خطط تغيير معالم المدينة المقدّسة

شركات بريطانية في مكة

محمد الأنصاري

يثير الحيرة حقاً أن يكون موضوع الخطر المحدق بالآثار التاريخية والدينية في مكة والمدينة مورد اهتمام وسائل غربية، بل مصنّفة باعتبارها علمانية، فيما لا نكاد نسمع موقف احتجاج أو استنكار من جهات إسلامية محلية أم خارجية، وقد تم تدمير البقية الباقية من مكة القديمة، وأخرج الأهالي من منازلهم على أساس وعود بالتعويض، فيما تتواصل عمليات الهدم والردم على مساحة شاسعة من مكة القديمة. 20 مليار ريال هي قيمة تكلفة التوسعة، وإزالة ألف منزل تقع داخل مكة القديمة، ولم يتسلّم أحد منهم التعويض حتى الآن، بعد اقتلاعهم عنوة من منازلهم، ما يعني أن ما لم يجرؤ الملك فهد على فعله في مشروع التوسعة الأول، يقدم عليه الملك عبد الله بصورة سريّة تحت غمامة من المديح والثناء على ما اقترفه في الديار المقدّسة.

تبدّل المشهد التاريخي، وانحسر الزخم الروحي للمدينة المقدّسة، هكذا يخبر كل زائر، دع عنك أهل مكة الذين يرقبون بعيون الحسرة اختطاف هوية وتاريخ وروح أقدس بقعة على وجه الأرض، فما يجري في أقدس البقاع بمثابة قرصنة تقتلع سيرة كل حجر وذرة تراب، تحكي عن أجيال متعاقبة، موصولة بجيل الطهر الأول، لا المساجد، ولا الآبار، ولا البيوت الأثرية، ولا المواقع الرسالية يمكن العثور على رسومها، فقد اندثرت جميعاً تحت مبانٍ، ومطاعم، ومكاتب عقارية، وأسواق، حتى يخيّل للزائر وكأن يأتي الى مدينة أخرى، لم تكن مهبط الوحي، ومعدن الرسالة، ومهوى جيل من العظام الذين افتدوا بأرواحهم خاتم الرسالات..أراد آل سعود أن ينسى المسلمون كل ما له صلة بتاريخ مكة ما قبل احتلالهم لها، وكيما تتحوّل إلى (ميني دبي) كما يصفها الإعلام الغربي، بحيث لا يميّزها شيء عن أي مدينة حديثة سوى المسجد الحرام الذي ينقطع السبيل به عن جذوره التاريخية والدينية والحضارية.

تبدّل المشهد التاريخي، وانحسر الزخم الروحي للمدينة المقدّسة، هكذا يخبر كل زائر، دع عنك أهل مكة الذين يرقبون بعيون الحسرة اختطاف هوية وتاريخ وروح أقدس بقعة على وجه الأرض، فما يجري في أقدس البقاع بمثابة قرصنة تقتلع سيرة كل حجر وذرة تراب، تحكي عن أجيال متعاقبة، موصولة بجيل الطهر الأول، لا المساجد، ولا الآبار، ولا البيوت الأثرية، ولا المواقع الرسالية يمكن العثور على رسومها، فقد اندثرت جميعاً تحت مبانٍ، ومطاعم، ومكاتب عقارية، وأسواق، حتى يخيّل للزائر وكأن يأتي الى مدينة أخرى، لم تكن مهبط الوحي، ومعدن الرسالة، ومهوى جيل من العظام الذين افتدوا بأرواحهم خاتم الرسالات..أراد آل سعود أن ينسى المسلمون كل ما له صلة بتاريخ مكة ما قبل احتلالهم لها، وكيما تتحوّل إلى (ميني دبي) كما يصفها الإعلام الغربي، بحيث لا يميّزها شيء عن أي مدينة حديثة سوى المسجد الحرام الذي ينقطع السبيل به عن جذوره التاريخية والدينية والحضارية.

