ما هو هذا الوطن السعودي، ولمن الولاء؟

توفيق العباد

هل كان صاحب الهاشتاق (# اكتب كلمة لوطنك) خبيثاً أراد أن يستجلبَ تعليقات خشنة ضد الحاكمين؛ أم أراد عكس ذلك، أن يستجلبَ مديحاً لهم، وذلك اعتماداً على المفهوم الملتبس عند كثير من المواطنين بين مفهوم (الوطن) و (نظام الحُكم) بحيث يصبح أي مديح للوطن، مديحاً للعائلة المالكة؟

لا نظن أن هناك شعباً من الشعوب وُجد لديه التباسٌ عميق في مفهوم الوطن والوطنية والإنتماء الوطني مثل السعوديين، حيث تكشف التعليقات عن الخلط الواضح بين مفهوم الوطن ونظام الحكم؛ وبين صحة الإنتماء والولاء الوطني من جهة وبين الولاء السياسي للعائلة المالكة؛ فيجرّد المواطن من وطنيته ومن مواطنته بمجرد أن يكون لديه اعتراض على النظام.

ترى مَنْ يُخاطبْ هذا المواطن المغرد: (نحن هنا. ألا تسمعوننا؟ نصرخ ونتألّم؟ أيُعتبر كلامنا رثاءً لأموات؟ أم في هذا الوطن معدومةٌ الأصوات؟). ولمن يطلق عبدالله الشمري آهاته: (آه يا وطني، قد تكفي هذه الصرخة عن طول الكلام وقُصره). أليس صحيحاً ما يقوله فواز أحمد الملقب بـ (سنيار) من أن مفهوم المواطنة متجسد بالسلطة؛ وان السلطة مختزلة بأشخاص، وأن مدحهم يحدّد معنى الولاء للوطن، وأن نقدهم خيانة؟ لماذا يخاطب المواطنون الوطن وكأنه شخص؟ ماذا يعني: (أُحبّك.. رغم يقيني بأنها قصّة حبّ من طرف واحد)؟! كما تفعل أماني العوّامي. والى من يرسل جابر رسالته: (الوضع ما يطَمّنْ). ونافع الشمّري، ألم يقصد بالوطن من يحكمه، فقال: (نُجيرُكَ في ساعة الوغى، فأجرنا في ساعة الرخاء). الدكتور عبدالمحسن هلال، يفهم معنى الوطن، لذا غرّد بالتالي: (متى أراك وطناً؟). حقاً: متى تصبح المزرعة وطناً، ويصبح الرعيّة مواطنين؟

ابراهيم غرّد ففصل بين الوطن ومن يحكم الوطن. الوطنُ بأهله وأرضه. يقول: (أحبك يا وطني، رغم الهيمنة والتعسّف الذي يمارس عليك). وكأنه يريد الهجرة لولا أنه وطنٌ مختلف! وعبدالعزيز الرخيمي هل قصد بالوطن المواطنين حين قال: (إنكَ تعشقُ من يسرقك)؟. كثيرون قالوا كلاماً سلبياً عن (الوطن السعودي) وربما كان قصدهم النظام، فمن لا يستطيع النيل من الحمار، يضرب البردَعةْ.

إسراء العوهلي تقول انها طابت نفساً من وطنها، عافتهُ أي كرهته. ومثلها دانا التي تقول بانها لا تطيقه ولا هو عرف أن يطيقها. والعُمري يقول: اغربْ عن وجهي. والمغرد المفكر يخاطب وطنه: (لا جوّْ؛ لا فلوسْ؛ لا فيلا؛ لا وظائف؛ لا حقوق. وشايفْ نفسكْ بَعَدْ!)؛ وفايز المطيري ينهر وطنه: ابتعد ماريدَكْ!

لماذا هذه القسوة؟ الجواب باختصار: لأن من يعيشُ فيه لا يتمتع بحقوق أو بحياة كريمة. هل هذا مبرر؟ الجواب: هو ذاك الى حدّ كبير.

