في مملكة الفقر

الراتب ما يكفي الحاجة

سعدالدين منصوري

كانت مفاجأة كبرى.. بل بمثابة استفتاءً على النظام السياسي وأدائه، حين قام عشرات الملايين من المواطنين بإبداء رأيهم في حياتهم المعيشية، في حملة على وسم/ هاشتاق في تويتر، تحت عنوان: (الراتب ما يكفي الحاجة).

في منتصف الوقت، وفي أقل من يومين كان هناك أكثر من ١٧ مليون تغريدة، ما اعتبر الهاشتاق ضمن أقوى عشرة هاشتاقات على مستوى  العالم. معظم هؤلاء عبروا عن رأي بأن وضعهم المادي سيء، وأن الراتب  لا يكفي حاجتهم، وأن السكين وصلت الى حد العظم، وأن قطع الأعناق أهون من قطع الأرزاق.

كان إجماعاً شعبياً بامتياز ينذر القائمين على السلطة بأن الوضع خطير، وأن الرأي العام الشعبي ليس مع النظام، وأن القاطنين في المزرعة السعودية لم يعودوا يحتملوا القمع السياسي والاجتماعي والإفقار الإقتصادي في بلد التريليونات. في الهاشتاق تجد الصحافيين والإقتصاديين والكتاب والمغردين والسياسيين وحتى المسؤولين يدلون برأيهم في محاولة معالجة المشكلة، والمشاعر المتفجّرة ألماً، ما اضطر الصحافة السعودية الى الخوض في الموضوع حيث كتبت عشرات المقالات والتعليقات على الموضوع.

الزيادة في الراتب ليست ترفاً كما يقول الصحافي خالد الناصر، فخط الفقر المدقع رغم تحديده مكررا في ارقام رسمية تهون من المشكلة، إلا أن السكن وحده يبتلع الراتب كاملاً بل لا يكفي الراتب لدفع اجار السكن بالنسبة للكثيرين. حسب الغارديان بداية هذا العام، فان نحو ٤ ملايين مواطن يعيشون تحت خط الفقر. 

الجدل حول كفاية الراتب كان شديداً. فهناك طرف رسمي واستخباراتي في تويتر يعمل لصالح الحكومة. الأكثرية تحمل الحكومة، والحكومة تحمّل الشعب المسؤولية، ولا تريد ان تتحمل أي شيء منها. بل (الراتب يكفي ونص) كما يقول الصحافي الهمزاني في عموده بجريدة الشرق ساخراً، ويستعير من شاعر شعبي: (تقول أمي: أصّ ولا كلمة! لا أنتْ موظف لص، ولا ولد نعمهْ).

المواطنون والباحثون بيّنوا من خلال المقارنات ان ارتفاع الأسعار جنوني، وأن قيمة الريال انخفضت مقابل الدولار بين عامي١٩٨٩ ومايو ٢٠١٣ الى ما يقرب من النصف (٤٣٪ تحديدا) كما يقول الصحافي عابد خزندار، فصار يساوي الآن ٥٧ هللة وليس ١٠٠ هللة. وبحسابات اخرى لعالية شلهوب فإن العشرة آلاف ريال في ٢٠٠٦ صارت قيمتها اليوم ٦٥٠٠ ريال، وفي نفس الفترة ارتفعت الآسعار ٨٧٪ في حين تأكل ايجارات السكن ٤٠٪ من الرواتب على الأقل، خاصة وان ما يصل الى ٧٨٪ من المواطنين لا يملكون بيوتاً، بل يعيشون في بيوت مستأجرة.

البنك الدولي في دراسة له قال بأن رواتب السعوديين هي الأقل بالمقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي والأوروبي ايضاً، لذا ـ حسب الكاتبة ريهام زامكة ـ فان حملة الراتب ما يكفي الحاجة أصبحت (منبراً لمن لا منبر له) وتساءلت: هل وصلت الرسالة؟ الى الأمراء طبعاً. اما الدكتور فهد بن جمعة فرأى ان نصيب السعودي من ايرادات النفط الأقل خليجياً.

انه الفقر او الإفقار: لا وظائف ولا سكن ولا خدمات صحية وغلاء فاحش، وزيادة عليه القمع السياسي والإجتماعي بإسم الدين. فأين هو الحق، وهل يعترف الأمراء بأي حق للمواطن. في الماضي كانت هناك مكرمات، الان لا حقوق ولا مكرمات وإنما قمع شامل. هل فهم النظام الرسالة من ١٧ مليون تغريدة زادت ووصلت الى ما يقرب من ٢٩ مليون؟

نعم ولكن عكسياً. جاءنا بأمين عام مجلس الوزراء عبدالرحمن السدحان ليشتم المغردين ويتهمهم بانهم اشباح وربما عملاء للخارج او يريدون اثارة الفتنة.