هؤلاء المصمّمون الذي ينتمون الى بلدان تحظر بقوة القانون المساس بكل ما يتصل بتراثها وحضارتها وتاريخها، الممتدة على مساحة واسعة من المدن الكبرى والصغرى في هذه البلدان، بل تأسست وزارة خاصة بحفظ التراث وصونه من الإعتداء، يأتون إلى ديارنا بتصاميم جديدة لإزالة معالم وتراث وآثار أقدس بقعة في بلاد المسلمين..جاءوا خلسة، بتنسيق وتخطيط مع الملك والأمراء الكبار، كيما ينفّذوا مخطط محق الهوية الدينية والتاريخية للمدينتين المقدّستين، ولذلك أبقي مخطط التوسعة الجديد طي الكتمان إلى أن كشفت النقاب عنه الصحافة البريطانية.

في 10 مايو الماضي، نشرت صحيفة صنداي تايمز مقالاً للكاتب كريس جورلاي عن المشهد الجديد للمدينة الأكثر قداسة في الاسلام، أي مكة المكرمة، بعد أن أصبحت محاطة بالفنادق والأبراج التجارية والمطاعم الأجنبية، بما يشبه نموذجاً مصغّراً من مدينة دبي. وكتب جورلاي، أن نورمان فوستر وزها حديد منخرطان في خطط لتحويل المشهد حول مكة، المدينة الأكثر قداسة في الاسلام، لتمهيد السبيل أمام ارتفاع مبان شاهقة، متكاملة مع قطار عالي السرعة مخصص للحجاج. وقام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بمراجعة التصاميم الهندسية التي تحافظ على موقع المسجد الحرام في موقع القلب من مكة المكرمة التي ستتسع لخمسة أضعاف حجمها الحالي لاستقبال 5 ملايين حاج في موسم الحجيج.

ويعتقد النقّاد بأن 20 عاماً من برنامج التوسعة سيحيل مكة إلى (دبي المصغرة)، الإمارة الشرق أوسطية التي أصبحت نموذجاً للنزعة الإستهلاكية. ومن المتوقع ان يزال الكثير من المباني القائمة بما في ذلك الجبال العتيقة حتى يمكن إقامة فنادق سبعة نجوم ومبان سكنية تناطح السحاب تحتوي على شقق فاخرة. ويقول مسؤولون سعوديون أن برنامج التطوير الذي يمتد لعشرين عاما، سيجعل المدينة تضاهي أحدث المدن العصرية!

يجدر بالذكر أن زها حديد وهي مهندسة عراقية المولد قامت بتصميم المركز المائي لاولمبياد لندن العام 2012 ويعتقد انها قدمت مقترحات لتوسيع محيط المسجد الحرام. ورغم أن خطط حديد تظل طي الكتمان، فانها في السابق وضعت تصاميم جريئة لمشاريع مساجد أخرى، إحداها في ستراسبورغ يبدو فيه السقف بشكل مستوحى من الخطوط الإسلامية. كما أن من المعتقد أن حديد معنية بإعادة تصميم جزء من المنطقة الوسطى لمكة المكرمة.

اما المهندس فوستر الذي صمم برج غيركين في لندن ومطار بيجين، فقد أوكل إليه تصميم أربع محطات على امتداد طريق السكة الحديد السريع الجديد الذي يتكلّف 3.5 بلايين جنيه استرليني والذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وسيتحرك القطار السريع الذي أطلق عليه إسم (اكسبريس الحجاج) بسرعة 186 ميلاً في الساعة بين المدينتين جيئة وذهاباً كل ساعتين ونصف الساعة. كما انه سيمر بمدينة جدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

وقال مكتب فوستر وشركاؤه الذي يعتقد أيضا بأنه معني بإعادة تخطيط مركز الحرم أن كل محطة للقطار ستعكس موقعها. وتصاميم أحد المحطات الذي تسرب حتى الآن أظهر سقفا محدّباً به ثقوب صغيرة تعد بالمئات، لتمرير إضاءة منقطة مشابهة لأحد الأسواق العربية. ولما كان لا يسمح لغير المسلمين دخول مكة، فان هذا يعني ان على فوستر ان يرسل مهندسين معماريين مسلمين لدراسة الموقع، والعمل على التصاميم عن بعد.

