آثار مكة المكرمة

ناصر الحارثي

يمكن تصنيف الآثار الإسلامية بمكة المكرمة الى أربعة أنواع، هي: منشآت معمارية، ومواقع أثرية، ونقوش كتابية، ومقتنيات فنيّة.

المنشآت المعمارية لم يتبق منها سوى القليل، إذ أنها أكثر أنواع الآثار تأثراً بالتوسعات والتجديدات التي تمت في مكة المكرمة.

الى جانب المسجد الحرام، والكعبة المشرفة، وحجر إسماعيل عليه السلام، ومقام إبراهيم عليه السلام، وبئر زمزم، والمطاف، والصفا والمروة، فإن هناك العديد من المباني التاريخية المتصلة بأحداث السيرة النبوية، إلا أنها أدخلت في توسعة المسجد الحرام، فيما عدا دار والد الرسول عليه أفضل السلام، عبدالله بن عبد المطلب، وهي الدار التي ولد فيها عليه السلام، والتي ابتني عليها سنة 1370هـ/ 1950م مكتبة سميت (مكتبة مكة المكرمة).

بالنسبة للكعبة المشرفة فإن بناءها الحالي يعود تاريخه لسنة 1040هـ/ 1630م، عندما أعاد السلطان مراد الرابع بناءها، بعد أن هدمها سيل سنة 1039هـ/ 1629م.

البيت الذي ولد فيه الرسول حوله الوهابيون الى مكتبة

مساجد مكة الأثرية

أما المسجد الحرام فلم يتبق من عمارته القديمة سوى الرواق المطل على المطاف، الذي بني بين عامي 979 ـ 984هـ/ 1571 ـ 1576م. أما أغلب أعمدة هذا الرواق وبخاصة التي في الجزء الجنوبي، فيرجع تاريخها الى العصر العباسي. من هذه الأعمدة ثلاثة نقش على واجهاتها أربعة نصوص كتابية تؤرخ لتجديد عمارة المسجد الحرام في عهد الخليفة العباسي المهدي مؤرخة بعام 167هـ/ 783م. علاوة على عدد من النقوش المثبتة بواجهات الأروقة من الداخل والخارج، بعضها يعود تاريخه الى العصر المملوكي، وبعضها الى العصر العثماني، بالإضافة الى مجموعة أخرى من العصرين المملوكي والعثماني، سواء مما نشره الدارسون، أو مما لايزال محفوظاً في متحف الحرمين الشريفين.

من المساجد التاريخية التي لا تزال تحتفظ بعمارتها القديمة (مسجد البيعة) بمنى، الذي يقع بأسفل السفح الجنوبي لجبل (ثبير غيناء) المطل على منى من الناحية الشمالية في شعب عرف باسم (شعب الأنصار) أو (شعب البيعة) حيث يشاهده المتجه من مكة المكرمة الى جمرة العقبة على يساره قبل وصوله الجمرة بحوالي 900م.

أنشأ هذا المسجد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة 144هـ/ 761م في الموضع الذي تمت فيه بيعة العقبة الثانية. ثم جدّدت عمارته سنة 629هـ/ 1231م بأمر من الخليفة العباسي المستنصر بالله، ويتبين ذلك في ثلاثة نقوش مثبتة في الجدارين الغربي والشرقي للمسجد. ومن حيث تخطيطه فهو مستطيل الشكل يتكون من صحن مكشوف في مؤخرته، يتقدمه رواق القبلة المكون من بلاطة واحدة، تعتمد على أربع دعامات معقودة من أعلاها بخمسة عقود: أربعة مدببة وواحد منكسر. ولهذا المسجد مدخلان يفضيان مباشرة الى الرواق، أحدهما في الجدار الشمالي والآخر يقابله في الجدار الجنوبي.

