مملكة الضياع تسير الى حتفها

محمد شمس

شعب غير متفائل

(#المملكة بعد عشر سنوات)، هذا هاشتاق لا يعتمد التحليل فقط لما سيكون عليه المستقبل، بل أنه يكشف عن الآمال والآلام والإحباطات الكامنة وراء كلماته، ووراء توقعات المغردين.

الطموح لمستقبل أفضل صفة المتفائلين، والخشية من مستقبل أسوأ صفة يائسين من واقعهم الخائفين من تمدده الى حقب قادمة. فهل كان المغردون السعوديون متفائلين بمستقبلهم ومستقبل بلدهم؟ الأكثرية لم تكن كذلك، فالرأي السائد هو ان البلاد يكتنفها الجمود ولن تتغير الى الأحسن، وهناك من اعتقد بأنها تسير في منحدر الى الأسوأ القادم.

هل ستكون هناك مملكة بعد عشر سنوات؟. يتساءل فايز العديم ويجيب: الله أعلم بالمستقبل، لكن الوضع لا يطمئن. إن أصل وجود الدولة على حالها القائم امرٌ مشكوكٌ فيه، والمغرد السلفي (وحيد الجزيرة) يعتقد بأن المملكة ستتحول على الأرجح الى (خلافة اسلامية) ربما على الطريقة القاعدية. مغردون توقعوا أن تزداد قوة التيار السلفي المتطرف رغم أقلّويته، فيصطدم مع العائلة المالكة ويقضي على اعدائه ومنافسيه. وعاصم يرى أن عقاب الله قد وصل لمملكة آل سعود، وان الشعب سيذوق عدم الإستقرار والجوع،  (ضربَ الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً، من كل مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

وتوقع المغرد ناصر الفريدي أن تتقسّم السعودية الى أربع مناطق لها حكم ذاتي في غضون السنوات العشر القادمة. في حين ستقود المرأة السيارة في ذلك الوقت، كما تقول نادية السعيد، وستكون زوجات من يحرم القيادة اليوم هم في طليعة الركب يقودون الرولزرويس والبورش!

خالد ابا الخيل متفائل، فستكون هناك انتخابات بلدية وتشريعية، وسيعتصم الجاميّة، اي مشايخ السلطة، احتجاجاً على خسارتهم إياها.

مغردون توقعوا ان يسوء الوضع الإقتصادي بعد عشر سنوات الى حد ان المغرب ولبنان ستشفقان على السعودية وتتبرع لشعبها، بعكس ما هو حاصل الآن. وحينها قد تجد الأمراء يؤسسون شركات تبيع للمواطنين (الفيزا) للعمل بالخارج.

بيد أن الجمود والتخلف سيكون سمة السعودية الآن أو بعد عشر سنوات. ولربما جرّت الرياض غيرها بحيث لا تكون هناك حقوق او دستور او برلمان أو إصلاح. المغرد عزوز يتوقع استمرار نفس المشكلات وذات الخطاب السياسي، وربما اتجهت البلاد الى مزيد من البطالة والفقر والاستبداد وانتهاك حقوق الانسان.

 سعوديون ينصحون بعضهم البعض!

(#السعوديين ودِّكْ تاخذهم على جنْبْ وتقول لهم). الناصح ومن تُسدى له النصيحة يعيشان في بلد واحد؛ ولكن أكثر المثقفين في السعودية خصوصاً اولئك الذين يتعاطون مع الشأن العام، يشعرون بأن مجاميع كبيرة من الشعب تبدو وكأنها معوّقة، مختطفة العقل، متطرفة في تفكيرها، ما يجعل تغيير الأفهام أصعب من أيّ بلد آخر. هنا تغريدات توضح تلك العقلية التي قال كثيرون انه لا يفيد فيها النصح.

المغرد الرويلي يقول لأبناء جلدته: (ما كلّ من قال أنه يحكم بالشرع صادق ويطبق ما يقول) في اشارة الى امراء العائلة الحاكمة، ويضيف: (ولا كل صاحب لحية مُخلصٌ أومُخلِّصٌ). ويقصد وعاظ السلاطين. ولأن السعودي يبادر الى ما يسميه بالجهاد خارج الحدود مع أول دعوة، يهمس المغرد كريموف ساخراً في اذن السعوديين: (السودان تناديكم يا أسود الجهاد، مثلما حدث مع سوريا فانطلقوا)! في حين ان ثامر يريد ان يوصل هذه الفكرة لكل مواطن: (لا تتكلم عن حرية مصر وسوريا في حين أنك عبدٌ في وطنك). يعني تريد ان تجاهد فأمامك نظام العائلة المالكة. فأنتم تعيشون ـ حسب لمى القطيفي (في أكثر الدول المستبدة والظلامية، ومع ذلك تطالبون بالحرية لسوريا! ما هو نظامكم؟).