وتزعم العائلة المالكة أن برنامج التحديث وهو المرحلة الاولى التي يمكن أن تتكلف 13 بليون جنيه استرليني، ستوفر مرافق محسنة لحجاج بيت الله الحرام. وقد أحجم كل من فوستر وحديد عن الحديث عن خططهما، إلا أن تصاميم مهندسين معماريين آخرين ومؤسسات هندسية، بما فيها عائلة أسامه بن لادن، التي تخضع للمراجعة أمام العاهل السعودي ألقت الضوء على الحجم الكبير للمشروع. وبعضها يظهر مسجداً جديداً تحيط به طريق للسيارات وناطحات سحاب منتظمة بحيث تواجه الكعبة المشرفة.

والخطط التي تسربت لشركة (أتكنس) البريطانية تظهر قطاعاً يعود للعصر العثماني من المسجد الحرام وقد استبدل بقاعة صلاة متعددة الطوابق تتسع لـ3 ملايين مصل بعد أن كانت تتسع لـ900 ألف. واقتراح للمرحلة الثانية من التطوير يدعو الى ازالة المسجد القديم واحلال مبنى على شكل دائرة مفرغة من الوسط بدلا منه بحيث تستطيع استيعاب اكثر من 5 ملايين حاج. اما الكعبة المكرمة فتظل في مكانها.

وقال مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي في لندن عرفان العلوي التي تراقب عمليات تطوير مكة المكرمة (لا يدرك غالبية المسلمين ما الذي يجري في مكه لأن السعودية تتكتّم كثيراً على خططها، إلا أنهم يدمّرون مهد الاسلام، إذ يجري حالياً تدمير الموقع الى قطع صغيرة. ويفجرون الجبال ويزيلون المباني التراثية لبناء 130 ناطحة سحاب حول المسجد الحرام. ولقد خسرت مكه الكثير من سحرها وروحانيتها).

بينما قال ناطق بلسان السفارة السعودية في لندن ان الملك عبد الله لا يزال يدرس المقترحات جميعها ولم يصدر بعد قرار نهائي بشأن الخطة الرئيسة.

نشير هنا الى أن نبأ مشروع التوسعة هذا ليس جديداً، فقد نشرت صحيفة (إنديبندنت) في 28 نوفمبر الماضي تقريراً جاء فيه أن منافسة تجري بين إثنين من كبار المصممين المعماريين البريطانين في أكبر عملية ترميم منفردة في التاريخ، وتتعلق باعادة تطوير مكة المكرمة، يتنافس عليها 18 مهندساً معمارياً وجّهت إليهما الدعوة لإعداد خطط لإعادة تصميم أقدس المدن الإسلامية ببناء مسجد يتسع لثلاثة ملايين حاج يزورون مكة المكرمة كل عام. وتعني عملية التطوير مضاعفة الحرم الشريف الحالي لأكثر من ثلاثة أضعاف حجمه الحالي الذي يتسع لـ 900 ألف مصل، ليصبح أكثر المباني في العالم من حيث الاستيعاب. وتحظى هذه الخطط بدعم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وبحسب الصحيفة فإن القصد من وراء التوسعة (اقامة مشهد معماري جديد) لمسجد مكة الذي تبلغ مساحته 356.800 متر مربع. ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من المشروع لمجلة المهندسين المعماريين (اركيتكتس جورنال) أن من المحتمل أن يتم إنجاز المشروع على مراحل، ترتفع فيه طاقة المسجد الحرام في المرحلة الاولى الى 1.5 مليون، ومن ثم تدريجياً الى ان تصل الى ثلاثة ملايين.

نشير هنا الى أن نبأ مشروع التوسعة هذا ليس جديداً، فقد نشرت صحيفة (إنديبندنت) في 28 نوفمبر الماضي تقريراً جاء فيه أن منافسة تجري بين إثنين من كبار المصممين المعماريين البريطانين في أكبر عملية ترميم منفردة في التاريخ، وتتعلق باعادة تطوير مكة المكرمة، يتنافس عليها 18 مهندساً معمارياً وجّهت إليهما الدعوة لإعداد خطط لإعادة تصميم أقدس المدن الإسلامية ببناء مسجد يتسع لثلاثة ملايين حاج يزورون مكة المكرمة كل عام. وتعني عملية التطوير مضاعفة الحرم الشريف الحالي لأكثر من ثلاثة أضعاف حجمه الحالي الذي يتسع لـ 900 ألف مصل، ليصبح أكثر المباني في العالم من حيث الاستيعاب. وتحظى هذه الخطط بدعم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وبحسب الصحيفة فإن القصد من وراء التوسعة (اقامة مشهد معماري جديد) لمسجد مكة الذي تبلغ مساحته 356.800 متر مربع. ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من المشروع لمجلة المهندسين المعماريين (اركيتكتس جورنال) أن من المحتمل أن يتم إنجاز المشروع على مراحل، ترتفع فيه طاقة المسجد الحرام في المرحلة الاولى الى 1.5 مليون، ومن ثم تدريجياً الى ان تصل الى ثلاثة ملايين.

