نواحة مستأجرة، ولا عزاء للطاغية

سعد الشريف

كشفت وفاة نايف عن مخزون غضب شعبي كبير ضده، بسبب قمعه واستبداده وهو على رأس وزارة الداخلية مدّة 37 عاماً. ايضاً كشفت الوفاة أن هناك مخزوناً من النفاق الإجتماعي غير معتاد، حيث التطبيل للعائلة المالكة، ومهاجمة خصومها وضحاياها. وفي طرف آخر كشفت الوفاة أن الإستبداد خلّف مجتمعاً ممزّقاً طائفياً ومناطقياً وهو لم يتوحّد بسبب وفاة الزعيم المتشدد، بقدر ما زادته الوفاة تمزّقاً.

بمجرد أن اعلنت الوفاة، انكبّ السعوديون على تويتر والقنوات الفضائية يتابعون النقاش والحرب البينية! ثلاثة أقسام ظهرت: بعضهم أغلق موقعه ولم يكتب شيئاً، والسبب هو أنه لا يريد أن يعطي رأياً في نايف يخالف قناعاته، فيسخط عليه قسط من المتابعين، او النظام. قسم آخر، أعلن عن فرحته الغامرة لموت (الطاغية)، ومعظم هؤلاء هم من ضحايا نايف، من عوائل المعتقلين بعشرات الآلاف؛ ومن المسحوبة جوازات سفرهم والممنوعين من السفر؛ ومن الذين سجنوا لأتفه الأسباب؛ ومن الذين يرونه عقبة في وجه الإصلاح وحقوق الإنسان؛ ومن الذين طردوا من وظائفهم لمجرد أنهم عبروا عن رأي مخالف للعائلة المالكة.

قسم ثالث، وهو الأكثر استنفاراً، يناصر النظام، من اعلاميين ومشايخ سلطة، والأغلب من (البيض/ الدبابيس/ المباحث) العاملين في تويتر، أي موظفي وزارة الداخلية نفسها. وبعض قليل من البسطاء الذين لا يدرون في أي عالم يعيشون! رجال نايف في تويتر كادوا يحتلون تويتر!، كانوا مستفزين الى أقصى الحدود في غياب سيدهم، وعلى استعداد لمناطحة أي أحد يبدي فرحة بغياب الطاغية، وأما مشايخ نايف في تويتر فكانوا يحذرون من اختراق المحظور الديني بالتعرض لنايف، أو إظهار الشماتة بموته، بل طفق بعضهم برسم صورة الهية مغالية لسيدهم المتوفى، حتى أن احدهم فتح (#) حمل عنوان (الجنّة تشتاق لنايف)! وبلغ الغلو أقصاه حين قال أحدهم بأن نايف يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وأنه يصوم معظم أيّامه!

في الحقيقة فإن نايف لم يتوفى إلا وسمعته قد بلغت الحضيض، لا لقمعه ومحاربته الحريّات العامة فحسب، بل لما كشفه (مجتهد) في تويتر من فضائحه وفضائح أبنائه وبناته في منتجعات (درّة العروس) بجدّة، ولحق بها فضائح نشرتها الصحافة الفرنسية عن زوجته مها السديري في باريس وهي فضائح متكررة. لكن: وعين الرضا عن كل عيب كليلة!

كان هناك نائحون مستأجرون كثر. وكان سلاحهم حديث ضعيف يخالف سنة النبي الفعلية يقول: (اذكروا محاسن موتاكم). قيل لهم: لمَ لم تقولوا ذات الأمر بشأن القذافي، او ابن لادن؟! علق مغرد: (تفكير سعودي: الله يرحم من فسد! الله يرحم من استبد! رحمته تشمل كل ظالم، إلا القذافي والأسد!).