أفنان تنصح: (كونك سعودي لا يعني ان لديك بطاقة تميّز لدخول الجنّة)؛ ونادية تقول  لنظيرها المواطن: افتح مخّك وشغّلهْ، فحين أقود السيارة لا يجعلني ذلك كافرة أومنحرفة. أما فاتن الشمّرية فتفسر للسعوديين لماذا تكرههم كل دول العالم، انه ليس بسبب فلوسكم، فهذه شيلها من بالك، انهم (يكرهونكم بسبب أخلاقكم الوقحة). اما المغرد القطيفي فيقول لنظيره: (الوطن لي ولك، وللكل، وليس لآل سعود..). وأخيراً تعود لمى القطيفي لتؤكد لنظرائها في المواطنة: (الدولة البوليسية لا تحفظ الأمن؛ والمؤسسة الدينية لا تحفظ الشرف؛ والسياسة لا دين لها. من يضحي بحريته من أجل أمنه، فإنه لا يستحق الحرية ولا الأمن. طبعاً هذا حالكم وأنتم تصيحون: أمن وأمان)!

التهمة: إخونجي!

 كذبة كبيرة زعمتها صحيفة الوطن، تقول بأن رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ تعرض لمحاولة اغتيال دهساً بالسيارة وهو خارج من صلاة الفجر! لتواصل بعده المباحث واجهزة الأمن الأخرى لتتهم من أسمتهم بـ (اخوان السعودية) بأنهم من دبّر الأمر، وانهم يحقدون على آل الشيخ بعد أن طردهم من جهازه القمعي التابع للداخلية.

الكذبة كبيرة، وهي مجرد زعم، ولم يقل احد انه قد تم اعتقال أحد، ولا رئيس الهيئات اصيب بخدش في جسمه، ولكنها حملة منظمة ضد معارضي آل سعود، بحجة الميول الإخوانية التي أصبحت تهمة شبيهة بتهمة الإرهاب او الإنتماء للقاعدة والتي على أساسها تم الزجّ بكل اصلاحي في السجن.

الهيئة نفت الخبر، ورجت الصحيفة التأكد قبل النشر، واخذ الخبر من مصدره. مع هذا يصرّ رئيس التحرير وهو من آل الشيخ أيضاً، بأن اكد الخبر وان لديه الاثباتات التي لم تظهر حتى الآن. وحين اعترض عليه احد المغردين أقسم طلال آل الشيخ بالله أن الخبر موثق وصحيح وانه لا يهمه سوى نقل الحقيقة فقط.

المغردون في تويتر تناولوا القضية بالتعليق في (#محاولة اغتيال رئيس الهيئات) على هذا النحو.

عصام الزامل اعتبر اختلاق مثل هذا الخبر غباء شديداً، لأنه يطبّع فكرة الإغتيالات في العقول لتصبح واقعاً. والصحفي محمد معروف الشيباني زاد بأن التلاعب بالأخبار تقويض للسلم؛ في حين حذّر عبدالله المالكي من الإستسهال في اشاعة الأخبار السخيفة لانه يساعد في تطبيعها فيصبح المسؤولون مهددين بالإغتيالات.

عموماً فالخبر يواكب موضة الهجمة الموحدة على الإخوان في المنطقة؛ وغرضه: (تلميع رئيس الهيئات) ويشير الصحفي تركي الروقي الى أن الغرض من نشر الخبر له علاقة بفشل رئيس الهيئة؛ وليلى الخليفة، ترى أن الهيئة دولة داخل دولة، وان وجودها خطر على الأمن القومي، وان الخبر غرضه تسليح رجال الهيئة (علشان تكمل).

اليوم الوطني

في ٢٣ سبتمبر مرّت ذكرى (اليوم الوطني) الذي بُديء الإحتفال به شعبياً في السنوات الأخيرة. وكما في كل عام، فإن الجميع يستكمل أو يستعيد الجدل القائم حول شرعية الإحتفال باليوم الوطني، فلازال مشايخ السلفية، يحرمون الإحتفال به، باعتباره عيداً غير مشروع، ولا يوجد إلا عيدان (الفطر والأضحى)، وحتى بعد تغيير الإسم من العيد الوطني الى اليوم الوطني، لازال التحريم قائماً عند الأكثرية من المشايخ، رغم أن مفتي النظام، وعلماءه الكبار القدامى حسموا الأمر بحرمته، ولهذا كان الإحتفال يجري في السفارات السعودية في الخارج فقط.