إلا أن مصادر أخرى وصفت المشروع بانه ينقسم الى جزئين..أحدهما يهتم بالبدائل المختلفة لتوسيع الجهة الشرقية من الحرم المقدس، والآخر يتعلق بالحرم نفسه. وقد دعيت مؤسسة لورد فوستر وهي (فوستر أند بارتنرز) للمشاركة في القسم الأول كما دعيت لهذا الجزء من المشروع عشر شركات أخرى، قيل أن شركة التصاميم (أتكينس ديزاين) من بينها.

أما زها حديد فقد دعيت لتقديم مخططها مع ست شركات شهيرة أخرى لإضفاء مظهر جديد للحرم القدسي إضافة إلى (دراسة الوضع في المنطقة الوسطى بأكملها). ومن المعتقد أن يكون المهندسون البريطانيون (آدامز كارا تايلور) و(فابر مونسيل) من بين من يمكن أن توجه اليهم الدعوة.

مشاريع التوسعة الجديدة في مكة والمدينة تتم بأيدي مصمّمين بريطانيين وكنديين، ولا ندري قد يشارك الإسرائيليون
في تلك المهمة التدميرية

صحيفة (الجارديان) اللندنية ذكرت في 29 نوفمبر من العام الماضي، بأن الملك عبد الله يقف شخصياً وراء دعم خطط التوسع وبقوة، والهدف المزعوم هو تقديم رؤية معمارية جديدة للمجمع الخاص بالحرم المكي والذي يمتد على مساحة 356,800 متر مربع وستقوم زها حديد ذات الاصول العراقية (58 عاماً) بتقديم التصاميم النهائية امام الملك عبد العزيز الى جانب فوستر (73 عاماً) بالإضافة الى بقية المعماريين. فما اقترفه الملك فهد في مشروع التوسعة من تدمير للأماكن المقدّسة لم يكن كافياً، وجاء دور خلفه الملك عبد الله من أجل استكمال مسيرة التدمير المنظّم، والتي يحصد فيه اللصوص من شركات الإعمار مبالغ طائلة.

الأخطر في مشروع التوسعة الجديد في مكة والمدينة أنه يتميز بحسب وصف (الجارديان) بكونه (الأكثر جرأة في التاريخ) متمثلاً في تغيير معالم مكة المكرمة، وكذلك الحرم المكي، وهو ما يشتغل عليه نورمان فوستر وزها حديد المعروفان على المستوى العالمي إضافة إلى عشرات من المهندسين البريطانيين والكنديين الذين سيشتغلون على إعادة تصميم مدينة مكة، الأكثر قدسية في الاسلام، بحجة زيادة الطاقة الاستيعابية لضيوف الرحمن، من خلال بناء مجمع ملحق بالحرم يستوعب 3 ملايين حاج يزورون مكة المكرمة كل عام، أي مضاعفة حجم الحرم المكي ثلاث مرات تقريباً من حجمه الحالي والذي يصل إلى 900 ألف حاج ليتحول المبنى الى البناء الأكثر استيعاباً في العالم، حسب الصحيفة. إننا إذاً نتعامل هنا مع مجرد حقيقة خطيرة للغاية، إذ يراد تحويل المسجد الحرام إلى مجرد مبنى يحوز على طاقة استيعابية عالية.