أما بقية المساجد في مكة المكرمة، فقد جددت عمارتها أكثر من مرة، كان آخرها سنة 1422هـ/ 2001م. وقد عثر على نصوص تأسيسية تؤرخ لأعمال تجديدات وترميمات في هذه المساجد خلال القرون الإسلامية. ومن أمثلة ذلك نصان تأسيسيان يؤرخان لأعمال معمارية في (مسجد عائشة) رضي الله عنها بـ (التنعيم)، أحدهما مؤرخ سنة 310هـ/ 922م، والآخر مؤرخ سنة 619هـ/ 1222م. كما عثر في (مسجد الإجابة) على نصّين تأسيسيين أيضاً، أحدهما مؤرخ سنة 898هـ/ 1492م، والآخر سنة 1124هـ/ 1712م.

وطالما كان الحديث عن مساجد مكة المكرمة، فتجدر الإشارة الى (مسجد الشيخ رحمت الله) الملاصق للمدرسة الصولتية بحارة الباب، والذي أنشأه الشيخ رحمت الله مؤسس المدرسة الصولتية سنة 1302هـ/ 1884م، ويتميز هذا المسجد بنمطه المعماري الفريد المقتبس من العمارة الهندية، وكذلك بواجهة مدخله الغنيّة بالكتابات المنفذة بخط التعليق والزخارف المتنوعة. وقد أُزيل هذا المسجد سنة 1422هـ/ 2001م.

رباطات مكة وسدودها وآبارها

بالنسبة للرباطات، فقد كان بمكة المكرمة رباطات كثيرة، إلا أنها أزيلت وأدخلت في توسعة المسجد الحرام، أو جددت عمارتها لأغراض تطويرها. وقد عثر على عدد من النقوش التأسيسية التي تؤرخ لأعمال إنشاء هده الرباطات، ومن أمثلة ذلك نص تأسيسي يؤرخ لإنشاء رباط رامشت بن الحسين سنة 529هـ/ 1134م، وآخر لرباط المراغي سنة 575هـ/ 1176م، وثالث لرباط المغاربة (رباط عثمان) سنة 604هـ/ 1207م.

أما السدود، فقد أشارت المصادر التاريخية الى مجموعة منها كانت بمكة المكرمة، إلا أن ما تبقى منها أربعة سدود فقط، إثنان في المعيصم، وواحد في شعب ثقبة (حي الغسالة)، والرابع في وادي حراض، وقد بنيت هذه السدود في العصر الأموي، بصفين من الحجارة الضخمة التي حشي ما بينهما بالدبش وبواجهات متدرجة، كما نقش على بعضها نقوش كتابية لا توحي بأنها نقوش تأسيسية بشكل صريح. ومن أمثلة ذلك نقش كتابي من عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على حجر في جدار السد الواقع على يمين السالك للطريق المؤدي للمجزرة مما يلي مزدلفة، فيما يأتي نصه تماماً كما جاء في الحجر:

ـ صلى الله على عبد الله عبد

ـ الملك أمير المؤ

ـ منين

من أهم المنشآت المعمارية في مكة المكرمة ذلك المشروع المائي العملاق الذي أجرته السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد سنة 193هـ/ 808م، من أسفل جبل (كرا) الى مكة المكرمة. إذ لايزال مسار قناة عين زبيدة ماثلا للعيان في وادي نعمان وعرفة ومزدلفة ومنى والعزيزية، بما احتوى عليه من دبول وقنوات وخرزات وبرك وأحواض وقناطر. وقد تعهد خلفاء المسلمين وسلاطينهم وأمراؤهم واثرياؤهم هذه العين بأعمال الإصلاح والترميم والتجديد كلما احتيج الى ذلك. وليس أدل على ذلك ما ذكرته المصادر التاريخية، وما كشفته النصوص التأسيسية التي تحتفظ بها بعض المتاحف بمكة المكرمة.

