأن ثمة عالماً لا تعلموه ولابد من تسليط الضوء عليه.

تقول الكاتبة: لابد أن تكون السفارة السعودية وأصدقائها في الرياض مسرورين مع الإهتمام العام الخاص بمعرض الحج، والذي جرى افتتاحه في المتحف البريطاني هذا الاسبوع. آثار جميلة، بما فيها الفن التاريخي والمعاصر، ومنسوجات ومخطوطات، قدّمت كتعبير عن الأهمية الخاصىة والعميقة للحج، الذي لم يتغيّر منذ زمان النبي محمد في القرن السابع الميلادي (الأول الهجري).

السعودون مراوغون حول كثير من الأمور في بلابدهم، ولكن من الواضح أن الاستعراض الثقافي حول الرحلة الى مكة التي يجب على كل مسلم قادر القيام بها مرة في العمر، ليس من بين تلك الأمور. وهل هناك أفضل بالنسبة للسعوديين لعرض تاريخهم الثري ـ والتسامح إزاء مختلف الثقافات (فالحج يجمع أكثر من 180 جنسية معاً في مكان واحد) ـ من متحف وطني لبلد حيث لا تدخّر الصحافة جهداً بخصوصه.

دار الأرقم بن الأرقم وقد أزالها آل سعود

ولكن حين أنظر الى الآثار المجموعة بعناء في الواجهة، والفخر المتهلل من وجه السفير السعودي، الأمير محمد بن نوّاف آل سعود، حين يدخل المعرض، لا أستطيع إلا أن أتذكر التقارير حول تدمير دار النبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته خديجة في العام 1984 وتحويلها الى مرافق عامة. أين كان الفخر السعودي بتراثهم حينذاك؟

لم يكن السفير متواجداً خلال جولة الاسئلة، ولذلك وجّهت سؤالاً الى مساعده، فيصل بن معمر، مستشار الملك السعودي والأمين العام لمكتبة االملك عبد العزيز العامة، والتي تقاسمت مع المتحف البريطاني المهمة بخصوص معرض الحج، حول تدمير بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

كان جوابه خليطاً مشوّشاً من: “إنه من أجل توسعة مكة..لم يكن ثمة خيار..ولكن الحفاظ على كل مواقعنا الدينية هو واجب ديني” و”وليس لدينا معلومات كافية لمعرفة عمّ تتحدثين عنه”، و”من منظور تاريخي لا نعلم ما إذا كان هذا المكان هو بيت النبي أم لا”، وأمام أحد مساعدين تبدّل الموضوع الى كيف تم إرغام الحجاج على الصلاة في الشوارع بسبب ارتفاع أعداد الناس الذين يأتون الى الحج كل عام.

كان رد فعله مثيراً للدهشة، بالنظر الى حقيقة أن على السعوديين الدفاع عن أنفسهم ضد دعوى التخريب الثقافي قبل ذلك، وتحت غطاء الدين والتوسعة العمرانية. علي الأحمد، مدير معهد الخليج في واشنطن، قال لي بأنه حوالي 95 % من المباني القديمة التي تعود الى ما قبل ألف عام قد تمّ تدميرها خلال العشرين سنة الماضية.

ولكن إنها ليست حاجات سكّان المدن الحديثة التي تتسبب في ذلك ـ ولكنه الرأي القائل بأن المواقع التاريخية والأضرحة تشجّع الشرك، والصنمية، ولابد من تدميرها. وبحسب الدكتور عرفان علوي، رئيس مؤسسة بحوث التراث الإسلامي، والذي تم إنشاؤها لحماية المواقع المقدّسة، فإن السلطات تتحدث الآن عن إزالة القبة الخضراء على مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة، والتي تقع مباشرة فوق قبور الخليفتين أبي وعمر اللذين قادا الإسلام بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

بالنسبة لعائلة آل سعود المالكة، فإن أي آثار فعلية لتاريخ، حتى أولئك الذين قبل العصور الاسلامية، هي الهاء عن ذكر الله وتشجيع على البدع. ولذلك فإن كل شخص يزور، مثلاً، موقعاً معلّماً حيث جلس النبي صلى الله عليه وسلم فيه أو صلى، فإن ذلك سيكون مشوباً بالبدعة.

إنه لأمر محيّر أن ترى كيف أن كثيراً من آثار المدن المقدّسة في الإسلام قد جرى هدمه، حتى في عيون السكّان المحليين. سامي عنقاوي، المهندس المعماري المعروف من مركز أبحاث الحج ومقرّه في جدة، أبلغ وكالة رويترز العام الماضي (من الناحية التاريخية انتهى شيء إسمه مكة والمدينة. فلن تجد شيئاً سوى ناطحات السحاب)

قد تكون السعودية فخورة ببعض الأجزاء من تراثها التاريخي: مسؤولون في مكتبة الملك عبد العزيز العامة ذكّروني بمبادرة ثقافية أخرى في طريقها عبر الطرق الأوربية للجزيرة العربية، معرض السفر الآن يجري في متحف بيرجامون في برلين. كل ذلك يبدو طريقاً رائعاً لتقديم جمال بلدك الى العالم، ولكن بالنسبة لي، وكذلك لكثير من المؤرّخين والمسلمين الذين يعيشون في الغرب، فهناك تناقض واضح بين معارض مثل هذه والممارسات في الديار. ما يدعني أتسائل: لماذا يشعر السعوديون بالإرتياح في عرض تراثهم الثقافي في الغرب فحسب؟

الصفحة السابقة