زها حديد التي واجهت معارضة دامت اربع سنوات من مؤسسة التراث البريطانية لإنشاء صالة عرض على مساحة 3 آلاف متر مربع ومجمع شققي في دائر هوكستون، بحسب مجلة (أركتيكتس جورنال) في 3 ديسمبر من العام الماضي، لم تشعر بأن ثمة ما يحول دون تنفيذ مشروعها في مكة المكرمة، وهي مركز التراث الاسلامي ومستودعه.

حديد التي حاولت تحقيق حلمها في بريطانيا بعد معارضة مجلس هاكني لخططها، ما أدى الى تعطيل مشروعها لأربع سنوات وأخضعه لتعديلات عديدة كيما يتوافق مع شروط صارمة من مؤسسة التراث، ومع ذلك فإن موافقة مجلس هاكني لم يضع حداً للانتقادات الحادة من مؤسسة التراث الانجليزي التي مازالت تصرّ على رفض مشروعها، المقرر أن ينجز في عام 2012، تشعر بارتياح بالغ كونها تجد غطاءً من رأس الدولة. وفيما وصفت خطة المهندسة حديد المقترحة لتنفيذ مشروعها في دائر هوكستون بأنه (ناشز) بالمقارنة مع المحيط المجاور له، وأن المقترحات تشكّل ضرراً فادحاً على الإحساس بالانحباس الذي ستسببه البنايات المحيط بالدائر، فإن تغيير معالم المدينة المقدّسة لا يخضع لنفس النظرة!

ما يظهر لنا في هذا المثال، أن زها حديد التي واجهت احتجاجات من أكثر من مؤسسة تراثية في بريطانيا كونها تقيم مشروعاً في منطقة داخل المجال الحيوي للتراث الحضاري للمملكة المتحدة، لم تواجه تدابيراً مماثلة في ديارنا المقدّسة، بل يظهر من التصاميم التي قدّمتها حول توسعة الحرم المكي أن لا عقبات حالت دون تنفيذ مهارتها المعمارية، ولكن على حساب مقدّساتنا وتراثنا وهويتنا الحضارية.

وبحسب مجلة (اركيتيكتس جورنال) في 26 نوفمبر من العام الماضي، فإن نورمان فوستر وزها حديد يتنافسان على الفوز بالمشاريع الأكثر أهمية على وجه الأرض ـ أي توسعة مكة المكرمة. وبحسب مصادر المجلة، فإن الخطة للمدينة المقدسة تقوم على تشييد بناء جديد ضخم حول وسط المسجد الحرام والذي يجعل من هذا البناء مستوعباً لثلاثة ملايين زائر. المثير في الأمر أن هذه الخطط وضعت في خانة (الأسرار الكبرى) التي يدعمها الملك عبد الله، الذي طلب اختيار مجموعة منتقاة من المعماريين لتصميم رؤية معمارية لمجمع الحرم على مساحة تفوق 3.5 آلاف متر مربع.

وبحسب مصادر المجلة، فإن المشروع يستغرق عشر سنوات، ويتم تنفيذه على مراحل، تبدأ المرحلة الأولى من تحويل المسجد الحرام بحيث يستوعب 1.5 مليون زائر، إلى أن يصل الى 3 ملايين زائر مع إتمام عدّة مراحل تستغرق من خمس إلى عشر سنوات. وتضيف المجلة بأن خطط التنفيذ موزّعة بين جهتين، مع فوستر وشركائه والمخصصة للنظر في طائفة من البدائل للتوسعة الشمالية من المسجد الحرام، وهناك عشر خطط أخرى يعتقد بأنه تم التوصل إليها لتنفيذ دراسات جدوى في مشروع التوسعة، تشمل شركة أتكنس.

في غضون ذلك، تم منح زها حديد مهمة تقديم أفكار حول المسجد الحرام نفسه وكذلك (العودة الى زيارة المنطقة الوسطى). يضاف إلى هؤلاء ستة من أشهر المعماريين العالميين الذين ارتبطوا بهذا العمل. وبحسب المجلة، فإن المهندسين المقيمين في بريطانيا آدمز كارا تايلور وفيبر ماونسل في إطار المشروع الذي تبلغ كلفته عدة مليارات من الجنيهات الاسترلينية. وبحسب مصادر مقرّبة من مجلة (اركيتكتس جورنال) فإن (الدراسة ـ أي دراسة المشروع ـ لم تقصد بها المنافسة..فالهدف الرئيس من دراسات التصميم هو لإثراء خطابنا حول ما يجب تقديمه للعمارة المستقبلية للحرم وزيادته). فأعمال التصميم، إضافة إلى تحقيقات أخرى، ستخضع للعرض لجلالته..بنهاية هذه الشهر..أي نوفمبر الماضي).