بالإضافة الى ما سبق، فهناك بقايا دبل (عين حنين) في الشرائع وخرزاتها، وهي العين التي أجرتها السيدة زبيدة الى مكة الكرمة قبل إجرائها عين زبيدة. والى جانب هدا النوع من المنشآت، هناك أخرى تندرج في هذا الإطار مثل: الآبار التي بلغ عددها بمكة المكرمة مائة وإثنتين وتسعين بئراً، معظمها اندثر في الوقت الحاضر، إلا أنه تم العثور على نصوص تأسيسية تؤرخ لأعمال حفر آبار بمكة المكرمة.

من أمثلة ذلك نص كتابي محفوظ في متحف جامعة أم القرى يؤرخ لحفر بئرين في الشرائع حفرهما سليمان بن مهران في منتصف القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، غير أن أهم بئرين في مكة المكرمة هما: بئر زمزم، وبئر طوى بجرول. كما عثر على نص تأسيسي محفوظ في المتحف نفسه يؤرخ لتعمير وإصلاح بركة بمكة المكرمة بأمر الخليفة العباسي المقتدر بالله سنة 315هـ/ 927م.

بالإضافة الى ما سبق ذكره من منشآت معمارية مائية، فقد كان بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة عدد كبير من أسبلة المياه، ومثله من البازانات، ولكنها أزيلت في التوسعات التي تمت على مر القرون الإسلامية.

نقش في اسطوانة بالحرم المكي تاريخها يعود لسنة 167هـ

المدارس والدور السكنية

من المنشآت المعمارية في مكة: المدارس، وقد أحصى محمد عمر رفيع عدداً كبيراً منها، إلا أنه لم يتبق منها سوى المدرسة الصولتية بحارة الباب، والتي أنشئت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي.

اما الدور السكنية بمكة فهي كثيرة، ويغلب على معظمها الطابع المعماري الحجازي التقليدي، الذي يتميز بتعدد أدواره، وتزيين واجهاتها بالرواشين، سواء المتعددة، أو التي تحتل الواجهة بأكملها أو تلك التي تتوسطها رأسياً من أعلى بوابة المدخل الى نهاية الطابق العلوي، والنمطان الأخيران شاعا في عمارة المسكن بمكة المكرمة منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي.

كان بمكة داران شهيرتان، هما: (دار السعادة) بأجياد، و(دار الهناء) بالشامية. وكانت (دار الهناء) قبل إزالتها، مكونة من ثلاثة مبان، أقدمها في المؤخرة مؤرخ سنة 1030هـ/ 1717م، وأحدثها في المقدمة مؤرخ سنة 1232هـ/ 1816م، أما الأوسط فإن تاريخ إنشائه يرجع الى القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. وتتباين هذه المباني فيما بينها من حيث التخطيط والتصميم العام، فبينما المبنى الذي في المؤخرة على غرار طراز المساكن المملوكية والعثمانية المبكرة، الذي يتميز بوجود ديوان كبير بارتفاع طابقين مفتوح من إحدى واجهاته على فناء تتوسطه نافورة؛ فإن طراز المبنى الأوسط حجازي صرف؛ أما الثالث فطرازه عثماني.

المقابر والأسواق والدروب

فيما يتعلق بالمقابر الأثرية الشهيرة في مكة المكرمة فقد بلغ عددها ست مقابر، هي:

* مقبرة المعلاة، وهي المقبرة الرئيسة بمكة المكرمة. وتقع على يمين ويسار الصاعد الى الحجون، عثر فيها على ما يزيد على 1200 شاهد قبر من مختلف العصور الإسلامية، كما لاتزال توجد في باطن الأرض بهذه المقبرة مئات الشواهد. وقد تبين ذلك عندما أجريت قبل سنوات بعض التوسعات والترميمات في هذه المقبرة التاريخية.

* مقبرة الشبيكة، التي كان اسمها قديماً مقبرة (المطيبين) أو مقبرة (الأحلاف).

* مقبرة المهاجرين بالحصاص في الزاهر.

* مقبرة الشيخ محمود بآخر ريع الرسام وأول جرول للخارج من مكة المكرمة.

* مقبرة الخرمانية بالمعابدة.