 هيئة حقوق الإنسان الحكومية وقفت مع من أسسها وعلقت: (هناك جهات تستغل حملة زيادة الراتب لتحقيق أهدافها). ما هي اهدافها؟ حلوا مشكلة الفقر واقطعوا ما يزعم من مؤامرات! فزيادة الراتب حلم يشترك الشعب كله فيه، وهناك من لا يكاد يجد قوت يومه، تقول الصحافية والكاتبة عزيزة المانع. الصحافي محمد مشاط قال بأن الحلم هو ان يتوقع المواطن بان الحكومة ستزيد الراتب، انها زيادة احلام لا رواتب! شكراً. اما الدكتور علي سعد الموسى، فبعد ان أصبح عضواً في الشورى المعيّن، تغيرت رؤيته، فالمواطن هو المسؤول، بل كل احد هو المسؤول الا اصحاب الدماء الزرقاء.

اما الكاتب علي القاسمي فحذر بأن ثمة نيراناً اشتعلت تحت وطأة الحاجة قد تقود الى ارتكاب خطأ (يقصد المعارضة). فيرد عليه شلاش الضبعان ساخراً بأن المطلوب هو : القضاء على أزمة السكن المؤرقة ومراقبة الاسعار والصرامة مع البنوك. الكاتب سعد السريحي يقول ان الزيادة ليست حلاً: الحل مساعدة المواطن في توفير سكن وتأمين صحي ومواصلات نظيفة (تحلم انت).

ما أكثر المقترحات التي قدمها الاقتصاديون والكتاب والمغردون. لكن شيئاً واحداً مهماً لم يُذكر وهو: ان هذه الحلول تعني تغيير السلطة كاملة، لأنها فاشلة في كل شيء، رغم أن لديها من الإمكانات البشرية والمادية ما يجعلها قادرة نظرياً على اجتراح حلول صحيحة.

# السدحان: هاشتاق الراتب واجهة للفتنة

كان وقع هاشتاق (وسم) #الراتب ما يكفي الحاجة، صاعقاً على المسؤولين، وما أحرج السلطات بشكل خاص هو أن ليس في نيتها زيادة الرواتب بحجة أو أخرى، مع أنه أصبح قضية رأي عام وأُشغلت البلاد والصحافة به لأسابيع، بل ان التلفزيونات العالمية أفردت مكانة له في لقاءات وغيرها (سكاي نيوز والحرّة مثلاً).

حاولت السلطات ان تقيم حملة مضادة فلم تستطع. تحدّث عبدالرحمن السدحان أمين عام مجلس الوزراء فاعتبر هاشتاق الراتب ما يكفي حاجة واجهة للفتنة، وان من يقف وراءه (اشخاص يغيظهم ان تعيش المملكة بأمن واستقرار). وحذر من الانجراف خلف اشباح وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفها بأنها مغرضة، مردداً مقولة نسيناها منذ عقدين وتقول بأن الدافع وراء  الهاشتاق هو حسد مجهولين لا يعجبهم ان السعودية تنعم بالأمن والازدهار. رد المغردون عليه بهاشتاق مضادّ.

الصحفي في جريدة الشرق ابراهيم القحطاني اعتبر التصريح مصيبة ولكن ليس في السعودية بل عند الحكومات المنتخبة! وعبدالعزيز عسيري وجه كلامه وكتابته للسدحان مباشرة في موقع الأخير في تويتر: (هذا التصريح وأنت أمين عام مجلس الوزراء. فماذا كنتَ ستقول لو كنتَ وزير الداخلية؟ هل ستقول: من أنتم؟). وعلق سارية الجبل: (طيّب اخمدوا الفتنة، واعطوهم حقهم. يخرب بيتكم. تدوسُوهُ! وإذا صرخَ تقول له: فتنة).

أيدت نادية كردي السدحان بتهكم فالأجدر أن: (تكتب معروضك وتصوّر هويّتك، وتدبّسهم، وتعطيها جدّك يروح يجلس عند رجل الأمير يشحت لك مكرمة)، وأيدها في ذلك سلطان ولكن بمقاربة مختلفة: (أكيد هاشتاق الراتب واجهة للفتنة.. لأنه عندما يسرق الحرامية أموال الفقراء، فهذا من كمال الإيمان)؛ وتميم سخر: (الفتنة ما تطلع إلا لما يطلب أحد بحقوقه، وما نسمعها في قضايا الفساد والشبوك). وتأفف محبّ الحرية فقال: (الله يأخذكم يا مسؤولي الفتنة، ويأخذ شيوخ الفتنة قبلكم! حقوقنا في نظركم فتنة يا لصوص).

(وجودكم وسكوتكم عن الفساد اللي حاصل في الدولة هو الفتنة. مطالب الشعب تسمى حق). انها تغريدة ممتازة لاحداهن. وإزاء الهجوم الكاسح على السدحان امين عام مجلس الوزراء، فإنه اتجه لموقعه على تويتر ليشرح موقفه ببضع تغريدات ملخصها: (فهمتموني خطأ)! يقول: (أتمنى من الأخوة المواطنين فهم القصد والبحث عن الحقيقة؛ والله اني اتمنى الخير لكم). كيف تتمنى لهم الخير وانت مصرّ على انك تحدثت (عما يهم الوطن أمنياً وما يجب أن يكون عليه؛ لا ان ينجرف وراء أناس ليس لهم مصلحة الا تدمير الوطن)؟ نحسدك على هذا العلم، وإقحام نفسك في شأن وزير الداخلية الأسبق الذي عيّنك!