التفّ النظام على الأمر، وضغط على المفتي الحالي، فأفتى بإباحته، وعدّه (يوماً للطاعة، وشكر النعم)! انه التفاف على الإجماع الوهابي، لم يغير من قناعة الأكثرية السلفية في المملكة، وإن كانت هذه الأكثرية تمثّل أقليّة بين مجموع السكان الذين ينتمون لمذاهب مختلفة لا ترى حرمته.

هذا العام، كما كل عام، استُعيدت الفتاوى بالحرمة، واستعيد الجدل من جديد.

صالح ابو عرّاد أراد أن يكحّلها فعماها. كتب مقالاً اقترح فيه صيام يوم العيد الوطني، وهنا نصح هيثم طيب، بقراءة فتوى فضل صيام اليوم الوطني، ولكن تمنع القراءة لمرضى الجلطة والقرحة. عمر المقبل ذكّر جمهوره بأن أئمة الدعوة الوهابية السلفية قد حرّموا الاحتفال باليوم الوطني، وطعن بما اسماه منكرات تحدث أثناء الإحتفال. والشيخ يوسف الأحمد أخرج من كنانته مقالة كتبها حول: (أدلّة تحريم إقامة الإحتفال باليوم الوطني). وناصر العمر ندد (باستحداث يوم بدعي للرقص والإخلال بالأمن). وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ الفوزان، دعا الآباء الى تغييب أبنائهم عن حضور منكر احتفالات اليوم الوطني.

اذا كان مشايخ السلفية يحرّمون الإحتفال باليوم الوطني، فلماذا لا تحتفل به الأكثرية الشعبية التي لا ترى رأيهم؟

الأسباب عديدة، فالوطن ضائع ولا توجد ثقافة وطنية في الأساس. المهندس خالد المتعب يقول: (لن أحتفل باليوم الوطني حتى أجدَ الوطن)، وسناء البدر ترى الإحتفال باليوم الوطني يمثل تأييداً للنظام وفساده، في حين أنها تبحث عن شجعان يقولون: (نريد وطناً لنا). ليس هناك وطن يحتفى به، وبالتالي لا ولاء له، وعبدالعزيز السلمان لن يحتفل باليوم الوطني قبل ان يشعر بأن الولاء صار له قبل القبيلة والمذهب. إذن هي الثقافة الوطنية الغائبة، وهو التمزق الإجتماعي الذي يبقي البلاد مزرعة لولاة الأمر.

اذن هو وطن مختطف او مسروق: (نحن غرباء في هذا البلد، فلا يحق لنا أن نحتفل معهم). أي أنه يوم آل سعود، يحتفلون به لأنفسهم، أما نحن، فإنجازاتنا عطالة وبطالة وغلاء، فلم نحتفل؟ والطبيبة ريما ترى بأنه ليس احتفالاً بيوم وطني، وإنما بدولة مناطقية نجدية همّشت تراث جميع المناطق الأخرى وثقافاتها وتاريخها ولهجاتها ليكون سكانه غرباء بوطنهم.

إذن.. هل الوازع الوطني عند السعوديين ضعيف؟

نعم.. هذا ما قاله الملك ذات مرة موجهاً كلامه لآباء حضروا مجلسه: (وطنية ابنائكم ضعيفة).

أصبحت هذه اللاوطنية (ان شئتم) مسلّمة، فكان هذا الهاشتاق (#أسباب اللاوطنية عند السعوديين)، مع أن تعريف الوطنية مختلف عليه، فالملك كان يعني بضعفها تحديداً هو ضعف ولاؤهم السياسي للعائلة المالكة. حيث يختلط مفهوم الوطن بالعائلة الحاكمة، وحيث من يوزّع شهادات الوطنية هو أبعد الناس عنها، خاصة الأقلية المناطقية المتحكمة بمقدراتها، والتي لا تريد شعوراً وطنياً يساوي بين أفراد الشعب، ويجمعهم على كلمة سواء قد تفضي الى تغييرات سياسية عميقة. وهو رأي يعتقد به الدكتور الإصلاحي متروك الفالح في دراسة التي نشرت بعد احداث سبتمبر والتي تشير الى احتمالية انهيار الدولة السعودية.