* مقبرة السيد ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بوادي سرف (النورانية) على مسافة 15 كيلومتراً من مكة المكرمة شمالاً غربياً، على يسار السالك لطريق مكة المدينة من هذا الوادي.

أما الأسواق فقد اشتهرت مكة المكرمة بها سواء التي كانت بداخلها مثل: سوق سويقة، وسوق الشامية، وسوق الليل، وسوق الجودرية (المسعى)، أو تلك التي كانت في المشاعر المقدسة مثل: سوق عرفة، وسوق منى، وهما سوقان موسميان كانا يقامان في موسم الحج. على أن أشهر الأسواق القديمة في مكة المكرمة إثنان اقترنا بسوق عكاظ، هما: سوق ذي مجاز الذي حدد موقعه جنوب شرائع المجاهدين العليا، وسوق مجنة الذي اختلف الباحثون في تحديد موقعه. قيل: في الجعرانة، وقيل: وراء التنعيم، وقيل: في الأطوى، وقيل: في بحرة.

ومن المنشآت المعمارية المهمة في مكة: دروب الحجيج، من أشهرها درب زبيدة/ درب الحاج العراقي، وكذلك درب الحاج الشامي. الأول يصل مكة المكرمة من الشمال الشرقي، والثاني من الشمال الغربي. وقد بنيت على مسافات متقاربة على هذين الدربين العديد من المحطات التي احتوت على البرك والأحواض والمساجد والمباني السكنية وأبراج المراقبة والآبار وعلامات الطرق، مما تم بناؤه في العصر العباسي، أو جدد أو رمم خلال العصور اللاحقة، من خلال ما تم العثور عليه من كسر فخارية، وخزفية، وزجاجية، ومسكوكات، ونقوش كتابية، ومن أهمها نقش إصلاح درب زبيدة الذي يعود تاريخه الى عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله.

المنشآت العسكرية وأعلام الحرم

كان بمكة المكرمة العديد من القلاع العسكرية، مثل: قلعة أجياد التي كانت تقع على الجزء الشمالي من جبل (خليفة) المطل على المسجد الحرام من الناحية الجنوبية، والتي بنيت سنة 1193هـ/ 1779م، ثم أزيلت سنة 1423هـ/ 2002م لصالح وقف الملك عبد العزيز، مما أثار ضجة محلية وخلافات بين السعودية وتركيا. كذلك هناك القشلة (دار الضيافة) بجرول التي بنيت فيما بين 1312هـ ـ 1318هـ/ 1894 ـ 1900م، بالإضافة الى قلعتي (لعلع) و (هندي) الواقعتين على قمتين من قمم جبل (قعيقعان). بنيت الأولى سنة 1215هـ/ 1800م، ثم حولت الى مستشفى سنة 1285هـ/ 1868م، ثم اتخذت مركزاً للبرق ومدرسة لللاسلكي في العصر السعودي. والأخرى بنيت سنة 1221هـ/ 1806م، ثم اتخذت مدرسة سنة 1335هـ/ 1916م، ثم قلعة عسكرية سنة 1343هـ/ 1924م، ثم مركزاً للإذاعة، فمدرسة لتحضير البعثات، ثم معهداً لإعداد المعلمين، ثم مقراً لكلية الشريعة بجامعة أم القرى عند إنشائها سنة 1369هـ/ 1949م.

علاوة على ما سبق، فهناك العديد من القلاع والأبراج الواقعة على الدروب المؤدية الى مكة المكرمة، سواء درب الحاج العراقي (درب زبيدة) أو درب الحاج الشامي، أو طريق مكة جدة القديم، أو درب الحاج اليمني التهامي، وقد بنيت كلها في أواخر العصر العثماني.

ومن المنشآت المعمارية المهمة في مكة المكرمة أعلام الحرم، التي تبين حدود الحل من الحرم، وقد بنيت حول مكة المكرمة، ولم يتبق من هذه الأعلام إلا أعلام التنعيم ذات الشكل الإسطواني الذي ينتهي بشكل مخروطي مضلع، والتي بنيت في العصور العثمانية. أما بقية الأعلام سواء أعلام الشميسي (الحديبية) أو أعلام الشرائع، أو أعلام عرفة، أو أعلام طريق اليمن، فقد تم تجديدها مرات عديدة.