هذه جملة من التغريدات على موت نايف:

(أمة من الخراف سرعان ما تنجب حكومة من الذئاب)؛ (عدد سجناء الرأي في السعودية حسب جمعية الحقوق المدنية والسياسية يفوق ٢٧٧٥٠ سجيناً!)؛ (ماذا يعني ان يفرح الشيعة والسنة بموت نايف، غير ان ظلمه كان شمولياً)؛ (أصابع نايف تركت بصماتها الحمراء في شبه الجزيرة العربية واليمن ومصر وسوريا والعراق والبحرين وأفغانستان ولبنان ومناطق أخرى)؛ (ليس من الإنسانية نسيان آلاف الأحياء المدفونين في السجون، ومدح من سجنهم بدون وجه حق، فقط لأنه مات!)؛ يقولون نايف أسد السنّة: (الكلّ يتاجر بالسنّة: واحد أسد السنّة، والثاني شبل السنّة، والبقية خرفان السنّة)؛ (السنّة ليست غابة ليحميها أسد بالبطش بمن يظنهم أعداء. السنة تاريخ وحضارة وفكر واخلاق وقيم؛ قمع المخالفين يشوهها).

ومن التغريدات: (على نايف أن يُقنع منكر ونكير بأن الـ 30 الف معتقل كلّهم ارهابيون)؛ خبر صحيح: (هيفاء وهبي تعزي في اﻷمير نايف)؛ (يوم وفاة القذافي طلع علينا سلمان العودة وقال: لا يجوز الترحم والدعاء للطاغية، فهل سيكون بنفس الجرأة في موت نايف؟). (بعضهم يحاول إحياء محاكم تفتيش: فمن ضعف نواحه ضعفت وطنيته! ومن قلّت دعواته ـ لنايف ـ قلّ إيمانه! أخشى أن يضرّه حمقكم)؛ (مشهد لا يوصف: عندما أخبرت إخواني وأخواتي بموت الظالم نايف الذي حرمهم من والدهم 8 سنوات، كلهم سجدوا شكراً لله تعالى)؛ (لن اتعجب من شخص يدّعي الإنسانية ويصطنع المثالية بعواطفه وتباكيه على من أهدر كرامته وإنسانيته، فالعبودية غدت تجري مجرى الدم في جسده)؛ (كيف بي أن أذكر محاسن ميت، شروره لازالت تنبض حتى بعد موته في قلوب الأمهات والزوجات والابناء! دعوا مثاليتكم لكم ودعوني اشارك المظلومين فرحتهم)؛ (أين هي انسانيتكم الهشة من دمعة طفل لم يشاهد والده منذ ولد أين هي من فاجعة أم بإبنها اين هي عن بكاء زوجة لم تفرح بزوجها أين أنتم عن معتقلينا؟)؛ (فرحت لما مات سلطان، وقالوا: أين الإنسانية، للموت هيبة! وسأفرح الآن بموت نايف. من لا يعرف الإنسانية لاينتظر مني إنسانية).

ومن التعليقات: (قررت “روتانا” أن تعتنق الإسلام لثلاثة أيام!) هي فترة الحداد على نايف!؛ (هناك من المواطنين من هو مشغول بموت نايف؛ بينما العائلة المالكة مشغولة بتقاسم إرثه: ماله ومناصبه)؛ (تكفيراً عن ذنوبه الكثيرة، أفضل ما يفعل آل سعود أن يطلقوا سراح عشرات الألوف المعتقلين ويعوضوهم ويعتذروا لهم)؛ (جهزوا حالكم للبيعة، واتركوا عنكم الثرثرة. يالله يامشايخ يا مثقفين ابصموا فقد بصم من هم قبلكم. هيا علقوا القيود في أعناقكم)؛ (رفع ضابط المباحث حذاءه القصيمية وهوى بها ذات الشمال وذات اليمين على وجهي وأنا مقيد اليدين والرجلين: المناضل اسحق الشيخ يعقوب)؛ (بعد دفن نايف في الحجاز، أتمنى أن تندحر محاضن الإلحاد، ويزهو المكان “بالتوحيد”)!؛ (بمقدار جرعة التمجيد والتطبيل والمديح يعرف المستبد وحجم استبداده)؛ (إذا رأيت أيتاماً، أو قطيعاً، لا يستطيع أن يفكر أنه يمكن أن يعيش بدون سيّده، أو نظام سيّده، فأنت في قاع مستبد)؛ (المستبد يعرف بآثاره: مشاعر مهتاجة وسيوف تبحث عن رقاب تقطعها حفاظاً على (الأمن) و(التوحيد)؛ (قطيع نواحة يستعجل انتخاب راعي جديد يجزرهم).

الصفحة السابقة