خالد الدرعان يرى أن هناك توازناً بين الولاء للوطن وحقوق المواطن فبمقدار ما تعطيني أعطيك! وحمود الشمري يؤمن بهذا التوازن: (أعطني الحرية، أُعطيكَ الوطنيّة). ما هو هذا الوطن حسب فواز: (عندما تتوقف وظيفتي على واسطة؛ وعلاجي على أمر ملكي؛ ورزقي على شَرْهَهْ؛ وبيتي على منحهْ). كيف يكون وطناً للمواطنين وهو قد غيّروا اسمه وثرواته وسجّلوها باسمهم. هذي بلادٌ لم تعُدْ كبلادي. كيف يصبح وطناً شعاره سيفان ونخله كما يقول المغرد عيد: (أكرمتنا بالسيف وأكرمت غيرنا بعذوق النخيل)؟ كيف يصبح وطناً والمواطن لا يملك فيه بيتاً، وعليه لا يستحق الولاء كما تقول الجنوبية. ولكن: (ما أشقى الوطن الذي تعجزُ أنهاره عن إرواء بنيه).

لاما القطيفي ترى الوطن كما المواطن ضحية، ويبدو أنها لا تقبل بعلاقة المنفعة حتى ولو كان الوطن سجناً كبيراً، فمتى نتحرر وتتحرر معنا. قد يظهر من تغريدات المواطنين ان الموطن مجرد (مسافر خانة/ نزلاً/ او فندقاً) او مكان استرزاق، والمنفعة هي الحكم في العلاقة مع الحاكم كما مع الأرض وأهل الأرض. ولكن يمكن قراءة الأمر من زاوية الأثر القائل: (خير البلاد ما حَمَلَكْ) وأنه بدون توازن في الحقوق والواجبات يصبح مفهوم الوطن بالياً، يهربُ منه أهله ويتمنون ذلك حقاً، وما أكثر التغريدات في هذا الجانب.

خلود العلوي تقول بأن المواطنين تائهون، وانه بدون العطاء لا يمكن الشعور بالإنتماء الوطني؛ وتشكو مها الشهري بأنها لم تشعر يوماً بالإنتماء لوطن، وأنه (ليس هناك أسوأ من غربة الإنسان عن وطنه، سوى غربتهُ فيه). فعلاً، ما أقسى ذلك. الثمالي يرى أن ما يبقيه في الوطن هو وجود عائلته فقط وإلا (كان هَجّيتْ من زمان). والمغرد المختار يقول ان حب الوطن يمنعه من الهجرة من الوطن المليء بالفساد والظلم. في حين تعتذر سماهر في هربها منه: (سامحني أُبيْ أهجّ منكْ. أبي أنحاشْ). وتصرخ ريم القحطاني: (سفّروني وأكون لكم من الشاكرين). لكن ليس أقسى على المرء أن يولد في وطن ويصبح بلا هويّة، (بدون) حسب التعريف، (اعلم يا وطني أنّي بلا وطن. فداخلكَ أُدعى مهاجر، وخارجكَ أُدعى أجنبي. وطني عبارة عن ورقة أجدّدها كل سنتين). تقصد تمديد الإقامة.

المواطنون يبحثون عن حقوقهم حتى يشعروا بأنهم في وطن حقيقي؛ حتى مع التخلّي عن الكرامة والحقوق السياسية، فإن أبسط من ذلك لم يتحقق. هم يبحثون عن حقهم في الثروة: تقول احدى المغردات: (أبي/ أي أريد/ برميل النفط حقّي)، او (أبي فلوس)؛ فلا يعقل أن يكون خير الوطن لغير المواطن، والشقاء والعناء له؛ حتى صار يتمنى ان يناله نصيب من الثروة مثلما نصيب دول أخرى وصلتها الهبات السعودية. (٢٩) والمواطن الحربي يقول بانه أدى ما عليه تجاه الوطن أو النظام في الدفاع عنه ولكن (نريد حقوقنا المسلوبة، نريد القضاء على الفساد)؛ وربط عبدالله العزام بين حبه (لولاة الأمر) وبين حقه: (شوفوا أنا أحبكم، بسْ اعطوني خمسة براميل. طيّب برميلين؟ برميل واحد؟ طيّب علبة بيبسي فيها نفط مغشوش؟ خلاص ما أحبكم).

الصفحة السابقة