مواقع أثرية ومتاحف

زاد عدد المواقع الأثرية المكتشفة في مكة المكرمة على الخمسين موقعاً، معظمها تزخر بالنقوش الكتابية. تقع معظم هذه المواقع في الأودية المحيطة بمكة والمشاعر المقدسة مما يدخل في نطاقها الجغرافي، وتتركز مجموعة منها في الجهات الشرقية والشمالية والغربية من مكة المكرمة. ويعزى هذا الأمر لأسباب منها: تركز الإستيطان البشري خلال العهود الإسلامية المبكرة في هذه الأودية، ووفرة مياهها ومراعيها، فضلاً عن مرور دربي الحاج العراقي (زبيدة) والشامي بها، وكذلك وجود المشروعين المائيين المهمين المتمثلين في عيني زبيدة وحنين، بالإضافة الى قربها من المشاعر المقدسة.

ويعد (وادي العسيلة) من المواقع الأثرية في مكة، وكان يعرف قديما باسم (شعب خالد بن عبدالله آل أسيد). ويقع هذا الوادي شمال شرق مكة المكرمة، ويبعد عن المسجد الحرام حوالي 12 كيلومتراً. وقد عثر في الوادي على آبار عباسية، وكسر فخارية وخزفية وزجاجية أموية وعباسية وعثمانية، كما عثر فيه على قنوات مياه وأحواض يعود تاريخها للعصر العثماني، وفضلاً عن ذلك فإن هذا الوادي يعد من أكثر المواقع الأثرية بمكة من حيث عدد النقوش الكتابية، إذ يزيد عددها فيه على ستين نقشاً، كلها يعود تاريخها للقرنين الأول والثاني الهجريين/ السابع والثامن الميلاديين. إثنان مؤرخان سنة 80هـ/ 699م، وهما بخط الخطاط عثمان بن وهران، ونص أحدهما كما جاء في النقش:

نقش رباط رامشت بن الحسين مؤرخ في 529هـ

ـ يا داود إنا جعلناك

ـ خليفة في الأرض

ـ لتحكم بين الناس

ـ بالحق ولا تتبع الهوى

ـ فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون

ـ عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم

ـ الحساب وكتب عثمان بن

ـ وهرن في سنة ثمانين

ونقش آخر مؤرخ سنة 98هـ/ 716م.

وتحمل هذه النقوش أسماء شخصيات معروفة في صدر الإسلام منها: صفية بنت شيبة بن عثمان، ومحمد بن عبدالعزيز بن جريج، وإسحاق بن إبراهيم، وإسماعيل بن عبد الملك، وعبد الله بن محمد، وإسحاق بن محمد، وعبد الملك بن عبدالرحمن، وعبد الرحمن بن محمد، وعمر بن عبد الرحمن وغيرهم.

يلي موقع (وادي العسيلة) في الأهمية (وادي الحرمان) الواقع على الحافة الشمالية لعرفات، إذ يحتوي على واحد وثلاثين نقشاً، ثلاثة منها مؤرخة: إثنان من الثلاثة مؤرخان سنة 84هـ/ 703م، ونص أحدهما:

ـ يايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم وا

ـ لذين من قبلكم لعلكم تفلحون وكتب عبدا

ـ لله بن عمارة لسنة أربع وثمانين

أما الثالث فمؤرخ سنة 98هـ/ 716م، ونصه:

ـ أفنا الجديد تقلب الشمس

ـ وطلوعها من حيث لا تمسي

ـ وطلوعها بيضاء صافية وغروبها

ـ صفراء كالورس

ـ وكتب أبو جعفر بن حسن الهاشمي

ـ سنة ثمان

ـ وتسعين

كما يلفت النظر في هذا الوادي وجود نقوش عبارة عن أبيات شعرية، منها نقش مؤرخ سنة 198هـ/ 813م، نصه:

أدركت ناساً مضوا كانوا لنا سكنا

وسوف يلحق بالماضي الذين بقوا

وآخر نصّه:

من يسأل الناس يحرموه

وسائل الله لا يخيب

ومن المواقع الأثرية المهمة في مكة المكرمة موقع أثري يعرف باسم (دويدة) يقع في منتصف الطريق على يسار الذاهب الى الجعرانة من وادي سرف (النورانية). يحتوي هذا الموقع على عشرين نقشاً يعود تاريخها للقرنين الهجريين الأول والثاني/ السابع والثامن الميلاديين. وتحمل هذه النقوش أسماء شخصيات من أسرة ابن خنيس.

ومن المواقع أيضاً (حجر خليفة) أو (الخلاص) الواقع على يمين المتجه الى مزدلفة من عرفات عبر طريق رقم 9 بعد تجاوزه محطة وقوف سيارات الترددية بحوالي 500م، حيث توجد صخرة كبيرة في وسط الشعب نفذت بجوانبها مجموعة من النقوش الإسلامية المبكرة، أحدها يحمل اسم مصعب بن شيبة حاجب الكعبة المشرفة في القرن الثاني الهجري، ونصّه:

ـ اللهم صلّي

ـ أنت وملائكتك

ـ على مصعب ابن شيبة

ومن المواقع أيضاً جبل (الشعراء) أو (الشُعْر) الواقع على حدود عرفات الشمالية الغربية، حيث توجد بأسفل الجبل مما يقابل طريق رقم 9 مجموعة من الصخور نفذت بواجهاتها كتابات من الحقبة نفسها، ومنها: نقش باسم مصعب بن شيبة أيضاً.

كما توجد بعرفات مجموعة من النقوش التي يعود تاريخها للحقبتين الإسلاميتين المبكرة والمتأخرة، وتتنوع هذه النقوش في (جبل الرحمة) والجبل المقابل له من الناحية الجنوبية، وتحمل أسماء شخصيات مثل: عبد الله بن محمد، وعبد الله بن خالد، وعبد الملك بن عبد الله بن عقبة، ومحمد آل بيان الحكم، ومحمد عليجن لمنجان، وأبو عدي بن زياد وغيرهم.

ومن المواقع الأثرية المهمة أيضاً ثلاثة مواقع يحتوي كل منها على مجموعة من النقوش: الأول بأسفل (جبل أسلع) المطل على (المغمس) من الناحية الغربية، والثاني في الرشيدي على درب زبيدة قبل محطة البرود مباشرة للقادم الى مكة، والثالث بأسفل أحد الجبال الواقعة بين المعيصم والعسيلة. ويعود تاريخ هذه النقوش الى القرنين الأول والثاني الهجريين، منها نقش مهم مؤرخ سنة 80هـ/ 699م، في الموقع الأخير نصّه:

نقش أسفل أحد جبال مكة مؤرخ في 80هـ

ـ عفا الله عن ا

ـ لوليد بن معبد غفر له

ـ الله ذنبه وكتب

ـ لسنة ثمانين وهو يسل الله

ـ لجنة نزلا والملائكة

ـ رسلا

كما عثر على عدد من المواقع الأثرية في أودية متفرقة حول مكة المكرمة، في كل موقع منها أربعة نقوش تعود للعود الإسلامية المبكرة، في كل من جبل الخنادم، ودقم البطين، ووادي سبوحة، وملكان، ووادي الكفو باليمانية.