وفي الرابع من ديسمبر من العام الماضي، تساءلت (أركيتكتس جورنال): هل سيخلق فوستر وحديد تماثيل في مكة؟

وتقول المجلة بأنها حققت إختراقاً في أكبر قصة معمارية لهذا العام، بإيرادها أخباراً تفيد بأن فوستر وشركاءه ومعماري زها حديد يعملون على أعظم التحديات اللوجستية والرمزية والقدسية على الأرض، ممثلاً في تطوير أهم مواقع الحج في الاسلام، أي مكة.

وتضيف المجلة بأن القصة طافت حول العالم، والتقطتها الصحف الوطنية، ومدوّنات لا حصر لها، وكذلك وكالات أخبارية. وتعلّق المجلة بأنه من النادر في الصحافة التجارية أن يكون لمثل هذه القصة هذا النوع من التأثير، ما يمنح صدقية لمراسلنا، ريتشارد وايت بأنه كان على الناس أن تحصل على معلوماتهم منا ـ فليس هناك أحد آخر من لديه هذا النوع من القدرة على الوصول لتلك المصادر.

تسترعي المجلة إهتمام القارىء بشأن اختيار المعماريين المقيمين في بريطانيا لتولي مهمة تطوير المواقع الإسلامية الأكثر أهمية، وتعتبر ذلك اعترافاً بالروابط التاريخية للمملكة المتحدة بالمنطقة. وتؤكّد، حسب زعم المجلة، شيئاً ما واضحاً حينما تسافر الى الشرق الأوسط: فهناك اعتقاد بأن المستشارين البريطانيين يجلبون النوعية، التميّز، والثقة لمشاريع الإعمار.

بيد أن ما تغفل المجلة عن ذكره أن الحديث لا يدور حول مشروع معماري، بل تتعلق بمسائل عديدة تراثية ودينية وسياسية، وليس هناك من يولي اهتماماً بما ستكون عليه مكة المكرمة، ولكن الأسئلة المطروحة ستكون لماذا تحوّل المشهد الديني والتراثي بهذه المدينة، ومن قام بفعل ذلك. وإذا كان أهل مكة والمسلمين عموماً يحمّلون آل سعود مسؤولية الدمار الذي لحق بآثار المدينتين المقدّستين، فإن تنفيذ مشروع توسعة بمشاركة مهندّسين ومعماريين أجانب سيدخل عنصراً جديداً الى دورة الاحتجاج المتصاعد ضد زوال الآثار التاريخية والدينية للمسلمين.

المشكلة في جوهرها تكمن في طبيعة مقاربة المتنافسين على مشاريع التوسعة من الأجانب. فأولئك الذين يتحدّثون عن التحديات التي تواجه فوستر وحديد في إبداع تصاميم يمكن لها أن تنافس تاج محل والحمراء يجهلون تماماً الأبعاد الأخرى، غير المعمارية. فهاهي استانبول تنعم بمئات المساجد بزخارف وتصاميم معمارية متميّزة، ولكنها تحوّلت إلى ما يشبه متاحف تاريخية، وتشير إلى حقبة زمنية عثمانية غابرة. الحال مختلف تماماً بالنسبة لمكة المكرمة، فهي ليست مجرد مكان يراد تطويره معمارياً، أو عمرانياً، بل هي قداسة المكان، وتاريخ أمة، وسيرة رسالة، ورمزية دينية، ومركز جاذبية روحية لأكثر من مليار مسلم..