لماذا كان الشعور الوطني ضعيفاً؟ هناك أسباب عديدة يجملها الناشطون والمغردون والمفكرون على النحو التالي:

الإنتماءات الفرعية سبب أساس، كما يقول المغرد عربي حر، كالقبلية و الطائفية، اضافة الى سبب انتشار الفساد الذي يؤثر على الولاء الوطني، اضف الى ذلك التمييز بين المواطنين من حيث اختلال تكافؤ الفرص. والمغردة التميمية ريف تقول بأن المواطنين لم يشعروا يوماً بأنهم مواطنين حقاً. انهم يعاملون كلاجئين، وما يقدم لهم ليس حقوقاً وإنما مكرمات من العائلة المالكة. فكيف سيكون لديهم شعوراً وطنياً؟

المغرد الزهراني يرجع غياب الشعور الوطني الى عدم وجود دولة قانون ومؤسسات، وصارت الحكومة (اي العائلة المالكة) هي الدولة والمستفيدة من خيراتها. ويرى بأن الولاء اذا ما رُبط بالحكومة فإنه زائل بزوالها، وأن الولاء الحقيقي يجب ان يكون للوطن. وتعتقد سارة ان تسمية المواطنين بـ (سعوديين) ونسبتهم للعائلة الحاكمة، هو سبب ضعف الشعور الوطني، إذ يفترض ان ينسبوا الى وطنهم وليس الى من يحكمهم. وهذا هو رأي سالم سداح: (فمجرد تسميتنا سعوديين كفيلٌ بسرقة انتمائنا وهويتنا ووطنيتنا).

ويعتقد الدكتور عبدالله الفارس بأن وطنية الحكام مشكوك فيها، والسؤال يجب ان يوجه اليهم: هل تشعرون بالوطنية؟ اثبتوا ذلك! وهذا رأي يقارب رأي مها التي ترى الوطن مجرد أمير يأكلُ الأخضر واليابس، وترفرف معه عصافير الإفتاء بالطاعة لولي الأمر، مع قانون يغيّب أي متسائل عن الحق.

يركز المغردون مثل المغرد حسين على خلخل في المفاهيم أدّى الى تذرّر المفهوم الوطني. حيث تم تحويل مفهوم حب الوطن والإنتماء اليه الى مجرد ولاء للحاكم. وسامي العتيبي يرى أن المواطن يشعر بالعبودية، لأن الوطن اختزل في أسرة امتلكت البلاد والعباد.

وبالنسبة للكاتب علي الشرياوي، فإن غياب الإنسانية وتضييع كرامة المواطن، هي السبب في عدم حضور الوطن في وجدانه؛ ولذا فهو يشكك في وجود وطن بالمعنى الحقيقي: فقبل السؤال عن أسباب اللاوطنية عند المواطنين يجب أن يتحقق اولا من وجود وطن قبل المواطنة.

غياب العدالة في توزيع الثروة والحرمان من أبسط الحقوق المدنية وتحويل البلاد الى إقطاعية خاصة بالأمراء سبب آخر في ضعف الوطنية. فما قيمة وطن بلا أمان وبلا قانون وبلا مسكن وبلا سرير للعلاج، وبلا وظيفة وفي ضوء الفقر المدقع؟ وكيف يكون وطناً وتكون هناك وطنية وأنت تعيش في إقطاعية خاصة، وفوق ذلك تتحمل عنجهية صاحب الإقطاعية من فقر وبطالة وتمييز ممنهج واستعباد؟

ثم كيف يكون هناك شعور وطني قوي، والمواطن مهمش سياسياً، في ظل نظرية الشيوخ أبخص. الشعور الوطني حسب الجعفري يقوى حين تكون هناك مشاركة شعبية في صناعة القرار.

الوهابية المتطرفة ومناهج التعليم والخطاب الديني تتحمل مسؤولية ايضاً في إضعاف الروح الوطنية، لأنها لا تقدم سوى العنصرية والطائفية وتمزق المجتمع، فكيف يكون هنالك شعور وطني؟ وكيف ينمو الشعور الوطني في ظل الطعن في عقائد المواطنين واعراضهم واتهامهم بأنهم خونة وعملاء؟

باختصار: سبب ضعف الوطنية هو أن الوطن ثوبٌ مفصّلٌ على مقاس ثلّة معينّة ولا يتناسب مع طول وجسم بقيّة الشعب. كما يقول غنّام الناصر.

الصفحة السابقة