وهناك مواقع أخرى لم يعثر فيها إلا على نقش واحد أو اثنين من الحقبة نفسها، بكل من: أم الرين، والمعيصم، وريع بخش، والجعرانة، وجبل الميثب، والمضيق، ووادي حراض، والمفجر، والناصرية، والخشنة. وفي هذا الموقع الأخير عثر على أحد النقوش المهمة جداً، مؤرخ سنة 56هـ/ 675م، وهو من أقدم النقوش الإسلامية المؤرخة في العالم، ونصّه:

ـ اللهم اغفر لحدبة

ـ بن علي بن هبيرة

ـ كتب لسنة ست وخمسين

مقتنيات المتاحف

تتوزع المقتنيات الفنية المصنوعة من مواد خام متنوعة، مثل: الخشب، والمعادن، والزجاج، والفخار، والخزف، والرخام، والجلد، والورق، والمنسوجات وغيرها، في عدد من المتاحف بمكة المكرمة. ولعل أكثر هذه المقتنيات قيمة تلك المعروضة في متحف الحرمين الشريفين بأم الجود، وفي مستودع الحرم المكي الشريف؛ لأنها تشكل مجموعة متنوعة من عهود إسلامية مختلفة، تمثل ما كان موجوداً في الكعبة المشرفة والمسجد الحرام من شمعدانات، ومشكاوات زجاجية، ونقوش تأسيسية، وأعمدة رخامية وخشبية، ودوارق، وطاسات، وقاعدات رخامية وحجرية، وتيجان أعمدة، وأبواب، وميازيب، وبلاطات رخامية، وحلقات برونزية مما كان يثبت فيها ثوب الكعبة المشرفة، وأطواق فضية خاصة بالحجر الأسود، وأباريق وطسوت، وعملات وأختام، وغيرها. كما تحتفظ مكتبة الحرم المكي الشريف بمجموعات نادرة من المخطوطات من مختلف العصور الإسلامية في شتى أنواع المعرفة، مثل: المصاحف الشريفة، وكتب الحديث، والفقه، والعقيدة، واللغة العربية، والكيمياء، والطب، والرياضيات، والفلك، والنبات والأدوية، والتاريخ.

بالإضافة الى ذلك، هناك المتحف الإسلامي بمكة المكرمة الذي يتخذ من قصر الملك عبد العزيز بالزاهر مقراً له. ويحتوي هذا المتحف على تحف فنية مما يعود تاريخها الى عصور إسلامية مختلفة. ولعل أهم ما يحتفظ به في هذا المتحف مجموعة قيمة من الأدوات والأواني المعدنية التي يعود تاريخ معظمها الى أواخر العصر العثماني، وكذلك كسر فخارية وخزفية أموية وعباسية ومملوكية وعثمانية تم العثور عليها في أثناء أعمال الحفريات التي أجريت قبل سنة 1422هـ/ 2001م أمام مكتبة مكة المكرمة، فضلاً عن اقتناء هذا المتحف ما يزيد على مائتي نقش من عصور إسلامية مختلفة معظمها شواهد قبور، منها مائة وثلاثين شاهداً تم نقلها من مقبرة المعلاة خلال التوسعة التي أجريت للمقبرة في الأعوام بين 1421 ـ 1423هـ.

ومن المتاحف المهمة التي تحتوي على كثير من المقتنيات متحف جامعة أم القرى، الذي يحتفظ فيه بمجموعة قيمة من شواهد القبور، والرسوم الصخرية، واللوحات التأسيسية التي تؤرخ لأعمال إنشاء آبار وبرك، وكذلك عدد من الأدوات والأواني والأسلحة، والمخطوطات، ومصنوعات رخامية وفخارية متنوعة معظمها يعود تاريخه الى أواخر العصر العثماني.

كما يحتفظ قسم المخطوطات بالجامعة نفسها بمجموعة من المخطوطات النادرة، من أقدمها مخطوطة قرآنية على رق الغزال. أما بقية المخطوطات فيعود تاريخها للعصرين المملوكي والعثماني.

الى جانب هذه المتاحف الحكومية هناك متاحف أهلية، من أهمها متحف أم القرى الذي أسسه صاحبه الأستاذ حسن خوجه، إذ يحتوي متحفه على كثير من أنماط التراث المكي.

الصفحة السابقة