مايلفت الإنتباه، أن الحديث في الصحافة المحلية بعد أكثر من نصف عام عن تفاصيل مشروع التوسعة في مكة المكرمة جاء في سياق خبر آخر، أي تم تهريبه في خبر عن مشروع التوسعة في المدينة المنورة. وبطبيعة الحال، لم يأت على ذكر الشركات التي تقوم بتنفيذ المشروع، دع عنك هويات المهندسين والمعماريين. واكتفى الخبر الرسمي المعدّ بعناية بأن التوسعة تضمنت (نزع الملكيات وتعويض أصحابها وتطوير شبكات الخدمات والإنفاق والطرق. ويقف مشروع توسعة وعمارة المسجد الحرام معلما إسلاميا شامخا شاهدا على ما تقوم به المملكة من أعمال جليلة تهدف في مجملها إلى خدمة الإسلام والمسلمين). بالرغم من أن المعلم الإسلامي الشامخ سيتم هذه المرة على أيدي غير إسلامية، أي بريطانية وكندية، وربما يهودية!

الرواية الرسمية للتوسعة

بحسب الخبر الرسمي، فإن المساحة الإجمالية للتوسعة تبلغ ستة وسبعين ألف متر مربع وتتكون من بدروم سفلي وآخر علوي ودور أرضى ودور أول بالإضافة إلى السطح. وتشمل التوسعة، بحسب الخبر، ثمانية عشر مدخلاً عادياً بالإضافة إلى بوابة رئيسة أطلق عليها إسم بوابة الملك فهد وهي مشابهة لبوابة الملك عبد العزيز كما شملت التوسعة مئذنتين مشابهتين للمآذن الموجودة سابقاً.

نشير هنا إلى أن الخبر اكتفى بذكر تفاصل المرحلة الأولى من التوسعة، حيث تصبح بها المساحة الإجمالية للحرم المكي الشريف 356 ألف متر مربع بما في ذلك الساحات المحيطة به والمخصصة للصلاة وكذلك السطح بعد أن كانت قبل ذلك 152 ألف متر مربع ليتسع لـ 770 ألف مصل بعد أن كانت طاقته الاستيعابية قبل ذلك في حدود 340 ألف مصل.

ويمكن أن تتضاعف طاقته الاستيعابية في أوقات الذروة كما أصبح مجموع ‌المداخل العادية للحرم خمسة وأربعين مدخلاً بالإضافة إلى أربع بوابات رئيسة وعدد المآذن بالحرم تسع مآذن وعدد السلالم الكهربائية المتحركة سبعة سلالم بالإضافة إلى السلالم العادية. ولا يقتصر المشروع على إضافة هذا المبنى إلى مبنى الحرم الحالي فحسب وإنما اشتمل المشروع على تسوية وتوسعة الساحات المحيطة بالحرم لأداء الصلاة فيها إذ تم نزع ملكية العقارات الموجودة بها وإزالتها وتم رصفها بالبلاط الفاخر وإضاءتها بأبراج إنارة عالية وفرشها بالسجاد أوقات الذروة والمواسم وتزويدها بمكبرات الصوت ومياه زمزم المبردة وذلك لأداء الصلاة بها بدعوى تخفيف الازدحام داخل الحرم المكي الشريف.

وتبلغ المساحة الإجمالية لتلك الساحات أكثر من أربعين ألف متر مربع وتستوعب أكثر من خمسة وستين ألف مصل في الأيام العادية وتتضاعف في أيام الذروة. وتضمن المشروع إنشاء نفق السوق الصغير الذي يمتد من ميدان الشبيكة إلى أنفاق أجياد السد ويفصل حركة المشاة عن حركة السيارات أمام المنطقة الواقعة أمام بوابة الملك فهد وبوابة الملك عبد العزيز ليتمكن المصلون من الدخول والخروج من وإلى الحرم المكي الشريف إضافة إلى الاستفادة من الساحات لأداء الصلاة فيها. وتم الانتهاء من النفق الذي بلغت تكلفته الإجمالية أكثر من ستمائة وخمسين مليون ريال.

كما تضمنت التوسعة تنفيذ عبارات خراسانية في منطقة ما حول الحرم المكي الشريف يتم تنفيذها بشكل دائري لتمديد خدمات المرافق العامة بها من مياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وغير ذلك دون اللجؤ إلى التكسير للحفاظ على جمال المنطقة حيث تقوم كل جهة بتمديد خدماتها عبر هذه العبارات الخراسانية الموجودة تحت الأرض.

الصفحة السابقة