كويتب يتهمنا بالجهل والتحريض

 على خطى السدحان كثيرون، خاصة من بين الصحفيين، وكان آخرهم الصحفي المبتديء في جريدة الوطن علي الخبتي، الذي نشر مقالا مطنطناً دعائياً بشكل فج ولم يخرج عن الرواية الرسمية بأن هاشتاق (الراتب ما يكفي الحاجة): تحريضي ووراءه تخطيط جهنمي وآراء مغرضة وجهل واثارة فتن ومخططات ضد استقرار البلاد!. فكان ان ولد هاشتاق الكويتب هذا وصار هدفاً للنشّاب من الأكثرية التي لاتزال تنتظر زيادة الرواتب!

الصحافي ابراهيم القحطاني علّق: (وِشْ هالديرة اللي كل شيء فيها تحريض؟ ليه البعض يصرّ على أن وضع البلد ماشي بالبركة، وأي توعية أو مطالبة ستهدمه؟). مغرد قال اذا كانت الدعوة السلمية الحضارية في هاشتاق بتويتر تعتبر فتنه، وتحريض من قبل كتاب ومشايخ ووزراء، أليس هذا هو الذي سيؤدي الى المظاهرات؟. اما رحمة محمد فقالت بأنه (كلّما قَرُب العيد، ارتفع صوت الدفوف)، لكن هناك شيء يغيظ فعلاً كما يرى عادل الحربي: (متى يعرفون أن الناس بدأت تفهم سالفة «مغرضين يسعون لزعزعة الأمن»؟ بطلوها!).

الدكتور فارس قال بأن المواطنين أصناف: (إما تحريضي، أو جاهل، أو تكفيري، أو خائن. وأنا أسأل: ألا يوجد مواطن صالح بيننا؟). الكويتب مسيّر وليس مخيراً وليس لدينا اعلام حر، كما قال المغرد السلمي؛ ونال الاعلام السعودي نقداً هائلاً، وكذلك صحيفة الوطن التي يكتب فيها (كويتب). قال فهد الشمري: (صحفنا مليئة بالعفن والخبث. تجاوزها الزمن كثيراً). وعبدالعزيز المطيري يقول انه حين يكون الاعلام بوقاً لقصر السلطان تسقط الثقة به؛ فقد صارت التهم المريضة نغمة يتقرّب بها أهل النفاق الى صانع القرار ،  واتهمت اسماء العبودي (كويتب) بأنه يتسوّل هنا بطريقته.

العسّاف: بَمْشي وأخلّيكم

وزير المالية بنفسه، وفي احتفال تدشين قطار الرياض، قال للصحافيين: (لا تسألوني عن شيء غير مشروع القطار وإلاّ ذهبتُ وتركتكم). فهو لا يريد ان يسأله احد عن زيادة الرواتب، وربما كان ضعيفاً في التملّص من هكذا أسئلة فجاءت تهديداته. هذا الردّ حوله المغرّدون الى هاشتاق في تويتر يهاجمونه فيه.

سخر المغرد سعيد الناجي فقال: (إعفاء العسّاف من الوزارة تعادل عند المواطنين زيادة في الراتب ٥٪). وبن عمره رأى في كلام الوزير مصادرة لحق الإعلاميين حتى في السؤال. وكثيرون قالوا تعليقاً: ياليتك تمشي من الوزارة، وتساءل فيصل المشوح: (من الذي صنع هذا الهيلمان والإستعلاء في نفوس الوزراء. لماذا يرون اسئلتنا ساذجة ويعتقدون اننا لا نستحق الإجابة). حسب سنيار فالعساف (مجرد موظف بدرجة وزير تحت ادارة النظام لا يستطيع التحرك قيد أنمله، وكل قراراته توجيهات من النظام وخلعه يأتي من النظام).

صحيح ما يقوله فايد العليوي بأن الأمراء ينتقون المسؤولين انتقاء، وباللهجة الشعبية: (ينقّون المسؤولين نَقْوَه. ويتعبون عليهم)، ولكن قد يكون صحيحاً ايضاً ما يقوله عزّوز بأن العسّاف وُضع في وجه المدفع للشتم والسبّ وما هو إلاّ عبدٌ مأمور. ربما أخطأ فاذا لم ينتقي الوزير كلماته (سينمسح فيه البلاط)! تدرون؟ المشكلة الحقيقية هي في الرأس. جابها لكم الكاتب والناشط علي آل حطاب: (الإصلاح السياسي هو أول الإصلاحات وأهمها). والمعنى: اتركوا عنكم الوزراء الضعفاء، وانشغلوا بالذين هم فوق!

الصفحة السابقة